الخميس 25-04-2024 16:10:22 م : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون ونهب الرواتب.. تداعيات كارثية لمصادرة الحق في الحياة

الأحد 29 نوفمبر-تشرين الثاني 2020 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت- خاص-زهور اليمني

 

تستفرد مليشيات الحوثي بالفساد ونهب إيرادات مؤسسات الدولة، وكان آخر ذلك مصادرة نصف الراتب الذي كانت تتصدق به على الموظفين كل أربعة أشهر، غير مبالية بتوسع دائرة الفقر والحاجة لدى ملايين اليمنيين منذ انقطاع رواتبهم، والتي كانت الأزمة الأشد إنهاكاً لمئات الآلاف من الموظفين، وأكبر كارثة إنسانيّة تركت تأثيراتها السلبيّة على حياة الناس، حتى بات الاحتقان الشعبي والغضب المكبوت يعتمل بشكل متزايد في صفوف الموظفين والعاملين بالمؤسسات الحكومية، وينذر بثورة جياع عارمة.

 

رضينا بالذل وصبرنا على فقرنا:

لقد دُمرت حياة كثير من الموظفين نتيجة انقطاع الرواتب، وصار من الاستحالة أن تعود حياتهم كما كانت حتى لو صُرف الراتب، فتلك الأسر التي تشتت شملها وتفككت روابطها لن تصلحها عودة الراتب أو تلم شملها.

حول أزمة انقطاع الرواتب التي تأثر بها معظم موظفي القطاع الحكومي، والعاملون في قطاع التعليم خاصة، تقول أسماء: "لقد خسرنا كل شيء، ورضينا بالذل وصبرنا على فقرنا على أمل أن يتحسن الوضع، لكن الأمل تلاشى مع تصريح رئيس حكومة الانقلابيين بعجزه من صرف نصف الراتب الذي كان يأتي كل أربعة أشهر".

وتضيف أسماء: "لقد تعبنا واجتهدنا للحصول على حياة كريمة ووظيفة آمنة، وكنا نظن أننا قد حصلنا عليها ولن يستطيع أحد أن ينتزعها منا حتى جاء الحوثي وانتزع كل شيء، حتى استقرار أسرتي انتزعه مني، فزوجي أصبح عاجزا عن الحركة بعد أن أصيب بجلطة نتيجة معاناتنا اليومية في البحث عما يسد جوعنا، بعتُ ذهبي ولم يعد معي شيء أبيعه، حتى أولادي أخرجتهم من المدارس بعد قرار الحوثي بأخذ ألف ريال على كل طالب، وأصبحوا مشردين في كل محافظة بحثا عن مصدر رزق، فأنا أتقاضى نصف راتب فقط في رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى، والآن لم يعد يصرف نصف الراتب".

وتابعت: "قد يتبادر إلى ذهنك إنني أبالغ ولكن عليك فقط أن تتخيلي نفسك لا تمتلكين ريالا واحدا لعدة شهور، فكيف سيكون حالك؟ الوضع يزداد كل يوم سوءا والانقلابيون يمعنون كل يوم في تجويع الشعب ولا أدري إلى أين سيوصلوننا".

 

استمرار جبايات الأموال تحت عدة مسميات:

تعدُّ مليشيا الحوثي سلطة جبايات بدرجة أولى، فمنذ سيطرتها على العاصمة صنعاء سارعت إلى وضع يدها على المؤسسات الاقتصاديّة ذات الطابع الإيرادي، وأسست شبكة واسعة من الجبايات المفروضة على الشركات والتجار والمواطنين بمختلف المسميات والذرائع.

أستاذ الاقتصاد (م. ف) يرى أن استمرار الوضع على ما هو عليه في تجاهل قضية رواتب الموظفين ونسيانها من ضمن أجندات الحكومة، وأيضا استمرار مليشيات الحوثي في نهب إيرادات الدولة سيفجر أزمة إنسانية كبيرة يصعب حلها على المدى القريب.

ويضيف قائلا: "بإمكان عائدات النفط والغاز تغطية رواتب موظفي الدولة ولن يقتصر الأثر الإيجابي لاستئناف إنتاج وتصدير النفط والغاز على دفع الرواتب، بل سيمتد إلى كل المؤشرات والموازين الاقتصادية الكلية، بما في ذلك تمويل واردات السلع الأساسية بسعر الصرف الذي يحدده البنك المركزي اليمني، إضافة إلى تهدئة تقلبات سعر الصرف والحد من موجات التضخم واستئناف الدورة النقدية في الاقتصاد الوطني وتخفيف حدة الأزمة الإنسانية".

