الخميس 12-12-2024 16:08:52 م : 11 - جمادي الثاني - 1446 هـ
آخر الاخبار

الصراع في اليمن والموقف الأخلاقي للإصلاح

الإثنين 24 يوليو-تموز 2017 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ عمر دوكم

    

-     توظيف الدين لمآرب سياسية أو في الحروب العسكرية هي حيلة قديمة قام بها انتهازيون كثُر قبل الحوثي.. وكل انتهازي نازي بطريقةٍ أو بأخرى. ولعل من أشهر من قام بتلك الحيلة لخداع الشعوب والضحك على عقولها هو نابليون بونابرت إبان احتلاله لمصر؛ فقد أعلن إسلامه ولبس العمامة الأزهرية وجبه مشايخ الأزهر؛ بل وتزوج من ابنة الشيخ محمد توفيق البكري شيخ مشايخ الطرق الصوفية آنذاك!. وكان يقول بعد ذلك تعبيراً عن سهولة خداع الجماهير: مصر تساوي عندي عمامة!

وهذا هو ما ينتهجه الحوثي اليوم استغلالاً للدين واتخاذه وسيلة للوصول إلى السلطة والاستحواذ على مقدرات الأمة كغرض وغاية أسمى.. وهو عبر هذه الوسيلة يظن أنه يحقق هدفين ويضرب عصفورين بحجر واحد كما يقال؛ فهو من ناحية يستطيع -عن طريق إلباس الصراع لبوساً طائفياً أو مذهبياً- أن يحشد المزيد من الجماهير الغوغائية، ويجيش بعض الأتباع.. فالدين والمذهب هنا مجرد أداة فقط. ومن ناحية أخرى يخدم أجندةً صهيونية ودولية كاسباً ودها ورضاها، وهو ما نرى نتيجته ماثلةً أمامنا في تعامل بعض القوى الدولية الناعم والمتعاطف مع الجماعة الكهنوتية العنصرية، وذلك ما كان يثير تعجب واستغراب بعض اليمنيين، وليس ثمة ما يدعو للعجب أو الغرابة!

 إذ أن من الأهداف التي صارت تعلنها بعض الدوائر الصهيوأمريكية هو سعيها لتقسيم المنطقة العربية والإسلامية على أسس طائفية وإحياء النزعات العرقية والمذهبية في وجدان شعوبها.. وكما قال هيكل فإن التاريخ ليس كله مؤامرات لكن المؤامرة موجودة في التاريخ؛ ومن لا يرى تآمر الغرب على العرب فهو كالذي لا يفرق بين التمرة والجمرة!

 وقد نشرت دورية المنظمة الصهيونية العالمية المرتبطة بالخارجية الإسرائيلية بحثاً دعت فيه بوضوح إلى إحداث انقسام في الدول العربية والإسلامية من الداخل للوصول إلى بَلْقنَة مختلف الجمهوريات العربية والإسلامية (وتجزئتها إلى جيوب طائفية)!

 وكلنا يذكر موافقة الكونجرس الأمريكي الشهيرة عام 1983م (بالإجماع) على إقرار مشروع تقدم به المستشرق الصهيوني الأمريكي بيرنارد لويس عن تقسيم الشرق الأوسط بأكمله.. وورد فيه (ضرورة إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية؛ واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية في المنطقة).

وأداتهم في اليمن لتحقيق مطامحهم هو الحوثي؛ يتضح ذلك من خلال استماتته في إحياء النزعة الطائفية بخطابه السياسي والديني الناضح بالنَفَس الطائفي الكريه؛ وهو ما يلمسه المتابع للمفردات والأدبيات التي تضخها آلته الإعلامية والدعائية النازية بالقول والكتابة والفتاوى والزوامل وليس انتهاءً بالخطب الرعناء لزعيم الجماعة والطافحة بمفردات الكراهية والإقصاء لكل من لا يؤمن بعقيدته السلالية.

وكان من الطبيعي أن يجد الحوثي أن حزب الإصلاح هو السد المنيع والعقبة الكؤود التي تحول بينه وبين تحقيقه لتلك الغايات والمطامح؛ فحزبٌ بحجم الإصلاح ونفوذه وانتشاره شعبياً في مختلف المدن والأرياف والبوادي على امتداد الخارطة اليمنية؛ وبوطنيته التي يشهد لها تاريخه وأداؤه السياسي والاجتماعي؛ وبخلفيته الإسلامية الجامعة والعابرة للمذهبية والمتجاوزة للمشروعات الصغيرة، استطاع هذا الحزب الكبير أن يفوت الفرصة على الحوثي لجر الصراع اليمني - اليمني إلى فخ الطائفية أو نقله إلى مربع المذهبية الضيقة.

