السبت 15-03-2025 21:25:23 م : 15 - رمضان - 1446 هـ
آخر الاخبار

السب والقذف وتشويه أعراض اليمنيين في العقيدة الإمامية..الرسي أنموذجاً

الجمعة 23 أغسطس-آب 2024 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت - توفيق السامعي
 

 

مع كل إمام، وعصر إمامي جديد، تظهر الآلة الإعلامية الإمامية الدعائية تقدح وتطعن في أعراض اليمنيين واليمنيات، وتشويههم كدافع لقتالهم واستحلال دمائهم، تعرف في العرف العسكري بالتعبئة العسكرية، أو الدافع المعنوي، الذي يرسخ عقيدة القتال لدى المقاتل ويمنحه دافعاً في المعركة لا يتراجع في القتال باعتبار من يقاتله يستأهل القتل والدمار. ترسخت هذه الأفكار كعقيدة قتالية لدى الإمامة منذ أن رسخها وثبتها مجرمهم الأول يحيى بن الحسين الرسي، الذي غرس الإمامة في اليمن، وسار عليه الإماميون إلى اليوم. وفي مقابل ذلك التشويه عمل الإماميون على إضفاء حالة التقديس والتفضيل والتبجيل للأئمة، وحبكوا بحقهم مختلف الخرافات التي ترفعهم إلى مصاف الأنبياء، ونسبوا لهم كل الخوارق والمعجزات لمحاولة تثبيت إمامتهم ودولهم، واستمالة الناس إليهم والكف عن معارضتهم وقتالهم. حتى وصل بهم الأمر إلى تزوير أحاديث نسبوها للنبي -صلى الله عليه وسلم- تقول بإمامتهم، وأولوا القرآن الكريم ونصوصه وآياته لصالح حكمهم ونظريتهم الإمامية.

بثت وسائل إعلام حوثية مقاطع يرويها أحد أعمدة فكرهم الحوثي حمود الأهنومي وهو يطعن ويشوه أعراض اليمنيين واليمنيات عبر التاريخ، وهو لم يأت بجديد، بل يعيد تكرار وقراءة ما دونه ورسخه وبث إشاعته مؤرخو الأئمة الأوائل، وعلى رأسهم مؤرخ يحيى الرسي وكاتب سيرته ابن عمه محمد بن العلوي، كما سنعرض تفاصيل ذلك لاحقاً في هذا الموضوع.

فقد حاول مؤرخ وكاتب سيرة الهادي (محمد بن العلوي) تشويه خصوم الهادي في كل مكان وكل من خرج عليه ورميهم بكل نقيصة لاستحلال دمائهم وبلادهم والانقضاض عليهم، كما جاء في ذلك لتشويه الدعام بن إبراهيم (التي أعادها الأهنومي اليوم) بقوله: "وكان مع الدعام جند فُسّاق يشربون الخمور ويركبون الذكور، ويفجرون بالنساء علانية، وخبروا أن بعض الجند أخذ جارية غصبا فافتضها وقتل أباها، فعرّفوا الدعام بذلك، فلم يناكر فيه"( ).

ويمضي في ذلك التشويه بالقول: "فلقد سمعت من أثق به يقول: إنه كان في عسكر الدعام في (بيت ذؤد) أربعمائة امرأة فاجرة يظهرون الفجور علانية لا يستترون بذلك( )، بل يتحاكم العسكر فيهن إلى سلاطينهم وعمالهم، وكانوا كل عشية يجتمعون إلى باب سلطانهم الفاسق فيلعبن بين يديه، وينشرن شعورهن، ويبدين زينتهن، ويظهرن محاسنهن، ويلبسن أرق ما يقدرن عليه من الثياب ليبدو ما خفي من أبدانهن، فيأتي العسكر فإذا هوى الرجل منهم واحدة دفع إليها دراهم بحضرة من يحضر معهم، فلعلها لا تروح إليه تلك الليلة، فإذا أصبح أتى إلى السلطان، وأعلمه أن ملعونته لم ترح إليه، وقد أخذت دراهمه، فيأمر سلطانه عند ذلك بأدبها، وبأن تصير إلى صاحبها"( ).

