الجمعة 29-03-2024 12:48:37 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

دموع الثكالى.. قصص من معاناة المرأة اليمنية تحت بطش الحوثيين وتنكيلهم

الإثنين 25 فبراير-شباط 2019 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ زهور اليمني

  

انتكاسة كبيرة لحقت بالمرأة اليمنية منذ انقلاب الميليشيا الحوثية على الشرعية، واقتحامها العاصمة صنعاء واختطاف مؤسسات الدولة، وهي الانتكاسة التي لم تقف عند تدمير كل ما كانت أنجزته نساء اليمن خلال عقود، بل جعلتها الضحية الأبرز للحرب والانقلاب، حيث عمقّت ميليشيا الحوثي مأساة المرأة اليمنية بالتسبب في فقدان عشرات الآلاف منهن لأزواجهن وذويهن، مما أجبرهن على تحمل مسؤولية تدبر الحياة المعيشية، والقيام بمهمات إضافية في رعاية العائلة، بما في ذلك العمل على تلبية حاجياتها من خلال استخدام بدائل بدائية وشاقة ومرهقة، بالإضافة لتحمل ألوان من العذابات وصنوفا من الشقاء.

  

زوجي تطارده الديون

بعيون ملؤها الأسى والدموع تروي أم يونس معاناتها، متمنية لنفسها "الموت" حيث تقول: "ضاقت بنا الحياة وأصبح زوجي يخشى الخروج من البيت، فصاحب البقالة يطالبه بالديون المتراكمة علينا، ومالك البيت كل يوم يهددنا بالطرد إن لم نسدد الإيجارات التي تتضاعف كل شهر. عجز زوجي عن توفير لقمة العيش لأطفالنا بعد انقطاع الرواتب. حاولت البحث عن عمل بعد أن تدهورت صحة زوجي نتيجة إصابته بمرض القلب والسكر والضغط، طرقت أبوابا كثيرة من البيوت أعرض عليهم العمل كشغالة لديهم، فلم أجد من يستجيب لطلبي".

وتابعت: "في ذلك اليوم جاء صاحب البيت لمنزلنا يطالب بالإيجار بعد أن علم أن زوجي استلم نصف راتب، مع العلم أنه لم يستلم الراتب منذ خمسة أشهر. لم يدخل زوجي من نصف الراتب هذا ريالا واحدا للبيت، فلقد كان بانتظاره صاحب البقالة الذي أخذه بالكامل، ولم يتبقَّ منه سوى ثلاثة آلاف ريال اشترى بها مصروف يومين".

وأضافت: "لم يصدق مالك البيت أن زوجي لم يعد يملك من الراتب ريالا واحدا، وبعد مشاجرة تطورت إلى استخدام الأيدي، ذهب مالك البيت إلى قسم الشرطة ليحظر أمرا بإخلاء البيت".

ومضت تقول: "لم يستطع زوجي احتمال الذل والهوان، فتوقفت الحياة في جسده المنهك من الجوع والقهر والألم، تاركا خلفه حملا أثقل كاهلي أكثر مما أثقل كاهله".

  

من أين اطعم اولادي السبعة

لم تكن قصة أم يونس قصة المعاناة والألم الوحيدة، في ظل استمرار تنامي ظاهرة الترمل، وما يُرافقها من انتهاكات جسدية ونفسية للمرأة في ظل سلطة الحوثيين، فهناك قصص كثيرة مؤلمة، كقصة أم عبد السلام التي لا تجيد أي مهارة سوى صنع اللحوح، لتبيعه بعد ذلك، لكنّ هذا يتطلب منها دفع أموال كثيرة لمواجهة ارتفاع الأسعار في قيمة الدقيق وغاز الطهي.

تحدثني أم يونس عن معاناتها التي أصبحت السمة المشتركة بين آلاف النساء اليمنيات قائلة: "قبل احتلال الحوثيين لصنعاء كنت أعيش مع أولادي مستورة الحال، أبيع اللحوح الذي كان هو مصدر دخلي ولا زال مع راتب زوجي المتوفي البالغ 20 ألف ريال".

وأضافت: "تغيَّر الوضع ولم يعد الراتب يصلني، ولم أعد أبيع اللحوح كما كنت أفعل من قبل، نتيجة صعوبة المعيشة التي أصبح يعاني منها الناس".

وتواصل سرد معاناتها قائلة: "تمر عليّ الليالي لا أستطيع فيها النوم، أفكر من أين سأطعم أولادي السبعة، ومن أين لي المال الذي أشتري به الطحين والغاز لعمل اللحوح. أصبت بمرض القلب والسكر ولم أجد قيمة الدواء، توفت ابنتي البالغة من العمر عشر سنوات بمرض القلب، بسبب عدم تناولها الدواء الذي عجزت أيضا عن توفيره لها،
ماتت بين يدي، ومت بعدها آلاف المرات، فاقة، وحزن، وعوز، ومرض".

