الجمعة 03-05-2024 01:49:19 ص : 24 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح.. قراءة في البنية الفكرية والمحددات السياسية (الحلقة الثانية)

الأحد 23 ديسمبر-كانون الأول 2018 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت - خاص / فهد سلطان

 

كانت الحركة العلمية في اليمن في القرون المتأخرة؛ تنشط من فترة وأخرى، وفي كل نشاطها الفكري والثقافي، اصطدمت بالنظام السياسي قليلاً أو كثيراً، والذي اعتمد على لون واحد من المعرفة ما يبقيه على السلطة فقط، ومحاربة ومواجهة وإضعاف أي توجه فكري أو سياسي آخر، فبقيت اليمن في عزلة عن محيطها المجتمعي والعربي والإسلامي والعالم أيضاً.

يذكر الكاتب محمد صلاح بتاريخ 22 ديسمبر 2015م، فيقول: "كان مطلب استعادة اليمن لسمعتها بين الأمم، من بين أهم مطالب حركة الأحرار اليمنيين التي تشكلت قبل أكثر من سبعين عاما، فنظام الإمامة الموغل في الانحطاط وطريقته المتخلفة في إدارة شؤون البلد، أوجد غصة في نفوس الشعب وطليعته المتعلمة التي كانت تشعر أكثر من غيرها بالإهانة التي لحقت باليمن بين شعوب العالم، وبكرامتها المتدهورة بين دول الشرق والغرب، فكان مطلب استعادة سمعة اليمن وكرامتها إلى جانب مطلب الفصل بين السلطات، والعدالة بين المواطنين، من أهم مطالبهم، كما عبر عنها كتاب من وراء الأسوار كلأستاذ الشهيد محمد أحمد نعمان رحمة الله عليه، وما زال هذا المطلب حاضرا اليوم بعد ثلثي قرن من الزمان، عند شباب ثورة فبراير 2011م، ورثة الرعيل الأول من رواد الحركة الوطنية". هذا الجو الذي سرده صلاح، هو الجو الذي سيشغل الحركة الإسلامية، وسيجعلها تعود إلى الجذور وتنفتح على المحيط الإقليمي، كما سنذكر ذلك في حلقات قادمة بإذن الله من هذه الدراسة.

ذكرنا في الحلقة الأولى من هذه الدراسة أن فكر الحركة الإسلامية الإصلاحية اليمنية يعود إلى أعماق التاريخ الإسلامي، وفق سلسلة من المجتهدين العظام، أمثال الإمام محمد بن إبراهيم الوزير (775 هـ - 840 هـ) صاحب الروض الباسم، والعواصم والقواصم، وإيثار الحق على الخلق، وكلها كتب ومؤلفات تعكس حجم التجديد الديني العميق الذي قام به هذا العلم الشامخ، وهذه المدرسة ستكون منارة هدى لمن جاء بعده من العلماء والمفكرين.

 

الإمام المجتهد صالح المقبلي

سيخرج على منوال ابن الوزير عالم جليل وكبير آخر هو الإمام المجتهد صاح بن مهدي المقبلي (1047ـ 1108هـ) في القرن الحادي عشر الهجري، وهو صاحب كتاب "العلم الشامخ في تفضيل الحق على الآباء والمشايخ" وهذا الكتاب؛ الذي سيوضح خطه العلمي في التفكير والاجتهاد، ومذهبه في البحث عن الدليل أينما كان، وسينبذ التقليد وأهله، وسيخط طريقاً جديداً على منوال ابن الوزير في التحرر من التقليد والسير نحو التحرر والاجتهاد.

نشأ المقبلي على المذهب الزيدي، ولكنه نبذ التقليد، وجرت بينه وبين علماء صنعاء مناظرات طويلة، ولم يسترح بسبب الوضع الذي كان يسود الجو الفكري في البلاد حينها، فرحل بأهله إلى مكة سنة 1080هـ. قال عنه الإمام الشوكاني: "وقد أكثر الحط على المعتزلة في بعض المسائل الكلامية، وعلى الأشعرية في بعض آخر، وعلى الصوفية في غالب مسائلهم، وعلى المحدثين في بعض غلوهم، ولا يبالي، إذا تمسّك بالدليل، بمن يخالفه، كائناً من كان".

