الخميس 25-04-2024 23:28:07 م : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإرهاب الحوثي.. تداعيات التصنيف ودلالات التناقض الأممي

الثلاثاء 26 يناير-كانون الثاني 2021 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت- خاص- زهور اليمني

 

 

صرخ مدير برنامج الغذاء العالمي يوماً: "الحوثيون يسرقون الطعام من أفواه الجياع"، وقبله صرخ المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ أن الحوثيين هم من أحبط اتفاق السلام في اليمن، وهي الحقيقة التي يعرفها مارتن غريفيث.

فإذا كان الحوثيون أبرز عائق أمام عملية السلام، فكيف يمكن تصور أن يكون تصنيفهم إرهابيين إعاقة للحل السلمي؟ بل كيف يمكن أن تشكل العقوبات على من يعيق العمل، إعاقة لهذا العمل، وأن تصنيف المليشيا جماعة إرهابية يمكن أن يشكل خطراً على العمل الإغاثي؟

 

تناقضات المبعوث الأممي:

لا يخلو تشبّث المبعوث الأممي مارتن غريفيث بالاعتبارات الإنسانية لرفض تصنيف الولايات المتحدة لمليشيا الحوثي جماعة إرهابية من محاذير، تتمثّل في تحوّل تلك الاعتبارات إلى مظلّة لحمايتها، ما يعني بالنتيجة تشجيعها على التمادي في خوض الصراع، وتعقيد جهود الحلّ السلمي الذي يعمل عليه المبعوث الأممي ذاته.

الدكتور (م.ع) المحاضر في جامعة صنعاء، يحدثنا عن بيان المبعوث الأممي الفاضح ودفاعه عن الحوثيين قائلا: "كالمعتاد برزت الاعتبارات الإنسانية مجدّدا كعامل يستفيد منه المتمرّدون الحوثيون، للحفاظ على موقعهم في المعادلة اليمنية كطرف معترف به ضمنيا، أمميا ودوليا، وكشريك مفروض يجب التعامل معه في عملية السلام المتعثّرة".

وأضاف: "حاول المبعوث الأممي التبرير لدفاعه عن الإرهاب الحوثي، بتصنعه الحرص على الوضع الإنساني في اليمن، وهو تصنُّع زائف يتجاهل بشكل صارخ حقيقة أن المليشيا هي من أشعلت الحرب، وأدت إلى أسوأ كارثة إنسانية في العالم، ونهبت وسرقت واستحوذت على أكثر من 80% من المساعدات الإغاثية، بحسب التقارير الموثوقة للأمم المتحدة، والمنظمات الإنسانية الدولية، والجهات الدولية المانحة".

وتابع مستغربا: "الغريب أن غريفيث هو نفسه من صرح أكثر من مرة أنه وصل إلى طريق مسدود مع مليشيا الحوثي، بشأن زيارته للعاصمة صنعاء للقاء قياداتها هناك، بعد أن حظرت دخوله لها منذ أكثر من 10 أشهر، حيث كانت آخر زيارة له لصنعاء في مارس من العام الماضي، وكشفت أن عبد الملك الحوثي أصدر أوامره بعدم السماح له بزيارة صنعاء وعدم رغبة الحوثيين بلقائه مرة أخرى، وعجز غريفيث عن إقناعهم بالعدول عن هذا القرار رغم توسيطه للعديد من الدول المؤثرة على الحوثيين، وها هو يقف المبعوث أمام مجلس الأمن الدولي يؤكد على أن القرار سيساهم في عرقلة خطط السلام، وأنه سيتسبب بمجاعة في اليمن ولا بد تاليا من التراجع عنه في أسرع وقت لأسباب إنسانية".

ولفت إلى أن إفشال الحوثي وعرقلته لكل محاولات صنع السلام في اليمن، وتعطيل كل المحاولات السياسية والدبلوماسية والدولية لاستكمال المرحلة الانتقالية، وانتشال اليمنيين من المعاناة التي تسبب بها الانقلاب، يثبت أن الحوار والاستعطاف وحده لا يكفي مع هذه الجماعة الإرهابية، لذا من المؤكد أن القرار الأمريكي سيُسهم في التعاطي الإيجابي مع جهود المبعوث الأممي، الذي من المفترض أن يدعمه كونه إضافة لإيجاد حل سياسي يُنهي الأزمة في اليمن، ويوقف عملياتهم العسكرية الإرهابية ضد الشعب اليمني.

