الجمعة 29-03-2024 03:36:40 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون والإعلام.. ممارسات داعشية وتلاعب بالعقول وتحشيد للجبهات

الإثنين 22 فبراير-شباط 2021 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت-خاص-زهور اليمني

 

لطالما ارتبط الإعلام في اليمن بالواقع السياسي والأحداث التي تمر بها البلاد، سواء في حالة الاستقرار أو الاضطراب، لكن الأبرز أنه في عام 2014 صارت وسائل الإعلام الهدف الأول في طريق ضرب خصوم السياسة الحوثية، ونتيجة لذلك دفعت الصحافة ضريبة ضخمة من الدماء، وحجز الحرية والترهيب والمنفى، والنهاية للحريات الصحافية.

فمنذ أن وطأة أقدام المليشيات تراب العاصمة صنعاء، وضعت السكين على رقبة الصحافة، وكانت "صاحبة الجلالة" أولى ضحايا المدّ الحوثي، حيث مارست أشنع الانتهاكات بحق الصحافيين، وصنفت في المرتبة الثانية في قائمة الجماعات المعادية للصحافة عالمياً بعد "داعش"، وفق منظمات دولية معنية بحرية الصحافة.

(أ. م) أحد الصحفيين الذين تعرضوا لهذه الانتهاكات يحدثنا قائلا: "لا شك أننا لا زلنا نتذكر خطاب عبد الملك الحوثي المتلفز، الذي وصف فيه الصحافيين بـ"المرتزقة والعملاء"، وأنهم أخطر من المرتزقة المقاتلين في الميدان، داعياً مقاتليه للتصدي لهم بحزم، معتبرا كل من يناهض حكمه خائن يجب معاقبته وحبسه والتنكيل به".

وأضاف: "بعد ذلك الخطاب التحريضي، شنت المليشيات حملة مسعورة استهدفت كل الصحفيين المناوئين، واختطاف العشرات والزجّ بهم في السجون، وما يزال الكثير منهم حتى اللحظة يقبعون في تلك الزنازين، دون توجيه أي تهمة أو محاكمة أو السماح لذويهم بزيارتهم، أو حتى تنصيب محامين للترافع عنهم، بل والبعض منهم حكم عليه بالإعدام".

وتابع: "لقد أخذ من تبقى من الصحافيين في مناطق سيطرة الحوثي هذه التصريحات على محمل الجد، وشدّوا الرحال في كل الاتجاهات هرباً من بطشه، وترك العديد منهم وظائفهم في مجال الإعلام وراحوا يبحثون عن فرص عمل أقل خطراً، فهؤلاء يعدّون أنفسهم من المحظوظين الذين ما يزالون خارج أسوار السجون".

وأردف: "بالنسبة لي فقدت عملي في صحيفة محلية عقب اقتحام مقرها ونهبها واختطف اثنان من زملائي، وعشت أياماً مروّعة بلغ فيها القلق حداً لا يوصف، وتفاقم الأمر حين اعتقل زميل آخر في العام 2017 من منزله في صنعاء، عندها قررتُ ترك العمل الإعلامي برمته، وقمت بنقل مكان سكني إلى منطقة أخرى، وفي الحي الجديد أخفيت هويتي ولقبي المعروفين، واستبدلتهما بأسماء وهمية".

وتابع قائلا: "في منتصف العام الماضي عدتُ للعمل الصحافي ولكن بدون كتابة اسمي في وسائل الإعلام التي أراسلها، فقبضة الحوثيين وملاحقاتهم لنا نحن الصحفيين جعلت عملنا ناقصاً، فحين أعدّ تقريراً إنسانياً أتواصل مع المسؤولين في مناطق سيطرة الشرعية، لا أستطيع التواصل مع الحوثيين، مخافة الاعتقال أو الملاحقة".

تقارير تدين انتهاك الحوثي للحريات:

وفق المركز الوطني للمعلومات، فإنه قبل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، كان لدى اليمن حوالي 295 قناة إعلامية، أربع منها مملوكة للدولة، و14 قناة تلفزيونية خاصة، وبرغم هذا الاتساع الإعلامي إلا أن مؤسسة "فريدوم هاوس" وضعت حرية الصحافة اليمنية ضمن القائمة الأسوأ في العالم، ومنذ ذلك الحين وهي في تراجع.

