السبت 22-03-2025 07:56:06 ص : 22 - رمضان - 1446 هـ
آخر الاخبار

ثورة 11 فبراير.. مسار ثابت نحو التغيير

السبت 15 فبراير-شباط 2025 الساعة 06 مساءً / الإصلاح نت-خاص | عبدالمجيد ثابت

 

يحتفل اليمنيون هذه الأيام بالذكرى الرابعة عشرة لاندلاع ثورة الشباب السلمية التي توافق 11 فبراير من كل عام، والتي انطلقت في العام 2011 كامتداد لما أطلق عليه "الربيع العربي" والذي لم يكن سوى انتفاضات شعبية عربية حقوقية، اندلعت تحت شعارات موحدة ومطالب واحدة لا تختلف عن بعضها، وهي إسقاط الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة وتحقيق العدالة والمواطنة المتساوية والعيش الكريم.

ولم تكن ظروف اليمن آنذاك تختلف عما يجري في سائر دول الربيع العربي، بل كانت تشترك معها في الهموم والمعاناة، خصوصا مع ارتفاع معدلات الفساد المالي والإداري في بلادنا، وحالة الغليان الشعبي التي بدأت في التصاعد مع توجه النظام السابق نحو التوريث.

قرار حتمي

"لم تكن ثورة 11 فبراير السلمية سوى نتيجة حتمية لتراكمات الماضي من الفساد والاستبداد والظلم والمحسوبية والرشوة التي عمقتها الحكومات المتعاقبة، والتي أوصلت الشعب إلى حالة من اليأس والإحباط بعدم جدوى العملية الديمقراطية، بعد أن حولها النظام السياسى آنذاك إلى ديمقراطية صورية"، بهذه الكلمات بدأ (كريم ع. أ)، صاحب محل تجاري، كلامه لـ"الإصلاح نت"، معبرا عن قناعته التامة بخيار الثورة دون أي شعور بالندم على هذا الخيار.

ويتابع كريم حديثه بالقول: "قناعتنا في 2011 أن الثورة كانت لازمة، وما زالت قناعتنا في 2025 أن الثورة كانت في محلها، فالذين خرجوا إلى الشارع للتظاهر والاعتصام هم المظلومون والفقراء والعاطلون عن العمل وضحايا المحسوبية والرشوة وضحايا المحاكم وفساد الحكم والموظف المغبون والجندي المطحون والأحزاب المقصية والشرائح المهمشة وغيرهم".

مطالب عادلة

ويجمع كثير من المهتمين بالشأن اليمني أن شعار الثورة ومطالب الثوار كانت عادلة وواضحة وشفافة، إذ لم تكن خاصة بحزب دون حزب ومنطقة دون أخرى، بل كانت أكثر وهجا وتألقا ونصاعة، فقد انضمت إليها مختلف المكونات والشرائح المجتمعية، في فسيفساء تعكس صورة أكثر روعة من التلاحم والاصطفاف الوطني.

ويصف (علي ب. ز)، موظف سابق في وزارة التربية والتعليم، الثورة بأنها "كانت ثورة نزيهة وطموحة قضت على ما يسمى بالتوريث، لكن بسبب الكثير من التنازلات وعدم الرؤية الواضحة لليوم التالي للثورة وعدم تقدير وإدراك دور الدولة العميقة هو ما مكن الثورة المضادة من الانقلاب على مبادئ الثورة الشبابية السلمية والانتقام من الثوار على حساب الثوابت الوطنية".

أما محمد العامري (مدرس) فيبدو أكثر وفاء وتحمسا لثورته التي مضى عليها قرابة عقد ونصف العقد، فعلى الرغم من كل ما رافق الثورة وما آلت إليه الأوضاع من تدهور أمني واقتصادي نتيجة الانقلاب الحوثي وخراب ودمار في البنية التحتية وتوقف عجلة التنمية، إلا أنه لا يخفي قناعته بخياره الثوري وثورته السلمية في الذكرى الـ14، وقال إن "فبراير ثورة ‎الأحرار ونكبة ‎العبيد، فبراير حلم بريء وطموح لبلد جميل، وأمل لمستقبل أفضل، فبراير هي نحن الذين أردنا أن نرى ‎اليمن في أجمل حال، لا تلوموا الحلم ولوموا أولئك الذين حاولوا وما زالوا يحاولون قتل كل الأحلام والطموحات الجميلة".

