الجمعة 29-03-2024 00:18:38 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

إيران واليمن.. صراع من أجل العبور

الخميس 06 إبريل-نيسان 2017 الساعة 03 صباحاً / الاصلاح نت - خاص - ثابت الأحمدي

  

                                         

 

ما من حضارتين متجاورتين إلا وينشأ بينهما من الخصومة والعداوة ما لا تستطيع السياسة إصلاحه في الغالب، خاصة إذا تباينت الأجناس والعرقيات بين هاتين الحضارتين، وفي الجدل التاريخي بين الفرس والعرب ما يكفي للاستدلال على صحة هذه الحقيقة.

الصراع الفارسي/ العربي قديم قدم التاريخ ذاته، وليس طارئا اليوم حسبما قد يتوهم البعض. واليمن جزء من المنطقة العربية وهويتها المشتركة. خاضت مع إيران جدلا سياسيا وعسكريا قديما ولا يزال، مع إضافة البعد الثقافي والاجتماعي اليوم، بحكم المتغيرات الزمنية..

 

اليمن بلد حضاري عريق، كما هو الشأن بالنسبة لفارس، وإن كانت عراقة حضارة الفرس دون عراقة حضارة اليمن بكثير؛ إذ لم تنشأ حضارة الفرس إلا وحضارة اليمن على وشك الأفول والتراجع. ومن يتأمل البعد التاريخي والحضاري في التوراة وفي القرآن الكريم عن اليمن يندهش من هذا الحضور الإيجابي الخلاق.ومما يؤسف له أن حصل انقطاع حضاري كبير في اليمن، منذ مطلع القرن الخامس الميلادي ولا يزال، في الوقت الذي تماسكت فارس حضاريا، ولا تزال. فهي مرتبطة وجدانيا بقوميتها وعرقها ارتباطا جذريا، أما ارتباطها بالإسلام فأقل من ذلك بكثير.

ولإيران صولات وجولات مع العرب بشكل عام، منذ قديم الزمن ولا تزال، بحكم أطماعها التوسعية، وتباينها ـ عرقيا ـ عن جيرانها العرب، وما يجري اليوم ليس جديدا أبدا. إنهاتخطط لاستعادة امبرطورية "قورش" الملك "الاخميني"المعظم لدى الفرس، ولدى اليهود على حد سواء.! والمؤسس للامبراطورية الفارسية الاخمينية. توفي 529 ق. م.

 

لاحقا.. وفي العهد الأخميني نفسه كان العرب على قد عال من الذكاء وإدراك الحقائق، ربما أكثر من اليوم؛ فحين بلغت الامبراطورية الفارسية أوج قوتها في عهد "دارا الأول" بعد "قمبيز" كانت كل القبائل العربية ـ ومنهم الفينيقيون ـ متعاونين معها؛ لكن حين توسعت فارس باتجاه اليمن، غيرت القبائل العربية الساكنة في بابل وآشور موقفها من ذلك التحالف. ورأى العرب جميعا أن سيطرة فارس على اليمن يعد انتهاكا للجغرافيا المقدسة؛ وعلى الرغم من أن العرب كانوا متحالفين مع كسرى الفرس، وقاتلوا الروم "الغرب" إلى جانب كسرى، إلا أنهم هذه المرة قد تركوا فارس وتحالفوا مع الروم، نكاية بفارس، لتوسعها نحو اليمن. وهو الأمر الذي حقق انتصارا للروم على الفرس عام 587م. وبذلك تراجعت فارس عن مناطق نفوذها لينفسح المجال لقسطنطين الروم، ويرث جزءا من مناطق النفوذ. هذه حقيقة تاريخية. ربما لا يعيها الكثير. وللرحالة التونسي عبدالعزيز الثعالبي كلام هنا عن مدينة إبوداريوس الأكبر الملك الفارسي 522 ـ 486 ق.م.

