الخميس 25-04-2024 12:14:32 م : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

محطات  على دروب التضحيات

الإصلاح وثورة فبراير 2011م ( 3-6)

الخميس 20 يوليو-تموز 2017 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت: خاص / أ.د. نجيب سعيد غانم الدبعي

 

بعد أن حصل حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح على أغلبية كاسحة في مجلس النواب في انتخابات 1997م، وصلت إلى 182 بناءً على حقيقتين وهما:

  • كان هناك عدد من مقاعد مجلس النواب تم الحصول عليها بالتزوير في انتخابات 1997م، وقدّر الإصلاحيون أنّ ما تم الاستيلاء عليه من الدوائر الانتخابية التي كانت نتائجها تعد لصالحهم لا تقل عن 50 دائرة ومقعد في مجلس النواب.
  • أضحت نتائج انتخابات عام 1997م - في نظر كثير من المراقبين للمشهد السياسي اليمني- بأنّه ترسيخ لنظام سلطوي أوغل في الظلم والاستبداد، وأدمن القدرة على تزوير الانتخابات التشريعية باستمرار وتجيير نتائجها لصالحه، والإعلان بشكل سافر عن تفشي ظاهرة الفساد وبداية مسيرة حقيقية لتوريث الحكم.

ومع تنامي ظاهرة الفساد والاستبداد والاستئثار بالسلطة والحكم وبداية إجراءات لتوريث الحكم، تزامن مع إقدام السلطة على إلغاء المعاهد العلمية، وهي التجربة الرائدة لليمن في مجال التعليم الأساسي الذي تجاوز الاختلافات المذهبية، ورسّخ الفهم الوسطي الاعتدالي للإسلام في أوساط الأجيال اليمنية الجديدة. وقد أشاد علماء الأزهر الشريف بمناهج المعاهد العلمية، وتمنوا أن تعمّم تلك المعاهد على النشء في ربوع العالم الإسلامي لأنّه ستكون سبباً في توحيد تصوراتهم وتبنيهم لمفهوم الإسلام القائم على الوسطية والاعتدال.

هذه الفهم الذي استعصى على أفكار التكفير والهجرة الذي يروّج له تنظيم القاعدة، وكذلك أفكار الاصطفاء السلالي والتعصب الرافضي الذي كان يروّج له تنظيم الشباب المؤمن من خلال حسين بدرالدين الحوثي، والذي تبلور فيما بعد الى ما بات يعرف بالحوثيين أو "أنصار الله"، وما هم بأنصار الله.

 وفي مجلس النواب وصل التوتر إلى ذروته عند تقديم رئيس الحكومة الجديدة عبدالقادر باجمال برنامجه إلى مجلس النواب في 28/4/2001م، والذي تضمن إلغاء المعاهد العلمية، وكرسالة احتجاج قوية على هذا الأمر، بعث رئيس مجلس النواب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر (رئيس التجمع اليمني للإصلاح) - رحمه الله - برسالة جاء فيها:

"أعتذر عن عدم حضور الجلسة التي سيناقش فيها بيان الحكومة، حيث وهو يتضمن إلغاء المعاهد العلمية المؤسسة التعليمية الناجحة، والتي هي من منجزات الثورة والجمهورية التي لا يجوز المساس بها، فأرجو قبول عذري.. وشكراً".

 وقد قوبل هذا العرض بصخب واستهجان أعضاء مجلس النواب من غير المؤتمر الشعبي العام, وبعد حيازة الحكومة على ثقة أغلبية مجلس النواب لبرنامجها بعد انسحاب كتلة الإصلاح من جلسة التصويت على القانون.

 

شكل اغتيال الرجل الثاني في الحزب الاشتراكي اليمني جار الله عمر- رحمه الله - يوم 28 ديسمبر/ كانون الأول عام 2002 م تحدياً كبيراً لأحزاب اللقاء المشترك، حيث تم اتهام حزب التجمع اليمني للإصلاح "رسميا" باغتياله. وقد استطاعت أحزاب "اللقاء المشترك" - خاصة قطبيه الأساسيين الاشتراكي والإصلاح- أن يجتازوا أزمة اغتيال جار الله عمر بإبعاد شبهة تورط حزب الإصلاح في تلك العملية وبالبقاء صفاً واحداً.

