الجمعة 19-04-2024 14:18:58 م : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

القضاء في مناطق الانقلاب الحوثي.. من محاكم للعدل إلى محاكم للتفتيش

الأربعاء 24 فبراير-شباط 2021 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت-خاص-عبد الرحمن أمين

 

ابتداء من سيطرتهم على المحاكم والنيابات ومرورا بتعيينات القضاة ورؤساء المحاكم وهيكلة السلك القضائي بمن يدينون بالولاء ويقبلون الإملاء، يمضي الحوثيون بتطويع مؤسسة القضاء وتحويلها إلى سلاح حوثي قذر، وتحويل المحاكم والنيابات من محاكم للعدل إلى "محاكم للتفتيش" لإصدار أوامر قضائية طالت الأرواح والممتلكات.

هكذا تتحول السلطة القضائية بمكانتها ومهابتها إلى ناطق رسمي باسم عصابة امتهنت الفساد ومليشيا احترفت الإجرام، ليجد أصحاب المظالم أنفسهم بين أعداد كبيرة من اللصوص والقتلة والمجرمين تم تعيينهم بمناصب رسمية أطلق عليهم مسمى وصِفَة "القضاة" وفي مؤسسة هي الأكثر حساسية وأهمية في أي بلد في العالم، باعتبارها المرجعية والحكم في فض النزاعات وأخذ المظالم واسترداد الحقوق.

غير أن مليشيا الحوثي اتخذت من هذه المؤسسة أداة للقمع ومصادرة الحقوق، وغالبا ما تكون التهم جاهزة ومعدة مسبقا لإشهارها في وجوه الخصوم وإدانتهم والنيل منهم، وتبرير القمع والاحتيالات القضائية، بشكل تعتقد أنه يقضي على حاضرهم ومستقبلهم، لكن الأمر ليس بدافع انتقامي فقط بل يتعداه إلى أمور أخرى.

ويعتبر العام 2019 هو أسوأ الأعوام الماضية منذ الانقلاب في العام 2014 وأكثرها إصدارا للأحكام الجائرة لاسيما أحكام الإعدام بحق النشطاء والصحفيين والمعارضين، ما يؤكد إرهاب مليشيا مسلحة وحشية، تهدد الأمن والسلام العالميين.

وتقول منظمة "سام" للحقوق والحريات إن مليشيا الحوثي أصدرت أكثر من 100 حكم بالإعدام تعزيرًا منذ اجتياحها العاصمة صنعاء ضد خصومها السياسيين، وسطت على أكثر من 1000 عقار وشركة ومؤسسة ومستشفى خاص وجامعة ومنزل، بمبررات واهية وتحت مسمى الحارس القضائي، تعود ملكية أغلبها لتجار ورجال أعمال وسياسيين من مختلف التوجهات.

ويتهم بيان مشترك صدر في وقت سابق للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، ومنظمة "سام" للحقوق والحريات، ومنظمة "إفدي" الدولية، جماعة الحوثي بتحويل المنظومة القضائية في المناطق التي تسيطر عليها إلى أداة سياسية، لتصفية الحسابات مع خصومها السياسيين.

وتصف منظمة العفو الدولية هذه المحاكمات بأنها استهزاء بالعدالة، وتؤكد فقط كيف يتحول القضاء والمجلس الأعلى للقضاء على وجه الخصوص إلى أداة للقمع، لافتة أنها غير قادرة على تطبيق العدالة المحايدة.

وتقول "لين معلوف" مديرة منطقة الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية: "منذ أن تولت سلطات الأمر الواقع الحوثية السيطرة على النظام القضائي في عام 2015، استفادت تدريجياً من المحكمة الجنائية المركزية في صنعاء لاستهداف الأشخاص الذين تعتبرهم معارضين أو حتى مجرد منتقدين".

وسعيا منها لاستكمال السيطرة على مفاصل المؤسسة القضائية ووفقا لمصادر إعلامية، فقد أقر مجلس القضاء الأعلى في سلطة الانقلاب الحوثي في العام الماضي تعيين 103 من خريجي الدفعة (22) في المعهد العالي للقضاء للعمل في عضوية النيابة العامة بوظيفة وكيل نيابة، بتوجيهات مما يسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى" الذي أصدر قرار تعيينهم وإلحاقهم بالعمل في السلطة القضائية.

ويكشف وزير الأوقاف والإرشاد السابق الدكتور "أحمد عطية" أن هناك إحصائية تؤكد أن أكثر من 700 طالب تم نقلهم في الفترة الماضية من اليمن إلى "مشهد" و"قم" الإيرانيتين لتعلم المذهب الإمامي الإثنى عشري.

عبث آخر يطال السلطة القضائية ومسمار آخر يدقه الحوثيون في نعش منظومة العدالة اليمنية، بإدراج ما يسمى بـ"وكلاء الشريعة"، تمهيداً لإحلالهم بدلا عن المحامين.

فقد منحت وزارة العدل الخاضعة لحكومة المليشيا غير المعترف بها تصاريح مزاولة مهنة المحاماة لوكلاء الدعاوى الشرعية أو من باتوا يطلقون عليهم "وكلاء الشريعة" في انتهاك صارخ للقانون اليمني، كخطوة تهدف إلى خلق كيان موازٍ إلى جانب نقابة المحامين اليمنيين، رغم أن الدستور ينص على أن المحاماة هي المهنة الوحيدة المخولة بتمثيل الغير أمام القضاء.

