الجمعة 19-04-2024 22:58:35 م : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

التجمع اليمني للإصلاح..28عاما ترسيخاً للوسطية وتجسيداً للقيم الوطنية

الأربعاء 12 سبتمبر-أيلول 2018 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص / عبد العزيز العسالي (1-2)

  


تنويه:

نظرا للتداخل الفكري والثقافي والسلوكي بين المفاهيم الثلاثة المتمثلة في: الوسطية، الاعتدال، القيم الوطنية، فإننا ننوه أن
- المقصود بالوسطية هو المبدأ الديني الشرعي.
ــ المقصود بالاعتدال هو كيفية معالجة القضايا وطنيةً كانت ام دينيةً.
ــ المقصود بالقيم الوطنية: تجسيد حزب الإصلاح للقضايا الوطنية عمليا.



مقدمة:
ــ صرح الأستاذ الشاعر الأديب عبدالله البردوني - رحمه الله- قائلا: إن تاريخ اليمن الحديث يبدأ من عام1990م.
ــ صرح البردوني أيضا: أنه يؤيد التعجيل بقيام دولة الوحدة, ولكنه ليس مع تعجيل إعلان التعددية السياسية!
لسنا هنا بصدد استعراض تاريخي, كما أننا لسنا بصدد تقييم تفصيلي لتصريحي الأستاذ البردوني - رحمه الله- لكن الذي يمكننا قوله باقتضاب شديد هو أن التصريحين متكاملان, وكل منهما يحمل مدلولاً له علاقة بحديثنا في هذه المقام.
فقوله: إن التاريخ اليمني الحديث بدأ عام1990م لعل مقصود البردوني -رحمه الله- أن الأمة قبل إعلان الوحدة كانت أشبه بكتلة من الغثاء أو في أحسن الأحوال قطيع بين يدي السياسة الحاكمة, فجاءت الوحدة مقترنة بإطلاق الحريات السياسية والمدنية; الأمر الذي يعني بداية ميلاد الأمة!

ــ باستلهام تصريحه الثاني سنجد أن حلمه الطموح الى ميلاد يمن الحرية, حالت دونه عوائق شتى ولا زالت، وأهم العوائق التخلف الثقافي الشامل, وحتى لا يتبخر هذا الحلم الطموح بسبب اصطدامه بالمعوق الثقافي, فقد اقترح -بل تمنى- تأجيل التعددية إلى ما بعد سنتين من إعلان الوحدة, على أن يتم وضع برنامج خلال سنتين يتضمن حراكا ثقافيا بكل أنواعه وأشكاله وأساليبه ــ خطاب تنويري حول التعددية وشروطها وممارستها وفائدتها ...ووو الخ.

البردوني يود أن يقول باختصار: إعلان التعددية قبل التوعية الثقافية, إن لم يكن اشبه بوضع العربة قبل الحصان, فإن التعددية ستتحول إلى شللية وفوضى وتقاسم وهذا ما حصل.



الإعلان عن قيام حزب التجمع اليمني للإصلاح

لن نكشف سراً إذا قلنا إن مخاوف البردوني -رحمه الله- إزاء الحلم بيمن الحرية
كان حاضرا على مستوى الهم الثقافي العام, غير أن البردوني -رحمه الله- استطاع ترجمة هذا الهم بأوجز عبارة!
نعم ..كان الهم الثقافي العام يمثل هاجسا مقلقا لدى النخبة التي تمثل وجهة نظر ما سيكون معارضة; ذلك أن النخبة تدرك أن السياسة القابضة على دفة القرار إبّان الفترة الانتقالية تتلذذ بارتياد الطريق المعوج, فهي لا تريد للحرية ان تنبت نباتا حسنا في ارض طيبة, وإنما تريد نبتة الحرية ان تخرج نكِداً!
تلك سلوكيات الحكام العرب, ولقد أجاد البردوني توصيف تصرفات هذه الزعامات قائلا: وكلما اختار شعب خط وجهته أركبتموا كتفيه عكس ما اختارا!