 

تقدم الإصلاح أحزاب اللقاء المشترك ببرنامج للإصلاحات الوطنية في يوم 26 نوفمبر 2005م, شمل مرتكزات رئيسية لاصلاح الكثير من الاختلالات في العملية السياسية وفي الجانب الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي وغيرها من مجالات التنمية، لكن الرئيس السابق علي عبدالله صالح اعتبرها محاولة للانقلاب على نظام حكمه فرفضها جملة وتفصيلاً بالرغم من استحسانها لدى البعض من قادة المؤتمر الشعبي العام.

 

وتشكلت لجنة تحضيرية للحوار الوطني في شهر مايو 2009م وأسندت رئاستها الى السياسي المخضرم الاستاذ محمد سالم باسندوه ونواب من أمناء أحزاب اللقاء المشترك، وتم تزكية الشيخ حميد الأحمر ليكون الأمين العام للجنة التحضيرية للحوار الوطني.

 

ولما اتضح تلاعب الرئيس السابق بالوقت وبروز مقولة وفكرة "خلع العداد"، دشن الإصلاح - مع شركائه- المرحلة الثانية من النضال السلمي عبر ما سمي نهاية 2010 بـ"الهبة الشعبية". كل تلك المراحل والإصلاح يعمل من خلال مؤسسات الدولة ونظمها وقوانينها تعزيزاً للعمل الديمقراطي والنضال السلمي، في الوقت الذي عمد الرئيس السابق علي عبدالله صالح فيه إلى إقصاء الإصلاح والإصلاحيين من كافة مؤسسات الدولة.

 

وفي إحدى اللقاءات المحورية للجنة التحضيرية للحوار الوطني مع السفير البريطاني في اليمن السيد تورلوت تحدّث الأستاذ عبدالوهاب الآنسي -الأمين العام للإصلاح، وأحد نواب رئيس اللجنة- وأكد أن جذر المشكلة في اليمن سياسي بامتياز، وبالتالي فإنّ كل القضايا والمشاكل التي تعاني منها اليمن هي في الأصل تجليات لهذا الجذر, وقد شدّد على ضرورة تعاون أصدقاء اليمن بالمساهمة في دعم التئام اليمنيين على طاولة الحوار الذي تطرح فيه كافة القضايا دون استثناء، وبحضور كافة الأطراف وفرقاء العمل السياسي للخروج ببرنامج إصلاح شامل.

 

وبالرغم من كل تلك الجهود التي قام بها الإصلاح ضمن أنشطة أحزاب اللقاء المشترك، وصحيح أنّها أحدثت بعض الاختراقات في نسيج حزب علي عبدالله صالح المؤتمر الشعبي العام، وشكلت بداية لتفككّه، حيث سجّلت حالات لخروج بعض من الوزراء والسفراء ومن أعضاء مجلس النواب من دائرة الحزب الحاكم والانضمام إلى عضوية اللجنة التحضيرية, وظلت سلطة لكن في نهاية المطاف ظلّت سلطة علي عبدالله صالح ماضية في الفساد والاستبداد، وكل تلك الإرهاصات كانت مقدمة مناسبة لانخراط الإصلاح وبقية أحزاب اللقاء المشترك في ما بات يعرف بثورة الشباب الشعبية السلمية في فبراير 2011م.

 

ومع إرهاصات وتسارع انفجار ثورات الربيع العربي ابتداءً من تونس ومروراً بمصر وسوريا وليبيا ابتداءً من نهاية عام 2010م وبداية عام 2011م، فإنّ الانسدادات السياسية، واحتقان وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتوغل نزعة الاستبداد والظلم في اليمن، قد ساهم - إلى حد كبير- في توفير متطلبات الانفجار الشعبي السلمي، وما بات يعرف بثورة الشباب الشعبية السلمية في فبراير 2011م.