خيار ثابت

ويشاطر العامري الشاب محمد الأحمدي الذي يعمل صيدليا، فالثورة رغم تعثرها إلا أنها تظل خيارا مقدسا وقرارا لازما من وجهة نظره، حيث يقول: "لم تكن ثورة الحادي عشر من فبراير إلا سعيا من الشباب ليروا وطنا تصبح فيه آمالهم وتطلعاتهم حقيقة أمام أعينهم، ولم تكن ضد حزب أو جماعة وإنما ضد منظومة حكم فاشلة ترى في الوطن ملكية شخصية لها وجعلت الوطن يهوي كل يوم أكثر من قبل".

ويضيف الأحمدي: "فلم يكن أمام الشباب الطموح إلا أن يوقفوا هذا الانهيار بطريقتهم الخاصة ويصنعوا ثورة سلمية أذهلت العالم بانضباطها وأسلوبها الحضاري وأبى من لا يريدون الخير للإنسان والوطن إلا أن يسقطوها، وراهنوا على فشل حكومة فبراير، فلما رأوها تحقق النجاحات وجدوا أن نجاحها سيفضح فسادهم فانقلبوا عليها".

ويختتم الأحمدي حديثه بالتأكيد على صوابية خياره الثوري كواحد من شباب الثورة بالقول: "ولو عاد بي الزمان إلى الوراء لكررت ما صنعته خلال الثورة بلا تردد وذلك لإيماني المطلق أنها أطهر وأنقى ثورة وفيها الأمل بعد الله في تحقيق آمال وطموحات اليمنيين".

تحول إيجابي

الناشطة الإعلامية إيمان الصنعاني (اسم مستعار)، طلبت عدم ذكر اسمها بسبب إقامتها في مناطق الحوثيين، عبرت عن ابتهاجها وامتنانها لثورة 11 فبراير لأنها صنعت تحولا إيجابيا وأوقدت شعلة للأمل في شعب أصابه الإحباط وأنهكته المعاناة حيث تقول: "تهل ذكرى فبراير بفرحة تملأ القلوب ليس لما أنجزته فحسب ولكن لأنها كانت تحمل فكرا راقيا وسلمية مدنية كانت رمزا للعلم والتحضر والثقافة والمدنية التي وصلت إليها عقول صانعيها بقداسة مكان انبعاثها وصرح انطلاقها، كانت شعلة متقدة بأحلام وطموح شعب للخروج من ظلام الهمجية والبدائية إلى نور التمدن والفكر الراقي".

وتتابع الناشطة الإعلامية حديثها بالقول: "كانت فبراير شعلة أضاءت وطنا بأكمله لم يلمس الكثيرون شعاعها ولكن تغيرت مجريات وأفكار، وبنيت مدنا وازدانت الشوارع والطرقات بعبير الحرية، وبحقد رسموا نهاية لثورة فبراير، وهناك كان للثوار درب آخر، طريق إجباري وخروج نهائي، فكانت وجهتهم وهجرتهم تحمل معهم آلامهم وآمالهم، هناك حيث يقيمون صنعوا أجمل بناء، وغرسوا للحرية عبيرا فواحا، يتنفسه كل من قصدهم زائرا أو مقيما، وما زال الحقد ينسج خيوط الظلام، ليعيد الجهل والتخلف حاكما ومنهجا، وتأبى روح فبراير إلا المقاومة والبقاء نارا تلقف ما يأفكون".

ولفتت إلى أن البعض ما زال "يرى الثورة بعين نقص ولكن قيمتها وثمنها لا يعرفه إلا من يعيشون بها هناك من أدرك أنها جوهرة ثمينة ودرة نادرة فحاول سرقتها وإخفاءها، وهناك من أدرك ذلك فلزم الاحتفاظ بها والمحافظة عليها فنال من غراسها ثمرا وظلا، ويسألون عن فبراير؟ إنه يوم نبت بمبدأ ثابت كأعمدة معبد بلقيس الصامد عبر التاريخ وروح تلد ألف روح ونبض يسري إرثا من جيل إلى جيل ومن ثائر إلى ثائر، منجزات فبراير في قلوب البعض فرحة وفي قلوب أخرى حلم وآخرون يتنفسونها وطنا".

