الجمعة 29-03-2024 12:06:53 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

تنمية اليمن وتحديات الفرص السانحة (4-4)

الأربعاء 31 مايو 2017 الساعة 10 مساءً / التجمع اليمني للاصلاح - خاص

اليوم وليس غداً

قد يقول قائل بأنّ هذه نظرة مفرطة بالتفاؤل، وربما لا تأخذ بالاعتبار الواقع المرير الذي تعاني منه بيئة الاستثمار اليوم.. وأقول: إنّ هذا ربما يكون صحيحاً, ولكنّ أحلام الأمس هي حقائق اليوم وكل الشعوب التي توفر لها الوضوح في الرؤية وتحررّت إرادتها مع عزم أبنائها وتضحياتهم تحقق لها الكثير وهذه التجارب المذكورة من حولنا تؤكد هذه الحقيقة.


صرّح السفير الصيني في اليمن المقيم في الرياض خلال الأسبوع الثاني من شهر مايو 2017م, بأن بلاده ستساهم في الاستثمار في اليمن، وقد لحظ استقرار نسبي في محافظة مارب حيث هيبة الدولة والسلطة الشرعية ومؤسساتها حاضرة إلى حد كبير, فبادر للقول بأنّ بلاده عازمة على تنمية قطاع النفط والغاز في محافظة مأرب، وكذلك في تطوير مصفاة مارب ومصافي عدن.


من اليوم وصاعداً ستراقبنا الكثير من عيون الدول الراغبة في الاستثمار في اليمن، وستقتنص أية فرص سانحة تلوح في الأفق، وعند أولى إطلالاتها ستغتنمها, وهذا متوقع وهو من صميم عمل الدول الراغبة في النهوض برساميلها الاستثمارية العابرة للقارات من خلال القاعدتين الذهبيتين اللتين تعملان دون كلل أو ملل وهما توسيع الشراكات الاستثمارية وتنمية الموارد المالية.

 

دور القطاع الخاص في استثمار الفرص السانحة في التنمية
على الحكومة المركزية وربما فيما بعد قد تنشأ حكومات إقليمية في ظل اليمن الاتحادي، وعلى كل هؤلاء مسؤولية تحويل كل التحديات التي تواجه عمليات الاستثمار في الأقاليم اليمنية إلى فرص حقيقية من خلال توفير بيئات جاذبة للاستثمار تدفع المستثمرين من داخل اليمن ومن الإقليم ومن الخارج إلى التنافس في الظفر بالكثير من هذه الفرص الاستثمارية.

 

متطلبات أساسية لتأمين بيئة جاذبة للاستثمار

• نظام قضائي نظيف وعادل ونزيه
• سيادة النظام والقانون وإنفاذ الأحكام (دولة النظام والقانون)، حيث الجميع من مواطنين ومستثمرين أمام القانون سواء، ويسود مبدأ قوة القانون لا قانون القوة.
• بيئة آمنة ومستقرة فيأمن المواطن أو المستثمر القادم من خارج اليمن على ماله وعرضه ودمه.
• تعليم متميز بكافة مستوياته يعرف حاجة السوق المتغيرة والمتطورة ومتطلبات التنمية فيه.
• تكافؤ الفرص أمام المستثمرين خاصة أثناء تحليل العطاءات والمناقصات الحكومية.
• بنية تحتية مناسبة مثل تأمين الطرق السريعة وتوفير خدمات الماء والكهرباء والصرف الصحي وحماية البيئة وتأمين الأراضي الصالحة للاستثمار.
• قوانين جاذبة للاستثمار وتؤمن مرونة في التعامل مع الرساميل القادمة من الخارج.
• بنوك ومصارف غير ربوية ذات أنظمة مالية حديثة ومتطورة تحظى بحماية ومراقبة البنك المركزي.
• توفير وسائل حديثة من نظم المعلومات وتقنية الاتصالات والإنترنت.

 

دور القطاع الخاص في التنمية
يقود القطاع الخاص عملية تغيير شاملة وهادفة، تحركها وتديرها استراتيجيات منضبطة ومتناسقة بين خطواتها في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والتربوية والتعليمية، وذلك من خلال تعبئة وتنسيق الموارد المحلية بهدف تحسين الظروف المعيشية للمواطنين في البلد، فهي إذن مجموعة من الإجراءات المخططة التي يقوم بها القطاع الخاص على المدى البعيد تهدف إلى تحويل البنى الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية لمستوى حياتي أعلى.
لقد أضحت مشاركة القطاع الخاص لازمة وضرورية، باعتباره المورد الرئيسي أمام الإخفاق الذي حل باستراتيجية التنمية المحلية المعتمدة على الدولة في التمويل، وباعتبار أن مخزون الادخار عالي بين أبناء المجتمع، وباستطاعة القطاع الخاص استثمارها.

 

خصائص شركات القطاع الخاص
• شركات القطاع الخاص هي شركات مساهمات سواء كانت أسرية أو تساهمية تعاونية أو أي نوع من أنواع شركات الأموال وهي تعمل ضمن الاقتصاد الوطني رغم الصعوبات والعقبات التي تواجهها ولما تملكه من صفات إيجابية واقتصادية.
• لدى هذه الشركات قدرة على تحويل مدخرات الكثير من أفراد المجتمع إلى الاستثمار.
• لها قدرتها الكبيرة على الاستثمارات الضخمة.
• بالإمكان أن تلزم بدفع الضرائب بمصداقية وتسجيل العمال بالتأمينات الاجتماعية.
• يفترض أن لديها نظام هيكلي إداري ومالي (حوكمة الشركات).



