الجمعة 29-03-2024 14:36:57 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الافتراق الكبير.. صراع أجنحة مليشيا الحوثي ومؤشرات اندلاع حرب بينية

الثلاثاء 24 نوفمبر-تشرين الثاني 2020 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد السلام الغضباني

 

وصل الصراع بين أجنحة مليشيات الحوثي ذروته خلال الأسابيع الأخيرة، وبات تبادل اتهامات السرقة والنهب والفساد عبر وسائل إعلام المليشيات والناشطين الذين انقسموا بين أجنحة الجماعة ظاهرة ملفتة، وشملت الانقسامات حكومة الحوثيين الانقلابية التي انقسمت إلى فصيلين أحدهما جناح موال لـ"محمد علي الحوثي" ويضم وزراء الداخلية والتربية والتعليم والتدريب المهني والأشغال العامة والطرقات وحقوق الإنسان والإدارة المحلية، في حين بقية الوزراء تحت جناح رئيس المجلس السياسي الانقلابي مهدي المشاط، ومعهم رئيس حكومة الانقلاب عبد العزيز بن حبتور.

وكانت آخر الخلافات التي نشبت بين أجنحة المليشيات تلك المتعلقة بأموال المانحين المنهوبة، وكانت تلك الأموال من أهم مصادر تمويل الحوثيين لحروبهم العبثية على الشعب اليمني، فبدلا من أن تسهم تلك الأموال في تخفيف معاناة الشعب اليمني، إلا أنها أصبحت سببا إضافيا في معاناته ونكباته جراء نهب الحوثيين لتلك الأموال، والتي صارت مؤخرا أحد أسباب الخلافات بين أجنحة مليشيات الحوثي المتصارعة.

 

- وثائق النهب والسرقة

في مطلع أكتوبر الماضي، فضح ناشطون حوثيون بالوثائق جرائم السرقة والاختلاس المنظمة التي تمارسها قيادات حوثية في حكومة الانقلاب ومصير أموال المانحين الدوليين والمنظمات الإغاثية.

واتهم أمين عام ما يسمى بالمجلس الأعلى للشؤون الإنسانية الحوثية، عبد المحسن طاووس، وزير المياه والبيئة في حكومة الانقلاب، نبيل الوزير، ورئيس المؤسسة العامة للكهرباء بعقد اتفاقيات مع المانحين، منها منظمة اليونيسف، دون علمهما، وسرقة الأموال المخصصة للجوانب الإنسانية وتوظيفها لمصالح شخصية بحتة.

وقال طاووس إن "المبالغ الممنوحة لمشاريع المياه التي استلمها الوزير كانت كفيلة بإيصال الماء إلى كل منزل"، مبينا أن 10 ملايين لتر من مادة الديزل قدمت منحة اختفت تماما.

ونشر الإعلامي الحوثي أسامة ساري، على صفحته في فيسبوك، وثائق وكشوفات مقدمة للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة التي تسيطر عليها المليشيات وتظهر حجم النهب المنظم للمنح المقدمة من المنظمات اليمنية لوزارة المياه والبيئة التي يسيطر عليها الحوثيون، رغم توقف كل مشاريع المياه في صنعاء منذ الانقلاب.

وأكد ساري أن وزير المياه اختلس أكثر من مليونين و670 ألف دولار، ونهب 13 سيارة، جميعها من تمويل قدمته منظمة اليونيسف لتنفيذ حملات بيئية لمواجهة وباء الكوليرا.

وهاجم الناشط ساري المدعوم من رئيس ما تسمى اللجنة الثورية العليا الحوثية محمد علي الحوثي رئيس وزراء حكومة الانقلاب عبد العزيز بن حبتور، ووصفه بـ"أكبر فاسد"، موضحا أن له نصيبا من أموال الفساد الذي يمارسه وزراؤه، متوعدا بنشر غسيل فساده في قادم الأيام قائلا: "ليس وقته، الدور جاي عليه".

وبعد تهم الفساد الموجهة لنبيل الوزير، المعين وزيرا للمياه والبيئة في حكومة الانقلاب الحوثي غير المعترف بها دوليا، فقد تم استبعاد الوزير وإحالته مع سبعة من معاونيه للتحقيق، واتهامه بالسطو على 1.2 مليار دولار من أموال المساعدات الدولية.

وأفادت مصادر إعلامية بأن القيادي في الجماعة أحمد حامد المعين مديرا لمكتب رئاسة حكم الانقلاب، يستعد لإطاحة وزراء وقادة آخرين في حكومة الانقلاب غير المعترف بها، للاستئثار بموارد هذه الجهات التي تسيطر عليها الجماعة، وتعيين قادة يتبعون جناح صعدة العقائدي.

 

- الجناح الأقوى

ويشكل القيادي الحوثي أحمد حامد المكنى "أبو محفوظ" مع ابن عم زعيم الجماعة محمد علي الحوثي المعين مشرفا على مجلس حكم الانقلاب الذي يرأسه مهدي المشاط صوريا، إلى جانب عم زعيم الجماعة عبد الكريم الحوثي المعين وزيرا لداخلية الانقلاب، إضافة إلى القيادي العسكري أبو علي الحاكم المعين قائدا لاستخبارات الجماعة، الجناح الأقوى في مواجهة بقية الأجنحة الأخرى، سواء أكانوا من المنتمين إلى السلالة الحوثية أم من شيوخ القبائل المتبنين لفكر الجماعة السلالي.