 

فيما بين العامين 225 ـ 595م، وفي العهد الفارسي الساساني كان للفرس حضورهم الكبير، بعد اغتيال الملك اليمني الحميري سيف بن ذي يزن الذي تواطؤوا مع بقايا الأبناء على قتله، ليرثوا حكمه، وتوطد هذا الحضور أكثر بعد إسلام "باذان" أو تظاهره بالإسلام، كما يرى البعض، ولكن ليشهد خلفُه في الملك "شهر بن باذان" ثوراتٍ شعبية اعتبرها البعض ردة عن الدين، فيما اعتبرها آخرون ثورات تحررية من الظلم الفارسي المتدثر بدثار الإسلام.. وعلى أية حال فقد انتهى الحضور الفارسي كحكام، وتماهوا بين المجتمع، وعرفوا لاحقا بالأبناء أو الأبناويين، حتى نهاية القرن الثالث الهجري، وتحديدا 282هـ حين وفد الإمام الهادي يحي بن الحسين فارا من خصومه السياسيين الخلفاء العباسيين آنذاك الذين نكَّلوا بالعلويين وقتلوهم بعد تحالفهما ضد الأمويين..

 

والإمام الهادي نفسه حين وفد إلى اليمن فارا من بني عمه العباسيين سعى لتأسيس مجد فارسي جديد عن طريق استبداع مذهب جديد، عازيا إياه إلى الإمام زيد بن علي الذي خرج على الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك وقتله على ذمة الخروج، علما أن الإمام زيدا ليس له مذهب فقهي معروف آنذاك، وكان مجرد معارض سياسي لحكم بني أمية،وقُتل وعمره 42 عاما.

واستطاع الإمام الهادي أن يؤسس مجدا للعائلة القادمة، مستغلا الأوضاع العامة التي كانت تعيشها اليمن، والفراغ السياسي الذي كانت تمر به البلاد، نجد ذلك واضحا بين ثنايا مراسلاته لأبناء أعمامه في بلاد الجيل والديلم، شعرا؛ حيث يقول:

كذلك أنتم يا آلَ أحمد فانهضـُــــوا     بجيش كسيلٍ حدرته الجراشع

فما العز إلا الصَّبر في حَومة الوغى  إذا برقت فيه السُّيوف اللوامع

هل الملك إلا العز والأمر والغنى      وأفضلكم من هَذبته الطبـَــائع

بنيتُ لكم بيتًا من المجد سُمْكه      دوين الثريا فخرُه مُتتابع

ألم تعلموا أني أجودُ بمهجتي      ومالي جميعًا دونكم وأدافع

فما أحدٌ يسعى لينعش عزكم     سواي وهَذا عند ذي اللب واقع

متهكما من اليَمَن واليمنيين، وسَاخرا منهم:

بني العم إني في بِلاد دنيَّةٍ              قليل وداها وشرُّها مُتتابع

وليس به مالٌ يقوم ببعضها            وساكنها عريانٌ غرثان جائع

 فإن لم تكافوني بفعلي فتُحسِنُوا       فلا يأتني منكم ـ هُديتم ـ قطائع

 

وذات الفكرة حملها من بعده الإمَامُ أحمد بن سُليمان؛ حيثُ يخاطبُ قومَه هناك في بلاد الجيل والديلم، وأيضا من يحمل معه نفس الفكرة، قائلا:

 

قوموا جميعا بني الزهراء وانتصروا    مما أضَرَّ بكم من سَالف الزمن

إني نهضتُ للم الشَّمل شملكم     وما لويتُ على أهل ولا وطن

فإن تجيبوا أملِّكُكم بلا كذب      على الشَّريعة أرضَ الشَّام واليَمن

وأقتني لكم ما ينفعُكم ويحفظ     العز من حِصن ومن حُصُن

يا قوم إن تسمعوا مني أكُنْ لكم        أصفى من الماء أو من خالص اللبن [1]

 

