السبت 22-03-2025 09:34:50 ص : 22 - رمضان - 1446 هـ
آخر الاخبار

محافظة البيضاء.. تاريخ نضالي وإرهاب حوثي مستمر(تقرير حقوقي)

الإثنين 10 فبراير-شباط 2025 الساعة 12 صباحاً / الإصلاح نت-متابعة خاصة

  

كشف تقرير حقوقي موسّع عن انتهاكات جسيمة ارتكبتها مليشيا الحوثي مطلع العام الجاري 2025 في قرية حنكة آل مسعود في منطقة قيفة محافظة البيضاء، بعد فرض حصار مشدد واقتحام القرية من قبل المليشيا.

وتضمن التقرير الصادر عن منظمة "سام" للحقوق والحريات العديد من الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها مليشيا الحوثي ضد سكان منطقة حنكة آل مسعود في محافظة البيضاء خلال يناير 2025.

وأشار التقرير الذي حمل عنوان “حنكة آل مسعود.. صرخات مدفونة تحت الأنقاض”، إلى الحملة العسكرية العنيفة التي نفذتها مليشيا الحوثي ضد السكان، والتي تنوعت بين الحصار والقصف بمختلف الأسلحة الثقيلة، حيث باشرت عملياتها بقصف جوي ومدفعي مكثف، وفرض حصار خانق، واعتقالات تعسفية، ونهب ممتلكات، وانتهاكات طالت النساء والأطفال والمسنين.

تصعيد مستمر

واستعرض تقرير المنظمة الموسع والمكوّن من عشرة فروع، السياق العام للأحداث المتتابعة في المنطقة، ابتداء من دوافع الحملة العسكرية الحوثية على المنطقة، ثم تفاصيل أيام الهجوم، إضافة إلى الانتهاكات المتنوعة المرتكبة، والآثار المترتبة على تلك الحملة، وجهود الوساطات التي قادتها جهات قبلية، ومواقف المجتمع المحلي والدولي، مختتما بالتوصيات لمعالجة هذه الأزمة الإنسانية نتيجة الاستهداف الحوثي الإجرامي الممنهج.

كما ذكر التقرير أن محافظة البيضاء شهدت تصعيدًا عسكريًا مستمرا من قبل مليشيا الحوثي الانقلابية منذ العام 2014 وحتى العام 2025، حيث نفذت المليشيا حملات عسكرية ضد قرى قيفة، من بينها قرية خبزة والزوب وحمة صرار، مما أدى إلى سقوط مئات الضحايا المدنيين بين قتيل وجريح، وتدمير عشرات المنازل نتيجة القصف والتفجير وإحراقها على أيدي العصابة الحوثية.

وتمثل أحداث حنكة آل مسعود فصلا جديدا من سلسلة جرائم المليشيا الحوثية بحق أبناء محافظة البيضاء، ففي يناير 2025، استهدفت مليشيا الحوثي منطقة حنكة آل مسعود، التي تعد واحدة من أكبر التجمعات السكانية في مديرية القريشية، حيث يسكنها نحو 10,000 نسمة، ويبلغ عدد المباني السكنية فيها نحو 1,800 منزل.

شهية التسلط والإجرام

دوافع الحملة العسكرية للمليشيا الحوثية على المنطقة -وفقا لتقرير المنظمة- تأتي في إطار محاولة المليشيا فرض سيطرتها المطلقة على محافظة البيضاء، التي عرفت بتمردها على مليشيا الحوثي منذ بداية الانقلاب، حيث نُفذت الحملة بعد رفض السكان تلبية مطالب المليشيا الحوثية بتسليم أشخاص وصفتهم المليشيا بـ"المطلوبين"، كما استخدمت المليشيا ذريعة مكافحة الإرهاب لتبرير عمليتها العسكرية، متهمةً السكان المحليين بإيواء عناصر متطرفة في المنطقة.

