الخميس 18-04-2024 13:45:11 م : 9 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

إيران واليمن: استنساخ النموذج اللبناني.. من صنعاء إلى الضاحية الجنوبية

الخميس 02 يناير-كانون الثاني 2020 الساعة 12 مساءً / الاصلاح نت - متابعات

 

 

يُعتبر اليمن موطن التاريخ والحضارات بامتياز، حيث يربط بعض المؤرخين تاريخ هذا المصر العربي مع الآثار الأولى لأقدم الحضارات التي سجلها القرن العشرين ق.م، حين احتضن اليمن السعيد حضارة سبأ وحمير ومملكة حضرموت وقتبان ومعين. كما أن الحفريات التاريخية تحيل إلى كون اليمن قد شهد قديما عدة أديان ومعتقدات يُنسب بعضها إلى الوثنية، وعُرفت ديانتهم باسم "التوحيد الحميري" قبل أن يعتنق عدد من الملوك المسيحية واليهودية ليُغلق الإسلام عقد الديانات التي تواترت على البلاد عندما دخل مجموع أهل اليمن في دين الله أفواجا بين العام السادس للهجرة وعام الوفود في السنة العاشرة كتتويج لسنوات من الجهاد الدعوي السلمي في معظم أنحاء اليمن.

لقد ساهمت حساسية الموقع الجغرافي لليمن في جعله نقطة جذب ومحط أطماع قوى استعمارية متعددة حاولت استغلال موقعه الاستراتيجي لتحقيق مصالح اقتصادية وجيو استراتيجية، خصوصاً وأنه يمتلك واجهة بحرية تمتد على مسافة قدرها 2500 كيلومتر، وتطل على بحر العرب وخليج عدن من الجنوب، والبحر الأحمر من الغرب ويخترقه مضيق باب المندب أحد أهم المعابر المائية في العالم.

هذا الموقع المميز جعل اليمن محط اهتمام القوى الكبرى، ومحل أطماع بعض القوى الإقليمية وعلى رأسها إيران والتي ترى في إخضاع اليمن مقدمة لتنفيذ استراتيجيتها التوسعية في المنطقة.

ويرى الملالي أن الأهمية الاستراتيجية لليمن ستُمكنهم من تنفيذ استراتيجية "فكي الكماشة" بعد أن اعتقدوا أن العراق دان لهم، ولبنان في قبضتهم، لذلك لم يبق إلا اليمن لاستكمال وضع "الكماشة".

كما ترى إيران أن امتدادها نحو الجنوب ونجاحها في الوصول إلى خليج عدن سيجعلها تضع يدها على الثروات الباطنية لدول الخليج العربي من جهة، ومن جهة أخرى ستتحول إلى قوة عالمية لا يستهان بها بحكم تحكمها في أهم الممرات البحرية.

وإذا كان البعض يرى في أحداث 2011 بداية توثيق الدعم الإيراني الواضح لحلفائها في اليمن، في ظل الأوضاع على الأرض التي شكلت بوادر الفشل المؤسساتي للدولة اليمنية، فإن البعض الآخر يُرجع هذا التدخل إلى قبل ذلك بسنوات، رغم صعوبة الوقوف على قرائن مادية تؤكد أو تنفي هذا الادعاء. غير أن الثابت أن أحداث ما اصطلح عليه بالربيع العربي أتاحت لإيران فرصة تاريخية لتقوية دورها وتوسيع نفوذها في اليمن السعيد.

في هذا السياق، أثار انقلاب ميليشيا الحوثي الإرهابية على المؤسسات الشرعية للدولة اليمنية ورفعهم لشعار "الموت لأميركا، الموت لإسرائيل" انتباه المجتمع الدولي إلى بداية الاختراق الإيراني لجماعة الحوثيين. ويرى البعض أن أولى بوادر هذا الاختراق تمت سنة 2012 عندما شعر نظام الملالي بإمكانية سقوط نظام بشار الأسد في سورية وبالتالي ضرورة المرور إلى "المخطط –ب-" عبر استغلال حالة الاحتقان السياسي بين الفصائل اليمنية ومحاولة استمالة جماعة أنصار الله ودعمها بقوة السلاح والمال والإعلام.

إننا نعتقد يقينا أن تركيز إيران على اليمن أكثر من سورية مرده إلى اعتبارات موضوعية وتطورات الوضع على الأرض مع صعوبة وضع اليد على سورية في ظل التواجد القوي لروسيا وأيضا دخول تركيا على الخط والتي ترى أنها معنية بجوارها الاستراتيجي في ظل النشاط القوي للأكراد الذين يرون في البيئة الاستراتيجية الحالية مناسبة لا تعوض لتحقيق حلم الاستقلال وتأسيس دولة كردية على أنقاض أطراف من العراق وتركيا وإيران وسورية.