وهكذا تتابع الأمر وتوارثوا الفكرة خلفا عن سلف، وعلى الرغم من مرور مئات السنين بل ما ينيف عن ألف ومئتي عام إلا أن هذه الجماعة التي تحمل فكرة الإمامة لم تستطع أن تتيمنن أو تصطبغ بالصبغة اليمنية الخالصة على ما في البيئة اليمنية من موروث حضاري عريق، فلا يزالون يحنون إلى بلاد فارس، ويعتبرونها السَّند والملاذ، ومن يطلع على "دامغة الدوامغ" للأديب أحمد بن محمد الشامي يدرك ذلك بوضوح ودون عناء وهو يرد على لسان اليمن الهمداني رحمه الله الذي تغنى وفاخر بيمنيته في ملحمته المشهورة: "الدامغة" ورد على "دامغة الدوامغ" للشامي الأديب والمؤرخ الشاعر مطهر بن علي الإرياني رحمه الله في ملحمة أخرى اسمها: "المجد والألم".

والحقيقة كما صورها الشاعر عبدالله حمران، مخاطبا هؤلاء القوم:

وهبناكم الحكم إذ كنتم    تهيمون في بقعٍ خالية

وقلنا يمانون أهل لنا   ولا عاشت القيمُ البالية

وصرنا لكم في الملمات جندا  وصرتم بنا قممًا عالية

مزجنا خلال السنين الطوال   دمانا بكم حرة غالية

ولكنكم رغم مر السنين    بقيتم على أرضنا جالية

فعلا.. لقد عاشوا بنفس حاقد، بغيض على كل يمني، ولا يزالون، وكل أدبياتهم الدينية والسياسية تقرر ذلك بوضوح، حتى إنهم تعمدوا تدمير المعالم الحضارية والتاريخية لليمن والقضاء عليها، لأنهم يرونها منافسا حضاريا لهم، على الرغم مما تكتنزه اليمن من موروث مهول في هذا الجانب.

 

 

إيران واليمن في العصر الحديث

تذكر المصادر التاريخية أن العلاقة بين اليمن وإيران كانت وطيدة في الفترة القاسمية، بحكم التقارب المذهبي بين السلطتين الحاكمتين، بل لقد كانت هناك زيارات رسمية وتبادل الوفود التي حملت الهدايا بينهما، فمثلا أرسل الإمَام المهدي محمد بن المهدي أحمد، صَاحِب المواهب 1097 ـ 1130هـ وفدا برئاسة محمد حيدر آغا، حاملا هدايا كثيرة، منها السيوف والخيول والعقيق وبعض التحف اليَمَنِيَّة الثمينة إلى الشاه حسين بن سليمان الصفوي ت. 1135هـ. حين لقب الإمَام نفسه بالمهدي المنتظر، وبادله الشاه الصفوي ذات الشعور؛ إذ أرسل له بعد ذلك وفدا كبيرا محملا بالهدايا النفيسة للإمام. وقبيل وصولهم إلى اليمن كان الإمَام قد أعد لهم استقبالا مهيبا لم يعمله مع أحد قبلهم أو بعدهم، فأمر عماله بتزيين كل المدن التي يمر بها الوفد، ابتداء من ميناء المخا، وانتهاء بمدينة المواهب في ذمار، كما أمر كل عامل باستضافة الوفد حال مرورهم من ولايته. وحال استقبالهم صُفَّت الأجنادُ من المواهب إلى قريب ذمار، ثم صُفت بعد ذلك الخيل إلى ميدان الدار، وقَدْ فُرش جميعه بالمفارش الرومية، وعند رأس كل حصان عبد من العبيد حتى وصلوا إلى الديوان.. ثم استقبل الإمَام الوفد في وسط مهرجان كبير، كان قد أعده لهذه المناسبة، حضره أعيان الدَّولَة وغيرهم، وألقيت فيه كلمات الترحيب وقصائد التهاني. وقَدْ أقامهم بالقرب منه في بستانه الخاص، وأنفق عليهم النفقات الواسعة طوال فترة إقامتهم التي استمرت أربعة أشهر. وعندما أعلنوا موعد الرحيل أتحفهم الإمَام بالهدايا الجزيلة التي منها: سبعون فرسًا من الخيل العتاق، ثم ألبسها جميع ما تحتاج إليه من العدة الفاخرة التي رق لبسها وراق، وغير ذلك مما يُقابل به الملوك من النفائس والذخائر والسيوف المحلاة بالذهب المسبوك. وكان من جملة الهدايا التي خص بها الشاه نسخة من ديوان الشَّاعر الحسن بن علي بن جابر الهبل، وفرس عظيم القوة والحجم، مجهز بسرْج وعصى مصنوعة من العقيق.. "إلخ. [2]