ومع تطور الأحداث في العاصمة صنعاء وباقي المحافظات، بدأت تخرج أصوات محلية وغربية تعبّر عن قلقها من تدهور الحريات في اليمن.

وأعرب الاتحاد الدولي للصحافيين حينها عن قلقه من محاصرة وقصف الحوثيين لمبنى التلفزيون الحكومي في صنعاء، وعبّر عن صدمته العميقة من الأخبار المفزعة عن القصف المتواصل من مسلحي الحوثيين على مبنى التلفزيون، ودعا السلطات اليمنية إلى ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذا القصف.

وقال رئيس الاتحاد حينها إن "هذا الاعتداء هو انتهاك واضح للقانون الدولي وجريمة ضد حرية الصحافة وحرية التعبير، وها هو العام 2014 يشارف على نهايته، وحرية الإعلام في اليمن في تراجع وتهديد مستمّرين، في ظل مشاركة كل الأطراف بهذه الانتهاكات".

وطبقاً لمنظمة صحفيات بلا قيود، فإن 125 حالة انتهاك تعرض لها الصحفيون والإعلاميون خلال الربع الأول من العام ذاته، بينها 4 حالات قتل.

 وبين التقرير أن 40 حالة انتهاك حدثت في شهر يناير، فيما بلغت في شهر فبراير 45 حالة، و40 حالة انتهاك في شهر مارس.

ووثقت المنظمة 40 حالة انتهاك تعرض لها الصحفيون والإعلاميون خلال شهر مارس من العام ذاته، توزعت ما بين قتل واعتقال واختطاف واعتداء، وإغلاق صحف واحتلال مقرات قنوات فضائية وحجب مواقع، وتهديد بالتصفية.

وقالت المنظمة إن ما حدث من انتهاكات جسيمة للصحفيين والإعلاميين خلال الأشهر الثلاثة الأولى، يضاعف القلق المتزايد الذي أصبح يهدد ما تبقى من هامش حرية الرأي والتعبير في بلادنا، معتبرة استمرار الاستهداف للصحفيين انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، ومحاولة لإسكات الحقيقة التي يعمل الصحفيون لنقلها للجمهور.

في أواخر أكتوبر 2014، اعتبرت منظمة "مراسلون بلا حدود"، التي تتخذ من باريس مقراً لها، مليشيا الحوثي تهديداً لحرية الإعلام واستقرار البلاد، بعد شنهم هجمات على مقرات إعلامية وتهديدهم للصحافيين.

وقالت إنهم "لا يتوانون عن الاستيلاء على مقار وسائل الإعلام، واعتقال الصحافيين أو خطفهم".

وقالت نائبة مديرة البرامج في المنظمة فرجيني دانغل إن جماعة الحوثي "تشكل تهديداً حقيقياً لحرية الإعلام وعملية التحول السياسي التي تعيشها البلاد".

إغلاق وسائل الإعلام المعارضة:

لم يمرّ عام 2014 على وسائل الإعلام اليمنية بسهولة، فقد تحوّل عدد منها من وسيلة ناقلة للأخبار، إلى خبر بحد ذاته، حيث بدت أخبار اقتحام الحوثيين مقرات إعلامية ونهب ممتلكاتها، وتهديد الصحافيين، وقتل البعض منهم، الحدث الأبرز.

وظلت التقارير الصحافية والحقوقية عن اليمن تركز على واقع الانتهاكات التي تعرّض لها الإعلام على أيدي مسلحي الحوثيين، إذ كانت السلطة هي صاحبة اليد الطولي خلال الأعوام الماضية في الانتهاكات، لكن الحوثيين بدوا أكثر بطشاً في التعامل مع وسائل الإعلام، وفي فترة قياسية لا تتجاوز أربعة أشهر.

وتسارعت الأحداث والانتهاكات التي تتعرض لها وسائل الإعلام منذ تقدم معارك الحوثيين إلى العاصمة، التي تحتضن المئات من المقرات والمؤسسات الإعلامية التلفزيونية، والورقية، والإلكترونية، والإذاعية.

ورصدت منظمة "حرية" المحلية أكثر من 50 انتهاكاً تعرضت لها وسائل الإعلام، في غضون شهر واحد، بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، وقالت إن الانتهاكات شملت وسائل إعلام حكومية، وخاصة وحزبية، وحملات تحريض واعتداءات تعرض لها صحافيون.