 

الإمام الشوكاني

يمكن القول إن الإمام محمد بن علي الشوكاني (1173- 1250هـ) أحد أبرز علماء السنة وفقهائها العظام في العالم الإسلامي في عصره. فهو من العلماء الكبار، الذين كانت الحركة الإسلامية الإصلاحية اليمنية تعتمد عليهم اعتماداً كبيراً؛ في فقهها وفكرها وخطها التجديدي، وحاكته كثيراً.

قال عنه الإمام الحافظ عبد القادر بن أحمد الكوكباني المتوفي سنة (1207هـ) بأنه "كان أبرز علماء عصره، وأكثرهم إفادة، فلم يكن في اليمن له نظير، وهو من تلاميذ الإمام ابن الأمير الصنعاني، وحامل لواء السنة بعده".

وقال عنه العلامة محمد علي بن إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن أحمد بن عامر الشهيد المتوفي (1208هـ): "كان إماماً في جميع العلوم، محققاً لكل فن، ذا سكينة ووقار، قل أن يوجد له نظير"، وهو شيخ الشوكاني في "صحيح البخاري" حيث سمعه منه من أوله إلى آخره.

وقد شكل الشوكاني وفكره عقل الحركة وفكرها وثقافتها الدينية والفقهية، فطبعت كتبه، وأدخلت في مناهج الدراسة في المعاهد العلمية، والمدارس والجامعات، ودُرِّست هذه الكتب في حِلق العلم وفي مكتبات المساجد والجامعات، وخرجت عشرات الرسائل الجامعية تتحدث عن فكر الإمام الشوكاني.

توالت طباعة كتب الإمام الشوكاني، والتي وصلت إلى أكثر من مئة كتاب، ومثلت كتبه كـ"فتح القدير" في التفسير وكتاب "نيل الأوطار" في الفقه، و"السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار"، وغيرها من الكتب التي مثلت زاداً أساسياً للحركة الإسلامية، وسيتواصل هذا الإثراء والاحتفاء حتى يومنا الحاضر.

 

من هذه المدرسة الإصلاحية التجديدية ستختط الحركة الإسلامية اليمنية المعاصرة خطاً جديداً يقوم على:

- إحياء التجديد الفكري والعلمي القائم على الكتاب والسنة، ونبذ التقليد بكافة أشكاله وصوره.

- نبذ التعصب الديني والمذهبي، وإشاعة جو التسامح في ربوع البلاد(1).

- التشجيع على طلب العلم الشرعي، وإحياء قيم الإسلام ومبادئه.

- مواجهة فكر التخلف فكراً وفقهاً، وهي المهمة التي ستضطلع بها المعاهد العلمية وستصل إلى نتائج كبيرة.

  

الخلاصة

خلاصة المحددات الفكرية للحركة الإسلامية الإصلاحية، أنها اعتمدت على قامات فكرية وعلمية يمنية خالصة، كابن الوزير والشوكاني والمقبلي، وستبرز أهم معالمها السياسية والثقافية مع الثورة الدستورية عام 1948م، وسوف يكتمل التشكل السياسي، بعد الانقلاب الذي جرى 1955م، وستبرز الحركة الإصلاحية بعد ثورة سبتمبر 1962م، لتصبح كيانا مستقلا، سوف نتناوله بالتفصيل في الحلقات القادمة إن شاء الله.

--------------------
هامش:
1- ستبلي الحركة الإسلامية بلاء حسناً، وهي ترسي ثقافة التسامح وتعزيز دعائم الوسطية ومحاربة العنف والتعصب، وستبذل جهوداً لا يستهان بها في هذا الجانب، وسوف تتولى مؤسسات تعليمية وثقافية رسمية وحزبية على مدى عقود هذا الملف، وستعيد رسم اليمن بمعالم جديدة.