الجمعة 29-03-2024 17:27:06 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

تحريف الحوثيين للمناهج تجريف للهوية وتفخيخ للمستقبل

الأحد 30 أغسطس-آب 2020 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت – خاص / توفيق السامعي

 

عادت عقارب الزمن إلى الوراء، وها هو المشروع الإمامي يمضي بكل السبل لإعادة المشروع الظلامي في اليمن تكريساً للفقر والجهل والمرض وإمعاناً في قلب ومحو الهوية اليمنية المتسامحة والسامقة في آفاق الإنسانية، كأنه حقد دفين ضد كل ما هو جميل في اليمن.
بعد قرون من الزمن انبعث المشروع الظلامي يدمر كل شيء حتى كلمة وفكر اليمن، يتصدر سفهاء الإمامة وسفاحوهم وقتلتهم المناهج الدراسية اليوم التي عملت المليشيا الحوثية على تغييرها لتغيير عقول الأجيال وفرض مشروعها الظلامي من جديد.


في مقابل ركود عقلية المشروع المقابل الذي لا يواجه الفكرة بالفكرة والمنهج بالمنهج تثبيتاً لهذه الهوية ومدافعاً عنها حتى لا تتدمر الأجيال.
حيث لم يقتصر تغيير هذه المناهج على المليشيات الحوثية بل إن شخصية الهادي ودولته تُدَرَّس حتى في مناهج الشرعية منذ ما قبل 2014 وهنا مكمن الخلل أيضاً.


فقد عُرف عن مؤسس الإمامة في اليمن يحيى بن الحسين الرسي والملقب بالهادي (283-299هـ) البطش والتنكيل والنهب والتدمير، وكذا من جاء بعده من بقية الأئمة وأدخلوا البلاد في فتن وتمردات مختلفة قوضت الدولة اليمنية وكل ذلك باسم الحق الإلهي المزعوم.
وعلى الرغم من كل جرائمهم الواردة في كتبهم وسيرهم إلا أنه اليوم تتم عملية إحياء لهؤلاء المجرمين عبر تبييض صفحاتهم وتزوير سيرهم وتُدَرّس سيرهم على أنهم أقاموا العدل في البلاد رغم أنهم هدموا الدولة وشتتوا شمل اليمنيين.


فقد جاء في كتاب التاريخ للصف السادس الأساسي مثلاً وحدة متكاملة تدرس تاريخ الدولة الزيدية وورود سيرة باذر البذرة الأولى للإمامة وهو الرسي، والأغرب أنها في مناهج الشرعية المفترض بها محاربة هذا الفكر ومؤسسيه، فمما ورد في ذكره أنه "بعد أن استقر الهادي يحيى بن الحسين في صعدة وبايعه اهلها اتخذ من صعدة عاصمة لدولته ، وعمل على تحقيق العدل في ربوع صعدة ، وبعد ذلك بدأ ينشر مذهبه ومحاربة القبائل المجاورة وضمها الى دولته، كما حارب الدولة اليعفرية، وأصدر عملة باسمه، وتوفي في سنة ٢٩٨ هـ " ص ٧٠


وقد جاء في سيرة الهادي في هذا الشأن (صـ173، 251) أن من أعظم صور مجازره وبطشه وإجرامه أنه أحدث مجزرة بحق بني الحارث في بعض قرى نجران "فأمر بالقتلى فجمعت، ثم أمر بتعليقها في الشجر، فعلقت منكسة في كل شجرة جماعة مؤزرين بالخرق والشِّمال (جمع شملة) وأقام بالقرية ثلاثة أيام أو أربعة، ثم إن القرية أنتنت نتنا شديداً حتى لم يقدر أحد على أن يأكل لحماً، فأتت بنو الحارث إلى الهادي إلى الحق فقبلوا رأسه ورجليه ويديه وسألوه أن يهب لهم جيف إخوانهم، فيدفنوها في البئار والحفر، فأبى ذلك عليهم، فلم يزالوا به حتى أجابهم وذكرهم بما كان قال لهم، فطرحت الجيف في بئار خراب وحفر كانت خارجاً من القرية".