ويختتم حديثه قائلا: "لا يكترث الحوثيون لمصير الكثير من المواطنين الذين فقدوا مصدر رزقهم الوحيد في بلد يعيش حالة حرب وندرة كافة البدائل المتاحة للحصول على المال، إذا لم تكن معدومة عند غالبية الناس، في الوقت الذي تستمر فيه جباية الأموال تحت عدة مسميات إضافة إلى الصرامة في تحصيل إيرادات الضرائب".

 

المليشيات أجهضت ترتيبات الحكومة لصرف رواتب الموظفين:

في تصريح له اعتذر رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى بصنعاء، مهدي المشاط، عن صرف نصف راتب كل شهرين، والذي كان قد وجه بصرفه في وقت سابق من العام الماضي.

وقال: "أنا أقف أمامكم الآن وأنا متأسف، كلنا متأسفين جميعاً، في الصعوبات المتعلقة بموضوع الموظف الحكومي، الذي لم نستطع الإيفاء بنصف الراتب كما وجهنا سابقاً".

معمر الإرياني وزير الإعلام في الحكومة الشرعية علق على تصريح المشاط قائلا: "إن ما تروج له مليشيا الحوثي عن ضغوط دولية لمنعها من صرف نصف راتب كل نصف عام وقاحة واستخفاف بعقول اليمنيين".

وأضاف أن "مزاعم المليشيا الحوثية دعاية رخيصة هدفها تضليل الرأي العام والتغطية على نهبها المتواصل لرواتب الموظفين والإيرادات العامة وعرقلتها جهود الحكومة والأمم المتحدة لصرف الرواتب بانتظام".

‏ ‏ونوه الإرياني إلى أن مليشيا الحوثي أجهضت ترتيبات الحكومة برعاية أممية لصرف رواتب الموظفين وفق كشوفات 2014 بانتظام بعد نهبها 40 مليار ريال تم جمعها في الحساب الخاص بالرواتب بفرع البنك المركزي بمدينة الحديدة من عائدات رسوم استيراد المشتقات النفطية في ميناء الحديدة، دون التنسيق أو إخطار المبعوث الدولي.

و‏قال الإرياني: "تحاول مليشيا الحوثي الاستمرار في نهب المليارات بذريعة صرف نصف راتب كل ستة أشهر للموظفين في مناطق سيطرتها، بينما بالإمكان صرف راتب كامل بشكل منتظم لكافة موظفي الدولة وفق كشوفات 2014 لو أعادت الأموال المنهوبة من الحساب الخاص بالرواتب والتزمت بتوريد إيرادات ميناء الحديدة".

‏وأكد الإرياني حرص الحكومة على صرف رواتب كافة موظفي الدولة بشكل منتظم ووقف عمليات النهب والاستقطاع غير القانوني باسم الضرائب والزكاة والخمس، والاستغلال والتوظيف السياسي لهذا الملف الإنساني، بينما تواصل المليشيا الحوثية نهب أقوات المواطنين والعزف على أوجاعهم والمتاجرة بمعاناتهم".

 

لا أجد المال لشراء المهدئات:

لم تتحمل كثير من الأسر تبعات انقطاع الرواتب والصمود أمام هذا المد العاصف للحاجة والعوز والعجز، وسرعان ما آلت الظروف الاقتصادية القاهرة بالكثير من العائلات إلى التفكك والانفصال، عشرات من السنوات يقضيها الإنسان ليؤسس عائلته وفي ظل أزمة قاهرة يجد نفسه غير قادر على حمايتها أو الإبقاء عليها وهو يقف عاجزاً عن الإيفاء بمتطلباتها ومسؤولياته.

أبو عبد الله انهار وضع أسرته بسبب تدهور حالته المادية وعدم قدرته على تغطيات نفقاتها الأساسية، يحدثنا والحسرة بادية على ملامحه قائلا: "أعمل في مؤسسة الكهرباء وكما يعلم الجميع أن المؤسسة لم تصرف رواتب موظفيها منذ خمس سنوات، هذا الأمر أثر على حياتي وزاد من معاناتي النفسية وأصبحت بحاجة إلى طبيب نفسي يخرجني من الحالة التي وصلت لها، لكنني لم أجد المال لشراء المهدئات التي وصفها لي الطبيب النفسي، ولا أعتقد أن هناك علاجا قد يجعلني أنسى وضعي.. زادت المشاكل بيني وبين زوجتي بعد أن قام صاحب البيت بطردي من البيت بسبب تراكم الإيجارات، حتى وصلت إلى حد الطلاق بعد أن أصبحت غير قادر على الإنفاق عليها وعلى أولادي، رغم أن مطالبها كانت محدودة لكنها لم تكن متوفرة".