مسار متوازن

وفي ظل الدعوات المتكررة للم الشمل وتوحيد الصف في مواجهة الانقلاب الحوثي ومشروعه الذي يستهدف أمن البلاد ووحدتها وهويتها، يرى ناشطون أنه يجب التوازن في الخطاب الثوري من قبل ناشطي الثورة والمنتمين لها، بحيث لا يتم إفراغ الثورة من مضمونها، وإلغاء أهدافها، والتنصل من شعاراتها، ولا يتم جعلها مناسبة للمهاترات وتبادل التهم، كما يجب تبرئة الثورة من كل التحولات السلبية والظروف التي مرت بها البلاد والانتكاسة التي تلت الثورة، مع وجوب تذكير الشعب بحالة الاستقرار التي أعقبت الثورة. فثورة فبراير حققت أهدافها من حيث المبدأ وجاءت برئيس منتخب وحكومة توافقية وأسست نظاماً سياسيا واقتصاديا جديدا وبذلك تكون قد أنجزت الجزء الأكبر من مهمتها، حتى جاء الحوثيون وانقلبوا عليها وعلى إنجازاتها، وهم وحدهم من يتحمل وزر ومسؤولية الوضع السيء الذي آلت إليه أوضاع البلاد اليوم نتيجة خروجهم على الإجماع الوطني وانقلابهم على الثورة السلمية والنظام السياسي المنتخب ذي الشرعية الدستورية والشعبية.

ويرى (ص. خ. م)، أستاذ جامعي فضل عدم الكشف عن هويته، أنه "يجب أن تبقى روح الثورة متجددة، كما يجب عدم الاستسلام ورفع الراية أمام التحديات التي تتربص بالثورة، ولكن بطريقة توافقية بحيث لا ندع فيها مجالا للمناكفات مع الآخرين، بتبني خطاب إعلامي توافقي لا يستثيرهم ولا يوغر صدورهم، ولا نترك مجالا لإضعاف روح الثورة وخفوت وهجها".

ويشير (ص. خ. م) إلى أن البعض قد "وصل إلى اعتبار الثورة ذنب يجب إعلان التوبة منه، وهذه إشكالية كبيرة، فالثورة وأهدافها النبيلة- كما في وثيقة الحوار الوطني- تعتبر مخرجا للبلاد ويجب التمسك بها، ويجب أن تبقى مظلة ينضوي تحتها كل رواد التغيير، كما يجب أن يكون الخطاب الإعلامي ذكيا، مع تجنب الاحتكاك بالآخر الذي لا يزال غير مقتنع بالثورة، إذ يجب الحفاظ على روح الثورة، بغض النظر عن الأخطاء التي رافقتها والقصور السياسي الذي صاحبها.

واختتم بالقول: "إن كان ثمة شيء يجب مراجعته فهي الأخطاء المصاحبة للثورة، وإن كان هناك من اعتذار يجب أن يقال فهو عن حسن الظن الزائد بالأطراف التي عبثت بالثورة، كما يجب إعادة النظر في أمور كثيرة تتعلق بالثورة، فإذا غضضنا الطرف عنها فقد جنينا على الثورة نفسها، فالخطأ لا يكمن في إعلان الثورة، بل في التأخر عن إعلانها حتى استفحل الداء وازداد تعقيدا".
لقد جاءت ثورة فبراير في وقتها وظرفها، وكانت قدرا وأمرا حتميا وضروريا لا مفر منه مثلها في ذلك مثل ثورة 26 سبتمر 1962 وثورة 14 اكتوبر 1963. ومهما تكن التداعيات أو الأخطاء أو الفشل في الانجار فلا يمكن تحميل ثورتي سبتمبر واكتوبر نتائج تلك الأخطاء ولا يمكن بحال الاعتذار عنهما، والحال نفسه ينطبق على ثورة فبراير التي وإن تعرضت للكثير من المؤامرات لإجهاضها إلا أنها لا زالت تشق طريقها بثبات نحو النصر وغد افضل.

كلمات دالّة

#اليمن