الخميس 28-03-2024 23:05:02 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

لتدمير المجتمع والسيطرة على مسلحيها...

تجارة المخدرات أهم مداخيل المليشيات الحوثية بعد النفط والأسلحة

الخميس 26 نوفمبر-تشرين الثاني 2020 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت – خاص / توفيق السامعي

 

تستخدم المليشيا الحوثية المخدرات كوكالة حصرية للاتجار بهذه المواد الممنوعة عالمياً، وبدعم من حزب الله اللبناني الذي يعتبر وكيلاً إقليمياً لرعاية وتهريب هذه المواد إلى المنطقة برمتها وله شبكة دولية في تجارة المخدرات تمتد من جنوب أمريكا وحتى غرب آسيا وجنوب أوروبا وله محطات عديدة في أفريقيا.
زادت وتيرة الاتجار بالمخدرات في المنطقة من قبل حزب الله والمليشيات الحوثية، كما زادت وتيرة التهريب في الفترة الأخيرة الممتدة من 2010 وحتى اليوم بسبب اضطراب الأوضاع السياسية في المنطقة كلها عموماً واليمن خصوصاً والذي يعد من أهم بوابات ونوافذ العبور بهذه المواد المخدرة خاصة الخطين البحري والبري.
لم تكن حادثة التهريب الأخيرة في السفينة في عدن التي أدخلت المخدرات عبر حاوية السكر المصدرة من البرازيل إلا جزءاً يسيراً ومكتشفاً من عمليات أخرى لم يتم اكتشافها حتى الآن، وجهت فيها أصابع الاتهام لحزب الله اللبناني كمصدِّر والحوثي كمستقبل وموزع، لكن يبدو أن ثمة جهات أخرى متعاونة مع حزب الله والحوثيين هي التي تمرر لهم هذه الشحنات.
يبدو لخلافات بين رعاة وزعماء الصفقات المشبوهة للمافيا الدولية تم الإبلاغ عن هذه السفينة وحمولتها وترصدها، ما يعني أن كميات أخرى ربما مرت بنفس الآلية دون أن تكتشف من قبل، وعلى الجهات الرقابية تشديد البحث عن نفس الطرق، كما تهرب كميات الأسمدة الداخلة في صناعة المتفجرات عن طريق ميناء عدن وتم ضبط بعض الشحنات في طرق ريفية بتعز وكذلك في الحديدة والمخاء.

 

خط سير شحنة المخدرات

من خلال رصد العديد من القضايا التي تم ضبطها في تهريب المخدرات، وخاصة العمليات الأخيرة، فإن خط سير السفينة التي حملت الشحنة كان من البرازيل مروراً بميناء رابغ في المملكة العربية وصولاً إلى عدن.وتضارب المعلومات بين كمية حمولتها من المخدرات يشوش على مجريات التحريات الدقيقة للسفينة، حيث ذكرت الأجهزة الأمنية في عدن أن الشحنة كانت أكثر من 3 أطنان من الحشيش والهروين وغيرها، بينما ذكرت المصادر الإعلامية في وكالة "سبأ" وقناة الحدث وما تم التصريح به عقب إتلاف الكمية من قبل النيابة أنها 250 كيلوجراما فقط.


ومن خلال العودة إلى أرشيف عمليات مماثلة منذ عشرين عاماً وحتى اليوم فإن عمليات تهريب شحنات المخدرات سواء عبر عدن أو المهرة أو حضرموت أو المخاء وذوباب تكون اليمن خلالها محطة عبور لا محطة استقبال وتصريف باستثناء كميات قليلة منها توزع لتجار محليين خاصة حبوب "الكبتاجون" الأقل ثمناً وضرراً واستخداماً من قبل متعاطين يمنيين وبسبب قلة الدخل الفردي للمواطن اليمني.
ومن خلال الرصد لأماكن وطرق تصريف وتهريب تلك الشحنات المخدرة يتضح للمتابع أن خط سير تلك الشحنات يتجه من الجنوب والشرق والغرب ويصب شمالاً في صنعاء وصعدة وحجة وعمران والمناطق الحدودية مع المملكة، وتبدو دول الخليج وجهتها الأولى كونها الأكثر غنى والأشد رقابة على منافذها البحرية والجوية والبرية غير أنها من ناحية الجنوب في الحدود مع اليمن تشكل نقطة ضعف رقابية كبيرة يسهل لشبكات التهريب المرور منها.