ولعل الانهيار المؤسساتي الذي أفرزه واقع فشل الدولة اليمنية وانفلات الوضع الأمني قد أتاح لإيران فرصة ذهبية لتكريس تواجدها ونفوذها في اليمن، سواء تم ذلك عن طريق التدخل المباشر من خلال الاستيلاء الكامل على السلطة، أو من خلال تمكين العناصر أو التنظيمات الموالية لها من ناصية القرار السياسي مع الاستمرار في التحكم في وسائل الضبط والربط بينها وبين أذرعها السياسية والعسكرية في اليمن.

على هذا المستوى، وجدت إيران في اليمن فرصة مناسبة لإعادة استنساخ التجربة اللبنانية، وهو ما يفسر انتقال عدد كبير من الضباط من حزب الله لقيادة وتدريب عناصر من الحوثي وكذا خبراء إيرانيين لمساعدة جماعة الحوثيين في عملية تغيير التوازنات والمعادلة السياسية في أفق تمكينهم من ناصية القرار السياسي في اليمن ليتحول معها مركز القرار والتوجيه داخل التنظيم الحوثي من صنعاء إلى الضاحية الجنوبية في بيروت.

وإذا كان من المنطقي أن تبحث بعض الدول على تقوية نفوذها الجيوستراتيجي في المنطقة من خلال الدخول في تحالفات معلنة مع دول وطنية ذات سيادة سياسية، ووفق أهداف مشتركة، بل إن مثل هذه التحالفات أصبحت مطلبا عربيا يفرض نفسه في ظل التحالفات الكبرى التي أثبتت فعاليتها (الاتحاد الأوربي، نافتا: اتفاقية التبادل الحر لشمال أميركا)ـ فإن الاستراتيجية الإيرانية في التنسيق مع أطراف وفصائل مذهبية دون الدولة يصطدم مع المبادئ والقوانين الدولية، على اعتبار أن ذلك يعتبر تدخلا في الشأن الداخلي للدولة، ومحاولة تغيير خارطتها السياسية بطرق ملتوية لتحقيق أهداف غير معلنة.

 

جرائم إيران في اليمن

تتنوع طبيعة الجرائم الإيرانية في اليمن بين الاعتقالات التعسفية في ظل غياب محاكمات عادلة أو حتى صورية، وبين تجنيد الأطفال دون سن الحرب، وتتعدى ذلك إلى استهداف المدنيين أو استعمالهم كدروع بشرية، وتحويل بعض المؤسسات الخدمية إلى قواعد عسكرية في مواجهة قوات التحالف العربي التي تعمل على استعادة الشرعية في اليمن.

 

السجون الحوثية: معتقلات الإرهاب

قامت ميليشيا الحوثي التابعة لإيران باحتجازهم آلاف المعتقلين دون مسوغ قانوني وفي غياب تام لقواعد المحاكمة العادلة. وقالت المصادر إن السجناء والموقوفين يمرون بحالة نفسية صعبة للغاية نتيجة الظروف والأوضاع السيئة التي تُفرض عليهم جراء الترهيب والضغوط الكبيرة التي تمارسها الميليشيات، وإجبارهم على الاعتراف والإقرار بتهم ليست لهم أي صلة بها في ظل غياب أبسط شروط المحاكمات العادلة.

وتجدر الإشارة إلى أن السجون الحوثية، المعروفة منها والسرية، تعج بآلاف المعتقلين الذي تم اختطفاهم من طرف الميليشيات الإيرانية من نقاط التفتيش أو الاعتقالات العشوائية أو المداهمات المنزلية دون سند قانوني أو مبررات معقولة أو مفهومة.

 

تجنيد الاطفال: جريمة بإمضاء إيراني

كشفت مجموعة من المصادر المتطابقة عن أرقام مخيفة للأطفال اليمنيين الذين تم تجنيدهم من طرف الميليشيات الحوثية في ظل الهزائم المتتالية التي يُمنى بها الذراع العسكري لإيران في اليمن والعدد الكبير للقتلى في صفوف التنظيم، وكذا رفض العديد من اليمنيين الشرفاء رفع السلاح في وجه إخوانهم ولو تطلب الأمر الفرار إلى المناطق الآمنة التي تسيطر عليها الشرعية.

وسجلت التقارير قيام التنظيم بالزجّ بأطفال دون سن القتال في المعارك التي يخوضها ضد عناصر الشرعية وقوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية التي تُعنى بحقوق الطفل.في هذا السياق، سبق لوزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل الدكتورة اليمنية ابتهاج الكمال أن صرحت بأن الحوثيين قاموا "بتجنيد ما يزيد عن 23 ألف طفل، بصورة مخالفة للاتفاقيات الدولية، وقوانين حماية حقوق الطفل". وتلجأ الميليشيا الإرهابية إلى أسلوب الاختطاف والضغط على أُسر الأطفال، والعمل على إخضاعهم لعمليات استيلاب عقدي وغسيل دماغ قبل الزج بهم في مستنقع الحرب وجبهات القتال.

