الأربعاء 09-10-2024 01:02:50 ص : 6 - ربيع الثاني - 1446 هـ
آخر الاخبار

ثورة 26 سبتمبر.. ميلاد الجمهورية والانتصار للمستقبل

الأربعاء 25 سبتمبر-أيلول 2024 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت-خاص | عبدالعز يز العسالي

 

أما قبل..
يا جيفة التاريخ هل من حفرة
تؤويك إن لفظتك هذي الدارُ؟
(الفضول رحمه الله، وجهها إلى الطاغية يحيى)

جميع الأدبيات العامة لثورة الـ26 من سبتمبر المجيدة، سواء ما كتب منها قبل الثورة أو بعدها، يجد القارئ ثلاث مفردات مقرفة قد تكررت كثيرا، هي: الجهل، الفقر، المرض.. وأن ثورة 26 سبتمبر المجيدة عام 1962م جاءت للقضاء على ذلك الثلاثي البغيض، كفلسفة عامة غائية للثورة سبتمبر المجيدة، وذلك من خلال إزالة أسرة الحكم الممثلة بكهنوتية بيت حميد الدين السلالية المتوارثة التي فرضت على شعبنا اليمني عزلة رهيبة خارج العالم.

وحسب شهادة الرحالة اللبناني، أمين الريحاني، الذي زار اليمن مطلع أربعينيات القرن الماضي إذ قال: "اليمن تعيش خلف التاريخ مقدار 3 آلاف عام".

الهدف من هذه السطور فتح نافذة للجيل ليقف على بعض دلالات الجهل والفقر والمرض، ذلك أننا سنسرد بعض الشواهد بحسب المقام، وهي إما شهادات آباء، وإما شهادات مزبورة في كتب جيل رواد ثورة سبتمبر المجيدة.

المحور الأول، الليل.. البغي.. الطغيان:

1- يقول المؤرخ الدكتور حسين العمري: دخلت اليمن بعد وفاة الإمام الشوكاني في ليل دامس حالك الظلمة، واشتد ليلها إبان حكم بيت حميد الدين، ولم ير اليمن النور إلا فجر الـ26 من سبتمبر.

2- بين فجر وليل: هذا عنوان قصيدة للبردوني، رحمه الله، يصور فيها الشعب اليمني كأنه فتى يافع بطل رفيق الليل والفلوات، ولكن الفتى انخدع بمواعيد وقد طال انتظاره، لكنه انطلق وسط ذلك الليل، والقصيدة ممتعة نكتفي بمطلعها:
في ذلك الليل المخيف الشاتي
والجو يحلم بالصباح الآتي
في ذلك الليل المخيف مضى فتىً
قلقُ الثياب مروعُ الخطواتِ
ليل مخيف شاتي - شديد البرد.

فالليل هنا الجهل المطبق، والبرد يرمز إلى الفقر والعري وسط الجو الكالح البرودة على من هو في البيت ناهيك عمن يخرج.

3- النشيد الوطني للفضول:
في خطى الواثق تمشي قدمي
مثل سيل وسط ليل يرتمي

لقد التقى هاجسا البردوني والفضول عند نقطة الخروج والتحرك بحثا عن الفجر، ولكل منهما أسلوبه التصويري الشائق.

4- البغي السلالي الكهنوتي:
يقول الفضول:
فإذا ما البغي فينا طلبا
فيئة في الظل لاقى اللهبا

يقول شاعر في قصيدة مغناة:
تسحق الباغي تدك الظلم تأتي بالمحالِ

مفهوم البغي انحرف في موروثنا الفكري حيث أُلصق بكل من يقول للظلم والطغيان لا، وهو إلصاق تقمص رهبوت كهنوتي باسم الدين، في حين أن البغي يكون من الحاكم ضد الشعب أو من شخص فوضوي ضد حاكم عدل، فالسلالية العنصرية بغت حقا على الشعب اليمني.