 

تبعات تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية:

يمنح أحد القوانين الاتحادية وزير الخارجية الأمريكي سلطة واسعة في تصنيف أيّ كيان أجنبي كـ"منظمة إرهابية أجنبية"، حالما تحدّد وزارة الخارجية انخراط هذا الكيان في نشاط إرهابي، وقدرته ونيته في ذلك، وتهديد مثل هذه الأفعال لمواطني الولايات المتحدة أو أمنها القومي، وتصنيف الحكومة الأمريكية الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، سيترتب عليه عدة أمور لعل أهمها: مقاضاة أيّ شخص في الولايات المتحدة أو خارجها، مشتبه بتقديمه الدعم أو الموارد للجماعة المسلّحة بموجب قوانين فدرالية عديدة، بما فيها تلك التي تحظر الدعم المادي للإرهاب، وبالتالي تجفيف مواردهم المالية، بعد أن يتوقف رجال الأعمال عن شراكاتهم التجارية مع قيادات الحوثيين القائمة حالياً.

قد تخلق القيود على الدعم المادي أيضا عوائق خطيرة أمام الوسطاء الخارجيين المشاركين في مفاوضات السلام بين الحوثيين والأطراف الأخرى من خلال اعتبار تقديم أيّ ممتلكات أو خدمات، بما في ذلك مشورة أو دعم الخبراء إلى منظمة مصنّفة كإرهابية جريمةً جنائية.

كما يعد تصنيف المليشيات الحوثية جماعة إرهابية خطوة مهمة في تعزيز جهود التصدي للإرهاب حول العالم، ويعزز من جهود مكافحة الإرهاب وتمويله على الصعيدين الإقليمي والدولي، لما تمثله هذه المليشيات من مخاطر حقيقية وتهديدات واضحة على الأمن والسلم الدوليين.

سيدعم التصنيف الجهود السياسية القائمة، وسيجبر قادة المليشيا الحوثية على الدخول في مفاوضات جادة للتوصل للسلام، ويضغط عليهم للتنفيذ بعد توقيع أي اتفاقية، وسيوفر ورقة رابحة للضغط على الحوثيين للقبول بالحل السياسي.

لن تستطيع المليشيات الحوثية تجنيد أعداد كبيرة من الشباب، والزج بهم في ساحات المعارك كما تفعل الآن، إذ سيمتنع شيوخ القبائل والعائلات "الهاشمية" عن التعامل مع جماعة إرهابية، كما حدث مع القاعدة في المكلا والبيضاء، ومن يتعامل معها بأي شكل، سواء مالياً أو بتوريد الأسلحة، أو تبادل التجهيزات والسلع، سيكون تحت طائلة العقوبات الأمريكية، إلى جانب وضع المليشيات تحت المجهر العالمي.

 

المنظمات الدولية داعمة للإرهاب الحوثي:

في مقابل الاحتفاء والترحيب الواسع من الشعب اليمني بمختلف قواه السياسية والاجتماعية والمدنية، بقرار تصنيف مليشيات الحوثي جماعة إرهابية، احتشدت بعض المنظمات الأممية والدولية غير الحكومية، ونصبت نفسها للدفاع عن الإرهاب الحوثي، وإطلاق نصائح ومناشدات تطالب الإدارة الأميركية بالعدول عن القرار بذرائع متناقضة ومفضوحة، مما أثار الكثير من التساؤلات حول الأسباب التي جعلت هذه المنظمات تدافع عن الإرهاب الحوثي، وهي التي اتهمته مرارا وتكرارا بسرقة المساعدات الإنسانية وعرقلة وصولها لمستحقيها.

الباحث (ن.ع) يجيب عن هذه التساؤلات بقوله: "لا شك أن هناك عدة دوافع تجعل هذه المنظمات تعترض على قرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، فهناك العديد من هذه المنظمات متورطة في الفساد والعبث بأموال المساعدات الإنسانية والتربّح من إدارتها للعملية الإنسانية والتواطؤ مع ذهاب الإغاثة للمليشيا، إضافة لتبادل المنافع بين المسؤولين والموظفين المتربعين على رأس تلك المنظمات مع الحوثيين، وفق تقرير سري صدر عن لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة بشأن اليمن، بالإضافة إلى عدة تقارير للأمم المتحدة الداخلية من عامي 2016 و2019 سردت عدة حوادث قام فيها الحوثيون باختطاف شاحنات تحمل إمدادات طبية، وفي وقت لاحق تم توزيع الإمدادات على المقاتلين الحوثيين في الخطوط الأمامية، واعترف مسؤول أممي كبير ساعد في صياغة تلك التقارير، بأن العديد من الموظفين التابعين لمنظمات الأمم المتحدة في اليمن ساعدوا الحوثيين ويعملون معهم من وراء الكواليس، حينها قال مسؤول أممي إن عجز الأمم المتحدة أو عدم رغبتها في التصدي للفساد في برامجها للمساعدات، يضر بجهود الوكالة لمساعدة اليمنيين المتضررين من الحرب، مشيراً إلى أن هذا التورط في الفساد والتواطؤ مع الحوثيين يُعد أمراً فاضحاً لأي وكالة، ويدمر حياد الأمم المتحدة".