عرف عن اليمنيين النخوة والغيرة على العرض والشرف وكانوا يقاتلون عن أعراضهم لمجرد السبة البسيطة في العرض فكيف بهذه الأعمال المنكرة!
كما عرف عن اليمن أنه مجتمع محافظ لا يداهن في أخلاقه، فكيف بتلك الأفعال التي لم تكن في مجتمع من المجتمعات حتى المجتمعات التي لم يدخلها دين لم تكن بتلك الصورة!

ومضى مؤرخ الهادي في تشويه صور خصومه ومناوئيه، بالقول: "أقام الهادي إلى الحق بخيوان حتى إذا مضت من جمادى الأولى أيام بلغه أن قوماً في بلد يقال له الأعصوم على مسيرة يوم أو أرجح من خيوان يأتيهم الضيف فيكرمه صاحب المنزل، ثم يأتيه بابنته أو أخته قد زينها فتكون معه نهارها أو ليلها حتى يذكر أنه يمس بطنها وجسمها ويلمس موضع العورة منها وأبوها ينظر وأمها، ولم يذكر أنه يكون بينهما فجور، ولكن صفات قبيحة لا يرون فيها عليهم حرجاً، بل يرون ذلك حلالاً، فسمعت الهادي إلى الحق يقول: ينبغي أن نجاهد هؤلاء القوم ونبدأ بهم قبل جهاد الروم"( ).
ومن خلال هذه الجملة الأخيرة يتضح السبب أن الهادي فقط كان يبحث عن الذرائع التي يقاتل بها القوم ويستولي على بلدانهم، كما يفعل بنوه وأتباعه اليوم في كل البلاد التي توسعوا فيها.

وبقية القصة في هذه الفرية تناقض أولها، حيث أمرهم فقط بإلزام نسائهم اتخاذ البراقع ولا يدخلن الأسواق غير مبرقعات.
وكذلك تتضح الفرية على أولئك القوم من خلال ردهم الشبهة عن أنفسهم تالياً بالقول: "يابن رسول الله، يُكْذَبُ علينا في كثير من الأشياء، ونحن نتوب عن ذلك كله، ونبايعك فبايعوه"( ).

ثم مضى في اختلاق التشويه بآخرين في جيشان( ) بالقول: "ولقد بلغنا عن إبراهيم بن خلف -لا رحمه الله تعالى- أنه دخل إلى بلد تسمى جيشان فأنهبها وأباحها لمن كان معه من العسكر، وسبوا من نسائهم نساءً كثيراً، وحمل بعضهن إلى مكة فبعن بها، وأباح الفجور لأصحابه، وكذلك آل طريف لو قصصنا أمرهم رجلاً رجلاً لطال بذلك الكتاب وأهل اليمن يعرفون منهم أكثر مما يطول به كتابنا.

وأما الجفاتم، فسمعت بعض أهل صنعاء يذكر، أن الرجل منهم ربما حمل الغلام من السوق للفسق، وكذلك المرأة يحملها بعضهم من بعض الطريق، وكذلك كانت منهم الطنابير والغلمان في الأسواق، وكانوا يأخذون أموال الناس عنوة لا يقدر أحد يكلمهم"( ).

والمتتبع لسيرة يحيى الرسي في اليمن يجده أنه ارتكب كل نقيصة في اليمن، وفي كل العيوب السابقة في رسالته أعلاه التي عابها على العباسيين، كما ارتكب الهادي جرائم بحق اليمنيين أشد مما ارتكبه العباسيون، رغم أن الرسالة السابقة تعد مبالغة كبيرة في حق العباسيين، وخاصة اللواط وتعطيل النكاح والاتهام بالفسق وغيره..

