الخميس 25-04-2024 10:56:44 ص : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

معارك الجبهات الأخيرة.. الحوثية تنتظرها الضربة القاضية

الأحد 28 مارس - آذار 2021 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت-خاص-توفيق السامعي

 

مثل اشتعال الجبهات المختلفة في وقت واحد صدمة كبيرة لدى مليشيا الحوثي ما أصابتها بالارتباك وشدة الخسائر إضافة إلى تراجعها الميداني، كما هو الحال عندما يوجه الملاكم ضربته في رأس الخصم يصيبه بالدوار وعدم الاتزان إما أن يلحق لكمته بأخرى ليسقط خصمه أرضاً وإعلان الانتصار، أو يترك له مجالاً لالتقاط الأنفاس ويخوض معه جولة أخرى قد لا تتكرر معها فرص النصر الأولى.

اشتعال الجبهات دفعة واحدة

منذ انقلابه على الشرعية والدولة في 21 سبتمبر 2014 وبعد قيام عاصفة الحزم وخوض المعارك الميدانية، لم تواجه المليشيا الحوثية مواجهة شرسة ومستميتة كالمواجهات التي تلقاها اليوم في جبهات مارب المختلفة أو في جبهات تعز وغيرها.
فمن المعلوم أنه كانت خلال الفترة الماضية ما إن تشتعل جبهة من الجبهات حتى تهدأ بقية الجبهات الأخرى؛ تشتعل مارب فتهدأ الجوف والبيضاء والساحل والضالع وتعز، والعكس صحيح؛ تشتعل الجوف فتهدأ مارب وغيرها من الجبهات، أو تشتعل تعز فتدخل الجبهات الأخرى في سبات عميق، وهكذا يصير الحوثي في نظر الجميع هو من يشعل الجبهات أو من يرقدها، مما عكس صورة سيئة للشرعية لدى عامة الشعب، وقد لا يدرك الجميع الأسباب الكامنة وراء كل ذلك، وقد يكون أيضاً وضع الشرعية وقلة مواردها في دعم الجبهات دفعة واحدة واردة على كل حال.
في المواجهات الأخيرة اشتعلت كل الجبهات فأصابت المليشيا بالارتباك وانفرط عقد التحكم من يدها؛ واستنزفت في جبهات مأرب كما لم تستنزف من قبل منذ حروبها الست الأولى وحتى اليوم، فخسرت قيادات كبيرة، والتهمت المعارك أعداداً كبيرة وكبيرة جداً من عناصرها القتالية، وصارت مارب محرقة لهم بكل ما للكلمة من معنى.
يركز الحوثي بكل قوته على مارب نظراً لأهميتها الاستراتيجية كمحافظة غنية بالموارد الطبيعية من ثروات نفطية وزراعية مختلفة، وكونها تمثل قلب الشرعية النابض ورمز السيادة اليمنية والحكومية، فجلبت إليها معظم عناصرها وإمكانياتها القتالية من مختلف الجبهات الأخرى، وعقدت اتفاقات سرية بينها وبين جبهة الساحل في عدم المواجهة والتفرغ لمارب.
أدى لسحب عناصرها وكثيراً من قناصاتها من محافظة تعز إلى مأرب فرصة لا تعوض لمحافظة تعز التي اغتنمت الفرصة فانتفضت سريعاً وحققت انتصارات هامة في الجبهة الغربية والجبهة الجنوبية.
كانت قراءة صحيحة للموقف واستشراف للمستقبل من جبهات تعز فكان لها ما أرادت وكالت الصفعات المتوالية للمليشيا الحوثية، وصار النصر قاب قوسين من جبهاتها المختلفة.