وتابع حديثه قائلا: "لقد تم فضح تلك العلاقات الوثيقة بين موظفي الأمم المتحدة وقادة الحوثيين، ورضوخ وكالات الإغاثة الدولية للمليشيا التي تسيطر على تحركاتها وتنفيذ مشروعاتها، وكشفت عدة تحقيقات أن العديد من موظفي الإغاثة التابعين للأمم المتحدة الذين جرى نشرهم للتعامل مع الأزمة الإنسانية في اليمن، متهمون بالكسب غير المشروع، والتعاون مع الحوثيين لإثراء أنفسهم من المواد الغذائية والأدوية والوقود والأموال المتبرع بها دولياً".

واختتم حديثه بقوله: "المفارقة الساخرة أن تلك المنظمات المتورطة بشكل صارخ في سرقة المساعدات الإنسانية والتلاعب بأموال المانحين الدوليين، وتبادل المنافع مع قادة المليشيا، يصرخون اليوم ويدافعون عن الإرهاب الحوثي، بذريعة أن قرار الإدارة الأميركية سيحرم اليمنيين من المساعدات الإنسانية".

 

لماذا الحوثيون منظمة إرهابية؟

يأتي القرار الأميركي لتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية في ظل تزايد الدعم الذي تتلقاه من النظام الإيراني، الراعي الأول للإرهاب في العالم، كما أنها ستشكل خطوة نحو محاصرة الحرب الدموية التي تشنها منذ نحو سبع سنوات، ونتج عنها أكثر من 100 ألف قتيل ومئات الآلاف من الجرحى والمصابين وأكثر من ثلاثة ملايين نازح وتهجير أكثر من مليون أسرة يمنية قسرياً، وشنت عمليات اختطاف واسعة شملت أكثر من 50 ألف مدني، ومارست عمليات تعذيب حتى الموت بحق المئات منهم.

انتهاكات داخلية وخارجية متواصلة لمليشيا الحوثي، دفعت الحكومة الأمريكية للاتجاه إلى تصنيفها منظمة إرهابية، حيث قال نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي تيموثي ليندركينج للصحفيين في مؤتمر عبر الهاتف، إن "استهداف جماعة الحوثي اليمنية للمدنيين، وتعميقها العلاقات مع الحرس الثوري الإيراني واستخدام عمليات الخطف أداة من أدوات الحرب، جميعها عوامل تقود الحكومة الأمريكية للنظر في اعتبار الحركة منظمة إرهابية أجنبية".

وتابع: "إذا أرادوا أن يكونوا طرفا سياسيا شرعيا داخل اليمن، فعليهم أن يتوقفوا عن هذه الأنشطة".

ووفق إحصاءات يمنية رسمية، فقد مارست المليشيات كل أنواع الجرائم الإرهابية من قتل وخطف وتعذيب وتشريد لآلاف اليمنيين، حيث فجّرت 898 منزلا وممتلكاً خاصاً ومنشأة عامة، بينها 753 منزلاً سكنياً و45 مسجداً وداراً للقرآن و36 مدرسة ومرفقاً تعليمياً، وحولت 160 مسجداً إلى ثكنات عسكرية واستراحات لعناصرها.

هي جماعة إرهابية طافحة بالكراهية والحقد، لا تقيم أدنى اعتبار للكرامة الإنسانية، فمنذ 2004 مارست هذه العصابات صنوف الإرهاب ضد أبناء صعدة، ثم توسع إرهابها ليشمل ملايين اليمنيين، إذ شهدت سجونها ومعتقلاتها أبشع صور الإرهاب بحق مدنيين عُزل، الكثير منهم قضى نحبة، والذي غادر منهم السجون لازمته إعاقة مدى الحياة.

مثلت المليشيات تهديداً لأمن واستقرار المنطقة والأمن العالمي، من خلال تهديد حركة الملاحة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، وتهديد تجارة النفط العالمية والمنشآت النفطية، حيث استهدفت خلال العامين الماضيين عددا من السفن النفطية والإغاثية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وقبالة ميناء المخا، بهجمات نفذتها عبر زوارق بحرية وصواريخ حرارية إيرانية الصنع.

وفي نهاية ديسمبر الماضي، أقدمت المليشيا على قصف مطار عدن، مما أسفر عن سقوط 135 قتيلاً وجريحاً من المدنيين والصحفيين وموظفي الصليب الأحمر الدولي.

لم تمارس أي عصابة في التاريخ الإرهاب بمفهومه الشامل، ولم تحط بكل وسائله كما هو الأمر مع مليشيا الحوثي، التي جمعت كل صنوف وصور الإرهاب وسلطته على الشعب اليمني، ولم تسلم منه فئة مجتمعية، وحتى شريحة الأطفال والنساء اكتووا بجحيمه، ولا يزال هذا الإرهاب كامناً في باطن الأرض لعقود قادمة في صورة ألغام تنهي الحياة، أو تحيل الإنسان إلى معاق.