الأربعاء 24-04-2024 13:38:52 م : 15 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح  من الميلاد إلى الميدان

التجمّع اليمني للإصلاح .. محطات على دروب التضحيات (1-6)

السبت 15 يوليو-تموز 2017 الساعة 11 مساءً / الاصلاح نت - خاص/ أ.د نجيب سعيد غانم

 

كان طبيعياً أن يختار التجمع اليمني للإصلاح الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر – رحمه الله – رئيساً له منذ نشأته وقيامه، وذلك تثميناً لدوره النضالي والتاريخي في نصرة الثورة اليمنية وفي الدفاع عنها، ولمكانته الاجتماعية وشخصيته الجامعة لكل اليمنيين في شمال الوطن و جنوبه.

ونظراً للمنطلقات الوطنية والإسلامية التي زخرت بها مبادئ الإصلاح وأهدافه، فقد جذبت الكثير من أصحاب تلك التوجهات، حيث تشكّل عند قيامه منهم ومن شرائح أخرى مختلفة من المجتمع اليمني لعّل أبرزها:

  • علماء شريعة ودعاة
  • مشايخ ووجهاء
  • أكاديميون وأساتذة جامعيون من مختلف التخصصات
  • مفكرون وأدباء
  • تجار ورجال أعمال
  • رجال قبائل ومزارعون
  • طلاب جامعيون
  • نساء
  • إعلاميون
  • أرباب أعمال حرّة
  • ناشطون في منظمات المجتمع المدني
  • مغتربون يمنيون.

بعيد الإعلان عن قيام الوحدة اليمنية في الثاني والعشرين من مايو 1990، وبعد إقرار قانون لمزاولة النشاط السياسي والتصريح لإنشاء الأحزاب السياسية في اليمن, قدّم الإصلاح أوراق اعتماده للشعب اليمني في 13 سبتمبر 1990, ليس باعتباره حزباً إسلامياً, ولكن باعتباره امتداداً لحركة الإصلاح والتجديد اليمنية التي خطّ مسارها بالكفاح والتضحيات رجال أكفاء حملوا الأمانة وصدقوا ما عاهدوا الله عليه, أمثال الشوكاني والصنعاني وابن الأمير والبيحاني والعبّادي والحكيمي والزبيري وأحمد نعمان وغيرهم كثير.

 

ومنذ نشأة الإصلاح فقد صاغ لمساره أهدافاً ورؤى اشتقت من التربة اليمنية ومن رصيدها النضالي التي تنشد الحرية والعزّة والكرامة، وقد حفلت أدبيات الإصلاح ونشراته وكتبه، وكذا نظامه الأساسي، بالكثير من هذه المفردات والمعاني.

 

فيما يلي بعض من خصائص التجمع اليمني للإصلاح (نقلاً حرفياً عن نظامه الأساسي):

لقد ناضل شعبنا اليمني بكل فئاته وطلائعه، من علماء، ومثقفين، ومشايخ، وتجار، ومن رجال القبائل، والقوات المسلحة، والأمن، من أجل يمن موحد متحرر من الاستبداد والاستعمار، فكان قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م تحقيقاً لحلم تلك الأجيال، وثمرة لتراكم جهادها ونضالها المتواصل في كافة الميادين، وشتى الأصعدة.

حركة تجسد آمال الشعب وتأخذ على عاتقها تأصيل مطالب الجماهير السياسية والاجتماعية في الحرية والعدالة والشورى، وتشكل امتداداً حياً لحركة التجديد والإصلاح الناهضة في تاريخنا الحديث، التي قامت لتـزيل عن الفكر الإسلامي غبار عصور الانحطاط، وعن المسلمين روح السلبية والتواكل. حركة تقدم إلى الواقع نموذجاً حضارياً جديداً ينبثق عن منهج الإسلام الشامل، ويبني مجتمعاً يمثل أرقى صورة التقدم والتجديد.

حركة تعمل لترسيخ مبادئ الحق والخير والعدل والشورى والوحدة والتعاون بناءً وتنمية للوطن، وإسعاداً لأبنائه، وتعميراً لأرضه الطيبة.