منذ احتلال الحوثيين للسلطة والحرب تحصد الأخضر واليابس، وتحصد معها حياة مئات آلاف العوائل، حيث لم يعد يوجد في اليمن اليوم أي برنامج حكومي لدعم الأرامل وأطفالهن بعد توقف التمويل الخارجي كلياً عن الصندوق الاجتماعي للتنمية، فقد أوقف الصندوق 283 مشروعاً تضع الأرامل على رأس أولويات برامجها التي توفر فرص عمل تناسبهن.
كذلك، توقف دفع الإعانات المالية الدورية لأكثر من مليون أسرة فقيرة.

حتى الجمعيات الخيرية لم تسلم من عبث الحوثيين، حيث تم إيقاف عمل معظم الجمعيات الخيرية التي تدعم الأرامل وأطفالهن الأيتام والأسر الفقيرة، وهو ما يزيد من صعوبة الأوضاع الحالية، خصوصاً مع ازدياد أعدادهم.


أم عبد الغني واحدة من آلاف النساء الأرامل اللواتي وجدن أنفسهن ربات أسر بلا معين، وسط حرب تسببت في توقف ما كانت تجود به المنظمات والجمعيات الخيرية ورجال الخير لهذه الفئة الاجتماعية، وضعف دور المنظمات الدولية في تقديم المساعدات الإنسانية، خصوصا مع زيادة حالات النزوح واتساع دائرة الاقتتال.

  

الكراتين عوضا عن الغاز

تمر أم عبد الغني كل صباح على الأسواق لتأخذ المخلفات الملقية من "الكراتين" الخاصة بالبضائع، لتستفيد منها في طهي طعامها، بعد أن وجدت نفسها غير قادرة على شراء غاز الطهي منذ أكثر من عام.

تحدثني بصوت لا يكاد يسمع بسبب ثقل الحمل الذي على رأسها قائلة: "عن ماذا أتحدث، ألا يكفيك ما ترينه بعينيك؟"، وبدأت تدعو بقلب محروق على الحوثيين الذين كانوا سببا في إخراجها من بيتها وإذلالها، كما ذكرت.

تتابع حديثها قائلة: "انقطع الراتب الذي كنت أستلمه من إحدى الجمعيات الخيرية رغم أنه مبلغ بسيط، إلا أنه كان يخفف عليّ جزءا من الحمل، والله إنني أتمنى الموت كل يوم". وعندما سألتها عن زوجها، أخبرتني أنه قتل قبل سنتين بغارة جوية.

تعاني المرأة اليمنية الكثير من الانتهاكات الجسدية والنفسية في المناطق التي تقع تحت سلطة الحوثيين، حيث أجبرت الحرب العديد من النساء اللائي فقدن أزواجهن إلى خيارات صعبة أخرى للبحث عن ما يوفر لأسرهن الحد الأدنى من متطلبات البقاء على قيد الحياة.

  

أرهقني واقع الحال

أم أيمن لديها سبعة أطفال، قتل زوجها في إحدى جبهات القتال، فلم يكن لديها خيار إلا كسر فترة العدة مبكرا، والخروج للبحث عن وسيلة لكسب الرزق وإطعام أطفالها.

"أرهقني واقع الحال"، بهذه العبارة الحزينة تحدثني أم أيمن عن معاناتها في البحث عن عمل، وتقول: "قمت ببيع المناديل الورقية وقناني المياه المعدنية، إلا أن ذلك لم يستمر طويلا، حيث تعرضت في كثير من الأوقات لمضايقات من ضعيفي النفوس، بالإضافة إلى أنه تمر عليّ أيام أرجع فيها إلى أولادي بدون طعام، بسبب أنني لم أبع شيئا، مما اضطرني في مرات كثيرة لإراقة ماء وجهي وطلب المساعدة من الآخرين".

ضربت المرأة اليمنية أروع الصور في التضحية، فهي وبرغم الوضع القاسي وما تعانيه في ظل حكم الانقلابيين، إلا أنها أثبتت بأنها امرأة عظيمة، استطاعت أن تقف في وجه الظلم والطغيان لعصابة التمرد والانقلاب، رغم الكثير من ممارسات العنف ضدها وحرمانها من أبسط الحقوق.

  

مأساة النزوح على كتفي

أم عبد الله نازحة من تعز مع أطفالها الستة تحدثني عن مأساتها قائلة: "كنا نعيش في أمن وسلام، وفي لحظة تحول كل ذلك إلى كابوس مرعب، حيث حل محله القلق وفقدان الأمن، وأصبح خوفنا يتصاعد مع كل هاون يطلق، ومع كل بيت يفجر، ومع ذلك لم نفكر بمغادرة بيتنا ومدينتنا، فلا مأوى لنا غير البيت الذي نسكنه، والذي أصبحنا مهددين بتفجيره من قبل الحوثيين في أية لحظة".

وتضيف: "في تلك الليلة التي توقعنا مجيئها، أمرنا الحوثيون بمغادرة البيت صباحا، لم نأخذ بتهديداتهم على محمل الجد ولم نغادر، فما كان منهم إلا أن أطلقوا قذيفة على المنزل، مما تسبب في مقتل زوجي وجرح أحد أبنائي".