 

استهداف المدنيين: جريمة حوثية وثقتها الشواهد والصور

إن استهداف المدنيين أو استغلالهم كذروع بشرية يدخل في إطار خانة واحدة: تعريض حياة المدنيين للخطر، وهي الجريمة التي يأباها الدين الإسلامي وترفضها التشريعات الوضعية، وعلى رأسها القانون الدولي الإنساني حيث ركزت اتفاقية جنيف لسنة 1949 على ضرورة حماية المدنيين في النزاعات المسلحة، وهو ما تم التأكيد عليه عندما تم اعتماد البروتوكولين الإضافيين لنفس الاتفاقية سنة 1977م.

ورغم الترسانة القانونية التي تصنف استهداف المدنيين في النزاعات المسلحة ضمن خانة الجرائم ضد الإنسانية، إلا أن ميليشيا الحوثي التابعة لإيران جعلت من المدنيين هدفا ثابتا في استراتيجيتها الإرهابية سواء من خلال استهدافهم مباشرة، مثل ما حدث مع الهجمات الإرهابية على مطارات المملكة (أبها، جازان، نجران)، والهجوم الأخير الذي استهدف محافظة الضالع، أو من خلال استغلالهم كدروع بشرية لثني قوات الشرعية والتحالف على استهداف المواقع الحوثية، وهو ما أخّر عملية الحسم العسكري في اليمن، بالنظر إلى الانضباط الشديد لقوات التحالف العربي للمقتضيات الدينية والأخلاقية قبل المواثيق الدولية، وهو ما وثقته تغطية العديد من الطلعات الجوية التي تم إلغاؤها بسبب معلومات عن وجود مدنيين في المناطق العسكرية التي يستغلها الحوثي.

ويبدو أن التعاطي السلبي والتعامل الناعم للمنتظم الدولي مع الممارسات الإرهابية للحوثيين داخل اليمن واستهداف المدنيين في المملكة العربية السعودية، دفع مرتزقة إيران إلى الاستمرار في تعنتهم والضرب عرض الحائط بالتحذيرات التي تطلقها الأصوات الحرة والمنتظم الدولي والمنظمات الإقليمية لوقف هذه الاستهدافات التي تدخل في خانة الجرائم ضد الإنسانية.

 

المؤسسات الخدمية تتحول إلى قواعد عسكرية

ظلت المؤسسات التعليمية والصحية عبر التاريخ بعيدة عن كل استغلال عسكري في انضباط صارم لشرف الجندية وأيضا القوانين الدولية التي تُحرم استغلال المؤسسات الخدمية وتحويلها إلى قواعد عسكرية. غير أن ميليشيا الحوثي قامت بتوظيف القطاع الصحي والتعليمي في المناطق الواقعة تحت سيطرتها لخدمة الحرب التي تخوضها ضد قوات الشرعية والتحالف العربي في اليمن. ولم تقف جرائم الحوثي عند هذا الحد بل قامت عناصره الإرهابية بتوظيف هذه القطاعات في المناطق الخاضعة لسيطرتها وتحويلها إلى جزء من "المجهود الحربي" بدءا من سرقة المعدات الصحية وبيعها في السوق السوداء، ووصولا إلى استغلال المستشفيات وتحويلها إلى معسكرات حربية لقواتها.

ولم تقف جرائم الحوثي عند هذا الحد بل قامت باستغلال سيارات الإسعاف في عمليات التمويه العسكرية، وذلك بتحويلها إلى دبابات عسكرية متنقلة في مواقع القتال، حيث أفادت مصادر مطلعة قيام ذراع إيران الإرهابي في اليمن بالاستيلاء على 29 سيارة إسعاف منحتها المنظمة الدولية للهجرة، التابعة للأمم المتحدة، للشعب اليمني في إطار مشروع أُطلق عليه "حزمة الخدمات الصحية الأولية"، وقامت بتحويلها إلى مرافق صحية في مناطق سيطرتها، كما قامت الميليشيات بنقل جزء كبير منها إلى جبهات القتال لتتحول إلى مستشفيات ميدانية تابعة للحوثيين بعد أن تم دهنها بألوان مختلفة.

انطلاقا مما سبق يتبين أن حرب استعادة الشرعية في اليمن تبقى مطلب إقليمي ودولي بإمكانه تجنيب المنطقة مساوئ ومخاطر أنظمة الإرهاب التي مازالت تفكر بمنطق وعقلية القرن السادس عشر الميلادي في عالم القرن الواحد والعشرين الذي قطع مع منطق الغاب وفرض منطق المؤسسات وشرعية القوانين الدولية التي تؤطر العلاقات السيادية بين الدول

* جريدة الرياض