وقالت وكالة "سبأ" التابعة للحوثيين إن هيئة مكافحة الفساد التابعة للجماعة اتهمت نبيل الوزير ومسؤولين آخرين (جميعهم ينتمون للسلالة ذاتها)، بنهب أموال من منظمة "اليونيسف"، إلى جانب اتهامهم بتبديد 1.25 مليار دولار خلال عامي 2018 و2019.

وزعمت الوكالة الحوثية أن القرار أتى "بعد تلقي الهيئة سلسلة وثائق تشير إلى فساد وتبديد أموال المانحين، كانت تحصل عليها الوزارة وقطاعاتها المختلفة من المانحين، في مقدمتها منظمة اليونيسف".

وتضمنت قائمة المسؤولين الموقوفين عن العمل أيضا، رئيس هيئة مياه الريف شهاب الحيدري، ورئيس الهيئة العامة لحماية البيئة عبد الملك الغزالي، ورئيس الهيئة العامة للموارد البيئية هادي علي قريعة.

كما شملت القائمة مدير وحدة طوارئ المياه والإصحاح البيئي مروان الحرازي، ومدير وحدة مشاريع المياه والصرف الصحي بالمدن الحضرية عبد الرقيب الشرماني، ومدير وحدة التنسيق والتنمية إسماعيل حسين الأشول، والمنسق الوطني طلال سيف القدسي.

 

- حملة تشهير موجهة

وتأتي هذه القرارات في أعقاب حملة إعلامية شرسة وحملة تشهير موجهة قادها ناشطون إعلاميون موالون للجماعة الحوثية ضد الوزير على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأشهر القليلة الماضية.

وتوعد القيادي الحوثي أحمد حامد -في تصريحات نقلتها وسائل إعلام الجماعة- قيادات حوثية أخرى بالإطاحة، زاعما أن "الأيام المقبلة ستكون حاسمة في ملف مكافحة الفساد".

إلى ذلك، أفادت مصادر مقربة من الجماعة بصنعاء، بحسب صحيفة "الشرق الأوسط"، أن إيقاف المليشيات لوزيرها الانقلابي نبيل الوزير جاء بعد أن استنفدت قيادات حوثية بارزة كل خياراتها في محاولة إقناعه ومعاونيه عبر وسطاء بتوريد حصة من المبالغ المنهوبة من المنظمات لمصلحة جناح صعدة، مقابل إلغاء كافة التهم الموجهة له، وإقفال ملف القضية بشكل نهائي.

ومنذ الانقلاب على السلطة الشرعية، خاض القيادي الحوثي أحمد حامد مواجهات مع قادة الجماعة، مكنته في الأخير من الهيمنة على كافة المساعدات الدولية الإنسانية والأخرى المقدمة عبر الوكالات الأممية، وذلك بعد أن أنشأ ما سمَّاه "المجلس الأعلى لإدارة المساعدات والتعاون الدولي"، ونصَّب نفسه رئيسا لمجلس إدارته.

وسبق أن اصطدم حامد بشقيق عبد الملك الحوثي، المعين وزيرا للتربية والتعليم في حكومة الانقلاب يحيى الحوثي، إذ قام الأول بالتحكم في كافة أموال المساعدات الخاصة بقطاع التعليم، ما جعل الأخير يغادر صنعاء إلى صعدة معتكفا لعدة أشهر.

ووفقا لما نشره إعلام الحوثيين، فإن ملايين الدولارات استولى عليها وزير مياه الجماعة وطاقمه من المنظمات الدولية، ومنها -على سبيل المثال لا الحصر- مبلغ 500 ألف دولار لعقد ورشة تدريبية.

 

- اشتداد الصراعات

ويأتي إقصاء نبيل الوزير من قبل زعيم المليشيات وإحالته للتحقيق ومنعه من السفر في سياق صراع الأجنحة الحوثية التي تتوسع يوما بعد آخر، لتشمل عائلات من السلالة ذاتها، بهدف إقصائها وتصفيتها، وتحديدا المنتمية إلى صنعاء وما حولها، مقابل تمكين قادة صعدة من السيطرة على كل مفاصل القرار والإيرادات.

واشتدت وتيرة صراعات أجنحة جماعة الحوثي بعد وصول ضابط "الحرس الثوري" الإيراني إلى صنعاء حسن إيرلو ولقائه بمسؤولين حوثيين، حيث صدرت قرارات حوثية قادت إلى تصاعد حدة الصراعات بين أجنحة المليشيات، وصولا إلى حد التصفية الجسدية، كما هو الحال بالقيادي الحوثي حسن زيد، وتبادل الاتهامات بقضايا الفساد.