مشاريع ريادة الأعمال والطبقة الوسطى في المجتمع
لا يستطيع أي مجتمع أن ينهض اقتصادياً ويحدث تنمية حقيقية إذا كان -وما زال- المحتكر لزمام المبادرة الاقتصادية فيه هو الاقتصاد الأسري، وهذا ما هو حاصل في اليمن، حيث عدة أسر لا تتجاوز بعددها أصابع اليد الواحدة وهي المالكة لمعظم الشركات والمصانع والبنوك التجارية والعقارات الاستثمارية وغيرها, صحيح أنّ ما تقوم به ليس عيباً بل مساهمة في إثراء الاقتصاد اليمني، ولكن لابد على الدولة أن تسعى جاهدة للدفع بأفراد الطبقة الوسطى في المجتمع اليمني بـأخذ زمام المبادرة والدخول في الأنشطة الاقتصادية المحرّكة للأموال والمدرّة للدخل فيملك الطبيب عيادته وبعد تراكم خبراته الطبية وتراكم قدر من المال لديه يقوم وبالمشاركة مع بعض من زملاء المهنة بافتتاح مستشفى استثماري ولا مانع من المشاركة مع أصحاب رأس المال سواء المحلي أو الخارجي وبالتالي سيغدو هؤلاء الأطباء ملاكاً لمستشفياتهم، وكذلك على المهندسين والفنيين أصحاب المهن الحرّة امتلاك وسائل إنتاجهم من معامل وورش ومصانع، وقس على ذلك دكاترة الجامعات وامتلاكهم لجامعات أهلية راقية خاصة وللمدرسين وامتلاكهم لمدارس نموذجية وغيرهم من أرباب التخصصات والمعارف والمهارات.


توجد في اليابان حوالي مليوني شركة خاصة مملوكة لأفراد وليس لأسر, وكذا في ألمانيا حيث الطبقة الوسطى من أطباء وأكاديميين ومهندسين ومتعلمين وفنيين تعد من أغنى الطبقات لامتلاكها وسائل إنتاجها, والكثير من الدول الأوروبية لديها بيئة اقتصادية مشابهة وقس على ذلك أمريكا والصين حيث المليونيرات من مواطنيها يعدون بعشرات الآلاف..


وعندما تغتني الطبقة الوسطى فإن دولاب الاقتصاد في البلد يتحرك في كل اتجاه وتبدأ إيرادات الدولة بالتراكم والازدياد من ضرائب وجمارك، وتبدأ حركة البيع والشراء بالارتفاع؛ فهذه الطبقة ستقوم بشراء كل ما في السوق من بضائع وخدمات لأنّها المحرّك الأول لأي اقتصاد.

 

دروس في التنمية من اليابان
تعتبر اليابان هي الدولة الوحيدة التي ضرب بعض مدنها بالقنابل الذرية مثل هوريشيما و ناجازاكي في الحرب العالمية الثانية، والتي خرجت منها وقد تحطّم اقتصادها كلياً تقريباً, ولكنّ اليابانيين لم يستسلموا لواقعهم المرير آنذاك بل عقدوا اجتماعاً في بداية عام 1950م, دعوا إليه كل رجالات التجارة والصناعة والتربية والسياسة والاقتصاد، واتفقوا على توفير إرادة قوية لتحقيق أهداف طموحة للغاية بل تحقيق بعضها يكاد يكون مستحيلاً حيث لا موارد طبيعية إطلاقاً, و بحيث يحققون كل هدف خلال عقد من الزمان (عشر سنوات) وعلى النحو الآتي:
1950-1960 تكون اليابان البلد الأولى في العالم في صناعة النسيج (وتحقق الهدف الأول).
1960-1970 تكون اليابان البلد الأولى في العالم في صناعة الفولاذ (وتحقق الهدف الثاني).
1970-1980 تكون اليابان البلد الأولى في العالم في صناعة السيارات (وتحقق الهدف الثالث).
1980-1990 تكون اليابان البلد الأولى في العالم في صناعة الالكترونيات (وتحقق الهدف الرابع).

هذه اليابان وهذه دروسها، فهل بالإمكان أن نتعلّم منها؟!


والدروس الأخرى نأخذها من كوريا الجنوبية التي خرجت بعد الحرب الكورية بين الجزيرتين الكوريتين في بداية الخمسينيات من القرن الماضي مثخنة بالجراح والدمار ولكن هل استسلمت؟! والجواب: لا.. فقد وضع قادتها وروّاد النهضة فيها قاعدة ذهبية عبارة عن أهداف للتنمية المستدامة تقوم على فكرة بسيطة وهي مضاعفة الإنتاج سنوياً وعلى كافة الأصعدة والمجالات الصناعية والتجارية والتعليمية والإبداعية وغيرها, وتحقّق لها ما أرادت، واليوم نجد الشركات العملاقة في كوريا الجنوبية، فمن منّا لا يعرف "هيونداي" و"سامسونج" و"إل جي"، وغيرها من الشركات الكورية الجنوبية التي غزت بمنتجاتها العالم؟!

 

أ.د. نجيب سعيد غانم الدبعي

 nsghanem@hotmail.com