وأشار التقرير إلى أن الحوثيين صعّدوا من استهداف المساجد والمدارس الدينية، وهي السياسة ذاتها التي انتهجتها المليشيا الحوثية في مختلف المناطق منذ بداية التمرد في وجه الدولة، حيث طالبت مليشيا الحوثي السكان بإغلاق مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم واستبدال خطباء المساجد بأئمة موالين لها، وهو الأمر الذي رفضه سكان المنطقة وأدى إلى شن المليشيا حملة غير مسبوقة على حنكة آل مسعود.

حرب الدواء والغذاء

وقد أورد التقرير تفاصيل المواجهات وأيام الحملة العسكرية التي بدأت يوم 5 يناير 2025، حيث فرضت مليشيا الحوثي حصارًا مشددًا على المنطقة، ومنعت دخول المواد الغذائية والدوائية، وقطعت الاتصالات والإنترنت ومختلف الخدمات الأساسية، مما تسبب في أزمة حقيقية مكتملة الأركان، وجعل السكان في عزلة تامة.

ويضيف التقرير أن المليشيا تمادت في إجرامها بحق أبناء القرية، حيث قصفت في 9 يناير الماضي المنطقة بالطائرات المسيّرة والأسلحة الثقيلة، مما أدى إلى احتراق منزل بالكامل وتضرر العشرات من المنازل الأخرى، إضافة إلى إحراق مسجد القرية، كما نتج عن القصف العنيف الذي شنته المليشيا مقتل شخصين وإصابة 11 آخرين، بينهم ثلاث نساء.

ويتابع التقرير أن مليشيا الحوثي أرسلت في 10 من الشهر ذاته، أي في اليوم التالي، تعزيزات عسكرية ضخمة، شملت دبابات وعربات مدرعة، بهدف محاصرة القرية وقصفها، كما أحكمت السيطرة على مداخل المنطقة لمنع أي محاولة للهروب أو تلقي مساعدات من القرى المجاورة.

وأضاف أنه في يومي 11 و12 من شهر يناير نفذت المليشيا حملة اعتقالات واسعة طالت المنطقة وتم اختطاف المئات من المدنيين، بينهم أطفال وكبار سن، كما تم نقل المعتقلين إلى سجون في رداع وصنعاء وسط تقارير عن تعرضهم لسوء المعاملة والتعذيب.

انتهاكات شتى

ويصف التقرير ما جرى في حنكة آل مسعود بأنه "جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، حيث تم توثيق عدة انتهاكات رئيسية، منها القتل العشوائي، إذ أسفرت الحملة عن مقتل أكثر من 15 مدنيًا، بينهم نساء وأطفال، وإصابة العشرات بجروح بليغة".

كما وثقت منظمة "سام" أيضا العديد من الجرائم منها "القصف العشوائي والتدمير الممنهج، حيث تم تدمير 10 منازل بشكل كامل، إضافة إلى إحراق مسجد ومدرسة لتحفيظ القرآن".

وأشارت المنظمة في تقريرها أيضا إلى جرائم أخرى ارتكبتها المليشيا تتمثل بنهب الممتلكات، فقد وثّق التقرير حالات نهب لممتلكات المدنيين، تشمل أموالا ومجوهرات ومقتنيات ثمينة تقدر بعشرات الملايين من الريالات اليمنية.

الاعتقالات التعسفية لون آخر من ألوان الانتهاكات التي مارستها المليشيا الحوثية في حنكة آل مسعود، حيث اعتُقل أكثر من 500 مدني، بينهم كبار سن وأطفال، ونُقل بعضهم إلى سجون مجهولة دون أي مسوغات قانونية، وفقا للمنظمة.

ويؤكد التقرير أن المليشيا الحوثية مارست إرهابها الفكري من خلال فرض الفكر المذهبي بالقوة، فقد "عملت المليشيا على إغلاق المدارس الدينية، وإجبار السكان على حضور دورات ثقافية طائفية، إضافة إلى استبدال خطباء المساجد بأفراد موالين لها".

أضرار جسيمة

وقد تسببت الحملة العسكرية الحوثية بكارثة إنسانية وأضرار اقتصادية جسيمة وفق تقرير المنظمة، حيث "فقد مئات السكان مصادر رزقهم بسبب تدمير مزارعهم وفرض حصار خانق عليهم، كما أجبر القصف والنزاع المسلح المئات من العائلات على النزوح القسري بحثًا عن الأمان، مما زاد من معاناة السكان في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة".