ويضيف: "قرار توقف صرف الرواتب أسوأ ما حدث لليمنيين خلال عقود من الزمن، فهم باستطاعتهم تحمل نيران الصراع والقصف والانفجارات، لكنهم غير قادرين على مواصلة حياتهم بعد ما فقدوا رواتبهم وأعمالهم، وبسبب هذا القرار أصبحت غير قادر على تحمل نفقات أولادي التعليمية، فقد تسرب منهم أربعة وبقي اثنان يواصلان دراستهما، فهل توجد كارثة أشد من التسرب من التعليم وتعميق الاختلالات القائمة في سوق العمل وتوسيع رقعة الفقر والبطالة".

 

احترامي لنفسي يتراجع:

إذا كانت الأخلاق تشكل الدعامة الأولى للأمم والشعوب، فإن العلم يشكل دعامتها الثانية، وفي بلادنا عمل الانقلابيون على انحدار في مستوياته وضعف جودة مخرجاته وضياع إستراتيجياته لتقوده نحو شفا الهاوية، فهو لن يترك آثاره على العملية التعليمية لتقتصر على الفترة الحالية، إنما ستطال المرحلة المقبلة من مستقبل البلاد.

الدكتور فاروق، المحاضر بجامعة صنعاء، والذي اضطره انقطاع الرواتب للعمل في أحد المخابز، يحدثنا قائلا: "لم أكن أفكر ولو للحظة أنه يمكنني أن أعمل في غير مهنتي كمحاضر في الجامعة، وبعد انقطاع الرواتب وانتهاك كرامة المواطن اليمني وتركيعه عبر محاربته في مصدر رزقه، اضطررت للبحث عن عمل لتغطية النفقات الضرورية لأسرتي، وها أنا الآن أعمل عجانا في أحد الأفران بالإضافة إلى أنني لا زلت أداوم في الجامعة حفاظا على وظيفتي وتأدية للواجب الوطني".

وأضاف بحسرة: "احترامي لنفسي يتراجع أمام ضعفي وعدم قدرتي على تغطية الاحتياجات الأساسية لأسرتي، صار الأمر تغطية احتياجات وليس الحفاظ على صورتي، وانقطاع الرواتب جعلني أتنازل عن الشكل والهيبة، مقابل أن أوفر أساسيات المعيشة".

أما حسين الذي يعمل منسقا في جامعة صنعاء، فيحدثنا أن وضع التعليم العالي بشكل خاص يشهد تراجعا كبيرا في ظل أزمة انقطاع الرواتب، وفي ظل الأزمات الاقتصادية التي تتوإلى وتضع اليمنيين أمام واقع مر، حيث قال: "هناك تراجع ملحوظ في أعداد المتقدمين مقارنة بالأعوام الماضية، فعلى سبيل المثال كان يتقدم في كلية الطب البشري بجامعة صنعاء سبعة آلاف إلى عشرة آلاف، لكن هذا العام بلغ عدد المتقدمين قرابة أربعة آلاف متقدم، ما يعني أن هناك تراجعا في التعليم الجامعي بسبب الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها اليمنيون، والتي تتفاقم مع استمرار انقطاع الرواتب.. انقطاع الرواتب أجبر الكثيرين على الالتحاق بسوق العمل، بدلا عن الجامعة والتعليم، فعندما يجد الشاب الذي أحالت الحرب والده إلى المنزل دون راتب، يجد نفسه أمام خيارين، إما التعليم وترك أسرته تموت جوعا، أو البحث عن عمل ينقذها".

وأضاف قائلا: "انقطاع رواتب موظفي الدولة أدى إلى تدهور وضع المواطن حتى وصل إلى أنه لا يكاد يجد قوت يومه.. أتحدث عن الغالبية العظمى من الشعب باستثناء تجار الحروب المستفيدين من هكذا أوضاع.. الأستاذ الجامعي هو موظف دولة، وولي أمر الطالب أو الطالبة الجامعية في الغالب موظف دولة، عندما انقطعت رواتب الطرفين ضاعت العملية التعليمية وعزف الجميع عنوةً عن الاستمرار، وأصبح نتاج المرحلة الراهنة مخرجات تعليم ليس جامعيا بل تعليم جهادي تفخيخي لأن معظم الشباب ونتيجة لتوقف التعليم وانعدام الأعمال توجهوا إلى جبهات القتال مع هذا الطرف أو ذاك".