إنه يجمع بين الأصالة والمعاصرة، فلا ينقطع عن جذوره أو يتنكر لها، ولا ينغلق على نفسه أو يُهمل الأخذ بكل جديد نافع.

وقد جاء في تعريف التجمع اليمني للإصلاح عن نفسه بالآتي:

التجمع اليمني للإصلاح تنظيم شعبي، سياسي، يسعى للإصلاح في جميع جوانب الحياة، على أساس مبادئ الإسلام وأحكامه، ويأخذ بكل الوسائل المشروعة لتحقيق أهدافه.

 وصحيح أن أدبيات الإصلاح مليئة بالكثير من المفاهيم والمرجعيات الإسلامية، لكنّها كلّها تنطلق من فهم الإصلاح الوسطي الاعتدالي للإسلام، وقد جاء في منطلقاته ومبادئه:

 
  • الديمقراطية المنضبطة بأحكام الإسلام أسلوب لممارسة الحكم، ورفض للاستبداد بكل أشكاله وألوانه، وتعميق الشورى في الأمة واعتمادها مبدأ ملزماً فـي أمور (الإصلاح) كافة.
  • الحرية بمفهومها الإسلامي حق فطري كرم الله بها الإنسان، ولا تستقيم الحياة الإنسانية إلاّ بها.
  • العدل غاية وفريضة، أوجب الله على المسلمين أن يقيموا حياتهم الخاصة والعامة عليها حتى يقوم الناس بالقسط.
  • اليمن أرضاً وشعباً وحدة لا تتجزأ، وهي عربية إسلامية لا تنفصل عن الأمة العربية والإسلامية بحال من الأحوال.
 

وتؤكد الأهداف السياسية التي قام على تحقيقها الإصلاح – من ضمن جملة أهداف - من ضرورة الفصل بين السلطات الثلاث للدولة (التشريعية والتنفيذية والقضائية), وحماية الثورة اليمنية ونظامها الجمهوري القائم على الديمقراطية والعدل, والتأكيد على تعميق مبدأ الشورى والممارسة الديمقراطية في المجتمع لضمان تداول السلطة سلمياً، وممارسة الحريات العامة والخاصة، وحرية الرأي والتعبير التي كفلتها الشريعة الإسلامية، وضمان كرامة الإنسان اليمني وحمايته من التعرض للامتهان والأذى، وتعميق لغة الحوار والتفاهم بين فرقاء العمل السياسي.

 

نسب الإصلاح الانتماء للإسلام إلى الشعب اليمني باعتباره مجتمعاً متديناً بفطرته ونسب نفسه الى هذا الشعب بحيث لم يدعِ ويزعم لنفسه انتماءً متميزاً للإسلام، أو أنّه محتكر للحقيقة كما يدعي خصومه.

ظل الانتماء إلى الإصلاح مغرماً ولم يكن في يوم من الأيام مغنماً, وصحيح أنّه انتمى الى عضويته في سنواته الأولى, الكثير من التجار ورجال الأعمال، لكنّ الكثير منهم قد غادر عندما علموا تبعات ذلك الانتماء وخاصة أن عين الحاكم بأجهزته القمعية المختلفة ظلت ترصد حركات وسكنات ذلك الوليد الجديد وهي تظهر الكثير من الانزعاج والقلق. وقد ظل الإصلاح مصنّفاً حزباً معارضاً في ظل سلطة تتصف بالفاشية والاستبداد والتسلط والفساد, وفي ظل أنظمة حكم, لا تحترم القوانين التي أصدرتها والتي جاءت تلك الأحزاب بناء عليها.

قام الإصلاح في ظل نظام ائتلافي مكون من سلطتين حاكمتين توحدتا للتو وظلتا تحملان إرثاً في وجدانهما وأدبياتهما معاد لكل طامح لتحقيق الحرية والعدالة والمساواة وللتوزيع العادل للثروة بين المواطنين ولترجمة شعار التداول السلمي للسلطة وتحويله الى واقع حي يعيش بين الأحياء.

