الأربعاء 13-11-2024 20:41:50 م : 12 - جمادي الأول - 1446 هـ
آخر الاخبار

من وحي الأمسية السبتمبرية التي أقامتها إعلامية الإصلاح.. 

الأدب المقاوم سلاح إستراتيجي في المعركة ضد الكهنوت

الثلاثاء 01 أكتوبر-تشرين الأول 2024 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت – خاص | أشرف الهاملي

 

في أمسية شعرية بمأرب، احتفت الدائرة الإعلامية للتجمع اليمني للإصلاح بالذكرى الـ62 لثورة الـ26 من سبتمبر المجيدة، وفي الأمسية توهجت القصائد كشعلة الثورة، لتلهم النفوس وتشعل جذوة النضال ضد المشروع الحوثي الإمامي الكهنوتي.
وقد تحدث في الأمسية نخبة من الشعراء عن دور الأدب المقاوم كقوة دافعة للتغيير ورافعة للمشروع الوطني الكبير، وكانت القصائد التي ألقيت في الأمسية بمنزلة تجسيد حي للقوة الرمزية للكلمة الثورية، ودورها في بناء وعي جماهيري مستنير قادر على مواجهة الكهنوت الحوثي سليل الإمامة التي طواها التاريخ.
كما استحضرت القصائد التي ألقيت في الأمسية روح النضال الوطني، وتجديد عهد الشعب اليمني على مواصلة مسيرته النضالية ضد المليشيا الحوثية ومشروعها الإمامي الكهنوتي الذي تحاول بعثه من مزبلة التاريخ وإعادة عجلة الزمن إلى الوراء.

القصيدة قوة دافعة
"القصائد الثورية خارطة طريق للثورة، وقوة دافعة للتغيير"، بهذه الجملة يختزل رئيس دائرة الإعلام والثقافة في التجمع اليمني للإصلاح، عدنان العديني، رؤيته للشعر والأدب المقاوم، وجوهر فعله في العملية النضالية والتغييرية، كونه يلعب دورًا رئيسيًا في إلهام الشعوب وقيادة حركة الجماهير في اتجاهات مغايرة للاستبداد والطغيان، وإثارة نزعتها وتطلعاتها المكتنزة بالتحرر والانعتاق من ناحية، وكأداة تثويرية قادرة على تفجير الطاقات وبث روح الحماس وحس التمرد والرفض في أوساط الشعب من ناحية أخرى.
وقال العديني في الأمسية: "لقد كان الشعر والأدب الحر والمقاوم بفنونه المختلفة جديرًا بخلق هذه الحالة الثقافية والنفسية الثائرة والقادرة على تجاوز الواقع السائد، مما يسرع بالتغيير وتفكيك منظومة الاستبداد في كل زمان ومكان".
وثمّن عدنان العديني دور الكلمة في معركة الكفاح الوطني ضد الإمامة، واصفا إياها بأنها الشق الآخر من الرصاصة التي لا تطلق في الميدان، ولكن على منابر الحرب المعنوية والإعلامية مع الكهنوت، مبرزًا "تلك القيمة الجوهرية من الناحية الرمزية والعملية للشعر والأدب في مسارات النضال التي تجترحها الشعوب باتجاه المستقبل وفتح آفاق جديدة للإنسان والحياة، إذا ما استغل عليها الخلق واستبد بواقعها الجهل والانحطاط في الوعي".
وأشاد العديني بحالة الاحتفاء الجماهيري الواسع بذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، لافتا إلى أن هذا الكرنفال الشعبي والبهجة الوطنية التي عبر عنها اليمنيون بهذا الكم الباذخ والألق يعد بمنزلة استفتاء جمعي على قداسة هذا الحق وحاكميته في الواقع اليمني وفي صياغة توجهاته المصيرية.
وقال: "هذا الإجماع الوطني والشعبي مع كل ذكرى لهذا اليوم يؤكد حقيقة سبتمبر التاريخية وغير القابلة للمحو أو الجدل، أن الاحتفاء بسبتمبر هو في جوهره تعبير عن حضور هذه الثورة المجيدة في وعي وذاكرة اليمنيين، وفي أعماق حسهم وتلافيف وجدانهم، سيما في الوسط الثقافي والأدبي، الذي دائمًا ما يعبر عن ضمائر الشعوب وفطرتها الطبيعية في التطلع لآفاق الحرية والحياة الكريمة".
ونوّه بأنه "لنا في مؤسس هذه الثورة وصانع مجدنا اليمني الحديث الشهيد محمد محمود الزبيري ورفاق دربه من الشعراء والأدباء الذين خاضوا ملحمة شعرية في النضال، خلدها التاريخ، خير دليل على قوة الشعر في صناعة الأحداث المجيدة ودوره المحوري في إحداث حركة التحولات الضخمة في وعي وثقافة الشعوب، وكان من ثمارها تلك القفزات الحضارية الهائلة والانقلابات الجوهرية في صورة وواقع الإنسان والحياة".
وتابع العديني: "وعلى مختلف المراحل النضالية، فقد فجر الشعر الثوري والأدب الحر براكين الغضب وأجج نار الإحساس بالحرية والكرامة، فخلق تلك الاستعدادات الهائلة في الشعب ووهبه الثقة والإيمان بقدرته على تغيير حركة التاريخ وتجاوز التحديات والصعاب".