لقد أدرك الإصلاح منذ وقت مبكر أنه -ومن حيث المبدأ الأخلاقي- لمواجهة جماعة نازية ترفع في معركتها السياسية والعسكرية شعارات طائفية عنصرية؛ أدرك أن أمامه انتهاج إحدى استراتيجيتين: إما أن يقابلها بتحشيد وتجييش طائفي مضاد؛ بشعارات طائفية مضادة؛ وبهذا سيكون مساوياً لها في الموقف الأخلاقي والسقوط الوطني؛ طائفي يقاتل طائفياً آخر.. لا فرق أبداً.

وإما أن يسمو أخلاقياً وأداتياً لنبل الغايات التي ترنو إليها الجماهير اليمنية وتتفق مع مبادئه الوطنية والدينية والإنسانية الحضارية؛ فيواجه خصمه تحت لافتةٍ جامعة؛ الدولة المدنية؛ دولة المؤسسات وسيادة القانون والاستقلال الوطني وكرامة الإنسان وحريته..

-     ولقد كانت ضرورة حتمية بالنسبة للإصلاح؛ أن يختار الإستراتيجية التي تتفق مع تكوينه النفسي وعقيدته السياسية ومبدأه الأخلاقي وطبْعه الجمعي.. إنه موقف يتماشى مع تركيبته البيولوجية –إن صح التعبير- فالإصلاح ما كان له أن يتخذ من المشروع الحوثي العنصري الكهنوتي غير الموقف الذي اتخذه (المواجهة)، وإن تعددت الوسائل والأساليب في إدارة الصراع وتباينت أشكال التصدي؛ إذ أن الفرق بين الحوثي وبين الإصلاح- ومن وراء الإصلاح معظم جماهير الشعب اليمني- فرقٌ جوهري, والأزمة بينهما ليست مجرد اختلاف وجهات نظر بل هي تكمن في الجذور الأخلاقية والفلسفية للقيم السياسية والاجتماعية:

-     عنصرية الحوثي مقابل مبدأ المواطنة التي يؤمن بها الإصلاح وعموم الشعب اليمني.

-     سيادة السلالة وأحقيتها بالحكم التي يؤمن بها الحوثي مقابل: الناس سواسية لا فرق بينهم وأمر الناس شورى بينهم التي يؤمن بها الإصلاح وكذا عموم الشعب اليمني.

ولأن الإصلاح هو أكبر حزب يمني منظم يمكن أن يقف في وجه الحوثي؛ وقد فعل، كان من البديهي أن يكون القضاء عليه معنوياً ومادياً هو أهم استراتيجيات الحوثي- وكل مَن ورائه مِن قوى محلية ودولية- تجلى ذلك في الضخ الإعلامي لتشويه الإصلاح وكل من يقترب منه، ومحاولة تصفية أفراده وقياداته ومؤسساته بكل السبل والوسائل؛ وهذا أدى بالمقابل ومن باب "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض.." إلى ظاهرة غير معتادة كثيراً خاصة في الساحة اليمنية؛ أدى إلى اصطفاف كل من يؤمن بذات المبدأ الأخلاقي الذي اختاره الإصلاح واحتشاد كل من يقف على ذات الأرضية الإنسانية المشتركة؛ اصطفافهم مع الإصلاح ضد من استهدفوه وأرادوا النيل منه.

لقد أدرك العقل الجمعي اليمني أن محاولة القضاء على الإصلاح لا تستهدف الإصلاح كحزب بل تستهدف من ورائه الوطن برمته؛ تستهدف الديمقراطية وإرادة الأمة وكرامة الشعب اليمني وحريته، وهذا ما عبر عنه الكثيرون بلسان الحال أو المقال.. ولعل آخر من عبر عن ذلك أحد قيادات العمل الحزبي والإعلامية والرسمي المختلفين مع الإصلاح طويلاً لكن جمعه هنا مع الإصلاح المشترك القيَمي والإنساني وهو عادةً ما يلتقي عنده النبلاء وإن اختلفت مشاربهم وتعددت توجهاتهم؛ وتكمن أهمية ما كتبه الرفيق اليساري نجيب قحطان مدير عام إعلام محافظة تعز المحاصرة في دلالاته الإشارية؛ سياسياً وأخلاقيا:-

" الإصلاح ليس حزبنا؛ وفي المقابل الإصلاح ليس غريمنا. لكن الإصلاح سياج أماننا وشريك همنا وحزننا ومعاناتنا المتوحدة.

لستُ إصلاحياً لكن يتوجب علي وعليكم وعلى كل فرد منا أن يكون إصلاحياً حتى لا يصبح اللقمة السائغة القادمة لمصاصي الدم الحوثفاشي.

لست إصلاحياً؛ لكني من اليوم سأتحول إصلاحياً. ليس حباً في الإصلاح ولكن حباً لوطني ولمدينتي ولقريتي ولمدرستي ولحزبي ولأسرتي.

لست إصلاحياً؛ ولكن حتى لا تموت ثورتي وتهان كرامتي وتسلب حريتي وتذبح عقيدتي ويتم سحل أسرتي، وينتصر قاتلي وقاتل وطني؛ فإني إصلاحي..!ّ