 

من المحطات الفارقة في هذه الثورة الشعبية الشبابية السلمية جريمة جمعة الكرامة

في 18 مارس 2011، مع اندلاع الانتفاضات الشعبية في شتى أنحاء العالم العربي، نظّم عشرات الآلاف من المتظاهرين اليمنيين مظاهرة أطلقوا عليها اسم "جمعة الكرامة". وكانت تلك هي أكبر مسيرة تشهدها ساحة التغيير، وهي مخيم التظاهر والاعتصام مترامي الأطراف في العاصمة صنعاء. ومع انتهاء المتظاهرين من صلاة الجمعة، قام العشرات من الرجال في ثياب مدنية، مسلحين بأسلحة آلية عسكرية بالتجمع حول الاعتصام من اتجاه الجنوب ثم فتحوا النار.

 

ثبت أن مذبحة جمعة الكرامة هي الهجوم الأكثر دموية على المتظاهرين في انتفاضة اليمن التي استمرت عاماً. على مدى ثلاث ساعات، قتل مسلحون ما لا يقل عن 48 متظاهراً – أغلبهم من الطلبة الجامعيين ومنهم ثلاثة أطفال – وأصابوا 200 آخرين، في حين لم تبذل قوات الأمن جهداً جاداً لوقف المذبحة. أضاف الغضب الذي تسببت فيه أعمال القتل هذه إلى زخم حركة الاحتجاج، التي أجبرت الرئيس علي عبد الله صالح في فبراير/شباط 2012 على التنحي عن منصبه.

 

قالت "هيومن رايتس ووتش" إن وجود مؤشرات على أن عددا من كبار المسؤولين السابقين والحاليين بالحكومة لعبوا دوراً في المذبحة ثم لم يتم اتهامهم بشيء. بدأت محاكمة ضد القتلة المزعومين في سبتمبر 2012 لكن توقفت بعد أن طلب محامو الضحايا اتهام بعض كبار المسؤولين. هذا فضلاً عن قيام الرئيس السابق علي عبد الله صالح بإنهاء عمل النائب العام السابق عبد الله العلفي بعد ستة أسابيع من أعمال القتل، عندما طلب العلفي إحالة المشتبه بهم الأساسيين إلى الاستجواب، وبينهم مسؤولون حكوميون. ما زال أكثر من نصف المدعى عليهم الـ 78 المتهمين بأعمال القتل، غير خاضعين للاحتجاز وبُدئ بمحاكمتهم غيابياً في محكمة غرب أمانة العاصمة صنعاء الابتدائية، غير أن المحاكمة توقفت بسبب عدم استقرار الأوضاع. يقول محامو الضحايا بأن السلطات لم تبذل جهداً لضبطهم، رغم الأوامر المتكررة بضبط المتهمين الصادرة عن قاضي المحاكمة. ومن بين الهاربين من العدالة الشخصان اللذان يعتبران العقل المدبر للهجوم، وهما ابنا محافظ محافظة المحويت أحمد علي محسن الأحول الموالي لصالح علي أحمد علي محسن الأحول وغازي علي أحمد محسن الأحول وقياديان بجهاز الأمن يضاف لهم يحيى محمد عبدالله صالح قائد أركان الأمن المركزي، بل إن وزير العدل أعلن في الذكرى السنوية الأولى لأعمال القتل أن "الجناة الحقيقيين هربوا وليس في السجن غير المتواطئين والمساندين".

 

لقد كان نصيب الإصلاح من شهداء وجرحى مذبحة جمعة الكرامة من الشباب كبيراً جداً، يضاف لهم عدد الشهداء والجرحى الذين سقطوا في ميدان الحرية وهو ساحة الاعتصام السلمي في محافظة تعز وفي محافظتي عدن والحديدة التي شهدت حوادث متكررة من محاولات الاعتداءات على المعتصمين السلميين من الشباب، وكذلك في حوالي أربعين اعتصاما على مستوى محافظات الجمهورية ضمّ أكثر من مليون ونصف المليون معتصم، حيث كان للإصلاح حضور كبير فيها إلى جانب مشاركة من قوى سياسية وحزبية وقبلية وشعبية أخرى.