الفجر السبتمبري في القصيدة
وفي الأمسية التي شكل أيلول فيها وجهة الشعراء وقبلة أسفارهم الروحية والمعنوية، كان مطر الشعر غزيرًا، والانثيال العاطفي والأدبي مساءلة ذاتية وطنية وحنينًا للأمجاد والوطن، وفي جزء كبير منه ثوري وغاضب وتمجيدًا للبطولة الزمكانية والتاريخية التي صنعت على عين عقد من الاستبسال والبطولات في أرض سبأ.
فقد بدأ الشاعر عامر السعيدي قصيدة ألهبت حماس الجمهور وعادت بهم إلى فجر هذه الذكرى العميقة في الوجدان والعزيزة في النفوس، كما لو كان هذا اليوم حلمًا يتجدد في الواقع كل عام، وله قصة مع الشوق والانتظار في قلب كل يمني وعلى نحو شخصي جدًا. لقد تخلق ذلك الحلم الثوري من قلب العتمة، وتشكل ذات يوم من داخل أسوار سجن كبير ليصير واقعا منفتحا على العالم كله في يوم السادس والعشرين من سبتمبر. وكان قدر ذلك الحلم أن يكبر مع الأيام ويتمدد ويتسع في قلب البلاد حتى صار نبضة شعب وحيدة في شريان بلد واحد اسمه اليمن.
وكلما خبت شمس هذا الحلم بفعل الحادثات وغابت حرارة دفئه وراء الغيوم، أطل كالوعد الصادق من خلف الشتاءات القارسة وتقلبات الفصول والأحداث، مجددًا ذلك الوهج الاستثنائي في كل عام، فإذا ما جاء أيلول عائدًا وقد جلمد البرد أيدي المحبين.
خرج عامر ليخاطب حبيبته بعودة الصبح وانبثاق الأشعة من رحم الشمس والوهج قائلًا:
يا حبيبي لقد أتى أيلولُ
ولنا فيهِ موعدٌ وهديلُ
جاء كالصبح في يديهِ غيومٌ
وعلى حاجبيهِ شمسٌ تسيلُ
جاء أيلولُ يا حبيبي وعندي
لك من ماء قلبهِ سلسبيلُ
ها هو الحبُّ في جلالك يلهو
ويُصلّي على اسمهِ المستحيلُ
إنّ أيلولَ يا حبيبي أذانٌ
وصلاةٌ ومصحفٌ ورسولُ
خبأ الله في أغانيهِ سرًّا
فالأغاني إلى السماء دليلُ
وكأنه يهزأ من نوبة الغبار هذه ويرفع بهذا الانفعال الروحي والعاطفي شارة الخلود السبتمبرية وقدر النصر في وجه العودة الآثمة والجريمة الحوثية الخائنة بانتحالها وجهًا مشوهًا وزائفًا كي تتأبط يمنا لن يرجع خطوة واحدة إلى الوراء، ولن يكون في يوم من الأيام إلا كما عهدناه فجرًا سبتمبريًا مشعًا في الواقع والخيال، هذا هو القدر الأزلي والمعنى الكامل للحياة والمصير.
إنني الآن يا حبيبي أغني
وعلى الأرض من هوايَ هطولُ
أعزف العود في يديك بقلبي
فيطول النشيد فيك يطولُ
صاغهُ ليلةَ الخميس قضاءٌ
وتغنى بأهلهِ جبريلُ