ولعل أشهر حدث تزوير شخصي ما زورته الإمامة أيام الإمام الأول المؤسس يحيى الرسي، في حق علي بن الفضل الحميري، وذلك لتنفير الناس منه والعمل على مقاومة ملكه والخروج عليه، لإزاحته من أمام دعوة يحيى الرسي واستلاب حكم اليمن منه، واستحلال دمائه وأتباعه. حيث نسبوا له أعمالاً شنيعة وقبيحة ولا تمت للإسلام بصلة؛ مثل استحلال الحرمات وزنى المحارم واللواط وادعائه النبوة، والاستمتاع بتعذيب النساء وأسرهن وذبحهن، وشرب الخمر، وأشهر تلك الأعمال في تلك القصيدة المشهورة التي نسبت إليه، والتي تقول:
خذي الدفّ يا هذه واضربي *** وغنّي هزارك ثم اطربي
تولـّـى نبيّ بني هاشــم *** وجاء نبي بني يعرب
أحـلّ البنات مع الأمهـات *** ومن فضله زاد حلّ الصبيّ
لكل نبيّ مضى شرعــه *** وهذي شريعة هذا النبيّ
فقد حط عنا فروض الصلاة *** وحط الصيام ولم يتعب
وما الخمر إلا كماء السماء *** حلال فقدّست من مذهب


فكان هذا الأمر ذريعة للهادي لمقاومة دولة علي بن الفضل، على الرغم من أنهم من ملة واحدة، ومن بعده ابنه الإمام أحمد الناصر، بينما شهر عن ابن الفضل أنه ثار على سياسة توزيع الثروة في اليمن، وأنه كان يميل للاستقلال باليمن عن العباسيين والمهديين العبيديين الفاطميين في بلاد المغرب.
يدل على ذلك أنهم استخدموا في قتل ابن الفضل أحد شيعتهم المستقدم من العراق، وفي ذلك يقول مؤرخ دولة الإمامة محمد الكبسي: "وفي سنة ثلاث وثلاثمائة أراح الله العباد والبلاد بهلاك الطاغي علي بن الفضل على يد شريف حسني وصل من العراق"( ).
وهذا الادعاء بحق علي بن الفضل يشبه ادعاء الهادي في الرسالة السابقة بحق العباسيين ورميهم بكل نقيصة ورزية، مما يدل على أن التشويه الحاصل منبعه واحد وغرضه واحد، وكذلك مبالغ فيه مبالغة شديدة.


وعلى الرغم من تشنيع الإمامة بحق خصومهم في مثل هذه المعايب من شرب الخمر وغيره، سواء كانت صحيحة أم لا، نجد أن بعض الأئمة أنفسهم كانت خزائنهم مملوءة بالخمور التي يعاقرونها سراً، كما فعل الإمام المهدي تاج الدين الشريف سنة 672ه حينما حاربه المظفر الرسولي وهزيمته الأولى في بيت حنبص من ضواحي صنعاء، فأنشد الشاعر الرسولي غازي بن المعمار: ولما فتحنا بيت حنبص عنوة وجدنا بها الأدواح ملأ من الخمر
فإن تكن الأشراف تشرب خفيةً وتظهر للناس التنسك في الجهر
وتأخذ من خلع العذار نصيبها فإني أمير المؤمنين ولا أدري
وكذلك الحال مع الإمام أحمد حميد الدين الذي كانت خزانته مملوءة بأنواع الخمور، كما تصفه طبيبته الخاصة الفرنسية كلوديا فايان في كتابها "كنت طبيبة في اليمن"، وكذلك من بعده ابنه البدر الذي يظهر علناً في صور مع بعض السفراء والوفود الأجانب يتعاطى الخمر علناً معهم.

وكان أول من كتب عن علي بن الفضل، في هذا التشويه، هو العلوي كاتب سيرة الهادي حتى كفَّره، فصار الكتاب والمؤرخون يتناقلون عنه هذا الأمر دون تمحيص ولا تروٍّ، إلا أن الحق يقال: لم نجد مصدراً آخر من مصادر القرامطة أو غيرهم ممن لا يوالون الطرفين كمصدر حيادي للأخذ عنه ينفي أو يثبت هذا الأمر عن علي بن الفضل.


