الجمعة 19-04-2024 12:45:22 م : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

في ذكرى وفاة علي عزت بيجوفيتش.. قراءة في كتابه "الإسلام بين الشرق والغرب"

السبت 24 أكتوبر-تشرين الأول 2020 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت-خاص / عبد العزيز العسالي

 

مؤلف الكتاب الفيلسوف الأوروبي المسلم د. علي عزت بيجوفيتش، رئيس جمهورية البوسنة والهرسك، رحمه الله. الطبعة الثانية، دار الشروق، ترجمة يوسف محمد عدس. يقع الكتاب في 380 صفحة.

 

تنويه: 
- شكر وعرفان للمترجم، حيث ترجم الكتاب بلغة أدبية رائقة وكثيفة وسهلة وموجزة، وفي نظري أن هذا النوع من الترجمات نادر فعلا.

- ما سنقدمه في هذه السطور هو القليل جدا مما احتوى عليه هذ السفر العظيم. فالمؤلف رحمه الله صب فيه عصارة نقية لتأملاته التي أخذت عقودا.

امتاز الكتاب عن غيره من الكتب ليس بكثرة قرّائه، ولكن بنوعية القرّاء حيث قرأه معظم فلاسفة الشرق والغرب المعاصر، ذلك أن الكاتب استهدف هذه الشريحة خصوصا، وفعلا كان الكتاب بمثابة دعوة الوسط الفلسفي الأوروبي إلى إعادة طرح أسئلة جديدة حول الإسلام.

- أكرر القول إن الكتاب يحتاج عرضه إلى حلقات عدة لكنني سأقدم خلاصات، محيلا القارئ إلى الكتاب فهو الدر النفيس في مجاله، فإلى الاستخلاصات. 

1- لقد قام المؤلف بتحليل النموذج الحضاري الغربي بعمق ووضوح وإحاطة سيما وهو يتحدث عن فلاسفة الغرب - نيتشه وأمثاله في سطور قليلة تعكس عمق استيعاب د. بيجوفيتش للفلسفة المادية الماركسية والرأسمالية دون فرق بينهما، لأنهما تنطلقان من نموذج معرفي واحد هو المادية.

2- أثبت المؤلف تمكنه ونفاذه إلى عمق الدين، وأن الدين ليس روحيا فقط، وإنما ربط الدين بالأخلاق والقيم كالعدل والحرية والمساواة وهذا ميّز العمق الحضاري الديني عن الحضارة المعاصرة التي تنطلق من العدمية واستطاع هنا تقديم تحليل تفكيكي للحضارة المادية وبأسلوب شاعري بعيدا عن الرتابة، مثبتا بأسلوب علمي عقلاني عجز النظريات المادية القائلة إن الكون ناتج عن تفاعلات كيميائية وفيزيائية بما فيها نظرية دارون- تطور الإنسان عن القردة.
 
فقال رحمه الله: هل الحيوان يمتلك عقلا وخيالا وأخلاقا حتى يقال إن الإنسان تطور منه؟ مقررا أن نظرية التفاعل الكوني لا صلة لها بالعلم في شيء ولا بالعقلانية، وإنما وهم وتخمين وفكرة الصدفة أيضا، مشيرا إلى أن أقدم الرسوم والنحوت والنقوش التي عثر عليها في فرنسا والموغلة في القِدم أثبتت أن الحياة النفسية لذلك الإنسان لا تختلف إلا قليلا عن الحياة النفسية للإنسان المعاصر من تطلع إلى الروح وحياة أرقى نحو السمو والقيم، فهل اختلفت حياة الحيوان قديما وحديثا؟

وتوصل المؤلف بعد حجاج علمي عقلي إلى أن أصل الإنسان لا يمكن أن يكون ماديا ولا متطورا وإنما هو نتيجة لأمر صادر عن خالق خبير حكيم عليم قدير قال له كن فيكون. 

3- يقرر مرة أخرى أن حرية الاختيار في الإنسان نقيض نظرية دارون، ذلك أن الحيوان تسيره غريزة فقط لا اختيار ولا إرادة، وإذا سلمنا بحرية الإنسان وأفعاله ومسؤوليته هنا نكون اعترفنا بوجود الله ضمنيا وصراحة في آن، لأن الله وحده القادر على خلق إنسان حر، لأنه يخلق عن علم. 