مأرب.. شمس أيلول المشرقة
وبعد أن صدح الشاعر عامر السعيدي بهذه الأبيات في وجه الغبار الحوثي القادم من وراء الحقب المظلمة، ينتقل في قصيدته الأخيرة إلى مأرب التي ظلت شمس أيلول مشرقة في سمائها، عصية على الغيوم والتقلبات، ينبعث منها الإشعاع الثوري والجمهوري من جديد، يمد خيوط الكرامة والحرية إلى الوطن والمواطن شرقًا وغربًا، وكأنه يخلد على طريقة درويش أمجاد المدن العاليات ونار نخوة قاطنيها الذين تدافعوا من كل حدب وصوب فأشعلوا نار الغضب والرفض في كل حاضرة وقرية من حواضر وقرى اليمن المحررة، وحافظوا على بقاء جذوتها مشتعلة في صنعاء، وإن تحت الرماد على المدى القريب، كما فعلت تلك الأرض التي قال عنها محمود درويش يومًا، على هذه الأرض ما يستحق الحياة، وعلى أرض مأرب.
قال عامر:
لعينيك نكتبُ ما نكتبُ
فتلمع عيناك يا مأرب
وكم ظنّها طامعٌ لعبةً
فصارت بأشلائهِ تلعبُ
لقد حاول الليل إطفاءها
فبدّدَهُ صبحها الطيّبُ
تقول البلاد إذا يتّمتْها
الحروب لمأرب أنتِ الأبُ
ومأرب تعشق أولادها
وفي وصل أحبابها ترغبُ
تمدّ لصنعاء أغصانها
فما بال صنعاء لا تعشبُ
سكبنا دمانا فدى مأربٍ
وأغلى من الدّم ما نسكبُ!
دمٌ في التراب دمٌ في الهواء
دمٌ في الحلوق فلا تعجبوا
ومأرب محروسةٌ بالرجالِ
وبالله محفوظةٌ مأربُ

قصيدة الشعب
ثم ينتقل بالقصيدة إلى شاعر آخر لا يقل عنه شاعرية ولا ينقصه حنينا وثورة وكبرياء، الشاعر هشام باشا، الذي أطلق زفرات شعره كالبركان، ينشد في الإنسان اليمني إحساسه الجنوني الرافض للقهر والظلم، العاشق للإباء والحرية. لقد خاطب هشام باشا في قصيدته الشعب على طريقة الأب المؤسس وصانع هذا الحلم الثوري المجيد أبو الأحرار محمد محمود الزبيري:
أيُّها النّائمُ كالصَّخْرةِ فِينا
آنَ أنْ تصبحَ جِنًّا وجُنونا
آنَ أنْ تَخرجَ مِن أعماقِنا
فلقد نمْتَ قُرونًا، وقُرونا
آنَ أنْ تَمْتَدَّ في آفاقنا
عُنُقًا يَتْلو على الوَهْمَ اليَقينا
آنَ أنْ تَخرجَ مِن أفواهنا
ثَوْرةً تَمْلأُ بالنورِ العيونا
آنَ أنْ تغضبَ حتى لا ترى
بين جَنْبَيْكَ مرايا الظّالمينا
وتُرينا الشّعْبَ، ما أجملَهُ
عندما يَقْتَلِعُ الرّكْنَ اللّعينا!
ثُرْ جُنونًا، إنّما الشَّعْبُ إذا
زادَ عَقْلًا زادَهُ الظُّلْمُ سُجونا
ثُرْ جُنونًا، واهْدمِ البَيْتَ التي
لَم تَجِدْ مُذْ بُنِيَتْ فيكِ سُكُونا
وأَعِدْ صَنْعاءَ يا صانِعَها
مِن حناياكَ أغاريدًا وطِينا