وفي هذا الأمر يقول العلوي، كاتب سيرة الرسي: "فلما صاروا إلى المذيخرة، أظهر ابن فضل لعنه الله المجوسية، وأمرهم بنكاح الأمهات والأخوات، وشرب الخمر، وحرم جميع الحلال، وأحل جميع الحرام، وكفر بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وبما جاء به من عند الله -عز وجل-، وتسمى برب العالمين عليه سخط الله ولعنته ولعنة اللاعنين، وأمر من كان معه أن يسلموا الأموال والحُرَم، ويخرجوا إليه من جميع ما في أيديهم، فشد منهم جماعة ولحقوا ببلدانهم، وثبت هو ومن أقام معه على كفرهم، فكان جميع من عنده من النساء في دار. فإذا كان ليلة الجمعة جمع الرجال فأرسلهم على النساء، فتقع الأم للإبن والأخت مع الأخ فيفجروا بهن في ليلتهن تلك، فمن امتنع من ذلك قتله وأباح حرمته لمن كان معه، تمرداً وكفراً وجرأة على الله -عز وجل- وعتواً وفجورا"( ).

يبدو أن الهادي ومؤرخه ومن معهم كانوا قد أدركوا تقوية شوكة علي بن الفضل ونقصان دولة الإمام مما جعله يقاوم مد دولة بن الفضل بشتى السبل ومنها هذا التشويه والتكفير لئلا تنتشر دعوته أكثر فأكثر كما هو حال الدول الآفلة والآيلة للسقوط.

وكما كان الهادي يعيب على العباسيين استبدادهم وظلمهم، فإنه لما تولى بعض مناطق اليمن ارتكب من الجرائم أبشع مما ارتكب العباسيون، وكما عاب الأئمة الهادي والعياني والديلمي وعبدالله بن حمزة وشرف الدين والمطهر والقاسم والمتوكل والمؤيد ويحيى حميد الدين على الأتراك، ارتكب أولئك الأئمة بحق الشعب اليمني جرائم لا تعد ولا تحصى بمجازر عرقية وتصفيات طائفية وممارسات ليست من الإسلام ولا الأخلاق ولا الإنسانية في شيء.

تكرر الأمر ذاته اليوم على أيدي الإمامة الجديدة، حيث عاب الحوثيون وانتقدوا الحكومات المختلفة بالفساد والضعف والإدارة والمعاملات اللا إنسانية والجرعات الاقتصادية المختلفة، واتهام الخصوم الآخرين بالدعشنة، جاء الحوثيون بالانقلاب الذي أحدثوه في 21 سبتمبر 2014 فقطعوا الطريق ونهبوا البلاد والعباد وقتلوا النفس التي حرم الله، وشيدوا المعتقلات والسجون وعذبوا المعتقلين حتى الموت، وبلغ عدد المعتقلين أكثر من عشرين ألف معتقل وخاصة من حزب الإصلاح والفئات المؤثرة في المجتمع من أكاديميين وتربويين وإعلاميين وسياسيين وعسكريين وحتى مواطنين عاديين ومارسوا عليهم الابتزاز المالي فباعوا بهم واشتروا وأخذوا الفديات الباهظة لإطلاق بعضهم، وصفوا المعتقلين داخل السجون، وعاملوا الشعب معاملة سيئة، وأقاموا سوقاً سوداء لكل شيء في البلد، وحاصروا المدن وقتلوا وشردوا ومنعوا حتى رغيف الخبز أن يصل للأطفال والشيوخ في تعز، وتبولوا على خزانات وصهاريج مياه الشرب، وقطعوا المياه عن المواطنين، وخربوا كل مصالح البلاد من كهرباء ونفط ومصانع واتصالات وشركات خدمية مختلفة، وقصفوا المستشفيات وفجروا المساجد ومدارس تحفيظ القرآن، ونهبوا البيوت وهتكوا الأعراض، وتحالفوا ونسقوا مع القاعدة وداعش ودعم بعضهم بعضاً ضد الشرعية اليمنية ممثلة بحكومة الرئيس هادي.