4- خلاف بين المادية والإنسانية، فيقول إن إقامة الأخلاق على أساس عقلي محض وبلا مرجعية قيمية عليا فإنها لا تتجاوز العقل الجمعي النفعي الظرفي فتأتي دورات التاريخ ومتغيراته فتطغى الأنانية وتضخيم للذاتوية فتطغى النظرة الدونية تجاه الغير، وتلك نتيجة طبيعية لإقامة الأخلاق على أساس النفعية المادية العقلية، مؤكدا أن النظرة الإنسانية للأخلاق تختلف ببعدها الجواني الروحي قائلا: التضحية في سبيل إنقاذ طفل من الحريق فيخرج الإنسان وقد لفحته ألسنة اللهب ولوّحة الدخان ومع ذلك يقول أديت الواجب تجاه الطفل، هل هذا نفعي مادي؟ ما هي الجائزة التى سيحصل عليها سوى أنه متمتع بأرقى لذة روحية؟

ومثل ذلك يقال عن العناية بالعجزة والمسنين والمعاقين إذا لم يكن هناك قيم ومثل عليا فما هي القيمة المادية؟

5- المساواة.. يقرر المؤلف أن الصفات الجسمية والنفسية والعقلية تتفاوت من شخص لآخر لكنها في النهاية متساوية في الأديان السماوية لأن الله إله واحد هو العظيم الكبير وما دونه متساوون، بخلاف النظرة المادية. 

6- الالتزامات الأخلاقية: الإنسان يكبل نفسه بالتزامات أخلاقية ماذا يعني؟ ألا يعني أن هناك بعدا روحيا يحدوه بقوة ولذة تفوق اللذة النفعيه اللحظية.. أليس هذا دليل أن الإنسان مفطور على التطلع إلى المثل العليا.

7- الفن والدين: 
يقول بيجوفيتش إن اللوحة الفنية لا تُحلّل إلى الألوان، وإنما يتم تحليلها إلى البعد القيمي والروحي والسيكيولوجي عند الرسام بما في ذلك مقاصد هذه الأبعاد. 

8- المسجد لا يُحلل إلى أحجار وأخشاب وإنما هناك رمزية قيمية روحية وأخلاقية وهويّة متميّزة للبنّاء والرسام ومنها البعد الجمالي المتصل بالبعد الروحي، فهل هذه الميزة موجودة عند الحيوان في القرون الغابرة أو الحضارة المعاصرة؟

الكنيسة بنيتها وتشكيلها الذاهب إلى أعلى تحمل قيمة واحدة وهي لا دنيا ولا عقل وإنما الدار الآخرة فقط وإنكار الحاجة المادية في الإنسان وهي رؤية دينية مجردة، بخلاف ثنائية الإسلام روحا ومادة، فالقرآن يقرر أن الله خلقكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا، فجاء الانسجام بيت الروح المادة وفي المسجد يحضر العقل بقوة والحياة الدنيا وبناءها عقيدة وسلوكا. 

9- تتجلى ثنائة الروح والمادة والدنيا والآخرة والعقل والإيمان والواقعية والمثالية في تعاليم الإسلام في شتى المجالات منها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كبرهان على أداء الرسالة الأخلاقية، ذلك أن الإسلام لم يكن تصوفا روحيا وتكريسا للتبعية والتقليد والاستسلام للأشخاص يدعون العصمة وعلى حساب القيم والمبادئ وليس الإسلام مجرد دين روحي، وإنما هو منهج وتنظيم حياة للنفس والاجتماع والكون، بل إن الإسلام ليس دين ودولة كما يقال وإنما دين ودنيا في آن.
 
10- الإسلام لا يعطي حقائق علمية جاهزة وإنما يقدمك عند أعتابها ويقول لك "اقرأ" ويمنع اتخاذ الوسطاء والأرباب.

11- الإسلام اعتبر الإجماع وهو الرأي القائم على أسس التشاور وكفى بهذا تنويها بمكانة العقل في الإسلام.

12- الثنائية ومفهوم التقدم: 
يلاحظ أن التاريخ المادي العلماني لا يسمو بالإنسان وإنما هو منفصل عن القيم والبقاء للأقوى - سحق الأضعف وقهره. 