وكان مبنى التلفزيون الحكومي أول من تعرض لهذه الانتهاكات، والذي يضم محطات "اليمن" و"سبأ" و"الإيمان"، ففي منتصف سبتمبر من العام ذاته تعرض لقصف مدفعي وحصار لطاقم عمله بنيران الحوثيين، وسيطروا عليه بعد أيام من بدء الهجوم.

كما هاجم الحوثيون قناة "سهيل" الخاصة قبل اقتحامها ونهب أدواتها ومعداتها، ومحاصرة العاملين فيها، ثم سيطروا على مقرها، وتوقف بث المحطة لأكثر من شهر ونصف.

كما اقتحمت المليشيات إذاعة "حياة أف أم" التي يملكها رجال أعمال في العاصمة، ونهبت معداتها وأجهزتها.

وواصلت المليشيات اعتداءاتها إلى محافظة إب، حيث تعرّضت الإذاعة الحكومية في المحافظة للقصف المدفعي، وتوقف بثها لأيام.

وتم مداهمة مقار قناة السعيدة، ومعين، ويمن شباب، وآخرها قناة بلقيس الفضائية التي صادروا كل محتويات وتجهيزات مكتبها.

وتعرضت وسائل إعلام دولية وطواقمها العاملة في اليمن للتحريض والتشهير والاعتداء على طواقمها، كقناة "الجزيرة"، و"العربية"، و"بي بي سي"، و"سكاي نيوز عربية"، وموقع "سي أن أن عربي"، وصحيفة "القدس العربي".

كما تعرض المكتب الإعلامي لـ"الحزب الاشتراكي اليمني"، الذي يدير موقع "الاشتراكي نت" وصحيفة "الثوري" الورقية، للاقتحام، واختطف أحد العاملين في الصحيفة.

وشملت عمليات الاقتحام والإغلاق والنهب صحفا يومية أبرزها صحيفة "المصدر"، وسبق ذلك السيطرة على مؤسسة الشموع الإعلامية، وأوقفت صحيفة "أخبار اليوم" اليومية، وتمت السيطرة على صحيفة "الثورة" الحكومية، وفرضوا أحد الموالين لهم مسؤولاً مالياً وتحريرياً.

وفرضت المليشيا نفوذها على التغطية الإخبارية لوسائل إعلام حكومية، من بينها وكالة "سبأ"، وموقع "سبتمبر نت" الناطق باسم الجيش، وإذاعة صنعاء.

بالإضافة الى حجب أكثر من عشرين موقعا إلكترونيا يمنيا ومواقع إخبارية عربية عن الجمهور، وشمل الحجب موقع تويتر للتواصل الاجتماعي.

منصّات الحوثيين الإعلاميّة:

مع مرور ست سنوات على انقلابهم، أصبح للحوثيين جهاز إعلاميّ ضخم يشمل وسائل إعلام متنوّعة، بدعم فني من حزب الله اللبناني تصل إلى 11 قناة فضائية، و28 إذاعة محلية تصل إلى كل أرجاء الوطن، بالإضافة إلى عشرات الصحف والمجلات الورقية والإلكترونية وعشرات المواقع. 

كما حصلت المليشيا حينها على دعم إضافي من عشرات وسائل الإعلام المحليّة الحكوميّة، بعد سيطرتها عليها وانتهاك حُريّة الصحافة التي اعتمدتها نهجاً لها، كما ساندها إعلام حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان يرأسه المخلوع صالح، بالإضافة إلى وسائل الإعلام المؤيدة لإيران في العراق ولبنان، وإيران نفسها.

بداية وفي عام 2011، أنشأت المليشيات قناة "المسيرة"، كوسيلة إعلاميّة رسميّة باسمها، بالإضافة إلى قناة "الساحات" التابعة لتيار يساري يمني مناصر لها.

تظهر مذيعات لبنانيات على "المسيرة" و"الساحات" بين حين وآخر، فللقناتين مكتب في الضاحية الجنوبية بالعاصمة اللبنانية بيروت، وبدعم معلن من "حزب الله"، كما أنّ للقناتين فرعين في صنعاء، ومراسلين وطواقم ميدانية منتشرة في كافة مناطق سيطرتهم.