 

وفي أثناء ثورة الشباب الشعبية 2011 تعرض الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في الثالث من يونيو 2011، لمحاولة اغتيال أثناء أدائه صلاة الجمعة في مسجد النهدين التابع لدار الرئاسة في صنعاء أصيب فيها وعشرات المسؤولين الحكوميين وأفراد من أسرته.

 

إستنكر الإصلاح - مع بقية أحزاب اللقاء المشترك، مع بقية فرقاء العمل السياسي- هذه الجريمة، وطالبوا بإجراء تحقيق دولي للكشف عن تفاصيل الجريمة ومصدرها لينال جزاءه العادل، لكنّ الغريب في الأمر أن المسؤولين الرسميين في السلطة آنذاك رفضوا الموافقة على إجراء تحقيق دولي بالرغم من تقدم الولايات المتحدة الأمريكية بعرض لإرسال فريق تحقيق أمريكي من الإف بي آي.

 

آلت الأحداث بعد مضي قرابة سنة على بدء الاعتصامات السلمية في ظل إعلان حالة الطوارئ في البلاد من قبل الحزب الحاكم الى تدخل دول الإقليم، وتحديدا دول مجلس التعاون الخليجي - باستثناء قطر- وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وبمشاركة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ويضاف لها دول أعضاء غير دائمين في مجلس الأمن، وتم الاتفاق على القبول بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية من قبل جميع الأطراف اليمنية والتي بموجبها يتم تنازل الرئيس علي عبدالله صالح عن الحكم لصالح نائبه عبدربه منصور هادي، وتحدد فترة انتقالية لمدة سنتين يتم خلالها:

  • انتخاب مباشر من قبل الشعب لمرشح توافقي هو نائب الرئيس عبدربه منصور هادي
  • تشكيل حكومة وفاق وطني رأسها الأستاذ محمد سالم باسندوه مكونة من 36 حقيبة وزارية، نصيب المؤتمر الشعبي العام وحلفائه 18 حقيبة، ونصيب أحزاب اللقاء المشترك 18 حقيبة كان نصيب الإصلاح منها ثلاث حقائب وزارية.
  • إعادة هيكلة القوات العسكرية والأمنية.
  • إعداد مسودة دستور جديد لليمن على أن يتم إقراره من قبل مجلس النواب ثم عرضه للاستفتاء العام.
  • تحضير وتنفيذ مؤتمر للحوار الوطني تشارك فيه جميع القوى السياسية في اليمن.

تم إنجاز بعض من مستحقات المبادرة الخليجية منها:

  • انتخاب الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي
  • تشكيل حكومة وفاق وطني برئاسة الأستاذ محمد سالم باسندوه.
  • هيكلة صورية للقوات العسكرية والأمنية، ففي الوقت الذي أذعنت فيه ألوية الفرقة الأولى مدرّع لإعادة الهيكلة ظلت القوات الضاربة في ألوية الحرس الجمهوري تميل بالولاء للرئيس السابق علي عبدالله صالح وتتلقى الأوامر والتوجيهات منه.
  • إنجاوز وثيقة الحوار الوطني الشامل والذي استغرق إنجازها قرابة سنتين.
  • إعداد مسودة الدستور اليمني الجديد بدعم ومساندة من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة.
 

وفي الوقت الذي كانت الأنظار تتجه فيه إلى قرب اليمن من إنجاز الكثير من استحقاقات المبادرة الخليجية كان للرئيس السابق علي عبدالله صالح وللحوثيين رأي آخر يعارض الإجماع اليمني بالرغم من موافقتهم الصورية لكل مخرجات المبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار الوطني.