وحتى ما عابوه على الأتراك ورموهم بكل رزية وبلية نجدهم حين يتمكنون من الحكم وبسط السيطرة على الأرض يرتكبون أبشع المجازر وأبشع صور التنكيل بحق خصومهم بحق وبغير حق.

 

الإمام المؤيد أحمد بن القاسم وأهل فيفا من عسير
ومع كل دولة إمامية تنشأ يتخذ الأئمة سياسة تشويه الخصوم لضربهم وغزو بلدانهم، ففي القرن الحادي عشر الهجري؛ زمن الإمام المؤيد القاسمي، قاموا بتشويه أهل "فيفا" في عسير.
ومن ذلك مثلاً ما فعله الإمام المؤيد أحمد بن القاسم بأهل بلاد "فيفا" بالقرب من عسير سنة 1135هـ، من تشويههم دينياً وقبلياً واجتماعياً.
فقد روى الكبسي في تاريخه( ) "أن أهل تلك البلاد لا يعرفون الله ولا رسوله، ولا أحكام الإسلام، ولا صلاة ولا صياماً، وكانت أنكحتهم على الجاهلية الجهلاء والغرانيق الأولى..إذا اشتهت المرأة رجلاً تزوجها من دون عقد ولا شهادة، وإذا وصل إليهم الضيف أكرموه وطلبوا له من نسائهم أجملهن يبتن معه في فراشه –إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل –". وأضاف: "إن جيوش المؤيد ارتكبت بحقهم مجزرة كبيرة، ولم يكن لهم سلاح إلا السهام والأوضاف( ) وجيشه مدجج بالبنادق والمدافع، واستولت جيوش الإمام على أموالهم وقراهم وكل ما يملكون. فشردوهم في البلاد، وغني الفليس من أموالهم، وذللوا عاصيها، وملكوا صياصيها".

التقديس والتدليس مقابل التشويه
وعلى الرغم من كل محاولات الشيطنة والتشويه التي ساقها الأئمة على خصومهم ومنافسيهم ومقاوميهم من اليمنيين إلا أنهم أيضاً كرسوا هالة التقديس والتبجيل والتعظيم والخرافة بحق أنفسهم، ونسبوا أنفسهم إلى النبي، وأنهم يقومون بذلك بأمر الله، وزوروا الأحاديث التي تؤيد مساعيهم وتثبت إمامتهم وتدعي الحق لهم.
وكان الرسي أول من ابتدع مثل هذه الأقوال والأفعال وتزوير الأحاديث..
ولقد دَلَّس الرسي -كما أئمته من قبله- أحاديث تنسب للرسول -صلى الله عليه وسلم- زرواً وبهتاناً لتثبيت ملكه وإمامته والكذب بها على الناس، وهي لا تدخل عقل عاقل، وتتنافر كلية مع وصاياه -صلى الله عليه وسلم- ونهجه في كثير من التشريعات والأعمال التي عملها الرسول، فقال الرسي: "وقوله صلى الله عليه وسلم: عليكم بأهل بيتي فإنهم لن يدخلوكم في باب ضلالة، ولن يخرجوكم من باب هداية، وقوله -صلى الله عليه وسلم: أهل بيتي أئمة الهدى فقدموهم ولا تقدموا عليهم، وأمِّروهم ولا تؤمروا عليهم، وتعلموا منهم ولا تُعَلِّموهم فإنهم أعلم منكم. وقوله صلى الله عليه وسلم: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هوى"( ).


وعلى الرغم من هذا النص للهادي فإن عبدالله بن حمزة زاد عليه وحرفه فقال في رسالة له لشريف مكة قتادة بن إدريس: "إن الأمة إن عدلت عنا وساوت بيننا وبين غيرنا فهي لنا ظالمة، وبخلافها لنا آثمة. يقول جدنا صلوات الله عليه وآله: قدموهم ولا تّقّدَّموهم، وتعلموا منهم ولا تعلموهم، ولا تخالفوهم فتضلوا، ولا تشتموهم فتكفروا..!!"( ).