ويطمح قادة الجماعة المنتمون إلى صعدة للاستحواذ على كل الموارد والمناصب، ومن ثم تأسيس الشركات في الداخل والخارج، وغسل الأموال، عبر القيادي المتحدث باسم الجماعة محمد عبد السلام فليتة، والمقيم في الخارج لإدارة أنشطة الجماعة المشبوهة بالتعاون مع "حزب الله" اللبناني وقادة "الحرس الثوري" الإيراني.

 

- إقالة وتهميش الكوادر اليمنية

وخلال العامين الأخيرين، أقدمت المليشيات الحوثية على إقالة وتهميش مئات من الكوادر اليمنية في شتى القطاعات الخاضعة لها، كما أقدمت على تمكين أفراد عائلة زعيم الجماعة من كافة المناصب المهمة ذات الطبيعة الأمنية والعسكرية، فضلا عن المواقع في الجهات الإيرادية، والاستئثار بمناصب المشرفين في المحافظات للقادة القادمين من محافظة صعدة.

ودفع تهميش الجماعة عددا من القادة القبليين والسياسيين أخيرا إلى رفع أصواتهم، كما حدث مع القيادي فارس الحباري المعين محافظا لريمة، والذي تلقى إهانات وتهديدا بالقتل من قبل قائد استخبارات الجماعة أبو علي الحاكم.

وقبل أيام، أجبرت الجماعة النائب الخاضع لها في صنعاء عبده بشر على تقديم استقالته من البرلمان غير الشرعي الذي تديره في صنعاء، بعد أن هددته بالقتل والتصفية.

 

- فساد قطاع الاتصالات وجه آخر للصراع

يعد قطاع الاتصالات مسرحا آخر لصراع أجنحة مليشيات الحوثي، نظرا لما يدره هذا القطاع من أموال طائلة، واشتدت وتيرة الصراع بين كبار قادة الجماعة على العائدات من هذا القطاع، بالتزامن مع تقديم استقالات واتهامات بينية بالفساد والتجسس على آلاف المشتركين في الخدمة.

ونقلت وسائل إعلامية عن مصادر مطلعة تأكيدها تصاعد حدة الصراع بين فصائل الجماعة على المناصب والأموال المنهوبة من عائدات وزارة الاتصالات والهيئات والمؤسسات التابعة لها في صنعاء، والتي حولتها المليشيات على مدى السنوات الماضية إلى مصدر رئيسي لتمويل حربها العبثية ضد اليمنيين.

وكشفت وثيقة حوثية عن جانب من صراع قادة ومشرفي الجماعة في وزارة الاتصالات الخاضعة لسيطرتها، حيث دفعت قضايا فساد وخلافات على أموال إلى استقالة القيادي الحوثي المدعو هاشم الوشلي المعين وكيلا للوزارة في حكومة الانقلاب غير المعترف بها دوليا.

وجاء في مذكرة الاستقالة التي قدمها الوشلي اعترافه بأن قطاع الاتصالات تحول إلى "بيئة للصراع المقيت" قبل أن يقوم وزير الجماعة مسفر النمير هو أيضا بتقديم استقالته على خلفية الصراع نفسه بين أجنحة الانقلابيين.

وأتت استقالة وزير المليشيات على خلفية الاتهامات والتخوين التي طالته بعد تسريب معلومات عن قيامه بتنصيب أجهزة تجسس على أكثر من ثلاثة آلاف مستخدم للاتصالات، من بينهم قادة في الجماعة، إلى جانب مسؤولين موالين للحكومة الشرعية.

 

- تجسس على الجميع

ومن ضمن الأسباب التي دفعت النمير للاستقالة -وهو من المقربين من زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي وسبق له أن تولى إدارة مكتبه- تسرب وثائق حصلت عليها أطراف محلية ودولية، تدين الأول بالتجسس على قيادات قبلية وعسكرية في مناطق سيطرة الجماعة، وفي المناطق المحررة على حد سواء.

كما أن القيادي في الجماعة المعين نائبا لوزير الاتصالات في حكومة الانقلاب، ويدعى هاشم الشامي، هاجم بدوره النمير، واتهمه بالتربح والإثراء وحصر العوائد المنهوبة على قادة جناح واحد فقط في الجماعة، وتهميش بقية القيادات.

وكانت مصادر يمنية محلية قد كشفت عن أن أطرافا دولية ومحلية حصلت على وثائق تشير إلى قيام فريق حوثي بالتجسس على مكالمات الاتصالات لمئات الشخصيات اليمنية، وتفريغ اتصالاتها، ورفعها لقيادات عسكرية في الجماعة موالية للجناح الذي يتزعمه محمد علي الحوثي، الحاكم الفعلي لمجلس حكم الانقلاب في صنعاء.

ومنذ انقلاب الجماعة وبسط نفوذها وسيطرتها الكاملة على كافة مؤسسات الدولة، بما فيها قطاع الاتصالات الحكومي والخاص، أجبرت المليشيات ذاتها جميع شركات الاتصالات على تسهيل عمليات تجسسها على مشتركيها، لاستخدام تلك المعلومات في تنفيذ حملات قمع واعتقال وتنكيل وتعسف وقرصنة إلكترونية.