وتابعت: "أنفقت كل ما تبقى من مدخرات لدينا في كلفة دفن زوجي ثم غادرت مع أبنائي لا ندري إلى أين، ذليلين لا نملك سوى الملابس التي كنا نرتديها، حيث إنهم لم يسمحوا لنا بأخذ أي شيء معنا".

تتنهد أم عبد الله بحزن وتواصل حديثها قائلة: "قام أصدقاء زوجي بإعطائي مبلغا معينا، ونصحوني بالسفر إلى صنعاء". تلتفت على يمينها ويسارها قائلة: "لم أكن أتخيل أن يصل بي الحال مع أولادي إلى ما وصلنا إليه، كما ترين أصبحنا نسكن في هذا الدكان الصغير، تمر علينا أيام لا نأكل فيها سوى الشاي والكدم التي يمدنا بها أحد الأفران".

وتواصل حديثها قائلة: "أولادي مر عليهم عامان لم يلتحقوا بالمدارس، لا أملك المال لتوفير الدفاتر والأقلام، ابني البالغ 13 عاما أصبح هو المعيل لنا، فهو يعمل في إحدى ورش السيارات مقابل 20 ألف ريال تقسم بين الإيجار والمستلزمات الأخرى، حالتنا من سيئ إلى أسوأ، نعيش حياة الذل والفاقة".

تكافح النساء اللائي فقدن أزواجهن من أجل الحياة، واللائي تتضاعف أعدادهن ويزداد مأساوية وضعهنَّ المعيشيِ والنفسي في ظل إجرام الحوثيين، ومجتمع مثخن بالقضايا الاقتصادية والأمنية، ودوامة الاقتتال.

 

طاردوا زوجي وقتلوه

تحدثني أم خالد التي تعيش في بيت للإيجار مع أولادها الستة وأمها المختلة عقليا قائلة: "كان زوجي يعمل جنديا في أحد مرافق الدولة، كنا نعيش في خير ونعمة من الله، وبعد احتلال الحوثيين لصنعاء أصبح زوجي مطاردا من قبلهم، وذنبه أنه كان يعمل في أحد المرافق التي تتبع خصومهم كما يقولون".

وأضافت: "استمر في الهروب ما يقارب السنة، وبعدها قتل على أيديهم وكان أول عمل قاموا به هو قطع راتبه وبذلك انقطع أي مورد دخل لنا. ثلاث سنوات مرت عليّ ذقت فيها كل أنواع الذل، فبعد أن كنت أعطي أصبحت أنتظر من يدق عليّ بابي ليتصدق عليّ بقليل من السكر أو الطحين الذي أشبع به بطون صغاري".

ومضت تقول: "أخرجت أولادي من المدرسة التي لا قدرة لي على نفقاتها.
إحدى الصديقات طلبت مني مساعدتها في أعمالها المنزلية، لم تستطيع أن تسمي وظيفتي (شغالة) خوفا على مشاعري، لم تعلم بأنني أصبحت مستعدة للقيام بأي عمل مقابل إطعام أولادي".

وتواصل سرد حكايتها قائلة: "عملت عندها براتب شهري 15 ألف ريال لا أدري أين أنفقه، هل أسلم منه الإيجار، أم أطعم به أولادي، أم أشتري به الدواء الشهري لأمي؟".

لم تستطع إكمال الحديث فقد خانتها دموعها، وخانتني أنا أيضا الكلمات، ولم أجد عبارة واحدة يمكنني مواساتها بها والتخفيف من معاناتها.

تعاني المرأة اليمنية منذ زمن طويل من انتهاكات وتجاوزات لحقوقها المدنية، فهي -وبحسب التقارير الدولية- تحتل أدنى المراتب وأسوأها في الحقوق، وتأتي في المراكز الأخيرة عالميا، غير أنه وفي ظل حكم الانقلابيين وسيطرتهم على بعض المدن اليمنية، كشف عن صورة أكثر مأساوية تعيشها المرأة اليمنية، أبرزها فقدان حقها في الحياة، وعمليات قمع وهدر لكرامتها وتعرضها للتشريد والتهجير، واتساع رقعة الفقر بين النساء خاصة، وجعلهن أكثر عرضة للتعدي على حقوقهن، وانتهاكات أخرى لا حصر لها.

ومع أنها تكافح من أجل صياغة أدوار خاصة بهذه المرحلة، على مستوى بناء إستراتيجية الحياة التي تعيشها، للتعامل وفق معايير البقاء، إلا أن مسلسل تعرضها لأبشع أنواع الانتهاكات وتحملها صنوف المعاناة في المناطق التي تسيطر عليها مليشيات الحوثي الإجرامية من خلال استغلال أوضاعهن الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية المزرية، جعلها أكثر ضحايا الحرب جسدياً ونفسياً ومعنوياً.