وللتذكير فإنّ هذه التناولات لمحطات الإصلاح في مسيرته السياسية منذ قيامه في عام 1990م وحتى اليوم 2017م ليست دفاعاً عن الإصلاح ولكنّها معالجات سردية واقعية موثقة تميط اللثام عن حجم التضحيات التي قدّمها أفراده رجالاً ونساءً، وكذلك تقدم صورة مبسطة عن حجم الظلم الذي تعرّض له وما زالوا يتعرّضون له حتى اليوم، وعن حملات الإرجاف والتزييف الحثيثة في الوعي العام لإلصاق تهم الإرهاب فيه. وفي اعتقادي أن تلك الحملات ستبوء بالفشل والخسران قياساً بالحملات السابقة وما أكثرها، وقد خرج الإصلاح منها معافىً بتوفيق من الله وفضل.

ولكنّ هذا لا يعني أن مسيرة الإصلاح كانت سليمة ومبرّأة من العيوب والأخطاء، والتي ربما يرقى بعضها إلى مستوى العمل الكارثي، وسوف نتناول بعضاً منها في سياق تناولنا لهذه المحطات، وسوف نوفر لمن يريد أن يقدح الإصلاح بالهمز واللّمز فنقول له: على رسلك.. لدينا من المآخذ على الإصلاح ربما أكثر مما لديكم، ولكنّ هناك حقيقتان لابد من التذكير بهما:

 

أولاهما: الحق بتوجيه النقد للإصلاح

طالما أن الإصلاح يقدم نفسه كأحد المكونات السياسية اليمنية الوطنية الساعي مع شركاء آخرين في الوطن, الى المساهمة في العمل السياسي والى التغيير السلمي والديمقراطي لسلطة الحكم في اليمن، فإنّ من حق أي مراقب منصف ومهتم بالشأن العام اليمني أن يتناول الإصلاح ومسيرته وعطائه بالنقد والتمحيص والتوجيه، وهنا نفرّق بين النقد البنّاء الذي يرنو الى تبيان الحقائق وكشف الاختلالات وتقويم المعوّج وصولاً الى تصحيح المسارات للصالح العام، وبين حملات الإرجاف والكيد والبهتان والتي لا تستند الى دليل ولا تقوم على حيثيات أو براهين.

 

ثانيها: تسارع الأحداث في اليمن

تسارعت الأحداث في اليمن منذ ثورة فبراير 2011م الشبابية السلمية وحتى قيام الانقلاب الحوثي العفاشي المشؤوم في سبتمبر 2014م. وحتى اليوم لم تتح للإصلاح قيادة وقواعد من أن تلتقط أنفاسها لتراجع مسيرتها وتقيّم مواقفها وأنشطتها ومشاركتها في الكثير في دعم السلطة الشرعية في اليمن ممثلة بالأخ الرئيس عبدربه منصور هادي, خاصة مع تشظي قيادتها التنفيذية الممثلة بالأمانة العامة للإصلاح كأعلى سلطة تنفيذية فيه، حيث بعض من أفراد قيادتها خارج اليمن مع بقاء قيادة تنفيذية فاعلة ميدانية داخل محافظات اليمن.

لكنّ هذا لا يعفي قيادة الإصلاح داخل اليمن وخارجها  من أن تجد الفرصة والوسيلة في أقرب وقت ممكن لتقييم المحطات التي مرّت بها قوافله لتثمين الصحيح منها وتجويده ولتتجاوز الأخطاء وتصحيحها.  

 

اتسمت الفترة التي تلت قيام الإصلاح بالكثير من الأحداث الجسام في اليمن وفي المنطقة العربية لعّل أبرزها:

  • معركة دستور دولة الوحدة
  • غزو العراق للكويت، وعودة حوالي مليون مغترب يمني من المملكة العربية السعودية ومن دول الخليج العربي.
  • أول انتخابات برلمانية تشريعية لدولة الوحدة في اليمن.
 