لكن ومن خلال بعض العمليات أيضاً فإن المملكة العربية السعودية أحبطت عملية كبيرة تهريب مخدرات لحبوب الكابتاجون من المنفذ السعودي الإماراتي، فبحسب وكالة الأنباء السعودية (واس) فقد تمكنت الهيئة العامة للجمارك ممثلة في جمرك البطحاء الحدودي الرابط بين المملكة والإمارات في ديسمبر من العام 2019 من إحباط تهريب كمية ضخمة من المخدرات تقدر بـ10 ملايين و100 ألف حبة كبتاغون حاول سائقا شاحنتين ادخالها لأراضي المملكة، وفي 16 مارس 2018 م أحبط رجال الجمارك السعودية في منفذ الحديثة، تهريب 109.38 حبة كبتاجون من خلال أربع عمليات مختلفة، كما أحبطت الأجهزة الأمنية في المملكة في 02 إبريل 2020 م بالميناء الجاف في مدينة الرياض من إحباط عملية تهريب كمية كبيرة من حبوب الكبتاجون بلغ عددها أكثر من (2,504,468) حبة كبتاجون، عُثر عليها مُخبأة في إرسالية وردت من خلال الميناء عبارة عن ألواح من الأسقف المستعارة قادمة من تركيا..

 

وكلاء تجارة المخدرات

تعتبر تجارة المخدرات أهم تجارة غير مشروعة وسوقاً سوداء رائجة بعد تجارة النفط وتجارة الأسلحة، ولذلك تدر مداخيل كبيرة للمافيا الدولية لأموال قذرة، وحيث إن كافة الدول والمنظمات العالمية تحرم هذا النوع من التجارة وتحاربه إلا أن بعض الدول وبعض الأنظمة العالمية تلجأ إلى منظمات سوداء إرهابية أو تختلق منظمات أخرى لإدارة هذا النوع من التربح والأسواق والأموال القذرة.
فعلى سبيل المثال في ديسمبر 2017 دعا وزير العدل الأمريكي، جيف سيشنز، قضاء بلاده إلى فتح تحقيق بشأن الطريقة التي تعاملت بها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما مع ملف اتجار حزب الله بالمخدرات.


وجاء طلب وزير العدل الأمريكي، بعد تقارير صحفية اتهمت أوباما بالتدخل لوقف تحقيق بشأن شبكة لتجارة المخدرات تابعة للمليشيات اللبنانية.
ونشر موقع "بوليتيكو" الإخباري، تقريرًا يفيد بأن إدارة أوباما عرقلت تحقيقات كانت الوكالة الأمريكية لمكافحة المخدرات تجريها بشأن شبكة لتجارة المخدرات تابعة لحزب الله، مايعني أن هناك تواطؤاً دولياً في هذه التجارة كما هو الحال مع تجارة الأسلحة.
ومن خلال البحث في هذا المجال فإن حزب الله اللبناني يعد من أهم المنظمات الدولية اتجاراً بالمخدرات ومروجاً لها ويعمل وكيلاً عالمياً لهذه التجارة يصرفها في أفريقيا وأوروبا والدول العربية، حيث يتخذ من دول أمريكا اللاتينية مقراً ومصدراً لهذه التجارة وقد تم كشف عشرات العمليات من هذا النوع يكون حزب الله متورطاً بطريقة أو بأخرى فيها.


لحزب الله أيضاً ارتباطاته الإقليمية ومتبنيه الإقليميون كإيران سواء على المستوى الإرهاب والسلاح وزعزعة أمن الدول واستقرارها أو على التجارة السوداء كالمخدرات لتمويل أنشطته الإرهابية وحروبه الإقليمية.
استعان حزب الله بمنظمات إرهابية أخرى مرتبطة به كالحوثيين وبعض أذرعه في أفريقيا، وكذلك من خلال الدعم الإيراني للطرفين يستطيع وبسهولة استيراد مادة الحشيش الخام من أفغانستان وباكستان المجاورتين لإيران وفتح الحدود لهذه التجارة وتصريفها من خلال المنافذ اليمنية منذ عام 2000 وحتى اليوم، وزادت وتيرتها منذ الانقلاب الحوثي في 21 سبتمبر عام 2014 حيث أحبطت الأجهزة الأمنية والجيش الوطني عشرات العمليات وضبطت عشرات الأطنان إجمالاً طيلة السنوات الماضية.