5- الطغيان النابذ للقرآن: الفنان الحارثي، رحمه الله، صدح في إحدى أغنياته الوطنية:
أنا للطغيان لا لن أنحني
عزة الإسلام تجري في دمي

الكهنوت السلالي عبث بوجدان الشعب الجاهل حرفيا وثقافيا فانثنى بمعاول طغيانه هدما لمبادئ الإسلام الإنسانية - كرامة الإنسان، والحرية، والمساواة، ودفنا لقيم العدل والأخوة والتعارف وتمزيق نسيج وحدة المجتمع، وإطلاق المذهبية الطائفية التدميرية، انتصارا لسلالته الفارسية المتعطشة للدماء الماصة لعرق الغلابى المنكودين بالإفساد المهلك للحرث والنسل المتقمص للإسلام زورا ودجلا وبهتانا.

ينسب الكتاب إلى الرئيس القاضي الإرياني، رحمه الله، أنه وصل صنعاء صدر ثلاثينيات القرن الماضي، وفور وصوله شاهد العكفة ينهالون بالضرب على شخص مقيد اليدين، والمسكين يردد قائلا: ظلمني صلاة الله عليه.. نهبني سلام الله عليه.. حتى وصل إلى السجن.

6- النعمان والزبيري لا يعرفان شيئا اسمه "ثانوية عامة".. هذا الموقف المحرج حصل للنعمان عندما أراد دخول الأزهر، وحصل للزبيري أيضا.. ذكر ذلك النعمان في مذكراته، علما أن النعمان خريج من زبيد والزبيري خريج مدرسة الجامع الكبير - قاضي.

القارئ العزيز: ولي العهد يا جناه يقوم بنفسه باختبار طلاب ثالث إعدادي وحال الطلاب لابسي أسمال متسخة يرتجفون رعبا بين يدي الضبع الصارخ - اذكر النسب الشريف.. فأي ثانوية هذه؟

7- ذكر العزي السنيدار أن الشيخ حمود شريان (ريف صنعاء) رأى بعض ثوار 48 مستائين من اختيار ابن الوزير، فقال الشيخ شريان: مستعد أكون رئيس جمهورية ولكن الناس تريد سيدا.. طيب ولماذا سيد؟ الجواب: الإمام السيد أمان للأرض والسماء.. إذن، ليل وبغي وطغيان متفرد.

المحور الثاني، صور ظلم أفظع وأبشع:

1- اشتدت مجاعة الناس بسبب القحط ومات كثيرون جوعا، وقد حدثنا الأجداد عن جيران لهم سقطوا موتى عام 1940م بعيدا عن قراهم وهم يبحثون عن شجر في الجبال ليأكلوها.

والبعض فُقدوا تماما ولم يُعثر عليهم أبدا كونهم سلكوا طرقا غير آمنة، والطاغية السلالي يكتب إلى عماله: قد تقرر شرعا زكاة الحشيش والحطب.. وعندما رد العمال (مدراء المديريات) أن كثيرا من الناس تركوا مزارعهم وهربوا، هنا جاء الحل الطاغي: ما فات بيت المال يضاف على من بقى من السكان.

2- حنانا يا أمير المؤمنينا
بأفئدة الرجال المخلصينا
إذا لم نستحق لديك عطفا
ولا رفقا بنا فارحم بنينا
(الزبيري)

الأستاذ النعمان كتب "الأنة الأولى" وقدمها لولي العهد بتعز، ولكن الطاغية راوغ - مواعيد.

الزبيري عاد من القاهرة وصاغ برنامجه الإصلاحي وقدمه للطاغية يحيى في صنعاء، وتم إيداع الزبيري في السجن 9 أشهر، فقدم الشعر متلطفا طالبا العطف ومنه البيتان أعلاه فازداد عتو الطاغية.. إذ كيف يكون الزبيري وأمثاله مخلصين؟ وأفرج عنه بعد وساطات عدة.

3- صدق أو لا تصدق: هذا الكلام بقريتنا والله يشهد.. تمزيق وتفتيت المفتت.. وذلك إلى جانب تكريس الحدود بين القرى المتجاورة.. وصل التفتيت إلى داخل البيت الواحد - بيت (ق) نموذجا.. فالرعوي (ق) إذا رأى عكفي الإمام قادما يسارع بنقل البقرة من الإصطبل الشمالي إلى الإصطبل الجنوبي وكذا سلة الحبوب وما شابه.