 

خلال القرن التاسع عشر ثم العشرين تواجدت في عدن أيضا بصورة ملحوظة، كغيرها من مختلف الجنسيات العالمية التي احتضنتها عدن، وبنى الفرس هناك معبدا في حي كريتر، بالقرب من خزان "بلاي فير" كما كان يسمى سابقا، خزان الطويلة حاليا، بواسطة رجل الأعمال الفارسي قهوجي دنشهاوإيدن والا "CowasjeeDinshawAdenwalla" في العام 1883م. وإضافة إلى ذلك شيد رجل الأعمال نفسه ما يسمى "البرج الصامت" فوق هضبة جبل بالقرب من جبل شمسان، وتبعد حوالي 200 متر جنوبا من خزانات الطويلة، ويطل على معبد النار في حي كريتر، وكان يستخدم للتخلص من موتاهم بحسب الطقوس الزرادشتية..

المعبد الفارسي في عدن الذي بني عام 1883م.

 

نموذج آخر.. حين تولى الإمام محمد بن يحي الحكم سنة 1307هـ وهو والد الإمام يحي، هنأته الطائفة الشيعية في العراق بتولي الحكم وإمامة اليمن بقصيدة منها:

مُرْ وانْهَ فأنت اليوم ممتثل والأمر أمرك لا ما تأمر الدول

الدولة اليوم في أبناء فاطمة بشرى قد رجعت أيامنا الأول

محمد اليوم قد أحيا بني حسن  كأنهم قط ما ماتوا ولا قتلوا.

ونلاحظ هنا مقدار النَّفَس الطائفي المذهبي البغيض. ولا تعليق..!

وأدهى وأمر من ذلك حين تجاهل طابع البريد الإمامي "اليمني" كل معالم اليمن التاريخية وهي فوق أن تحصى أو تعد، ووضع صورة "فرح الشهربانو" زوجة الشاه عليه!!. كما هو مبين في الصورة. علما أن حضارة اليمن أرقى وأعرق وأقدم من حضارة فارس، حضارة اليمن إنسانية في المقام الأول، لم تعرف العبودية أو الإقطاع أو الاستبداد والاستعباد الذي عرفته بقية الحضارات ومنها الحضارة الفارسية، إلا أن الجناية عليها كانت كبيرة وفظيعة؛ ولن نتكلم عن مشاركة جهاز "السافاك" الإيراني في مواجهة ثورة 26 سبتمبر 62م ووقوفه إلى جانب النظام البائد بقوة، فهو واحد من المواقف السياسية الأخيرة..إلخ.

طابع بريدي يمني "على الأرجح أيام الإمام أحمد" عليه الشهربانو فرح ابنة الشاه يوم زفافها

 