انتصار سبتمبر
لم يكتفِ الشاعر هشام بقصيدة واحدة، بل ردد أبياتا من قصيدة أخرى آمن فيها بانتصار سبتمبر وغلبة هذا القدر على ما سواه من العواصف المؤقتة والعوارض الطارئة، فكان شعره قويا وكلماته رصاصا حارقا، بادئا قصيدته بهذه الأبيات:
وَقّعْ هنا وابْصُمْ بِعَشْرِكْ
ما بين طَلْقتِهم وصَدِرِكْ
في أنَّ جُمْهوريّةً
سَتظَلُّ حتى فَوْقَ قَبْرِكْ
سَتَظَلُّ تقْتُلُ كُلَّ مَن
قَتَلوكَ آخِذَةً بِثَأْرِكْ
وَقِّعْ فهمْ لمْ يَقْتُلوك
فَعُمْرُ "أيْلُولٍ" كَعُمْرِكْ
ولروحِ "أيْلُولٍ" ورُوحِك
كُلُّ عَصْرٍ بَعدَ عصَرِكْ
وبِدينِ "أيْلُولٍ" ودِينِك
سوفَ يُؤمنُ كُلُّ مُشْرِكْ
ثم ختم الشاعر هشام باشا قصيدته بهذا التوقيع العريض في مخيال الأمة اليمنية وفي صميم عقيدتها الوطنية وهي تخوض معركتها الوجودية مع الإمامة واثقة بالنصر ثابتة في الخطى مطمئنة لفجر خلاصها وميلاد نصرها الثاني مع سبتمبر، الذي لم يولد في فجر يوم السادس والعشرين من سبتمبر إلا ليكبر في الحياة ويمتد في الآفاق اليمنية جانحا فوق التراب والأحلام والأجيال والأزمان الممتدة في الخلود والأزل.
لمْ يَقْتلوكَ وإنّما
كانتْ يَداكَ وَرَاءَ ظَهْرِكْ
والآنْ ثُرْتَ وها هُمُ
قد أدْرَكُوا ما كنتُ أُدْرِكْ
في أنّهم لمْ يَقْتلوكَ
وإنّما غُرُّوا بِصَبْرِكْ
ورَأوا بأنّكَ.. إنّما
فَتَحَتْ دِماؤكَ بابَ نَصْرِكْ
وبأنَّ جُمْهُوريّةً
سَتَظَلُّ حتّى فوق قَبْرِكْ

فجر أيلول
ليدخل الشاعر مازن الطلقي على خط الأمسية الشعرية بقصيدته الأولى "صلاة في مهجة الأبد"، تاليا على فجر أيلول أبياته الخالدات:
سفرٌ بلا وعدٍ وريحٌ صرصرٌ
وعلى جدارِ الليلِ ينمو خِنجرُ
وتراجعَ التاريخُ من أطرافهِ
وتقدّمَ المنسيُّ والمُتأخرُ
هذا الذي مَنحَ الضياءَ منازلًا
والمظلمون على يديهِ تكسّروا
تتشكلُ الدُنيا على أغصانهِ
وعلى جوانبهِ نطيرُ ونكبُرُ
"أيلولُ" يا ماءَ البلادِ وملحَها
أنتَ المواسمُ كلُّها والأشهرُ
لولاكَ ما عرفَ الزمانُ وجوهَنا
ولأنكَرَتْنا يا أبانا الأسطرُ
هل ثم ميلادٌ جديدٌ يا أبي
يصحو على بالِ الرصاصِ ويخطُرُ
وعليهِ منكَ مهابةٌ وجلالةٌ
وعلى مآذنهِ نصومُ ونفطِرُ
أنتَ الملاذُ السرمديُّ لمجدِنا
بكَ حاربتْ "سبأٌ" وأبْلَت "حِمْيَرُ"
سنُعيدُ هذا المجدَ يومًا آخرا
"تتغيّرُ الدنيا ولا نتغيّرُ"
إنّا كفرنا بالظلامِ وأهلهِ
وبكلِّ أعداءِ الوجودِ سنكفُرُ
هلَك السُلاليون قبلَ مجيئِهِم
وبقيتَ أنت الحيّ يا سبتمبرُ
يمم الشاعر مازن الطلقي شراعه أيضًا باتجاه أيلول، وكثف بمعاني وصور شعره رمزية هذا الحدث الفارق في تاريخ اليمن الحديث كأزهى ما صنع اليمنيون منذ ألف عام. خرج اليمنيون فيها من التاريخ ودائرة التأثير الحضاري، هذا اليوم الذي تشكلت على أغصانه الدنيا، وطارت على جوانبه اليمن إلى العالم.