وبما أن العكفي بليد ينهب أو يتلف محتويات المنزل لكن الر عوي يرفع صوته: "محجور برأس الأمام".. هذه الغرفة تتبع منطقة كذا.. وهنا يخرج العكفي خائبا تنفيذا لتعليمات الطغيان.

4- محاصيل الحبوب في منطقة شرعب يحملها الفلاحون إلى الضواحي الشمالية من مدينة تعز.. هذا الطغيان الكهنوتي سبقه عدد من الظلم والعسف الإمامي بعد الرصاصات التي طالت "يا جناه" في الحديدة.. لقد أصدر أوامره إلى المشايخ أن يختاروا أناسا أمناء ويؤدوا الأيمان على المصحف أمام الناس جميعا أن يقوم الشخص بالبلاغ الفوري بأي طفل أو غيره التقط سنبلة وفرى حبوبها وأكلها، وبعد ذلك يتم الحصاد وكل فلاح يحمل جميع محاصيله إلى ضواحي مدينة تعز، وتتم تصفية الحبوب وتقديم الزكاة ثم العودة.. عمتي أخت أبي تسللت لالتقاط سنبلة تسد بها 1% من حاجتها فسمعت الأمين فولت هاربة فتعثرت وسقطت أكثر من 4 أمتار فانفك جبينها وظلت مريضة شهورا عدة، وظل أثر الشجة بارزا في جبينها حتى وفاتها عام 1988م.. فهل هناك تدمير وسحق لكرامة الإنسان أكثر من هذا؟ وهل ثلاثية الجهل والفقر والمرض كافية؟ أم نحن بحاجة إلى مصطلح أكثر دقة وشمولا؟

5- يوم الاثنين يوم النذر للإمام: زيد دماج في رواية "الرهينة" وعبد الكافي محمد سعيد وغيرهم ذكروا أن الإمام يجلس أمام قصر صاله صباح الاثنين يتسلم النذور ويكتب الحروز علما بأن العائد تافه.. وكثيرا ما يتملقه العكفي أن يعطيه ذلك التافه نظرا لشدة حاجته.. وهنا يفصح الطاغية ترسيخا للدجل الديني فيصرخ بوجه الحارس: لا تصح النذور لأي كان وإنما لمن هو إمام بن إمام بن إمام بن إمام بن إمام.. فيهرع العكفي طالبا المغفرة لأنه اعتدى على شرع الله.

بل هناك صور محفوظة لهاشميين ليسوا حكاما بدرجة أئمة لا يجوز أن تتجاوز ذؤابات عمائمهم "العذبة" 4 أصابع خلف رؤوسهم لا غير.. فما بالك بغير الهاشمي؟

6- "يا جناه" يقتل ليضحك: ذكر البردوني في كتابه "اليمن الجمهوري" أن رجلا هلوعا يعاني اضطرابا نفسيا، وكان "يا جناه" إذا أراد يضحك يطلب المسكين فيفجعه بأشياء فيضطرب حاله، وفي أحد الأيام أمر العكفة أن يربطوا المسكين بالحبل ويدلوه في البئر فاستغاث المسكين واضطرب ولا فائدة.. قرار ينفذ.. فقاموا بتدليته للبئر وهو يصرخ فانقطع صوته فرفعوه فوجدوه ميتا.. لكن قلب "يا جناه" قد من صخر صلد.. كانت الحادثة قبل ثورة 48.. وهنا تألم الموشكي وقال أبياتا ساخرة.. آخر بيت موطن الشاهد قال فيه:
هي خزية وحق ربي فاحذف
نقطة الزاي واغلق أنفاً وفكّاً

7- موازنة القطاع التجاري: المعلومة صادرة عن شخصية تجارية من العيار الثقيل قائلا: بلغت نسبة موازنة القطاع التجاري لليمن الشمالي عام 1961م تقريبا 5 ملايين دولار، علما بأن الدولار يومها كانت قيمته أقل من نصف ريال فرنصي - عملة اليمن.

وينتهي التاجر إلى أن عدد سكان اليمن يقارب 5 ملايين نسمة.. يعني أن معدل الفرد سائر العام نصف دولار.