وتوالت مجازر الهادي وتدمير ونهب القرى ومنازل القبائل التي لم تخضع لحكمه، حتى أتى بعسكره قرية أملح للوادعيين من صعدة "ونهبوا ما وجدوا فيها، وأقاموا أياماً يخربون المنازل والآبار، ويقطعون النخيل والأعناب، والقوم في ذلك يطلبون الأمان وهو كاره لذلك بما يعلم من شرارتهم وقلة وفائهم، وهو ينتقل في قراها ويخربها قرية قرية حتى طرحوا عليه بأنفسهم، فآمنهم ورجع إلى صعدة بعد مكابدة شديدة لهم".


لم يقتصر هذا الأمر على الرسي مؤسس أيديولوجية البطنين، بل امتد للمطهر شرف الدين (1547 – 1572) الذي تدرس شخصيته على أنه البطل المقاوم للأتراك في اليمن بينما الحقيقة تقول كما في سيرته وكتبهم التاريخية، أنه هو من استعان بالأتراك ضد أبيه شرف الدين وأخيه علي وذلك لأن أباه ولي بولاية العهد لأخيه شمس الدين علي وكان المطهر الأحق بالولاية من أخيه، فانقلب على أبيه وإخوته واستعان بالأتراك الذين كانوا يرابطون في زبيد حتى استولوا على اليمن برمتها وتحالف معهم المطهر وهو من أدخلهم صنعاء.


عرف عن المطهر بن شرف الدين أنه جزار العصر وسفاحه وهو أكثر الأئمة سفكاً للدماء وخاصة دماء الرهائن والأسرى المعصومة دماؤهم شرعاً وقانوناً وعرفاً.
ومما جاء في بعض إجرامه أنه في العام 934هـ "فتح المطهر بن الإمام بلاد اليمانية واسترجع كنن والكميم، وقد كان غاب فيها أهل تلك البلاد عقيب الطاعون المذكور، ثم انتقل إلى جهران قاصداً للبلاد الطاهرية فحط في معبر وغزا بلاد هداد ونهبها وبسط على صوافيها ونهب أغنام البدو بني ضبيان الأسناف وقرى هداد وهي لا تدخل تحت الحصر، وأسر شياطين الأسناف خمسة عشر رجلاً، ولما عاد إلى محطته أمر بقطع أيديهم وأرجلهم" كما جاء في كتاب "روح الروح" لحفيده عيسى بن لطف الله بن المطهر صـ78.


لم يكتف المطهر بالبطش والتنكيل والتدمير بالقرى والمدن التي غزاها، بل إنه قتل الرهائن المستضعفين الذين كان يأخذهم على القبائل لضمان الطاعة. وقد ذكر حفيده عيسى بن لطف الله أن المطهر كتب كتاباً إلى قبائل خولان يقول فيه: "إن رهائنكم الذين في القصر على شفير التلاف، مقرونين بتمام ذلك الخلاف، فإن أصررتم على العصيان، وصممتم في الطغيان أجرينا فيهم حكم الله [حاش لله أن يكون حكمه أخذ النفس البريئة من الأطفال]، وإن عدتم عن ما نهيتم عنه، ودخلتم في طاعة إمامكم، ومنفذ أحكامكم، عفونا عن سيئاتكم، واغتفرنا خطيئاتكم، فلما أبلغهم الرسول الكتاب، أجابوه بغير الصواب، فعند ذلك أمر المطهر برهائنهم وكانوا زهاء ثمانين نفراً في سن التكليف، فقطعت أيديهم وأرجلهم" كما أورد حفيده في كتابه "روح الروح"صـ82.


