فيس بوك
جوجل بلاس
الإصلاح بعدن يهنئ بعيد الاستقلال ويدعو لتوحيد الصف لمواجهة الأخطار واستعادة الدولة ومؤسساتها
30 نوفمبر.. دور الاصطفاف الوطني في مقاومة الاحتلال البريطاني حتى الجلاء
توحيد الصفوف.. دور الإصلاح في حشد القوى الوطنية لمواجهة الانقلاب واستعادة الدولة
إصلاح المهرة يحتفي بالذكرى الـ57 للاستقلال ويدعو إلى تعزيز وحدة الصف لاستعادة الدولة
رئيس الإصلاح بالمهرة يشيد بجهود جمرك شحن في التصدي لآفة المخدرات
المرأة والإصلاح.. ندوة بساحل حضرموت لتعزيز الوعي بالعمل السياسي والاجتماعي
التكتل الوطني يدعو لاستلهام روح النضال والتضحيات من ذكرى الاستقلال لمواجهة التحديات واستعادة الدولة
وقفات حاشدة في تعز ومأرب وسيئون تنديداً باستمرار جرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في غزة
أمين عام الإصلاح يعزي في وفاة حرم المرحوم محمد عبدالوهاب جباري
(ورقة ألقيت في ندوة كلية الآداب، جامعة تعز، الخميس، 28 نوفمبر 2024م).
الحاضرون جميعا:
تفاديا للإطالة، ننتقل بحضراتكم إلى محاور الورقة.
المحور الأول، عوامل الاصطفاف الوطني:
نستطيع أن نقرر جازمين أن أبرز العوامل التي حركت أبناء الوطن اليمني نحو الاصطفاف الوطني هي:
1- إيمان الشعب اليمني بالقضية العادلة المتمثلة في تحرير الوطن من الاحتلال البريطاني عبر الكفاح المسلح.
2- انطلاق ثورة 26 من سبتمبر المجيدة عام 1962م في شمال الوطن، والتي حركت الوجدان اليمني عموما (1).
3- انطلاق أبناء الشعب اليمني من الجنوب والشمال للدفاع عن الثورة ومطاردة فلول الملكية البغيضة، فقد انطلق أبناء الجنوب بقيادة البطل راجح لبوزة، رحمه الله، في محافظة حجة.
4- وضوح الهدف، إذ جسد تحرير الوطن قاسما مشتركا لجميع اليمنيين، فالتقى أبناء المهرة، الضالع، تعز، ذمار، إب، صنعاء، وحضرموت (2).
5- كان الشعب اليمني بمثابة جهاز أمني متكامل (3).
6- المشير السلال، رحمه الله، عند تشكيله أول حكومة بعد الثورة، تضمنت حقيبة وزارة الجنوب، وعين القائد قحطان الشعبي مستشارا لشؤون الجنوب.
المحور الثاني، مكانة عدن ونوايا الاحتلال:
1- اتجهت بعض فلول الملكية إلى المناطق الجنوبية بتنسيق مع الاحتلال، وذلك لإرباك الثورة في الشمال انطلاقا من عدن بدعم الاحتلال.
2- كانت قيادة الثورة في الشمال متيقظة تجاه الاحتلال، فاستدعى المشير السلال القائد لبوزة وعددا من أبناء الجنوب، وتم الاجتماع في فندق الحمد، وطلب من لبوزة التوجه الفوري لتفجير الثورة المسلحة في عدن.
3- انطلقت الثورة من جبال ردفان صباح يوم 14 من أكتوبر المجيدة عام 1963م، فحققت هدفين كبيرين في آنٍ واحد هما: إرباك الاحتلال وفلول الملكية، والتخفيف عن الثورة في الشمال.
المحور الثالث، الاصطفاف الوطني.. دلالاته:
- فوجئ الاحتلال البريطاني بتفجير الثورة، فأطلق سلاحه الجوي بصورة جنونية، حيث نفذ 1700 طلعة جوية على قرى ردفان في الأيام الثلاثة الأولى من الثورة (4).