الحقيقة أن اللجنة التحضيرية الرامية الى قيام حزب تجمع الاصلاح كانت قد وقفت موقف المسؤول إزاء الهم الثقافي الشامل والمتراكم, متسائلة هل هناك جدوى من تأجيل إعلان حزب الإصلاح؟
غير ان صوتا اقوى قادم من عمق الوجدان الضارب في فلسفة الاجتماع اليمني يقول:

اذا لم تكن الا الأسنة مركب فما حيلة المضطر الا ركوبها!

نعم: تم الإعلان عن قيام حزب تجمع الإصلاح.. في13/9/1990م , هنا يمكننا القول أن من أسباب تريث الإعلان قرابة ثلاثة اشهر يعود الى التأمل الهادئ تجاه
الثقافة الدينية والشرعية والقيم الوطنية, وكيفية معالجتها, وصولا إلى تجسيد القيم الوطنية وتجذيرها في ظل وضع ثقافة سياسية واجتماعية جعلت كبار المثقفين يتشاءمون?

 

الوسطية هي الطريق الأصعب:

من خلال تصرفات تجمع الإصلاح, طيلة 28 عاما يمكننا الاقتراب من معرفة الدافع الذي حدا بتجمع الإصلاح الى اختيار الوسطية, رغم معرفة قيادة الإصلاح الفكرية أن هذا الطريق شاق بل أصعب الطرق!

الدافع الأبرز والأهم هو أن الإصلاح كحزب لا يرى نفسه انه الجماعة الإسلامية الوحيدة في الساحة اليمنية, بل هناك أحزاب أو جماعات ـ سلفية, تبليغ, صوفية, تحرير, ولكل جماعة منطلقها من زاويتها الدينية التي اختارتها, فجاءت رؤية الإصلاح متمثلة في:

أ/ أن يكون منطلق الإصلاح من نظرة الإسلام الشاملة.
ب/ هذا النظر القادم من شمولية الإسلام له فوائده وثماره الدينية والشرعية والثقافية والوطنية، وإن كانت بطيئة, وفي ذات الوقت له ضريبته!
ج/ أن التعاطي مع المنظور الإسلامي الشامل يقتضي وجوبا وجود منهج.
هذا المنهج هو الوسطية والاعتدال في المواقف!
هذا المنهج ظل ولازال وسيستمر, ولا بديل عنه!
هنا نصل الى سؤال: ما هي الوسطية?
الوسطية تعني:
منهج العدل الذي هو غاية جميع الرسالات السماوية كما نص على ذلك القرآن العظيم.
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}الحديد25
الوسطية تعني: منهج الرفق والرحمة والتيسير.
تعني: فقه المصلحة; كون شريعة الإسلام هدفها إسعاد الإنسان دنيا وأخرى.
أما مرتكز الوسطية وشعارها فهو قوله تعالى:
(وقولوا للناس حسنا)، وقوله: (وكذلك جعلناكم امة وسطا)..
وعليه فإننا من خلال رصد تصرفات حزب تجمع الإصلاح على المستوى العام سنجد المعالم والدلائل على منهج وسطية حزب الإصلاح في الجانبين النظري والعملي يتمثل النقاط التالية:

1ــ الدعوة بالحسنى والحكمة والموعظة الحسنة, ومن خلال الدعوة بالتي هي احسن استطاع الإصلاح ان يوصل بالناس الى المعلَم التالي:
2ــ أن تعاليم الإسلام تنقسم الى ثوابت ومتغيرات, فالثوابت هي العقائد والفرائض والحدود المستندة الى الأدلة القطعية, وأن التفريط بهذه الثوابت يعتبر من كبائر الذنوب, غير أن خطاب الإصلاح على المستوى العام, لم ينزلق نحو التكفير ولا العنف, وإنما اتخذ أسلوب الخطاب بالحسنى دون تكفير وتفسيق, وإنما كوعظ عام وأن التفريط بقطعيات الأدلة مآلاته خطيرة; لأن الله توعد المفرطين بوعيد شديد.
القسم الثاني من تعاليم الاسلام هو المتغيرات:
وهذا القسم مجاله المعاملات والسياسة وغيرها مما يتصل بالقضايا الدنيوية, وأن الإنسان مدعو لأن يرتقي نحو الكمال التماسا للتأسي برسول الإسلام مع مراعاة المصلحة والعدل في هذا المجال، وأن الباب مفتوح للكمال الفردي, وأن المجتمعات لو تركت الكبائر وحافظت علي الفرائض والقيم فهذا خير كثير!