ويتابع حديثه قائلا: "كثيرا ما ألاحظ الانكسار واضح على المئات من المتقدمين للتسجيل في اختبارات القبول، ولم يكونوا جادين في مسألة خوض تلك الاختبارات بحماس وتنافس، والسبب يعود إلى الأوضاع والظروف الاقتصادية بشكل عام، حيث إن الكثير من المتقدمين آباؤهم يعتمدون بشكل أساسي على الراتب المنقطع منذ خمس سنوات، لذا هم يقولون لي إنهم غير جادين، وغير مستعدين هذا العام للدراسة، معللين ذلك بالظروف المعيشية السيئة التي تمر بها أسرهم، وأنهم يواجهون مشاكل مستمرة في مسألة توفير لقمة العيش".

 

لجأت إلى الاستدانة وبيع مدخرات زوجتي من الذهب:

يعيش نحو 600 ألف موظف حكومي للعام الخامس على التوالي في معاناة قاسية بسبب توقف رواتبهم، وانقطاع السبل بهم مع عدم وجود أي مصادر دخل أخرى، إذ يعيلون أسراً يقدر عددها بنحو 5 ملايين فرد، لذا اضطر الكثير منهم إلى خوض غمار حياة شاقة، والخروج إلى الشوارع والأسواق للبحث عن عمل لإعالة أنفسهم وأسرهم.

يحدثنا أبو علي بمرارة وقهر قائلا: "عشرون عاما وأنا موظف حكومي وكان راتبي يغطي نفقات أسرتي وتكاليف السكن، ومنذ توقف صرف الرواتب عشت وما أزال ظروفاً قاسية، مما اضطرني إلى تغيير مهنتي والبحث عن أي عمل ولو حمالا بالأجر اليومي في أحد المحال التجارية، لكن الأمر لا يستمر طويلا وسريعا ما أجد نفسي في حاجة وعوز، وهدر لكرامتي أمام صاحب البيت الذي يطالب بمستحقاته بعدما تجاوزات مئات الآلاف. لقد كنت أسلم له نصف الراتب الذي يأتي كل أربعة أشهر، أما وقد انقطع هذا النصف فما أدري كيف سيكون مصيري وكيف سيتصرف صاحب البيت معي، خاصة أن هناك موظفين هم أصدقاء لي زج بهم ملاك العقارات في السجون على خلفية التأخر بسداد الإيجارات، والقضاء لم يحرك ساكنا بل واعتبرهم كمتهربين من الوفاء بالتزاماتهم تجاه المؤجرين دون عذر".

وأضاف: "لقد لجأت إلى الاستدانة وبيع مدخرات زوجتي من الذهب خلال الخمس السنوات الماضية، وفرضت التقشف على أسرتي على أمل أن يجد المسؤولون على هذا الشعب حلا يُنهي معاناتهم التي تتفاقم يوماً بعد آخر، لكن لا بوادر تجعلني أنتظر الحل، فقد كنا نستلم نصف راتب كل أربعة أشهر.. الآن توقف هذا النصف في ظل العجز والاستهتار من قبل الحوثي".

 

المليشيات تعرقل صرف رواتب الموظفين:

دعت الحكومة الشرعية الأمم المتحدة إلى تحميل مليشيا الحوثي مسؤولية تفاقم الوضع الإنساني. وقال بيان صادر عن المجلس الاقتصادي التابع للحكومة اليمنية إن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة ونتائجها بشأن تدفق الوقود إلى ميناء الحديدة ومناطق سيطرة الانقلابيين تؤكد حرص الحكومة على التخفيف من معاناة المواطنين وتجنب التسبب في مزيد من التعقيد للوضع الإنساني بسبب شحة الوقود.

وأضاف البيان أن الإجراءات الحكومية في هذا الصدد تجسد التجاوب الحكومي الإيجابي مع طلبات المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، دون التفريط في ضوابط الحد من التجارة غير القانونية للوقود، والاستمرار في جهود وإجراءات تعزيز إيرادات الدولة لتحقيق هدف صرف رواتب جميع المدنيين، وهو الأمر الذي يعد متطلبا جوهريا وأساسيا لتحسين الوضع الإنساني.

وكانت الحكومة الشرعية قد اتفقت مع المليشيات الحوثية العام الماضي على إدخال الوقود إلى مناطقها، على أن يتم توفير ضرائب وجمارك المشتقات النفطية في حساب خاص لدفع رواتب الموظفين.

وتم ذلك بالتوافق مع مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، لكن إجراءات الحوثيين بمنع تداول العملة المطبوعة حديثا، أدت إلى توقف المباحثات التي استهدفت وضع آلية عملية لاستغلال هذه المبالغ لدفع الرواتب.

وتتهم الحكومة المليشيات بعدم الالتزام بهذا الاتفاق، ما أدى إلى استمرار مسألة تدهور الوضع الإنساني جراء أزمة الوقود في مناطق سيطرة الحوثي وعدم تسليم رواتب الموظفين.

كلمات دالّة

#اليمن