الموقف الإيراني من اليمن قبل الوحدة اليمنية

ظلت إيران حاضرة في الشأن اليمني على طريقتها، ووفقا للمتغيرات السياسية الجارية. فقبل العام 1990م كانت إيران على علاقة وطيدة بالنظام اليساري في الجنوب، لا حبا فيه، إنما لتدعيم موقف اليسار ضد حكومة اليمن الشمالي، لأن كلا النظامين في الشطرين كانا متباينين أيديولوجيا، فكان الحضور الإيراني في الجنوب من باب النفخ في نار العداوة والخلافات التي طالما وقعت بين النظامين، وأيضا بحكم العلاقة المتوترة بين الجنوب اليمن خلال فترة التشطير من جهة وبين المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي من جهة أخرى. فقد دعمت إيرانُ الجنوبَ لوجستيا في إطار هذا التوجه. أما عن علاقتها بشمال الوطن فنستطيع القول ألا علاقة بالمعنى الدبلوماسي الرسمي، بحكم موقف اليمن من إيران ودعمه للنظام العراقي في حربه معها. وبحكم العلاقة الطيبة والاستراتيجية التي تربطها مع جارتها المملكة العربية السعودية. ولم تنشأ علاقات دبلوماسية ورسمية بين البلدين إلا في العام 1991م.

 

إيران واليمن في الشأن الحاضر

1ـ من مطلع تسعينيات القرن الماضي بدأ التعاون والتنسيق الخفي مع حلفاء الأمس وأصدقاء اليوم، سواء عن طريق السفارة، أو عن طريق بعض المنظمات الأخرى التي تبنتها إيران في اليمن، مثل المستشفى الطبي الإيراني، والهلال الأحمر الإيراني، وبعض المنح الدراسية التي قدمتها لمقربين على الفكر والتوجه، وإيواء بعض الأسر التي فضلت السكنى هناك في إيران، مثل بدر الدين الحوثي وأبنائه، ومنهم الصريع حسين وأخوه عبدالملك. وكذا الدورات العلمية والعسكرية، ودورات التأهيل الفني في بعض الأعمال ذات الصلة بالفكر والمشروع، حتى كان الانفجار الأول متمثلا بحرب 2004م وما تلاه، ثم الاعتداء الأخير على الدولة بصورة همجية ووحشية في 21 سبتمبر 2014م، الذي لم يكن إلا نتيجة لسنوات طويلة من العمل الخفي والتنسيق الجاري بين الطرفين واتضحت معالمه وكافة خيوطه بعد ذلك، ولا تزال الكثير من الخفايا تتبدى يوما بعد يوم؛ فخلال الحروب الستة ـ وفيها من التلاعب ما فيها ـ ساند الإعلام الإيراني والمقرب منه الحوثيين ووقف إلى جانبهم، وهاجم إعلام الدولة، ولم يعتبر حركة الحوثيين المسلحة حركة متمردة على الدولة، وسوقها إعلاميا أنها فئة مظلومة ومن الأقليات المناهضة للظلم والعدوان، ومناوءة الطغيان حد تعبيره.. إلخ. علما أن سلطات الأمن اليمنية كانت قد أعلنت في العام 2009م ضبطها لسفينة سلاح إيرانية في طريقها إلى الحوثيين لدعمهم ضد الدولة.

 