هذه الرؤية النظرية الواضحة لدى الإصلاح أثمرت خطابا إصلاحيا ــ على المستوى العام ــ بعيدا عن الغلو وتوزيع أوسمة التضليل والتفسيق والتكفير!

3ــ البدع والخرافات التي نشأ الناس معها وتربوا عليها وتوارثوها على انها دين, فجاء موقف حزب الإصلاح هو إرشاد المجتمع إلى أن هذا مناف لتعاليم الإسلام لكن الإصلاح امتاز بعدم الوقوف عند هذه القضايا, ونسيان منكرات اكبر واكبر كالظلم والفجور والطغيان السياسي والاجتماعي.. الخ.
نعم يتم إرشاد المجتمع دون استفزاز; ذلك أن الاستفزاز والتحقير لهذه الأعمال ووصم أصحابها بالضلالة يدفع الناس للتمسك بالموروث الخاطئ ولو عناداً!

بل ان حزب الإصلاح استطاع توظيف المناسبات الدينية والاجتماعية إيجابا لترسيخ المفاهيم السليمة دينيا واجتماعيا وسياسيا وتجسيداً للقيم الوطنية!

4 ــ احترام التخصص العلمي, ورفض فكرة الرجل الأسطورة المحيط بالعلوم كلها, وأن التجديد الفكري والفقهي مطلب ديني وشرعي وفق شروط وضوابط منهجية متعارف عليها عند أهل الاختصاص الفقهي.
5ــ تأييد تقنين أحكام الشريعة الإسلامية وبلورتها في شكل مواد واضحة تراعي الدليل الشرعي او روح التشريع ومقاصده المتمثلة في العدل والمصلحة. هذا موقف يحسب للإصلاح.
6ــ احترام التنوع الفقهي وان هذا دليل على مرونة ويسر الشريعة الرامية الى رفع الحرج, ومراعاة الزمان والمكان والأحوال والأعراف والعادات، وأن الله هو الذي اختار هذا التشريع وهكذا أراد للعباد, ولوا اراد قولاً واحداً لحسمه بدليل قاطع لا يقبل الجدل سواء في القرآن أو على لسان رسوله (ص).

7ــ إنصاف المرأة بدءاً من حقها في التعليم امتثالا للنصوص الشرعية الصحيحة والصريحة التي أعطت المرأة حقوقها كالرجل إلا في مسائل قليلة جدا حسمها القرآن, وانتهاءً بمشاركتها في مجال السياسة وميادين الحياة المناسبة لظروفها ديناً وعرفاً واجتماعاً.

8ــ الدعوة لإقامة مجتمع مدني المتمثل في المنظمات الجماهيرية والجمعيات الخيرية, والتكتلات الحقوقية التي الرامية الى حماية الحقوق والحريات الصحفية والسياسية والمدنية والاجتماعية, طالما وهي تعمل في إطار الدستور والقانون.
تلك هي أبرز معالم الوسطية النظرية والعملية لدى حزب تجمع الإصلاح.

 

الاعتدال:
أشرنا في مطلع حديثنا ان المقصود بالاعتدال هو: الموقف أو الرؤية لطريقة معالجة قضية من القضايا التي هي محل جدل سياسي او فكري أو ثقافي او ديني في الأوساط الفكرية والثقافية والسياسية.. الخ.