ذات الشمس
يختم الشاعر مازن الطلقي بقصيدة أخرى بعنوان "ذات الشمس" قاصدًا "مأرب"، تلك الأرض المرصع تاريخها بالأمجاد والممسكة بخيوط الحضارة والتاريخ من عهد سبأ، مدينة لم تنس أصلها ولم تتنكر لتاريخها في الإباء والبطولة. كانت أمينة على العهد حين خانت المدن وتهاوى شرف البلاد شرقًا وغربًا.
كان المدى ذئبًا ونحنُ نهرولُ
والوقتُ في محرابهِ يتبتلُ
وتأخرَ التاريخُ يشحنُ طينَهُ
والحلمُ في رحمِ الرؤى يتشكّلُ
وبقيتِ يا أُمَّ البلادِ سفينةً
وطنيةً تجري ومنها ننْسَلُ
وبقيتِ يا أُمَّ البلادِ ركيزةً
وعليكِ آمالُ الرجالِ تعوّلُ
قولوا لأحفادِ الرمادِ: تريثوا
لا تطرقوا الأبوابَ؛ ثمّةَ معولُ
(القردعيُّ) نبيُّ ثورتِنا التي
ركلت عمامتَكم فلا (تَتَقَندَلوا)
موتوا على أطرافِها (وتقطرنوا)
(وتبردقوا) وتبرّكوا (وتَزَنبَلُوا)
واللّهِ لن يخضرَّ فيها واهمٌ
ما دامَ فيها ثائرٌ ومُجَنْدِلُ
هي مأربٌ: أُمُّ الدهورِ، وربةُ الـ
ـمدنِ العتيقةِ، والبناءُ الأولُ
هي مأربٌ: نقشُ الحياةِ، وحجةُ الـ
ـتاريخِ، ذات الشمسِ، (ماذا نعملُ)؟!
من ذا ينافسُها علوًا، سؤددًا؟!
منها ابتدا التاريخُ، منها يُكْمِلُ