من خلال المتابعة الإعلامية للعمليات الحوثية المستمرة في تجارة المخدرات، فإن الحوثيين يعملون كوكيل حصري محلي لهذه التجارة جرياً وراء المعلِّم العراب لهذه التجارة، ولذلك نلحظ أن معظم عمليات التهريب تصب في مناطق الحوثيين، شهرت بتجارتها وتوزيعها من خلال مناطق حدودية في حجة وصعدة وبعض مناطق الجوف.

 

ازدياد وتيرة التهريب

بدأت ظهور عمليات التهريب للمخدرات في اليمن إلى العام 2000م تقريباً أو زادت شهرتها بحسب تسليط الضوء الإعلامي على هذا النوع من التجارة والتهريب، إلا أنها كانت تتصاعد بين فترة وأخرى، وازدادت وتيرة تهريب المخدرات إلى اليمن وعن طريقها إلى المنطقة منذ عام 2005 ثم بعد عام 2011 وبلغت ذروتها منذ انقلاب الحوثيين في سبتمبر 2014.


واتسعت خلال العشر السنوات الأخيرة تجارة المخدرات في اليمن وترويجها خصوصاً الحشيش وحبوب الكبتاجون بشكل كبير، حيث أشارت إحصاءات الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بوزارة الداخلية انه خلال الفترة من 2006 وحتى 2010 فقط تم ضبط 41.367 طناً و 367 كيلو حشيشا، فيما تم ضبط 16.071288 حبة كبتاجون ( 16 مليونا وواحدا وسبعون ألفا ومائتين وثمانية وثمانين) خلال الأعوام ذاتها.
وقال مدير إدارة مكافحة المخدرات بعدن لصحيفة "أخبار اليوم" انه بين هذا الرقم المضبوط للمخدرات في الجمهورية هناك 9 ملايين حبة كبتاجون وأكثر من 1.300طن حشيشا (طن وثلاثمائة كيلو) تم ضبطها في محافظة عدن فقط.


بين أعوام 2014 و2020 ضبطت الأجهزة الأمنية والشرطة العسكرية والجيش الوطني عشرات الأطنان على دفعات متفرقة في المهرة وشبوة وحضرموت ومارب والجوف وحجة والمناطق الحدودية مع المملكة وخاصة مادة الحشيش الخام معظمها كان متجهاً إلى صنعاء وصعدة وعمران وإلى الحدود مع المملكة العربية السعودية.

 

ضعف الرقابة والرادع القانوني والتعاطي الحوثي

تتخذ مافيا التهريب للمخدرات المناطق اليمنية لعدة أسباب منها ضعف الرقابة للمنافذ البحرية والبرية، وتعددها، وامتداد السواحل اليمنية لأكثر من 2000 كيلو متر يجعل من المستحيل الرقابة الشديدة على كل تلك المسافة مما يوفر أرضية سهلة لشبكة التهريب، وكذلك ضعف الأجهزة الأمنية وإمكانياتها اللوجيستية، فضلاً عن ضعف جانب الردع والعقوبات الصارمة بحق المتاجرين والمروجين لتلك المواد المحرمة شرعاً وقانوناً وعرفاً ومنطقاً، وقد لا يكون بالضرورة تسويق مادة الحشيش وبقية أنواع المخدرات في اليمن لأسباب كثيرة منها نسبة الفقر العالية في أوساط الشعب لا تجعله سوقاً مغرية لاستهلاك المخدرات، وكذلك بسبب وجود نبتة القات التي يتعاطاها معظم الشعب اليمني ولا تجعله يتجه للمخدرات، وأيضاً كون الشعب اليمني شعبا محافظاً ينظر للمخدرات بدرجة أعلى حرمة من الخمور، فضلاً عن العيب والرفض المجتمعي للمتعاطين لهذه المواد المخدرة، باستثناء بعض التعاطي من قبل المليشيا الحوثية التي تعطيها لعناصرها المليشوية المسلحة وتخلطها بين مادة الشمة (البردقان) وتعطيهم نشوة وحافزاً للقتال وتضييع العقول لسهولة السيطرة على عناصرها المسلحة. والدليل على ذلك اتجاه خط عبور التهريب شمالاً وأكثر العمليات يتم إلقاء القبض عليها في المناطق الحدودية أو المحافظات الحدودية مع المملكة العربية السعودية وعمان.