تستغل قناة "المسيرة" كل إمكانياتها الإعلامية وطاقاتها، لتنفيذ سياسة الحوثي وأجندته عبر فريق إعلامي متكامل، وتشكل "الساحات"، القناة الثانية جزءا مهما من المنظومة الإعلامية له، فهي حسب المعلومات المُتداولة تتبع بصورة شبه رسمية ما بات يعرف بـ"جبهة إنقاذ الثورة".

يؤكدّ مختصون إعلاميون أنّ القناة انطلقت بتمويل إيراني، وتخضع لإشراف مباشر من القيادي في حزب الله اللبناني "ناصر أخضر".

وبعد سيطرتهم على صنعاء أنشؤوا إذاعتين محليّتين هما "المسيرة" و"سام إف إم"، بالإضافة إلى بعض الإذاعات في المحافظات الأخرى.

وتُعدّ قوّة الحوثيين الإعلامية في الإعلام المكتوب، حيث ظهرت لهم حوالى 25 صحيفة ورقيّة وإلكترونيّة تُعبّر عنهم، ومن أهمّ تلك الصحف "المسيرة"، و"المسار" و"الهوية" و"الديار"، بالإضافة لذلك لديهم خدمة رسائل إخباريّة إلكترونيّة بينها "المسار موبايل" و"المسيرة موبايل".

إعلام الحوثي أكثر تنظيما:

يعد الإعلام خط التماس الأول في الحروب، ويتم توظيفه كجزء من الدعاية لحشد الرأي العام حول قضية بعينها، سواء من خلال الصدقية أو المبالغة والتضليل والكذب، ومن ينجح في تقديم الصورة السلبية للعدو، وإبراز الصورة الإيجابية لنفسه، قد ينجح إلى حد كبير في حشد التأييد وتغذية الاعتقاد بأن ما يقوم به من عمل هو لمصلحة القضية والوطن ككل.

وهذا ما قامت به المليشيات، حيث كان هدفها الرئيسي هو تغيير الرأي العام الذي يكشف تضليلها من مناطق سيطرتها، لأنه سيكون أكثر موثوقية في هذه المناطق مما يصدر عن المناوئين للمليشيات في مناطق الشرعية، فضلًا عن ضعف إعلام الشرعية ذاته، والذي يبدو واضحا، حيث لم يعطِ أية أهمية لهذا الجانب.

يقول الدكتور (ع. ل) المحاضر في كلية الإعلام جامعة صنعاء: "لعب الإعلام الحوثي دوراً مهماً في حشد الرأي العام في داخل المجتمع اليمني وفي الخارج، واستطاع خلق حالة من الترهيب وتبني قضايا يسميها بالوطنية يدافع عنها، ويتخفى تحت شعاراتها، لتنفيذ مشروعه الخاص بإحكام قبضته على اليمن وحكمها بالحديد والنار، ناهيك عن طمس وإخفاء انتهاكاته بحق الداخل اليمني، وتغيير الواقع من جرائم إلى مظلومية".

وأضاف: "إنه يستخدم الدعاية السوداء في خداع الجماهير عبر خلق حالة من الحرب النفسية، وتدريب الأذن اليمنية على سماع أفكار جديدة على المجتمع، واستخدام وسائل التزوير والتضليل والدسائس، وتضخيم انتصارات مزعومة، وصناعة القداسة على زعمائهم".

وتابع: "في مقابل ذلك العدد الكبير لقنوات الحوثي، اكتفت الشرعية بقناة تلفزيونية رسمية تعمل من الرياض، بعيدة كل البعد عن الواقع، وتعتمد في تغطيتها الإعلامية على الطريقة النمطية للإعلام الرسمي".

وأردف: "للأسف الجبهة الإعلامية للشرعية تعاني من تشتت وتفكك، وتعدد المراكز الإعلامية التي تعمل بشكل منفرد ومحدود من دون خطة موحدة، مما يضعف أداءها ويقلل من تأثيرها، ناهيك عن أن المجموعة التي تدير المنظومة الإعلامية للشرعية تتركز في شخصيات تعيش حالة من الشتات وضياع الهدف، وتتنافس على الحصول على العطايا والمزايا، والظهور على شاشات القنوات التلفزيونية بشكل يتناقض مع ذاته، بمعنى أنهم ينظرون إلى الجبهة الإعلامية على أنها مجال للتربح، وليس للحشد والتعبئة لخدمة الهدف الأكبر المتمثل في استعادة الوطن".

