الخميس 28-03-2024 23:49:21 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الخطاب الديني الحوثي..مغالطات نصوصية وتوظيف سياسي (3)

الثلاثاء 27 أكتوبر-تشرين الأول 2020 الساعة 05 مساءً / الاصلاح نت - خاص / أحمد أبو ماهر

 

إتخذ الشيعة عموماً في اليمن وغيرها من البلدان، والحوثية خصوصاً، شعارات ثوراتهم على الدول المختلفة خطابات وشعارات الاستعطاف للأتباع، وقضية المظلومية التاريخية الشيعية المفتعلة، ورفعوا لافتات الدفاع عن المستضعفين والمظلومين في الأرض، وما هي إلا أستار يتسترون بها للولوج إلى مرادهم في الحكم ما إن يتمكنوا على الأرض ويبسطوا سيطرتهم فيها حتى يتحولون إلى أكبر ظلمة في التاريخ.


إذ لا يكاد خطاب من خطابات الحوثي عبدالملك وأخيه حسين من قبل يخلو من ذكر "الظلمة والظالمين" ووجوب التصدي لهم، وإقامة العدل بين الناس، حتى نسفوا كل ذلك في أول خطوة لهم من الانقلاب، ومارسوا الظلم بأبشع صوره.
هذا الخطاب في الأساس تقليد إمامي، إمام بعد إمام، وقاتل عقب قاتل، حتى أن نفس النصوص والخطابات تتكرر مع كل إمام، بدأها يحيى الرسي، ثم القاسم العياني، ثم عبدالله بن حمزة وزاد عليها، ثم شرف الدين، ثم يحيى حميد الدين، وصولاً إلى عبدالملك الحوثي.


فهذا يحيى الرسي الملقب بالهادي يقول: "وجب على الأمة القيام بأمر الله والمجاهدة في سبيل الله والإخافة للظالمين والمحاربة للعاصين والمعاونة لأئمة المسلمين الذين رضيهم الله للدين وجعلهم خلفاء على جميع العالمين سلالة النبيين وصفوة الأئمة الهادين صلوات الله عليهم أجمعين، فينبغي لجميع المؤمنين أن لا يفرطوا في الأمر بالمعروف الأكبر والنهي عن التظالم والمنكر، وأن لا يساكنوا الظالمين الجبارين الفاسقين، فمن ساكنهم وتابعهم وثافنهم فهو منهم"( ).


وعلى الرغم من هذا النص للهادي فإن عبدالله بن حمزة زاد عليه وحرفه فقال في رسالة له لشريف مكة قتادة بن إدريس: "إن الأمة إن عدلت عنا وساوت بيننا وبين غيرنا فهي لنا ظالمة، وبخلافها لنا آثمة. يقول جدنا صلوات الله عليه وآله: قدموهم ولا تّقّدَّموهم، وتعلموا منهم ولا تعلموهم، ولا تخالفوهم فتضلوا، ولا تشتموهم فتكفروا..!!"( ).


كان حسين الحوثي وأخوه عبدالملك وأبوهم من قبل يكررون في خطاباتهم المختلفة وكتاباتهم مصطلحات "المستضعفين، المظلومين، المقهورين"، وينعتون أولي الأمر بـ"المستكبرين، الظلمة، المتجبرين، الفاسدين، الطغاة..."إلخ، واتخذوا عدة لافتات دينية وتاريخية ليتستروا خلفها، كما هو الحال تسمية مسيرتهم ب"المسيرة القرآنية" التي هي أبعد ما تكون عن القرآن ومنهاجه، ونجد أن حسين الحوثي الذي يسمونه مؤسساً لهذه المسيرة لم يؤثر عنه تسجيل صوتي واحد لقراءة جيدة للقرآن الكريم الذي يتخفى خلفه.


في مسيرتهم الانقلابية من صعدة إلى صنعاء، ومن صعدة إلى حجة والجوف، ثم من صنعاء إلى عدن كانوا يأتون على المساجد فيدمرونها، وعلى محاضن القرآن ومدارسه فينسفونها، وعلى حفاظ القرآن فيختطفونهم ويعذبونهم حتى الموت، وعلى المصاحف فيحرقونها ويدنسونها بأحذيتهم كما فعلوا في دار القرآن الكريم في منطقة كشر بحجة.


" ندعو أمتنا الإسلامية وشعبنا العزيز إلى السعي الحثيث لتعزيز التمسك بهذه الرسالة الإلهية، وتعزيز الاقتداء برسول الله "صلى الله عليه وعلى آله"، والتمسك بالقرآن الكريم، مع العناية الفائقة بالتثقف بثقافة القرآن الكريم، وفكِّ كل أشكال التبعية لقوى الاستكبار والغرب الكافر، والاهتمام بتعزيز الاستقلال الحقيقي على المستوى الثقافي والفكري... وفي كل مناحي الحياة: اقتصادياً، وسياسياً، وحضارياً". (جزء من خطاب عبدالملك الحوثي عن القرآن)!!