- وزير دفاع الاحتلال، دوجلاس هيوم، أعلن أمام مجلس العموم البريطاني أنه فوض قواته في جنوب اليمن أن تضرب القبائل بالقنابل، معللا أن رجال القبائل مسلحون وأنهم يحملون عقيدة واحدة مع الثوار.. هذه الشهادة تؤكد وجود الاصطفاف ودلالاته.
-العميد علي عنتر، في خطاب متلفز، قدم شهادة على الاصطفاف الوطني قائلا: "لولا الثوار في الشمال بمواقفهم المختلفة، ما تحققت تلك الانتصارات لثورة الجنوب" (6).
المحور الرابع، اصطفاف تعز.. دلالات نوعية:
-إذاعة تعز: دور متفرد في تعزيز التلاحم والاصطفاف الوطني، فقد ألهبت حماس الشعب وعبأته نحو الانضمام إلى صف الثورة في الجنوب، حيث كانت برامجها هادفة، تسير جنبا إلى جنب مع التعاميم الداخلية والنشرات السرية والتوجيهات المختلفة لكافة قطاعات ومجالات النضال، وقد خصصت ساعات كثيرة لتكرار التوجيهات (7).
- تعز.. اصطفاف مضيّع: الكتّاب والمؤرخون للحركة الوطنية عموما وسير النضال خصوصا أهملوا وربما تنكروا لاصطفاف تعز اللافت للنظر.. وهذه شذرات مشرقة مصدرها التاريخ الشفوي، والذي يعطينا دلالة قاطعة أن التاريخ النضالي لتعز بين التنكر وتآكل ذاكرة المجتمع ليس قديما فحسب، وإنما في اللحظات المعيشة أيضا.
-منطقة صالة.. مطبخ الرجال: تم افتتاح معسكر تدريب في منطقة صالة، وقد توافد إليه الشباب من مختلف المحافظات. وكانت أهداف التدريب محددة كما يلي: العمل العسكري، الأمن الوقائي، الاستخبارات، وتدريب الفدائيين.
-شُح الإمكانات وحاضنة أذكى: أي ثورة ضد الاحتلال يجب أن يكون لديها جهاز أمن وقائي يقوم بالمهام الأمنية، تزويد قيادة الثورة بالمعلومات، وتقديم الدراسات المستخلصة إلى القيادة، مع اقتراح التصرفات والمواقف المناسبة التي تتخذها قيادة الثورة تجاه الاحتلال.. لقد تمت عملية تدريب عناصر الأمن الوقائي، لكن شح الإمكانات (8) كان عائقا، أبرزها قلة التجربة.
- حاضنة اصطفاف أذكى
مثلت الحاضنة الشعبية خلية نحل إلى جانب جهاز الأمن الوقائي، وذلك في تعز وعدن على وجه الخصوص، فقد أثبتت الحاضنة اصطفافا مميزا ابتداء من توفير الغذاء، المعلومات، إخفاء العناصر، رصد تحركات جنود الاحتلال، إبلاغ الأمن الوقائي وكذلك الفدائيين، إلى جانب توزيع المنشورات والملصقات.
-تدريب دفعتين من الفدائيين في منطقة صالة: تدربت دفعتان في منطقة صالة، الأولى عددها 19 عنصرا، والثانية 23 عنصرا، وكان مقر مكتب قيادة الأمن الوقائي في مدينة تعز.
-عبد الفتاح إسماعيل.. ابن تعز: انكشفت قيادة الفدائيين (9) في عدن، فتسلم عبد الفتاح قيادة العمل الفدائي وسدد ضربات موجعة لضباط أمن الاحتلال وعملائه، من خلال القيام بتفجيرات عدة مثل المطبعة وتفجير مقر البرلمان والمعسكر، وغير ذلك.. وكان الفضل في ذلك يعود إلى اصطفاف الحاضنة، فقد كانت جهازا أمنيا متكاملا.