اشتعال هذه الجبهات في وقت واحد يعطي أهم دروس المعارك الحربية وهو أن تعرف عدوك وتقرأه عن كثب لتوجه إليه الضربة القاضية ولا تعطيه مجالاً لالتقاط الأنفاس والانتصارات تحين للفرص وتسلل من مواطن الضعف.
خلال الأيام الماضية بدأ العدو الحوثي يترنح ولم يبق إلا أن توجه له الضربة القاضية دون تراجع أو تلكؤ أو تباطؤ وإلا فإن كلفة الحروب القادمة أشد وأسوأ مما هي عليه اليوم.
الضغوط الدولية الجارية حالياً على الشرعية والتحالف في إجراء مفاوضات مع الحوثية، وإيقاف الحرب أو الاصطلاح على هدنة معينة، وإيقاف الحرب لدواعٍ إنسانية هي الشفرة الحقيقية لدعم الحوثي والمحافظة عليه كما في كل مرة، وهي محطات ودروس كما كان في الماضي من إنقاذ للحوثية لاستعادة الكرّة من جديد والحفاظ عليه من السقوط، لتظهر الحوثية في مظهر المنتصر، وهو ما لا ينبغي للشرعية أن تقع في ذات الأخطاء كما في كل مرة.

الإلتهام البطيء

هذا النوع من إدارة الحروب، وخاصة ما عايشناه في هذه الحرب منذ عام 2012 وحتى اليوم، هو نوع من أنواع الالتهام البطيء للأرض والدولة.
في كل مرة من الزمن الماضي لم تكن توجد مواجهات حقيقية كما هو عادة الحروب من تحرك قوات الأرض للزحف الميداني يصاحبه طلعات جوية ممهدة تضرب أهم الأهداف الاستراتيجية للعدو، وتكون الدولة بكل مؤسساتها والشعب في حالة استنفار دائمة وحالة تعبئة عامة، وما كان يجري فقط كان نوعاً من الحروب الصغيرة التكتيكية أو المناوشات العابرة، بينما الحوثي يحشد كل إمكانياته وقوته للهجوم واقتضام المناطق منطقة بعد أخرى.
عزز من هذا المسار رعاية دولية وإقليمية للمليشيا ما إن يتحرك الجيش والشرعية والتحالف بشكل قوي للارتقاء بالمواجهة حتى تأتي الفرملة السريعة دون إعطاء الفرصة للجيش للرد أو التحرير لما تم احتلاله فتعقد صفقات الهدن والمفاوضات الدولية تلتزم بها الشرعية والتحالف بينما الحوثي لا يلتزم بأي منها ويتم تثبيته على ما تحت يديه من الأراضي مما يكسبه قوة التفاوض وشرعنة المواقف ويصير مع هذا التهام بطيء للدولة والانتقاص من أراضيها.
فبعد اتفاق استكهولم مثلاً تم إخماد تحرير الحديدة التي كانت فيه القوات قد توغلت في أول أحيائها واقتربت من التحرير فتمت الضغوط على الشرعية وقام الحوثي بهجمات مرتدة أعادت تلك القوات جنوباً بضعة كيلو مترات وصارت تتراجع شيئاً فشيئاً إلى ما دون منطقة كيلو 16 المعروف على بوابة الحديدة الجنوبية.
هو ذات الأمر حصل للشرعية بينما كانت تقف على عتبات العاصمة صنعاء في بني حشيش وأطراف نهم كانت الضغوط على الشرعية دون توقف حتى لا تحقق المزيد من الزحف والانتصارات، وتم إيقافها على أعالي جبال نهم ليس لعجز منها ولكن بفعل رعاة المليشيا الحوثية الأخفياء باسم الإنسانية والمجتمع الدولي.

يحقق الجيش اليوم تقدمات كبيرة في جبهات عدة من الجوف ومارب وتعز وإذا بالأصوات المتعالية لإيقاف الحرب والخضوع لجولات جديدة من المفاوضات بينما لا يتم الضغط على الحوثي لإيقاف عدوانه على مأرب بالصواريخ الباليستية ولا على مخيمات النازحين ولا بترك زحفه البري على المحافظة والمدينة التي تؤوي قرابة ثلاثة ملايين يمني ما بين نازح ومهجر ورافد للشرعية وسكان أصليين، فضلاً عن الضغوط عليه للتراجع إلى أماكنه السابقة وترك الأراضي التي اقتطعها مؤخراً.
هذا هو الالتهام البطيء للأرض والإنسان والاحتلال التدريجي للمناطق.