ومن خلال هذا النص لعبد الملك الحوثي فهل كل ما فعله بالشعب هو من الاقتداء بالقرآن واتباع تعاليمه أم أنه هدم لتعاليم القرآن والعمل بضدها تماماً على الأرض؟!
رفعوا شعار المظلومية وتحدثوا عن الظلم كثيراً فصاروا أكبر ظلم وظلمة وظلام على وجه الأرض بحق غيرهم، وتحدثوا عن المستضعفين والاستضعاف في الأرض فإذا بهم يذلون العباد ويقهرونهم ويقتلون الضعفاء وينهبون أموالهم ويشردونهم في الأرض هائمين على وجوههم، قطعوا مرتبات الضعفاء، ونهبوا أموال الضمان الاجتماعي، ودمروا بقية الاقتصاد الذي يعتمد عليه المواطنون، وأحالوا كثيراً من الأسر المستورة والعفيفة إلى متسولين في الأرصفة.


تحدثوا عن تسييس المساجد، فلما وصلوا إليها حولوها إلى مراقص، وإلى حانات لمضغ القات، وحولوا منابرها إلى منابر سب وقذف وتحريض على القتل دون أية مواربة أو خجل أو حياء، ودون تلميح أو تأويل بل بكل فجاجة ووقاحة، واختطفوا الخطباء وقتلوا بعضهم بالتعذيب، وما يزال بعضهم مغيباً في معتقلات سرية حتى اليوم.


لقد حرف الحوثيون النصوص الدينية واختلقوا أخرى تتناسب مع أفكارهم الهدامة للسيطرة السياسية والاجتماعية والثقافية على الشعب، كما هي حال نصوص الولاية، أو نصوص القرابة، أو نصوص الخمس والجباية المالية، أو نصوص الحرب والجهاد والدفاع، أو غيرها من النصوص، كنوع من الاستجرار التاريخي للأحداث، الباحث عن حقيقتها يجدها تزويراً للحقائق وتشويهاً لها، وتقليداً لآبائهم وأجدادهم المؤسسين للمشروع الإمامي.
فإمامهم القاسم بن محمد مثلاً، وهو مؤسس الدولة المتوكلية، قال إن "ثورته من أجل الدفاع عن المستضعفين وإقامة الكتاب والسنة وتحرير اليمن من جور الأتراك"، وهكذا يردد من جاء بعدهم إلى اليوم، كما جاء في كتاب روح الروح لعيسى بن لطف الله بن السفاح المطهر.


والحقيقة أن الحوثيين اليوم زادوا حرفوا مسيرة أجدادهم وفكرهم مستوردين الفكر الإثنى عشري من إيران، وليس خافياً على أحد أن الحوثيين لم يعودوا يأبهون لمعتقداتهم الهادوية التاريخية ولا حتى الجارودية، إلا قليلاً من النصوص التي يعتمدون عليها في أمر الولاية والوصاية، وحتى -وفي سبيل إيجاد الدعم المالي والسياسي والعسكري من قبل دولة إيران- عمدوا إلى استيراد الفكر الاثنى عشري استجلاباً لهذا الدعم وشرطاً من شروط الداعم الإيراني، بما يربط الجانبين من علاقات أيديولوجية فكرية طائفية تحت مسمى التجديد في الفكر الزيدي، وما هو بزيدي حقيقة، وإنما هو هادوي جارودي معتزلي، كما قال بذلك المؤرخون والباحثون من قبل، مما حدا بالحوثيين إلى استيراد الثقافة الإيرانية من سب وشتم ولعن للصحابة وللسنة عموماً، واتخذوا من شعار (الصرخة) الإيرانية شعاراً لهم، وأيضاً على منهج الرفض التاريخي لديهم، كما قام بذلك أجدادهم الأوائل في القرن الثاني عشر الهجري في صنعاء.


في واحدة من أغرب التدليسات الحوثية الإمامية اليوم وعبر التاريخ أن الحوثي وأتباعه يسمي نفسه "ابن رسول الله" ويحب أن ينادى به، وهو ما أعتقده أنه متخذ عن عمد من خلال مستشاريه الثقافيين واتباع سيرة الأئمة من قبل، ليسهل تطويع العامة من ناحية واستعطافهم والكذب عليهم من ناحية أخرى لحشد مزيد من الأتباع والأنصار وإضفاء الهالة والقداسة عليه للاتباع والطاعة.


وكان أول الأئمة المنادين بهذا النداء من التفخيم والتبجيل وإنزال نفسه منزلة مقربة من النبوة وربط نفسه بنفس الرسول -صلى الله عليه وسلم-، هو يحيى الرسي، وتبعه في ذلك بن حمزة، وهاهم الحوثيون اليوم يكررونهم مع عبدالملك وإخوانه، بنفس الألفاظ والنصوص والدعايات المختلفة ليوطدوا ملكهم ومكانتهم بين العامة من الناس.

كلمات دالّة

#اليمن