ولفت إلى أنه "في مقابل هذا الشتات الإعلامي الحكومي، فإن مليشيا الحوثي تبدو أكثر تنظيماً حتى وإن كانت عبر مجموعة من الإعلاميين المنتمين أو الموالين لها، إذ يؤكد زعيمهم في خطاباته على أن الجبهة الإعلامية "الحوثية" لها دور كبير في خدمة الوطن (ميلشياته) وتوجيه الضربات القاتلة لصناعة واقع إعلامي يعيد تعديل الصورة ويصحح المفاهيم السلبية، وهو بذلك يقصد محاولة بناء صورة إيجابية عن الحوثيين لدى الداخل اليمني، ونقل الصورة ذاتها للعالم الخارجي، وهو على ما يبدو هدف واضح وموحد تسعى لتحقيقه جميع وسائل الإعلام الحوثية، عكس إعلام الشرعية تماما".

انتهاء سوق بيع الصحف المطبوعة:

قبل انقلاب الحوثيين كانت أغلب الصحف اليمنية تتركز في العاصمة صنعاء، ويتم التوزيع منها للمناطق والمدن الأخرى، وشهدت تلك الفترة رواجاً للصحافة، وصدرت صحف يومية من مشارب شتى.

اليوم لا تكاد تقع عيناك إلا على صحيفتين أو ثلاث، وكلها ذات لون واحد، في ظل انحسار دور الصحافة وعزوف من جانب القراء.

أَغلقت العديد من نقاط البيع والأكشاك أبوابها، وتحوّل بعض ممن كانوا يمارسون مهنة بيع الصحف، إلى مهن أخرى أقل خطراً على حياتهم.

يقول (م. هـ) بائع صحف في العاصمة صنعاء: "البعض يعتقد أن عزوف الناس عن الصحف بسبب الإنترنت والسوشيال ميديا، وفي الحقيقة أن هذه ليست السبب، لكن عدم وجود تنوع في نهج المطبوعات، واختفاء الصحف المستقلة، هو سبب انتهاء عملنا بشكل كامل، وتدمير الحالة الصحافية في اليمن، فهناك نحو 50 صحيفة محلية، علاوة على الصحف الخارجية، غابت عن المشهد تماماً، وبقيت صحيفتان فقط تخدمان التوجّه الحوثي وأفكاره".

وأضاف أن "سوق بيع الصحف المطبوعة انتهى تماماً، لأنه لا توجد صحف تصدر كي نقوم ببيعها، ففي السابق كانت هناك عدة صحف متنوعة مثل صحيفة الأيام واليمن اليوم وأخبار اليوم والمصدر والصحوة، وغيرها العشرات من الصحف، والآن لا يوجد تنوع".

وتابع: "بالنسبة للكشك الخاص بي يبيع نحو 10 نسخ فقط من صحيفة الثورة، ونسختين إلى ثلاث نسخ من صحيفة المسيرة".

إذاعات بمقاسات حوثية:

بعد أن أفرغت المليشيات الحوثية المناطق الواقعة تحت سيطرتها من الإعلام المطبوع، وأوقفت كل الصحف ما عدا التابعة لها، وأغلقت القنوات الفضائية وصادرت مقراتها وأجهزتها، اتجهت نحو إنشاء إذاعات خاصة بها، أما الإذاعات التي استمرت في البث، والتي ليس لها علاقة بالسياسة، كونها إذاعات ترفيهية فنية واجتماعية، فإنها لم تنجُ من الممارسات والابتزاز من قبل المليشيات.

يؤكد مدير إحدى الإذاعات المحلية، أنه بين فترة وأخرى يشن الحوثيون حملات على جميع الإذاعات، تطالبها بإتاوات وضرائب وزكاة ودعم للمجهود الحربي، بمبالغ تصل إلى ملايين الريالات.

وقال: "يجبرون كل إذاعة على استيعاب أشخاص لا علاقة لهم بالإعلام، كما يفرضون توظيف شخص في الشؤون المالية، وآخرين يراقبون تحركات العاملين والزوار وضيوف البرامج".