أساليب الأنساق في الحروب

تتخذ المليشيا الحوثية أساليب مختلفة من الحروب والهجوم على المدن التي تريد احتلالها وآخرها ما تحاول فعله ضد مدينة مارب بهجومات متكررة ومتعددة، ومنها ما بات يعرف بأساليب الأنساق.
أسلوب الأنساق هو أن تعمل هذه المليشيا في الهجوم بفوج وراء فوج بكثافة عناصرها المسلحة للضغط المحكم على المدافع في الجبهات لمحاولة إرهاقه وكسر دفاعه والتغلب عليه.
هذا الأسلوب هو عادة أسلوب المهاجم الذي يتكئ على ثروة وكثافة بشرية مع الفارق أن لا تقيم لهم اعتباراً وتدفعهم للتضحية في سبيلها وكأنهم ليسوا بشراً تهتم لحياتهم أو حفاظاً عليهم فهمها الأول والأخير تحقيق ثغرة في الدفاع ولو كان ثمن ذلك وكلفته باهظة.
عرف عن هذا الأسلوب أنه أسلوب إيراني استخدمه الخميني في ما سمي بثورته ضد الشاه رضى بهلوي حتى قتل منهم أعداد كبيرة جعلت جيش الشاه يكل ويمل من كثرة القتل في صفوف ثورة الخميني مما أدى إلى استسلام الجيش أمام كل تلك الأمواج البشرية وكان النصر للخميني في نهاية المطاف وهروب الشاه.
استفاد الخميني من هذه التجربة وكرر ذات الأسلوب في حرب الثماني سنوات مع العراق، وفي معركة البصرة والفاو والقادسية الثانية كان يدفع الخميني بأعداد هائلة كما تدفع الأغنام إلى الحظيرة محاولاً اختراق جبهات الجيش العراقي وكانت التضحية كبيرة جداً من هؤلاء.
شاع في تلك المواجهات أن الخميني كان يفتي قطيعه بالذهاب إلى الجنة عبر إعطائهم مفاتيحها لأولئك المندفعين في سبيل مشروع الخميني وهو الدافع العقائدي الجديد الذي غرسه الخميني في أتباعه.
وبينما كان الخميني يسوق قطعانه إلى المحارق بتلك الصورة ولم يستطع تحقيق أهدافه تجرع كأس السم في الهزيمة، كما قال عن نفسه، وصار أمراً يضرب به المثل.
ومع أن المليشيا الحوثية تابعة لإيران في كل الأساليب والتربية العقدية والثقافية، ومن خلال الخبراء الإيرانيين في صفوف المليشيا الحوثية خاصة مع المدعو حسن إيرلو الذي شارك في الحرب العراقية الإيرانية أراد تطبيق هذا الأمر في مارب اليوم.
إذ وضعت إيران والحوثيون وحزب الله اللبناني مأربب في أهدافهم الاستراتيجية وهذا ما بدا واضحاً من خلال خطابات الجميع.
طبق حسن إيرلو هذا الأسلوب اليوم في مارب، كما طبقوه من قبل في نهم، ودفعوا بأنساق متتالية كلما انتهى نسق عززوا بآخر.
تروي مصادر عسكرية في جبهات مارب أن خسائر الحوثية البشرية دون حصر ويضحون بهم كما يتم التضحية بالأغنام، وكلما دفعوا بنسق ذاب ذوبان الملح، لكنهم وجدوا هذه المرة مقاومة صلبة دون تحقيق أي اختراق وعاد بعضهم محملاً بالتوابيت إلى صنعاء.
ما ظهر في وسائل الإعلام فيض من غيض بحسب مصادر عسكرية؛ إذ إن شعاب مارب وصحراءها وجبالها مليئة بالجثث التي لم تسحبها المليشيا الحوثية فتعفنت فيها واندثرت في حين كانت تفاوض المليشيا الحوثية على بعض قناديلها فقط.

يذكر زملاء الكاتب أنه في معركة نهم "كانت الحوثية تدفع بهذه الأنساق بشكل جنوني وكلما أبادوا نسقاً عززوا بآخر، وبينما كانت البنادق والأسلحة تحصد الكثير منهم يصل الجندي حد التشبع والغثيان والإرهاق من القتل وحصد الأرواح، والحديث لأحد الضباط المقاتلين في تلك الجبهة".
يواصل المصدر الميداني: "اكتشفنا أننا لم نلقن أساليب القتل بما فيه الكفاية لأننا بناة دولة لا مشاريع للقتل كما هو الحال عند المليشيا وأوتينا من هذه الثغرة؛ ثغرة الرحمة والإشفاق التي لا تعرفها المليشيا، وبذلك الأسلوب أخذوا نهم بالإضافة إلى العديد من العوامل الأخرى كاختراق الاتصالات.
في معارك مأرب الأخيرة يبدو أن الجيش فهم اللعبة الحوثية تماماً واستدرك تلك الثغرة ولم يعد يحفل بها فما دونها إلا سقوط المحافظة بيدي الإرهاب الحوثي وهو ما لن يتم التفريط به مهما كلف الثمن.