في المناهج الجديدة التي أقدمت المليشيا الحوثية على طباعتها وتغييرها أعادت تدريس شخصيات كثيرة منها السفاح عبدالله بن حمزة الذي أباد فرقة المطرفية بشكل نهائي وأول من فرض "حي على خير العمل" في مساجد صنعاء في القرن الخامس الهجري، وكذلك الشاعر السفيه الرافضي حسين جابر الهبل في القرن الحادي عشر الهجري، والذي يسب الصحابة وعائشة -رضي الله عنها- بكل تفاخر وتبجح، وما إعادة المليشيات الحوثية هذه الوجوه إلى الواجهة وتدريس شخصياتهم إلا دليل آخر على أن الحوثية ينتمون لهذه الفرقة الرافضة والذين ظلوا ينكرون صلتهم بها، وينكرون سب الصحابة، حتى دللوا على ذلك بإعادة تدريس أكبر الشخصيات الرافضة في تاريخ اليمن سفاهة ومجاهرة بهذه السفاهة، وهو الذي سلطه الأئمة على الشيخ المصلح صالح بن علي المقبلي -رحمة الله تغشاه- حتى هجروه من موطنه مع أسرته إلى مكة فتوفي هناك، فقد كان الهبل خامس خمسة من هؤلاء السفهاء وهم أحمد الآنسي، وصلاح بن محمد العبالي، والفقيه أحمد بن عبدالحق الحيمي ويحيى بن المؤيد، وقد ذكرهم المؤرخ الزيدي المنصف يحيى بن الحسين بالمجمل وأنهم شخصيات الرافضة في عصره المستترة بالزيدية فقال: "والرافضة في هذا الزمان الذين من الزيدية كثير، إلا أن منهم من يتستر بمذهبه، ولا يظهره عند سائر الزيدية غير الرافضة، وذكر هؤلاء الخمسة".


وقال الآنسي الرافضي بحق المقبلي:
إذا غضبت أمنا فاطمة وماتت بغضبتها الدائمة
فكيف نرضى عن المغصبين لها كالإبل السائمة
وفيم التحرج من لعن من على لعنه حجة قائمة
ومن كان خصماً لبيت الرسول فهيء له في غد حاطمة
كما هجا الشاعر الجارودي الرافضي حسن الهبل العلامة صالح بن مهدي بن علي المقبلي؛ لأنه سني رد كثيراً على الجاروديين من عصره ومن بينهم بعض الأئمة، فقال الهبل:
لا تعجبوا من بغضه للعترة المطهرة
فأمه معرفة لكن أبوه نكرة!


ولهذا الرافضي ديوان يتضمن الشتم للصحابة -عليهم الرضوان- قد أضل به كثير من إخوانه الرافضة والطغيان والجهال، الذي قد ثبت أن أجهل الناس من سب الصحابة، وزاد هذا الرافضي بما لم يتفوه به رافضي قبله في قوله "وألعن محبهم" لأن الله تعالى يقول: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه}.
وقد جاهر باللعن والسب للصحابة -رضوان الله عليهم- وخاصة أبا بكر وعمر وعثمان، ومن ذلك قوله شعراً:
ألعن أبا بكر الطاغي وثانيه والثالث الرجس عثمان بن عفانا
ثلاثة لهم في النار منزلة من تحت منزلة فرعون وهامانا
يارب فالعنهم والعن محبهم ولا تقم لهم في الخير ميزانا
تقدموا صنو خير الرسل واغتصبوا ما أحل ابنته ظلماً وعدوانا
ومن العجيب أن حفيد المطهر السفاح كان قد تشفع فرد على الهبل والآنسي بقوله:
تبت يدا أخس ثاني أبي لهب قد أصليا لهبا محمي ونيرانا


من المهم معرفة أن المليشيات الحوثية تريد هدم المجتمع في كافة أركانه وخاصة الجوانب الفكرية والعقائدية عبر تحريف هذه المناهج.
ويرى مراقبون أن تحريف المليشيات الحوثية للمناهج الدراسية بمناهج مؤدلجة تهدم أساس المجتمع وتحرف فكر الطفل ويشيرون إلى أن منظومة التعليم في اليمن تعرضت لتحريف كامل وممنهج؛ إذ اشتمل المناهج التعليمية والإدارة المدرسية والتربوية لفرض ثقافة دخيلة في المدارس وترديد شعار الصرخة وقسم الولاء.


ويؤكد مختصون وأكاديميون أن تلغيم المناهج الدراسية وعقول وأدمغة الأجيال بأفكار طائفية دخيلة على مجتمعنا اليمني أشد خطورة من الألغام التي تحرث بها الأرض اليمنية كون الألغام المادية آنية الانفجار ومحصورة الخسارة، لكن الألغام الفكرية ستظل تنفجر في كل زمان ومكان، ففي كل فترة وأخرى تنبت هذه الألغام لتظهر بشكل موجات جديدة من الفرق الإرهابية ذات نظرية البطنين المتعصبة، وحشو عقول أبنائنا بأفكار مذهبية وطائفية واستخدام مفاهيم إرهابية تدعو إلى التحريض والقتل..