-شهادة د. عبد القوي الحصيني: شهد د. عبد القوي الحصيني بأن شخصا من أبناء قريته في مديرية المعافر، يدعى محمد صويلح، كان يسكن في القاهرة - عدن، وكان يقوم برصد دقيق لعربات وأطقم جنود الاحتلال من زقاق جوار بيته.. بإشارات ذكية للفدائيين، كانوا ينفذون العمليات بدقة. وأضاف د. الحصيني أن زوجة صويلح، شيخة النظاري، وهي معافرية، كانت تحمل كميات كبيرة من المنشورات تحت الجلباب وتوصلها إلى الجهات المعنية أو تبثها في الشوارع.
الجدير بالذكر أن الفدائيين كان فيهم ستة عناصر من تعز، ووفق معلومة شفوية، هناك عنصر لا يزال على قيد الحياة، لكن المصدر رفض الإفصاح عنه.
تعز حاضنة مكاتب القيادات:
في تعز، بلغ عدد مكاتب القيادات والاتحادات والأندية التابعة لقيادات المقاومة الجنوبية قرابة 13 مكتبا، نذكر منها: مكتب القائد قحطان الشعبي، مكتب نائب القيادة، مكتب قيادة الأمن الوقائي، مكتب الأمين العام للجبهة القومية، مكتب القائد محمد علي هيثم، مكتب قيادة علي ناصر محمد، مكتب اتحاد الشباب، ومكتب حزب الاتحاد الديمقراطي.. هذا الحزب نشأ في عدن قبل الثورة، وقد ضمت قيادته العليا أربع شخصيات من دبع - الحجرية (10).
-احتضنت تعز اجتماعات قيادات الثورة، وحضر قحطان الشعبي وسالمين والعطاس لافتتاح مقر القيادات.. أيضا، مدينة جبلة في إب احتضنت مرتين اجتماع قيادة المقاومة الجنوبية بقيادة عبد الفتاح إسماعيل.
-خرج شباب تعز في مسيرات شبه يومية تناشد المنظومة الدولية النظر بإنصاف إلى قضية اليمن العادلة المتمثلة في خروج الاحتلال.
-صفقة السلاح المقدمة من الزعيم ناصر للمقاومة الجنوبية عام 1965 وصلت إلى تعز، وهنا بادر أبناء تعز وأبناء إب بشحن الأسلحة بواسطة 165 جملا إلى جانب السيارات، وتم إيصال السلاح إلى خطوط التماس، وإلى جبال ردفان، وإلى عدن.
-معلومة ترفع الرأس.. هنا معلومة تجسد دور أبناء تعز مصدرها التاريخ الشفوي.. وكم يا ترى معلومات أمثالها قد ضاعت.. نعم، الحاج فرحان أحمد حاتم من منطقة قياض، مديرية التعزية.. التقيت به قبيل انقلاب المليشيا الحوثية الإرهابية، تحدثنا، ثم تولى زمام الحديث قائلا: "كنت أعمل بحّارا أنا وأخي أيام احتلال جنوب الوطن.. وبعد أن اتسعت جبهة النضال المسلح، احتاج الثوار إلى سلاح، فالتزم الزعيم ناصر بصفقة لا تعلمها عيون الاحتلال، فوقع اختيار قيادة المقاومة عليّ أنا وأخي، فاتجهنا إلى كندا وحملنا الصفقة، وسلكنا طرقا بحرية خاصة بالمهربين.. كنا نختفي نهارا ونتحرك ليلا".. وقدم سردية تفصيلية مذهلة عن تحركهم طيلة 65 ليلة.."فوصلنا إلى رأس عمران ليلا، وحضرت القيادة للتسلم، فأبلغت مكتب الزعيم ناصر، فجاء الرد مباركا نجاح العملية، ووعدنا بجائزة مالية للبحارين، فرفضنا تماما لأننا قمنا بواجب وطني.. واكتفينا بشهادتي تقدير من مكتب الزعيم ناصر، رحمه الله".
المحور الخامس، الاصطفاف الوطني الشامل:
-أوقفت مصر دعم المقاومة الجنوبية عام 1966م.. أيضا، وبعد نكسة حزيران 1967م، انتفشت نفسية الاحتلال البريطاني وظن أن المقاومة قد دخلت أزمة شاملة ستنتهي بها إلى الهزيمة.