بين النصر والهزيمة صبر لحظة

من يصبر في أحلك اللحظات حماساً هو من يحقق الانتصار في الميدان، كما هو معروف عن الحروب المختلفة، بينما الاستعجال لقطف ثمار النصر قبل اكتمال شروطه يكون طريق الهاوية والهزيمة.
سئل عنترة بن شداد عن هزيمة عدوه، فقال بالصبر.. فقيل له كيف؟ فطلب من أحدهم أن يعض كل منهما على إصبع الآخر, فقبل الرجل، وبعد أن تحمل شيئاً من الألم صرخ فترك عنترة إصبعه, وقال له: "ويحك أخا العرب لو صبرت قليلاً لصرختُ قبلك"!
وهكذا يتم اليوم مع الحوثي في حروبه المختلفة؛ ففي الوقت الذي يكاد يصرخ فيه من الهزيمة يصرخ الطرف المقابل قبله وهو لم يستكمل جهده ووسعه بعد.
تروي لنا بعض الروايات في حرب أمريكا على اليابان حينما ضربت الولايات المتحدة الأمريكية هيروشيما ونكازاكي أن الولايات المتحدة لم يكن معها حينها سوى قنبلتين نوويتين جربتهما على تلكما المدينتين وكادت أن تستسلم لليابان، بينما كانت اليابان لا تدري كم من القنابل المشابهة تملكها الولايات المتحدة فظنت أن معها قنابل كثيرة فسارعت إلى إعلان الهزيمة والاستسلام ولو كانت تدرك أنه لم يعد بمقدور أمريكا أن تضرب مجدداً لما استسلمت وأعلنت النصر.
وهكذا تمضي حروب الجبهات مع الحوثية فتأتي القوى الداعمة والراعية للحوثية للضغط من طرف واحد على التحالف والشرعية بضغوطات مغلفة بالتفاوض والاحتياجات الإنسانية ولا تصبر قليلاً بينما يكون الحوثي على وشك الانهيار فيتم صناعة الانتصار للحوثي صناعة وتخليقه خلقاً ولا تأخذ الشرعية زمام المبادرة والتحرك إلى الخطوة التالية، لم تلبث أن تتحول الظروف تلك إلى هزيمة للشرعية وطوق نجاة للحوثية.
ولمثل هذه الأسباب فإن القرآن الكريم دون هذا الأمر وحث عليه وركز عليه كثيراً فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ}الأنفال45، وعد القرآن الصابرين من المؤمنين الواحد بعشرين رجلاً إذا حققوا الشروط، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ ... }الأنفال65، ولما كان الناس متفاوتين في القوة والصبر والجلدة والشجاعة خفف من الحال إلى الضعف والرجل برجلين فقط فقال: {الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}الأنفال66
قد لا يدرك الإنسان هذا الأمر في واقع الحال إلا إن طبقه بنفسه، ولذلك طبقه المؤمنون في بدر وفي غيرها.
لا نذهب بعيداً في التاريخ، فمن جبهة نهم ومارب، يروي لنا الزملاء أن جندياً واحداً من أبناء ريمة تم محاصرة موقعه ثلاثة أيام ولم يستطع الحوثة إسقاطه، فأوهم الحوثيين أن الموقع بكامل عدده وعدته، فكان مرة يطلق بالرشاش، ومرة بالأر بي جي ومرة بالبندقية، فنوّع مصادر نيرانه وصمد ثلاثة أيام حتى جاءت التعزيزات وفكوا عنه الحصار وثبت ثبات الجبال وحافظ لوحده على موقعه من السقوط وانتصر وحده، وتم الاحتفاء بالجندي وتكريمه.
وكما قيل: "إنما النصر صبر ساعة".

كلمات دالّة

#اليمن