2ـ في ثورة 2011م وما تلاها انخرط الحوثيون في ثورة الشعب الشبابية السلمية، بمعادلة تقول: أنهم كانوا في الثورة لكنهم ليسوا منها. وذلك في ائتلافات وحركات بدت مغلقة على نفسها وأشبه ما تكون بالكانتونات الخاصة، فلم يستسيغون الانخراط بالمكونات الأخرى، في الوقت الذي تحوصلوا على أنفسهم غير مبدين أي رغبة في إشراك الآخرين معهم في مكوناتهم، وإن حصل فإشراك شكلي للتسويق الإعلامي ليس غير. علما أنهم فجروا حربا أهلية في محافظة الجوف منذ منتصف العام 2011م، استهدفوا فيها حلفاءهم في الثورة التجمع اليمني للإصلاح بدرجة رئيسية، واستمرت بين مد وجزر ولا تزال إلى اليوم رغم المساعي الجادة والقوية من عقلاء المحافظة وقيادة اللقاء المشترك على احتواء الأزمة إلا أنهم تعنتوا وواصلوا الحرب إلى اليوم ولا تزال. كما استولوا أيضا على محافظة صعدة خلال الأشهر الأولى من الثورة وفرضوا حُكما ميليشياويا بقوة السلاح وخارج النظام والقانون، وأقصوا فيها شركاءهم بصورة فجة وتهو جنوني غاشم. وظل الإعلام الإيراني خلال فترة الانتخابات الرئاسية وحكومة الوفاق الوطني ومؤتمر الحوار الوطني الشامل يهاجم الكل بلا هوادة، واقفا ضد التوافق السياسي برعاية خليجية وأممية، في الوقت الذي تجري التحضيرات الخفية وعلى أعلى المستويات لانقلاب واعتداء مسلح على السلطة الشرعية القائمة، وقد أرسلت جواسيسها للتأهيل والتدريب في صعدة وصنعاء، وتم اعتقال بعضهم من قبل أجهزة الأمن والتحقيق معهم وسجنهم، وكانوا من الحرس الثوري الإيراني. وقد صرح بذلك فخامة رئيس الجمهورية نفسه في خطاب رسمي، وظلت هذه العناصر في سجن الأمن القومي حتى تم الاعتداء عليه لاحقا واقتحامه وإخراج هذه العناصر الإيرانية المعتقلة.وكانت الداخلية اليمنية أعلنت في يوليو 2012 عن ضبط شبكة تجسس إيرانية تعمل منذ 7 سنوات، ويقودها ضابط سابق في الحرس الثوري الإيراني وتدير عمليات تجسس في اليمن والقرن الإفريقي.

 

3ـ منذ مطلع العام 2013م كان كل شيء يجري بوضوح أو شبه وضوح على الأقل/ حيث أرسلت إيران السفينة جيهان، التي سميت جيهان 1، وعلى متنها شحنة أسلحة للحوثيين، تم ضبطها من قبل الأمن في 23 يناير 2013م، والإعلان عن حمولتها بالتفصيل، وكانت هذه الشحنة: 48 طناً من الأسلحة والقذائف والمتفجرات وصفت بأنها شديدة الانفجار حسب وزارة الداخلية اليمنية، وبين الأسلحة صواريخ سام 2 وسام 3 المضادة للطائرات. وقد زار وفد من مجلس الأمن اليمن واطلع على هذه الشحنة، إلا أن شيئا لم يجر على أرض الواقع بخصوص اتخاذ أي إجراء بهذا الشأن.

بعد أسابيع من الإعلان عن جيهان 1، أعلنت سلطات الأمن اليمنية توقيف وإلقاء القبض على سفينة أسلحة ايرانية مهربة جديدة تدعى "جيهان 2" تحاول الدخول للأراضي اليمنية في الوقت الذي لم تقفل فيه قضية سفينة "جيهان 1".

وكشفت الأجهزة الأمنية عن ضبط سفينة أجنبية متورطة بتهريب أسلحة مختلفة إلى السواحل اليمنية تحمل اسم جيهان 2، تحمل شحنة من الأسلحة المهربة تحاول الدخول للمياه الإقليمية اليمنية، مهددة سلامة وأمن اليمن.

 

4ـ عقب احتلال ميليشيا الحوثي المسلحة أعلن مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي ثورة الحوثيين في اليمن هي امتداد للثورة الخمينية.

وقال زاكاني: إن ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران، وتابعة للثورة الإيرانية الإسلامية، مشيرا إلى أن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التي في طريقها للالتحاق بالثورة الإيرانية. فما ذا نريد بعد هذا الإعلان والتحدي الصارخ لليمن باعتبارها دولة ذات سيادة من المسؤول الإيراني؟! من جهة ثانية ما دلالة توقيع سلطات الانقلاب اتفاقية ملاحة جوية مع إيران عقب سيطرتهم على صنعاء مباشرة، وبواقع أربعة عشر رحلة جوية أسبوعيا؟!