ومن خلال تتبع مسيرة الإصلاح و مواقفه خلال 28 عاما سنجد الاعتدال في المواقف ماثلا للعيان. وبما أن الحديث متداخل ببن الاعتدال وتجسيد القيم الوطنية فإننا سنتحدث بتفصيل اكثر عند الحديث حول تجسيد القيم الوطنية. وعليه:
فإننا سنشير سريعا الى مظاهر الاعتدال قائلين:

1ــ التدرج:
هذا مظهر من مظاهر الاعتدال; ذلك ان مبدأ التدرج هو تشريع قرآني, حيث ظل القرآن يتنزل طيلة 23 عاما يعالج الأحداث مراعيا ارتقاء الوعي المجتمعي, ولا نحب أن نذهب بعيدا لكن سنقدم مثالا هو (الربا) وهو مثال حيوي متعلق بمصلحة الجميع, لكن القرآن بدأ بالتنفير من الربا من وقت مبكر في مكة, {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ}الروم39

ـــ ثم نزلت آية أخرى معلنةً الحرب من الله في أواخر العهد المدني, ومع ذلك فالرسول لم يعلن إسقاط الربا عقب نزول هذه الآية، ولا حرم تحريما قطعيا التعامل به الا في حجة الوداع اي قبل وفاته (ص) بثلاثة اشهر تقريبا!
وإذن: فالتشريع السماوي راعى التدرج في تشريعاته كلها كالخمرة والربا وقضايا الطلاق الخ.
وهنا ملحظ تشريعي في غاية الأهمية عند موضوع الربا، وهو أن أسواق مكة والمدينة كانت بطبيعتها مستقبلةً للبضائع لا معطيةً, بمعنى أن واقع مكة كان يصنعه الغير, التجارة القادمة من خارج مكة! فلما تكاملت الجزيرة العربية دخولا في الإسلام أطلق الرسول التحريم القاطع يوم عرفه وفي حجة الوداع!

2ــ المواقف الوطنية والسياسية:
سنشير هاهنا بصفة إجمالية أيضا قائلين:
لاقى المجتمع اليمني إكراهات قادمة من ارث نظام التشطير, منها قضية الدستور وتحكيم الشريعة!
لقد شغلت هذه القضية حيزا غير عادي من الزمن وأخذت جهدا إعلاميا غير قليل, وكان موقف الإصلاح صارما; كون الموضوع متصلا بثوابت الشريعة, ولأن حزب تجمع الإصلاح يحتوي في مكوناته نسيجا غير قليل من القبائل ووعاظ, وكثير من العوام, فهؤلاء يغلب عليهم التدين العاطفي وحماس بلا فقه; الأمر الذي يعني في نظرالسلطات الحاكمة ان هذاسيقترن بالعنف ــ غير أن صرامة الإصلاح ــ على المستوى العام ــ لم تتعد الخطاب, خطاب بعيدا عن التكفير فضلا عن الانزلاق إلى العنف, حسب ما كان متوقعا بل مرسوما من صناع السياسة حينها!
لقد مارس الإصلاح المعارضة عبر وسيلة التعبير السلمي حيث شهدت العاصمة صنعاء أكبر مسيرة حاشدة عرفتها اليمن يومها, مسيرة سلمية لم يسجل فيها سقوطـ ورقة من شجرة ــ ضد أصحاب المسيرة ــ ناهيك عن المساس بأي شيء آخر?!
وهكذا جسد الشخص القبلي والواعظ والرجل العادي سلوكا حضاريا غير مسبوق!

3ــ الموقف من قانون التعليم, والذي أخذ أيضا نصيبا ليس بالهين, فما ذا حصل?
لقد حصل التنسيق مع حزب يساري قومي ـ حزب البعث الاشتراكي فصيل العراق, وقد نالت حزب الإصلاح حملة إعلامية ظالمة من بعض الجماعات الإسلامية وغير المتشددة!
في حين أن الدين والعقل يقضيان بصوابية هذا التنسيق، بل إن هذا يحسب لحزب الإصلاح في مواقفه وتعاطيه مع القضايا.
يتبع ..