وأشار إلى جهود الوساطات والمبادرات القبلية بقيادة الشيخ حسين أحمد حسين جرعون، التي سعت إلى التفاوض مع مليشيا الحوثي للتخفيف من وطأة الحصار ووقف الحملة العسكرية الحوثية الشرسة، كما قدم الأهالي بعض التنازلات من أجل تجنيب المنطقة ويلات الحرب والدمار، حيث عرض الأهالي تسليم بعض المطلوبين لتجنب التصعيد، بيد أن الحوثيين رفضوا العرض واستمروا في حملتهم العسكرية.

وعلى الرغم من توصل لجنة الوساطة إلى اتفاق للإفراج عن المعتقلين وتعويض السكان المتضررين، إلا أن مليشيا الحوثي -وبحسب التقرير- مارست عنجهيتها وتنصلها من الاتفاق، حيث لم تلتزم بتنفيذه، وما زالت تحتجز عشرات المعتقلين حتى لحظة كتابة التقرير الذي صدر مطلع فبراير الجاري.

وتضمن التقرير ردود الأفعال المحلية والدولية على الحملة المسلحة، حيث أدانت الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة بشدة الهجوم الحوثي على المدنيين، معتبرةً أن هذه الانتهاكات غير مقبولة وتستوجب محاسبة المسؤولين عنها.

كما أورد التقرير تداعيات أخرى إزاء تلك الانتهاكات، حيث "طالبت منظمات حقوقية دولية، بينها العفو الدولية ومنظمة سام، بفتح تحقيق مستقل في الجرائم المرتكبة"، مشددة على ضرورة ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين.

حساسية مفرطة

وتشكل محافظة البيضاء، وفقا لتصنيف المليشيا الحوثية، خطرا كبيرا، وتعتبرها إحدى المحافظات المتمردة على سياستها، حيث واجهت المحافظة العديد من الحملات العسكرية الحوثية التي استهدفت أبناء المحافظة أبرزها الحملة التي قادتها المليشيا ضد قرية حمة صرار إحدى قرى منطقة قيفة آل مهدي بمديرية ولد ربيع التابعة لمحافظة البيضاء.

وقد فرضت المليشيا حصارًا مسلحا على القرية من مختلف الاتجاهات، واستخدمت كافة أنواع الأسلحة بما في ذلك الدبابات والطيران المسير، بعد مقتل أحد أبناء القرية على يد أفراد نقطة تفتيش تابعة لمليشيا الحوثي في مدخل القرية مما أدى إلى اندلاع اشتباكات مسلحة، في واقعة تُضاف إلى سجل المليشيا القمعي والدموي بحق المدنيين في البيضاء والمحافظات الأخرى الخاضعة لسيطرتها.

وبحسب تقرير صادر عن مركز رصد للحقوق والتنمية في البيضاء لعام 2023، والذي حمل عنوان "حياة القهر"، فقد تم تسجيل 340 حالة انتهاك خلال عام 2023، ومن بين الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها مليشيا الحوثي، فرض نقاط أمنية على مداخل القرى بينها قرية "حمة صرار"، إضافة إلى قيام المليشيا بتحويل مسجد القرية المسمى "مسجد حمة صرار" إلى ثكنة عسكرية، بالإضافة إلى خلق أجواء متوترة مستمرة شهدتها المحافظة لأسباب مختلفة بما فيها التهميش والتضييق على أبناء القرية، مما أدى إلى حدوث اشتباكات كان آخرها تفجير تسعة منازل في مدينة رداع بتاريخ 19 مارس 2024.

ووفقا لمراقبين، فقد مارست المليشيا الحوثية انتهاكات وجرائم فظيعة بحق المدنيين في البيضاء في محاولة لإخضاعهم وإجبارهم على التسليم بمشروعها الذي يستند إلى حقها السياسي في الحكم بموجب ما يسمى "الاصطفاء الإلهي"، حيث يعد معارضة هذا المشروع تمردًا وعداءً لا يغتفر من وجهة نظر الحوثيين.

كلمات دالّة

#اليمن