كانت من تجليات المشهد السياسي والإعلامي لأجواء الفترة الانتقالية التي أعقبت قيام الوحدة اليمنية 1990-1993م - سميت تندراً الفترة الانتقامية - الكثير من حملات الكيد والتحريض والتشهير برموز الإصلاح وبمواقفه من كيانات وهيئات ومنابر إعلامية محسوبة على سلطتي الحزبين الحاكمين وعلى أحزاب يمنية لأسباب فكرية وتاريخية لا تحمل وداً للإصلاح ولا لتوجهاته اليمنية الإسلامية، وقد كانت أكبر فرية تعرّض لها الإصلاح هو اتهامه بالوقوف ضد الوحدة لأّنه أبدى ملاحظات على بعض المواد المعدّلة لدستور دولة الوحدة والتي عدّها الإصلاح تراجعاً عن المضامين الوطنية والإسلامية للدستور السابق للشطر الشمالي من الوطن ولم تشفع للإصلاح قيامه بتسيير مظاهرة شارك فيها أكثر من مليون مواطن من ميدان التحرير بصنعاء إلى دار الرئاسة، واستمرت الكثير من الصحف التابعة للسلطة الحاكمة ولبعض الأحزاب تنعت الإصلاح تارة بالإرهاب وتارة بأنّه ضد الوحدة اليمنية مع أنّ ما قام به من إبداء موقفه كان من خلال وسيلة سلمية ديمقراطية وحضارية.

وقد كان أول دستور موحد للبلاد اُتفق عليه في مايو 1990 وتم الاستفتاء عليه في مايو/ أيار 1991م, وتم فيه تأكيد التزام اليمن بالانتخابات الحرة والتنافسية، عبر نظام سياسي متعدد الأحزاب، والمساواة في ظل القانون، واحترام حقوق الإنسان الأساسية، وهي المطالب التي كان الإصلاح يعمل على تعزيزها وتمتينها داخل المجتمع.

ثم كانت الطّامة الكبرى بموقف الرئيس السابق علي عبدالله صالح من غزو العراق للكويت، حيث أيد موقف العراق وخاصة في مجلس الأمن، حيث كان لليمن مقعد فيه، وكانت من تداعيات ذلك الموقف غير المسؤول لسلطة الحكم في اليمن أن اتخذت دول مجلس التعاون الخليجي موقفاً نتج عنه مغادرة حوالي مليون مغترب من دولها عائدين إلى اليمن, وقد ساهمت عناصر الإصلاح من خلال الكثير من الجمعيات الخيرية وهيئات المجتمع المدني من استقبال وإيواء الكثير من الأفراد والأسر العائدة إلى اليمن, كما كان لقيادة الإصلاح ممثلة بالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر – رحمه الله- موقفاً مغايراً لموقف السلطة اليمنية، واستقبل الإصلاح في صنعاء وفداً كويتياً يمثل الدبلوماسية الشعبية بعيد الغزو مباشرة, وقد نال الإصلاح من الأذى الشيء الكثير من جراء موقفه العادل والمنصف للكويت حكومة وشعباً ومن قضيتها العادلة, والتي لها أيادٍ بيضاء كثيرة في اليمن.

ثم تلت ذلك أجواء محمومة في اليمن تمثل في إرهاصات واستعدادات لأول انتخابات برلمانية في ظل دولة الوحدة يشرف عليها حزبين حاكمين لم يعرفا في تاريخهما الطويل في الحكم انتخابات ديمقراطية بمفهومها الحديث, فقد تسبّب مشاركة الإصلاح في تلك الانتخابات بالكثير من المضايقات والاعتقالات لعناصر الإصلاح الناشطة سواء في الحملات الانتخابية أو في المشاركة ترشحاً وانتخاباً أو في مراقبة عمليات الاقتراع والفرز للأصوات الانتخابية في مراكز الاقتراع وصولاً إلى إعلان النتائج وفي شطري اليمن جنوبه؛ حيث سلطة الحزب الاشتراكي ونفوذه، وفي شماله حيث سلطة علي عبدالله صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام سواء بسواء.