 

على ماذا تستند المليشيات الحوثية؟!
خلال فترة الحكم الجمهوري منذ ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 وثورة أكتوبر 1963 وحتى الانقلاب الحوثي على الدولة في 21 سبتمبر 2014، ورغم مرور مختلف الأيديولوجيات القومية واليسارية والإسلامية في اليمن لم تعمد أي من هذه القوى إلى المناهج الدراسية لتحرفها بحسب هوى كل حكم لهذه القوى لأنها تعتبر هوية جامعة لليمن وعدم إدخال اليمن في صراع هويات، بما في ذلك التسامح الكبير مع الإماميين بعد الصلح الذي تم توقيعه بين الجمهوريين والإماميين عام 1970 برعاية المملكة العربية السعودية ومصر في ذلك الزمن، وكان الأجدر بالجمهوريين تغيير هذه المناهج إلى مناهج جمهورية ثورية بحتة لكنها لم تفعل تفادياً للصراع.


يبدو وضع المليشيات الحوثية في هذا الإطار إما يعبر عن سفه وحمق سياسيين دون اكتراث للعاقبة، وإما أنها تستند إلى ركن شديد في هذا التغيير وقد يكون هذا الركن هو إدراك أن المشروع الشرعي الجمهوري المقابل ضعيف لن يستطيع تغيير هذه الجوانب وعدم مواجهة هذا التغيير بالقوة أو بالفكرة، ويبدو هذا الأخير أكثر إقناعاً إذ لم يلمس المواطنون أية تحركات للشرعية في هذا الجانب.


أكثر الباحثين في الشأن الفكري اليمني أو الإمامي هم أكثر فئات الشعب إدراكاً لهذه الخطورة لذلك تجدهم في كل المنابر الإعلامية والثقافية يصرخون ويحذرون لكن صرخاتهم لا تلقى صدىً لدى صناع القرار وكأنهم يصرخون وسط محيط هادر مترامي الأطراف ولا حياة لمن تنادي.

 

أين الدولة والشرعية من كل هذا؟
الأغرب من كل ما ذكر من خطوات الحوثيين من هذا التغيير سكوت الشرعية عن ذلك وعدم مواجهة هذا المشروع الأيديولوجي بفكرة مضادة له توقفه عند حده وكأن الأمر لا يعنيها واقتصر مواجهتها فقط على الجانب العسكري غير مدركة أن المقاومة المسلحة جزء من سبعين جزءاً من مقاومة المشاريع المتطرفة والهدامة.


يقول مراقبون إنه حين توزع المناصب الحكومية بالمجاملات والوساطات ودون الحاجة دون معرفة ما يمكن أن يقدمه المسؤولون في هذه الجوانب هو من أكبر عثرات الشرعية أمام المشاريع الأيديولوجية وخاصة الحوثية.
إذ تعتبر مناهج الشرعية التي تدرس اليوم أبناءنا الطلاب في المدارس تتماهى وتتكامل مع رؤية وفكر المليشيات الحوثية في مناهج التعليم.


ظلت الحكومة الشرعية صامتة إزاء هذا القصف الحوثي لحاضر ومستقبل طلاب وطالبات اليمن، ولم تبد أي مواقف قوية وحاسمة لمواجهة هذا الفكر الضال.. كما لم تقم وزارة التربية والتعليم ووزيرها عبدالله لملس بأي دور يذكر او مشهود في هذا الموقف الخطير لحماية أبنائنا وطلابنا من الغزو الحوثي في المناهج الدراسية المحرفة والمعدلة.. لم يكن للوزير لملس ووزارته الدور المطلوب في مواجهة ما قامت به المليشيات الحوثية من تحريفات في المناهج، بل اكتفت بالفرجة والصمت كحال الحكومة، تاركة للمليشيات الحوثية حرية القول والعبث والتصرف بالمناهج الدراسية وتحريفها حسب فكرها الدخيل وضرب المجتمع اليمني في مقتل.