-وضوح الهدف لدى أبناء الشعب جعلهم يثبتون عكس ما تصوره جيش الاحتلال، فقد شهدت المقاومة التفافا حولها.. اصطفاف وطني غير مسبوق.. اصطفاف شمل الجانب المدني والعسكري بصورة يهتز أمامها الوجدان الوطني حقا.. وتفاديا للإطالة سنشير إلى الاصطفاف إجمالا في البند التالي.
-بلغ عدد الأندية أو الجمعيات والأحزاب 16 حزبا وجمعية وناديا... إلخ. أعلنت اصطفافها إلى جانب الثورة، عدا جمعية عدن للعدنيين، فقد خدمت الاحتلال بطريقة أو بأخرى. الجدير ذكره أن أغلب تلك الجمعيات كانت من أبناء تعز.. أيضا، اتحاد الطلبة ونقابات العمال اصطفوا مع الثورة.
-بعض السوقة يهرفون بما لا يعرفون، فقد وضعوا العربة قبل الحصان، كما يقال.. وذلك أنهم جعلوا أوهامهم في محل تسليم تاريخي بلا نزاع، قائلين إن السوفييت قدموا عددا من السفن المحملة بأنواع الأسلحة للمقاومة الجنوبية.. وهدفهم إنكار وتغطية الاصطفاف الوطني الشامل للمدنيين والقبائل، كما هو الحال في التنكر لموقف تعز.
-الحقيقة التي سجلها التاريخ أن المقاومة دخلت في حرج شديد، وأنها اشترت سبع قطع كلاشينكوف روسية الصنع بأغلى الأثمان (11).. وهنا سجلت القبيلة موقفا اصطفافيا مشرقا إلى جانب الثورة، فقد قدمت الرجال والسلاح والمال والغذاء والخيام، والسيارات... إلخ. وقد فوجئ الاحتلال بضربات موجعة فأعلن انسحابه نهاية عام 1967م، حيث غيّر موقفه السابق بأنه سينسحب عام 1968، وهنا صرخ الشاعر الشعبي الثائر ابن تعز أحمد قائد مغبش، رحمه الله، مخاطبا الاحتلال بقصيدة كبيرة منها شطر البيت التالي:
"رأس الرجاء يقطع رجاكم الله".. ويقصد رأس الرجاء الصالح. وأشهد لله أن الشاعر قال لي شفويا: "والله يا ولدي إني لا أعرف ولا قد سمعت شيئا اسمه رأس الرجاء الصالح.. غير أني وبعد أن قرر الاحتلال الخروج، سمعت الزعيم ناصر يقول: لن تمر بريطانيا من قناة السويس.. ثم سمعت راديو لندن يقول إن جيش الاحتلال سيسلك طريق رأس الرجاء الصالح".
مسك الختام:
إننا إذ نحتفل بهذه الذكرى الغالية في قلوب اليمنيين، لا يعني شحن الأذهان أو إضاعة أوقات الفراغ بأحاديث الماضي، وإنما الهدف هو استعادة مفهوم الاصطفاف الوطني وترسيخه في الوعي والوجدان اليمني بهدف العبرة من الماضي، واعتبار الحاضر، والعبور إلى المستقبل، وصولا إلى استعادة الشرعية الدستورية والنظام الجمهوري من عبثية المليشيا الإرهابية الانقلابية الحوثية، والانطلاق المتجدد نحو بناء الوطن أرضا وإنسانا.
..............
هوامش:
1- محسن الشرجبي: عدن كفاح شعب. ص 119.
2- السابق: ص 111.
3- السابق: ص 113.
4- سلطان ناجي: التاريخ العسكري في اليمن.
5- ذكرها الشاعر إبراهيم الحضراني في مقابلة له: "أفتخر بالموقف الوطني الوحدوي لوالدي وغيره من أبناء الوطن".
6- التسجيل موجود في شبكة الإنترنت.
7- الشرجبي: مرجع سابق، ص 120.
8- نفس المرجع.
9- الشرجبي: عدن 25، وهو غير كتاب عدن كفاح شعب.
10- ذكرها د. عبد الله سعيد القدسي شفويا، علما بأنه لديه مخزون تاريخي غير عادي كتابيا وشفويا.
11- الشرجبي: عدن 25.