وأضاف: "لا يكتفون بذلك فحسب، بل يتم استدعاء ملاك الإذاعات والمسؤولين فيها وفتح تحقيقات معهم، وتسليمهم قوائم لبرامج وزوامل يجب إدراجها في الخريطة البرامجية، وفرض مواضيع وبرامج مسجلة كنوع من المهام التي يجب على أي إذاعة أن تقوم بها، ولو على حساب تدمير عقول المواطنين، وتحذيرنا من طرق أي موضوعات تمثل للحوثيين خطاً أحمر، ومنعنا من بث بعض الأغاني وخاصة الأوبريتات الوطنية وكل ما له علاقة بالأغاني السياسية، وفي حال عدم الالتزام يتم إيقاف البث، وقد يتعرض الموظفون في الإذاعة للاعتقال والاعتداء، ومصادرة أجهزة ومعدات الإذاعة، وقد قاموا باستدعائي للتحقيق بسبب بث أغنية عربية لم ترق لهم، وتم إلزامي بالتوقيع بعدم بث الأغنية مجددا أو نظيراتها".

وتابع: "بالإضافة إلى ذلك نحن ملاك الإذاعات ملزمون برفع أسماء ومضامين البرامج المعتمدة في الإذاعة لكل دورة برامجية، وإذا تم تغيير برنامج يتم استدعاؤنا والتحقيق معنا، وتجبرنا المليشيات على فتح حساب في الإذاعة، وتجهيز مقطع إعلاني يحث المواطنين والتجار على التبرع بمساعدات لمستشفيات ومرضى السرطان والكلى، ليتم تحويل كل الأموال إلى المجهود الحربي، وأغلب عائدات الإعلانات تذهب لجيوبهم".

وختتم حديثه بقوله: "يريدون من كل إذاعة وضع برامج لدفع الشباب إلى الجبهات، وهو الأمر الذي رفضناه تماماً، فنحن إذاعة اجتماعية لا علاقة لنا بالسياسة، لهذا تتم معاملتنا بصلافة من قبل المشرفين الحوثيين على قطاع الإعلام".

تقييد عمل الصحفيين:

لم يكتفِ الحوثيون بشن حرب على السلطات الشرعية وتوزيع العنف على الفضاء العام، لكنهم أخذوا في النيل من السلطة الرابعة، وشنوا سعار حقدهم على كل الصحافة والإعلام المعارض، والمناهض لسلوكهم محلياً وخارجيا".

لم تدع المليشيات مجالاً أو هامشاً لمعارضيها في اليمن، إذ عملت على تحويل العاصمة صنعاء والمدن الخاضعة لسيطرتها إلى مناطق محرمة على الإعلام المناهض لسلوكها، ليس المحلي وحسب، وإنما الإعلام الخارجي أيضا.

 (م. د) أحد الصحفيين المقيمين في صنعاء، حدثنا عن تلك القيود والتي لا زالت موجودة حتى اليوم قائلا: "يطلب من العدد المحدود جداً من المراسلين الموجودين في مناطق سيطرة الحوثيين عدم التحرك أو القيام بأي عمل صحافي إلا بموافقة مسبقة من وزارة إعلامهم، شريطة أن يرافق الصحافيين أحد العناصر الأمنية الحوثية، للتأكد من المقاطع التي سيصورونها، هذه القيود لم تكن كافية، بل تعدتها إلى استحداث مجموعة من قادة الحوثيين "مكتب خدمات إعلامية" تحت إشراف أحمد حامد مدير ما يسمى "مكتب الرئاسة" يتولى إنتاج وبيع المواد التلفزيونية للمحطات والوكالات الإخبارية العالمية".

وأضاف: "بالإضافة لتلك القيود، تلزمنا العناصر الأمنية الحوثية بتقديم طلب مسبق بنوعية العمل الصحافي الذي نريد تنفيذه، حتى نحصل على الموافقة التي تتأخر عدة أيام، وفي الوقت ذاته تقوم بسرقة بعض الأفكار وتنفذها وبيعها لمحطات تلفزيونية أو وكالات إخبارية ليس لديها مراسلون في صنعاء، وبعد ذلك تقوم بإعطاء الموافقة ما يجعل المراسل غير قادر على تنفيذ العمل، لأن وكالات أو محطات تلفزيونية سبقت في بث القصة.

كلمات دالّة

#اليمن #الإعلام