لكن الحقيقة التاريخية أثبتت أن قوة الوعي والإرادة يؤثران في مجرى التاريخ، فالتاريخ سجل أن أناسا غيروا بالقيم والأخلاق وجه التاريخ، فالتاريخ ليس هدفا ماديا وإنما يعكس خلق الإنسان واتساق روحه وبدنه وأخلاقه.. أخلاق الإسلام عبر التاريخ توازن جواني أي داخلي وخارجي. 

13- القرآن ليس كتابا أدبيا وإن كانت صياغته توحي بذلك، لكنه في الأصل منهج حياة وهذا أقوى توصيف من د. بيجوفيتش للقرآن بأنه "حياة".

14- أركان الإسلام ليست مجرد شعائر وإنما يترتب عليها التزامات أخلاقية واجتماعية، فالزكاة التزام ديني قانوني أي ليست ضريبة تصدر عن أعضاء المجتمع المسلم وإنما هي ضريبة متصلة بالروح والمعتقد، فهي تنقل الملكية بحب إلى الفقير يلازمها ود وبر من المعطي، وهنا يسود السلام والحب والإخاء والتعاون ووحدة النسيج المجتمعي، بالمقابل الماركسية نقلت الملكية للفقير فما هي النتيجة؟ صراع وتطاحن اجتماعي. 

 

اللحظه الفارقة: 

لا ينكر العاقل أنه قد لا يستطيع تقديم الخير للبشرية كلها، فقد يشاهد دمارا أو جوعا أو كوارث فيقدم المستطاع، ولكن يعجز عن إيصال الخير لكثير أو قليل من مستحقيه، فيتقطع قلبه حزنا، هنا تأتي اللحظة الفارقة تسجيل ثواب النية الخيرة أولا والإيمان بقضاء الله.

هكذا تنقدح شرارة وعي باطني من قوة النفس في مواجهة محن الزمان القاسية فيحل الرضا والهدوء والتسليم- قدر الله وما شاء فعل. 

15- الإسلام إذا كان مجرد شعائر وتصوف روحي فهو دين أو تدين، لكن إذا خالط المجتمع واختلط بالدنيا فهو إسلام.
  
16- الحضارة والثقافة متضادتان، فالثقافة لها أساس ديني.. قال تعالى: "ألست بربكم قالوا بلى".. فالثقافة هي تأثير الدين على الإنسان وتأثير الإنسان على الإنسان بخلاف الحضارة فهي تأثير العقل في الطبيعة، فالثقافة يكون الإنسان بها الإنسان والحضارة هي تقدم تقني لا روحي.

والدليل أن الحضارة المعاصرة أخفقت بوضوح في تحقيق السعادة للإنسان، وهذا لا يعني الدعوة إلى مقاطعة الحضارة المعاصرة وإنما تحطيم الأسطورة المادية المحيطة بها وهنا سينسجم الإنسان روحيا وماديا. 

17- سر انحطاط المسلمين: 
هو الانفصال بين الروح والحياة والمتمثل في السلطة المتغربة عن الإنسان، فهي لا تخدم إلا نفسها، فيتجه المجتمع نحو السلبية والتخلف والتواكل، والأمراء والعلماء والملحدون والكهنوت والدراويش والصوفية المغيبة والشعراء والسكارى يشكلون الوجه الخارجي للانشطار الخارجي الذي أصاب الإسلام. 

18- عداء الغرب للإسلام: 
العقل الأوروبي أحادي النظر بطبيعته من جهة وقصور اللغة الأوروبية بأنواعها عن استيعاب المصطلحات الإسلامية من جهة ثانية، جعلت العقل الأوروبي يكره الإسلام، فالصلاة والزكاة والوضوء والخلافة والأمة لا يوجد لها مقابل في لغات أوروبا، وهنا أنكرت الكنيسة أن الإسلام دين حياة، مؤكدا أن الغرب إذا أرادوا أن يعرفوا حقيقة الإسلام فليعيدوا النظر في في المصطلحات المتصلة بالإسلام. 

19- تكتمل الحياة حقا عندما تشتمل على الأشواق والروحية والرغبات الحسية والحاجات البيولوجية للإنسان.

20- خلاصة الخلاصات: 
نريد إيمانا بلا خرافة
ونريد عقلا بلا إلحاد. 

رحم الله الفيلسوف د. علي عزت بيجوفيتشً، وألحقه بدرجة خاتم الأنبياء. 

كلمات دالّة

#اليمن