 

5ـ قالت مجلة فورين افايرز، وهي من كبريات المجلات السياسية الأمريكية عن الحوثيين وإيران وحزب الله ما نصه: علاقة حزب الله اللبناني بالتمرد الحوثي في اليمن لا يقتصر فقط على التدريب، وإنما المساعدة المباشرة ضمن سياسة إيران التدخلية في دول المنطقة.

ومن بين ما ذكره التقرير توصيات مد الحوثيين بصواريخ مضادة للطائرات وأخرى للدبابات وأسلحة أخرى مختلفة، وهو ما حدث بالفعل مثلما تبين من السفن التي تم ضبطها في مياه خليج عمان وعدن والبحر الأحمر في أوقات لاحقة.

وتحاول طهران زيادة فرض نفوذها في اليمن، وتصدير ثورة الملالي بعد تخفيف الضغوط والعراقيل الدولية عقب الاتفاق النووي الإيران مع القوى الدولية، الذي تتصور طهران أنه سيرجح كفتها بميزان القوى الإقليمية في المنطقة.وكشفت الأزمة اليمنية أن ملامح التغلغل في البلاد ليست حديثة، واتخذت وسائل مختلفة، مثل تمويل أحزاب يمنية وسائل إعلام مختلفة مثل "قناة المسيرة" التابعة لجماعة الحوثي وغيرها. [3]

وقد صرح وزير الخارجية اليمني السابق الدكتور رياض ياسين بأن: "1600 حوثي يتلقون تدريبات عسكرية في إيران"، مضيفا: أن هناك عناصر من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني يتواجدون في البلاد.!

 

ختاما

إيران دولة توسعية، تهدف إلى السيطرة على دول الجوار واستعادة امبراطورية الملك "قورش" كما أشرنا، والواقع أن اليمن قد لا تهمها كثيرا كما تهمها بلاد الحرمين الشريفين، لأن السيطرة عليها ـ حد توهمها ـ سيتيح لها قيادة العالم الإسلامي، ومن ثم ستصبح دولة عظمى، تناوئ العالم، ولهذا تحرص على الاستماتة في السيطرة على المنافذ والمعابر الحساسة والمهمة، كمضيق باب المندب، حيث تشارك سفنها مع بعض الدول السيطرة على المضيق بحجة الدفاع عن مصالحها، وتعمل على تهريب السفن والزوارق الحربية وعلى متنها السلاح إلى الحوثيين، لتعزيز قوتهم، في الوقت الذي تستميت فيه في العراق من خلال الحشد الشعبي وبعض التيارات المتحالفة معها لإحكام الطوق على الجزيرة العربية، كما هو الشأن في سوريا التي تهد من الأهمية بمكان بالنسبة لها.

من ناحية ثانية إيران لم تنس ثأرها مع العرب منذ موقعة ذي قار الشهيرة قبل البعثة النبوية، وأيضا منذ يوم القادسية في عهد عمر بن الخطاب الخليفة الثاني رحمه الله وحتى اليوم، ولا تزال حتى اللحظة تنتقم لذلك اليوم المشؤوم في تاريخها، ولسان حالها وحال العرب معها كما قال الشاعر:

من يوم ذي قار وسوط الثأر يلهبهم  كم أوقدوا نارا كانوا لها حطبا

ها نحن عدنا وكسرى عاد منخذلا   والقادسية هبت فانفضوا الحقبا.

 

_______________

 

[1]ـ سيرة الإمَام أحمد بن سليمان، سليمان بن يحي الثقفي، تحقيق: الدكتور عبدالغني محمد عبدالعاطي، عين للدراسات والبحوث الإنسانية، ط:1، 2002م، ص: 26.

[2]ـ انظر: اليمن في ظل حكم الإمَام المهدي. ص 359.

[3]ـ http://media.skynewsarabia.com/media/videos/2016/04/03/VT-140430SU-WEB-YEM-HEZBOALLAH-ALSHAMSI-HAWAMDA_2016-04-03_14:07:12.mp4