الليل وميلاد النور
وختم الشاعر خليل نعمان الأمسية الشعرية بقصيدته الرائعة "ليل وعراف ولون أخضر"، متوجًا هذه الأمسية بهذه القصيدة التي جعلت من أيلول أيقونة الإنجاز الحضاري في اليمن. أعاد صياغة الإحساس بهذا الحدث الخالد واللحظة التاريخية المجيدة بمشاعر الأوفياء وحدقات الأبناء المخلصين ليوم ارتشف فيه اليمنيون حريتهم وابتدأ ميلادهم لكأنه قديس الأيام إن كان في بعضها قداسة، كما يقول:
ليل وعرَّافٌ ولونٌ أخضرُ
يَسعونَ في التَّقويمِ يا "سبتمبَرُ"
يَسعونَ نحوَ هلاكِ دربِكَ إنَّما
لا يدركونَ بأنَّ دربَك خنجرُ
وبأنَّ مدفعَكَ الأخيرَ هو الذي
يدوي، ووحدُكَ لا سواكَ يُذكَرُ
يا أوَّل الآتينَ
مِنْ رئةِ الزَّمانِ
إلى اليمانيِّين، يَومُكَ أزهَرُ
يا أوَّل الآتينَ
مِنْ فوق البروجِ
إلى "أوامَ" وسدُّها يتفجَّرُ
فترشَّفتْ حريةً
حمراءَ مِنْ معناكَ
وانطلقَ القضاءُ الأحمَرُ
فيكَ ابتدأ ميلادُنا الفعليُّ
مِنْ أعمارِنا وبكَ انتهى المتجبرُ
منك اجْترحنا
"ثغرةً للنُّورِ" فانسلخَ الظلامُ
وأدبرَ المُستعمِرُ
مِنْ قبلكِ اليمنيُّ كان بقيدهِ
مُتحجِّرًا، وبنفسِهِ لا يَشعُرُ
بأنينِهِ اعتادَ الكلامَ بلا فمٍ
وبدمعِهِ، أدْرانُهُ تَتعطَّرُ
وبليلِهِ تَخِمَتْ بُطونُ عيونِهِ
والفجرُ في وجدانِهِ يتكسَّرُ
يقتادُهُ الغرباء حتى أصبحتْ
خُطواتُهُ في صدرِهِ تَتعثَّرُ
راضٍ بقيدِ السِّجنِ دونَ تَفكُّرٍ
وقيودُهُ مِنْ جهلِهِ تَتفكَّرُ
حتى أتيتَ فكنتَ أوَّل مُخلِصٍ
لِخلاصِهِ، وبعقلِهِ تَتبَلْوَرُ
بك كَسَّرَ الأغلالُ
قبلكَ كانتِ الأقدامُ
مِنْ حلقاتِها تَتفطَّرُ
بك أصبحَ اليمنيّ يَقتلُ خوفَهُ
في جوفِهِ، وبكَ ابتدا يتحرَّرُ
وبك استعانَ على قوى جلّادِهِ
ومضى يَشقُّ طريقَهُ ويُقرِّرُ
أعْرَجتَ باليمنيِّ نحوَ سَمائِهِ
ليَخطَّ في ألواحِهِ ما ينظرُ
ومعًا مشينا
واثقي الخُطواتِ أجرامًا
يُبارِكنا أبونا "حِميَرُ"
"أيلولُ" يا طعمَ الحياةِ بذاتِنا
بك أنتَ ما نرجو وما نتصوَّرُ
يا قبلةَ الأحرار والعيدَ الذي
عن مَوعدِ الثُّوَّارِ لا يتأخَّرُ
إنْ كان في بعضِ الشهورِ قداسةٌ
فلأنتَ قدِّيسُ الشهورِ الأكبَرُ

سبأ ومجدها السبتمبري
أما الشاعر أحمد علي عمر فقد كان خاتمة الشعر والقصيدة، وكان هذان البيتان هما جوهر القصيدة التي كان لسبأ منها شعلة المجد وطرب الزمان والمجد يتوقد فيها على امتداد الدهر وجريان العصور. وقد كان القردعي استدعاءً رمزيًا مهمًا لهذه الأرض التي يتزايد فيها الأحرار كابرًا عن كابر، ولا تزال رصاصة القردعي التي انطلقت من أرض سبأ لتضع نهاية للطاغوت هي حلم ميلاد اليمني الأول في البأس الذي دك عروش الظالمين، وفتح نافذة جديدة أمام ثائر جديد.

على سبأ كم أوقد المجد شعلةً
يضاء بها التاريخ والدهر يطربُ
فيسألها ضوء النجوم بدهشةٍ
إلى أي نجمٍ شعلة المجد تنسبُ
أشارت إلى أيلول والقردعي به
وبندقه بالثائرين ترحبُ

وتوّج نائب رئيس دائرة الإعلام والثقافة هذه الأمسية بتكريم الشعراء الذين شاركوا في الأمسية، وتكريم الأستاذ جمال أنعم تقديرا لعطائه الأدبي والفكري الغزير على الساحة الثقافية والأدبية عموما، ولدوره النشط كذلك في إذكاء الروح الثقافية والشعرية، وإسهامه في إحداث الحراك الأدبي والثقافي مؤخرا في محافظة مأرب.

كلمات دالّة

#اليمن