وتأتي تلك الخطوات ضمن استهداف ممنهج للمحامين في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، حيث تمثل نقابة المحامين شوكة في حلق الانقلاب الحوثي لكشفها مئات الجرائم التي ترتكبها المليشيا الانقلابية باستمرار بحق المعتقلين والماثلين أمام محاكمها غير الدستورية.

كما تهدد الانتهاكات الحوثية ضد النقابة مصير آلاف المحامين البالغ عددهم أكثر من 10 آلاف، موزعين على جميع المحافظات اليمنية.

وفي صورة أخرى من صور الفساد في المؤسسة القضائية استحدثت جماعة الحوثي ما عُرف بـ"الهيئة العدلية"، برئاسة المدعو محمد علي الحوثي، رئيس ما تسمى "اللجنة الثورية العليا" التابعة للمليشيات.

وتسمح الهيئة العدلية المستحدثة بالتدخل في شؤون السلطة القضائية والإشراف عليها، وهو ما رفضه نادي قضاة اليمن، في اجتماعه الأخير، حيث إن تلك الخطوة قد جعلت القضاء مجرد ألعوبة بيد مليشيات الحوثي وأداة قمع بيدها لترهيب الآخر وابتزازه وتمرير المشاريع الخاصة بالمليشيا من وراء نافذة القانون ومؤسسات القضاء لتصبح مؤسساتها كيانات هيكلية صورية غير قادرة على ممارسة صلاحياتها، في ظل سيطرة الكيانات المستحدثة على مفاصل الدولة.

الفجور بالخصومة والإيغال في الإجرام في مواجهة المعارضين عبر القضاء بإصدار أحكام طائشة مخالفة للقانون والعقل والمنطق دأبت عليه المليشيا منذ انقلابها على الحكومة الشرعية وحتى هذه اللحظة، فقد قضت المحكمة الجزائية في صنعاء في فبراير الماضي بإعدام 11 برلمانيا تعزيرا بتهمة التخابر والتعاون مع دول وصفتها بأنها "معادية".

وقضى منطوق الحكم أن ينفذ الإعدام بحق المدانين في ميدان التحرير بصنعاء أمام مبنى مجلس النواب، وأن يتم مصادرة جميع ممتلكاتهم النقدية والعينية في الداخل والخارج، غير أن هذا الحكم يأتي استكمالا لحكم آخر تم استصداره في مارس من العام الماضي.

وعن علاقة الأحكام الصادرة ببعضها يقول مصدر برلماني ممن شملتهم تلك الأحكام لـ"الإصلاح نت" فضل عدم ذكر اسمه: "الحكم واحد ومسبق على جميع النواب، لكنهم يجعلونه جرعات حتى لا يكون مثار سخط واستنكار"، مضيفا أن "البعض منهم قد صادروا ممتلكاتهم من غير أحكام، مع أنهم لم يكونوا مسؤولين تنفيذيين في الدولة".

وعن دوافع تلك الأحكام يوضح المصدر تلك الدوافع أنها تأتي "تخويفا لمن بقي في الداخل، وترهيبا وترغيبا لمن خرجوا، بأنه يمكن إلغاء هذه الأحكام إذا أعلنوا الاستسلام والخضوع لسلطتهم".

وكانت المحكمة الجزائية في صنعاء قد أصدرت في مارس من العام الماضي أحكاما غيابية بالإعدام تعزيرا بحق 35 برلمانيا يمنيا ومصادرة ممتلكاتهم العقارية والمنقولة في داخل اليمن وخارجها بتهم سياسية ملفقة، بما فيها الخيانة والتعاون مع التحالف العربي بقيادة السعودية.

وفي مارس من العام الماضي أيضا، أصدرت حكما غيابيا بإعدام 19 قائدا عسكريا في الحكومة الشرعية (تعزيرا)، بينهم نائب الرئيس علي محسن الأحمر، ووزير الدفاع محمد علي المقدشي.

وفي أبريل 2020، أصدرت المحكمة أمرا بإعدام أربعة صحفيين هم: عبد الخالق أحمد عبده عمران، وأكرم صالح الوليدي، وحارث صالح حميد، وتوفيق محمد ثابت المنصوري، وحكمت بالسجن ومراقبة الشرطة على ستة آخرين هم: هشام طرموم وهشام اليوسفي وهيثم الشهاب وعصام بلغيث وحسن عناب وصلاح القاعدي.

أما أكثر الأحكام الصادرة من محاكم المليشيا الحوثية غرابة ومثار للسخرية فهو ما صدر في أواخر العام الماضي في مذكرة صادرة عن نيابة استئناف مديرية جِبلة في محافظة إب، الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي الانقلابية، تتضمن توجيهات لمدير أمن المديرية الموالي لها، بالقبض على كل شخص يوجد في هاتفه تطبيق "واتساب".

وبحسب المذكرة الصادرة عن وكيل نيابة استئناف جِبلة، أحمد محمد المنيفي، الموالي للمليشيا، فإن "حيازة برنامج واتساب، تشكل جريمة فعل فاضح".

من أصغر حامل لتطبيق "واتساب" إلى رئيس الجمهورية تتوزع الأحكام القضائية الحوثية بالإعدام والحبس والغرامة وغيرها طوال سنوات الانقلاب في عشرات من الأحكام التي يصفها حقوقيون بأنها غير شرعية وعبثية، فغالبا ما تصدر تلك الأحكام عن المحكمة الجزائية المتخصصة، التي أٌقر مجلس القضاء الأعلى التابع للحكومة الشرعية المعترف بها دوليا في أبريل 2018 إلغاءها ونقلها من صنعاء إلى مأرب.

كلمات دالّة

#اليمن