فالاتجار بالحشيش والمخدرات مكرس في الفكر الحوثي والإمامي الاثناعشري منذ مئات السنين، وقديماً عرفت فرق مختلفة باستخدام الحشيش وتم تسميتها باسم المادة التي يتناولونها كما عرفت مثلاً عنهم "فرق الحشاشين" التي اشتهرت بأشهر عمليات الاغتيال عبر التاريخ.
وعرفت عن المشروع الإمامي اليمني منذ مئات السنين، كما عرفوا البردقان قديماً وحديثا، وكان يتصدى لهم أبرز علماء اليمن ومفكريها، كما هو الحال عند ابن الأمير الصنعاني الذي عرى المشروع الإمامي قديماً فقال:

وجوزتم أخذ المكوسِ بأرضنا
وتوفيرها ظلماً على كل تاجرِ
ففي بردقان أُنْفِقتْ وحشيشةٍ
وخمر لخمارٍ ولهو لسامرِ
لقد أثرت هذه القبائح بينكم
وقد ظهرت في كل باد وحاضرِ
وأشنع خطب ما يقول خطيبكم
من الكذب المنشور فوق المنابر
منابر كانت للمواعظ والهدى
فما بالها عادت لسخرة ساخر؟!
ملأتم بلاد الله جوراً وجئتمُ
بما سودت منه وجوه الدفاترِ

 

جبهة المخدرات لا تقل عن الجبهة العسكرية

لا تقل خطورة جبهة المخدرات في الحروب الحالية في المنطقة عن الجبهات العسكرية أو الفكرية والثقافية والإعلامية، حيث تستخدم هذه الجبهة التأثير على عقول وصحة ونفسيات الجهات المستهدفة ترعاها بعض الأنظمة والجهات ضد جهات أخرى سواء على مستوى المنطقة والإقليم أو على مستوى الوطن الواحد، فضلاً عن أنها تدر أموالاً طائلة للمتحكم فيها المحارب بها المستخدم لها كسلاح عصري.
فتورط إيران وحزب الله والحوثيين في هذه التجارة يستخدمونه ضد المشروع المقابل في المنطقة والذي تتزعمه المملكة العربية السعودية لحلفائها الآخرين في مواجهة إيران وحلفائها.
فبحسب المتابعات الميدانية لقيادات حوثية وعناصرها تصرح بذلك علناً ويطابقه على الأرض فعلاً من خلال اشتعال وتيرة التهريب على الحدود منذ حروب صعدة الست السابقة وإلى اليوم.


أما على المستوى الداخلي، وخاصة في اليمن، فقد بدأت فعلاً تظهر الكثير من حالات التعاطي خاصة حبوب الكبتاجون والديزبام في مناطق ضعف السيطرة الأمنية.
واستخدم الرئيس السابق هذا السلاح ضد محافظة تعز فعلاً التي كانت تشهد ثورة ثقافية وعلمية للسيطرة والحد من تلك الثورة خوفاً من تنمية ثقافية ومجتمعية كبيرة إلى جانب أدوات أخرى من السلاح كالتجاهل في التنمية والبنى التحتية لخلق جيل غير واعٍ في المستقبل وآتت ثمارها حالياً.
حيث انتشرت خلال العشرين السنة الماضية فعلاً هذه الحبوب في أوساط الشباب والمراهقين مما ولد جيلاً غير الأجيال السابقة.


نفس الآلية تتبعها المليشيا الحوثية اليوم في الشعب اليمني سواء في مناطق سيطرتها أو خارج مناطقها بتفريغ عصابات الترويج والتعاطي الداخلي.
شاهد عيان من منطقة القاعدة ومحافظة إب يروي لكاتب التقرير أن المنطقة لم تعهد مثل هذا الترويج ولا التعاطي سابقاً وأصبحت منتشرة بشكل كثير.
الأخبار الآتية من صنعاء تفيد بمثل هذه الصور، وقد نشرت بعض وسائل الإعلام انتشار تعاطي المخدرات في أوساط الشباب خاصة مع اضطراب الأوضاع الحالية في البلاد.
خطورة جبهة المخدرات لا تقل خطراً عن الجبهة العسكرية إن لم تكن أشد تأثيراً منها؛ فهي تدمر الأجيال روحاً وثقافة وعطاءً وإنتاجاً بينما الجبهات العسكرية تقتل الفرد فتنتج أجيالاً أخرى، لكن جبهة المخدرات تدمير للأوطان والأجيال معاً وتدمير للاقتصاد الوطني وللأسر اليمنية برمتها وللقيم في كافة مناحي الحياة.

كلمات دالّة

#اليمن