8- الفجر، الشمس، الضحى: انبلج الفجر صبيحة الـ26 من سبتمبر 1962م.. وانطلق الشعب هاتفا للفجر والشمس والضحى والضياء والنور.. وتم إعلان المبادئ الستة لثورة سبتمبر المجيدة، فانكسر السياج الحديدي المفروض على الشعب اليمني، وهب الشباب دفاعا مستميتا عن ثورتهم التي أعادت إلى الشعب حريته المستلبة طيلة عقود.

ورحم الله الأستاذ عثمان أبو ماهر إذ قال:
يا نسيما عابقا كالزهر
طيب الأنفاس عند السحر
يا جلال الحق صوت القدر
يا وثوب الشعب في سبتمبر
اسقني عدلا وغذي عمري
في سلام الثائر المنتصر
موطني أنت ونور البصر
ووميض في دم المستعر
ذكرياتي عبرا سطرتها
فوق هامات جبال العبرِ

لقد قدم الشعب اليمني مئات الآلاف من الرجال دفاعا عن الحرية والمساواة ودفن حقبة كالحة السواد والحقد الطائفي الخبيث.

لقد امتطى شعبنا اليمني صهوة العز لابسا حللا حمراء وإصرارا عجيبا رافضا كل أنواع الظلم أيا كان مصدره عاشقا للحق جليلا ومهيبا صادحا مع الفضول رحمه الله:
مواكب الزحف نحو المجد زيدينا
وثبا إليه وزيدي من تحدينا

المحور الثالث، انتفاشة قطيع وضباع المليشيا:

غير خاف على الشعب اليمني تلك الأسباب والعوامل التي ساعدت قطعان مليشيا السلالية الكهنوتية على القيام بالانقلاب الإرهابي السلالي، فاختطفت الشرعية السياسية واتجهت إلى نهب مقدرات الوطن واتجهت للعبث بالتعليم وتجريف الهوية وتحريف وقح لأهداف ثورة الـ26 من سبتمبر المجيدة، وحرمان الموظفين من رواتبهم اجترارا لجرائم وأحقاد جيفة التاريخ التي دفنها الشعب اليمني في الفجر السبتمبري الوضاء.

يا ضباع المليشيا، يا قطيع الغباء: أنتم تدركون تماما أنكم لم ولن تمروا، فنتاج انقلابكم هو لقيط مال مدنس وخيانة مثقف وقوة جاهلة ملأها الغرور الأجوف، وتدركون جيدا بل لسان حالكم ومقالكم يردد من تغدى بكذبة ما تعشى بها.. وتدركون جيدا أن الشعب اليمني البطل ما سكت ولن يسكت وأن المسألة مسألة وقت وستلعنون اليوم الذي فيه ولدتم وسينتزع الشعب اليمني حقوقه باستعادة الشرعية السياسية والنظام الجمهوري، وسيدفن شعبنا مستنقع طائفيتكم الخسيسة مرددا بالفم الملآن:
وذكري متناسينا وناسينا
إنا على الدرب ما زلنا يمانينا
وفجر أيلول برهان بأيدينا
كم سلكنا ومشينا
طرقا تفنى بها روح الفناءِ
ورفضنا وأبينا
ركعة الهوان وضعف الانحناء

اعلموا يا ديدان فقاسة جيفة التاريخ: كما أن قوى الشعب اليمني قد كنستكم صبيحة الـ26 من سبتمبر 1962م فإنها قادرة على دفنكم في مستنقع أحقادكم الصادرة عن نفوسكم القميئة والتي سيدحرها شعبنا اليمني وإن غدا لناظره قريب.

عاش الشعب اليمني حرا أبيا..
عاشت الجمهورية وعاشت ثورة الـ26 من سبتمبر المجيدة..
الرحمة والخلود للشهداء الأبرار..
الشفاء للجرحى الميامين الأبطال..
عاش الجيش الوطني درعا حصينا لمبادئ ثورة الـ26 من سبتمبر المجيدة..
عاشت المقاومة الشعبية..
إلى اللقاء..

كلمات دالّة

#اليمن