وواصل الإمام الهادي تدليسه على الناس في قصة اليماني المفتعلة، كما يفعل الحوثي اليوم، فقد روى علي بن محمد بن فرات قال: سمعت زيد بن علي -رحمه الله تعالى- يقول: قال علي بن أبي طالب -عليه السلام: دعوتكم إلى الحق فتوليتم، وضربتكم بالدرة فأعييتموني، أما إنكم ستليكم ولاة لا يرضون منكم بهذا، يعذبونكم بالسوط والحديد، إن من عذب الناس في الدنيا عذبه الله في الآخرة، وآية ذلك أن يأتيكم صاحب اليمن حتى يدخل بين أظهركم فيأخذ العمال وعمال العمال، رجل منا أهل البيت فانصروه فإنه يدعو إلى الحق"( ).


يعارض الإمام الرسي كل القواعد والنصوص الدينية والأعراف القبلية والاجتماعية والقواعد الإنسانية والعرفية العربية، والتعليمات والآيات القرآنية كلها، ويقوم بتزوير أحاديث مفتعلة وينسبها للرسول في هذه القضية، فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم، إلا ابني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما"؛ فهما ابناه وولداه بفرض الله وحكمه".


ظل الإمام الهادي وكاتب سيرته ابن عمه العلوي يسوقان النصوص المفتعلة القريبة من أحاديث المنجمين المتخرصين بالغيب، وهي السمة التي كانت تتسم بها تلك الفترات من التضليل على الناس لاستمالتهم إلى الحكام أو الدعاة إلى الحكم، ومن ذلك ما ساقه محمد بن العلوي بالقول: "وبلغنا عن أبي العباس الغرياني بإسناد قال: صاحب الأمر[يعني الإمامة والدعوة] حسني يظهر باليمن واسم أبيه الحسين؛ ستة أحرف"!( ).


وقد كتب الرسي قصيدة شعرية ذيلها في رسالته لبني الحارث في نجران يقول فيها:
أنا ابن رسول الله وابن وصيه ومن ليس يُحصى فضله ووقائعه
وقدماً ليوث الحرب فاقدت بينها بطعنٍ وضربٍ ما تغيب وعاوعه( )
ويختلق الأئمة وأتباعهم القصص المضللة والكاذبة التي تمجدهم وتجذب إليهم الأتباع والمناصرين، كما فعل مثلاً كاتب سيرة الهادي بالقول: "سار الهادي فيمن معه حتى لقي دَعّاماً في موضع يقال له مَذاب، وهو موضع برية من الأرض، لا ظلال فيه ولا شجر، فرأيت ذلك اليوم أنا وأبي آية من آيات الله اختص بها ابن نبيه، فرأينا سحابة قد أنشأها الله تعالى كما شاء، حتى ركدت فوق رأس الهادي إلى الحق، وجميع أصحابه وأظلهم الله بها في ذلك اليوم الشديد الحر، فو الله ما زالت تلك السحابة مظلة له حتى راح، وكانت السماء مصحية ما فيها سحابة غيرها، وأن الناس ليتعجبون مما رأوا من عظيم الآيات والدلائل والمعجزات التي اختص الله بها من يشاء من عباده المؤمنين الذين جعلهم الله خلفاءه على العالمين"( ).


والذي كان منه بنجران أنه أُتي بصبي قد ذهب بصره من الجدري فأمرَّ يده على بصره ودعا له فأبصر، وأنا رأيت هذا الصبي وهو يبصر بعد وصولنا إلى نجران.
كما دلس عبدالله بن حمزة نصوصاً منسوبة للرسول -صلى الله عليه وسلم- وكذب عليه لجلب الأتباع وتجييشهم في دعوته بالإمامة، كما فعل من قبله جده يحيى الرسي، فقال ابن حمزة في رسالته إلى شريف مكة: "ومن ردها كان من الخاسرين النادمين. قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: من سمع داعيتنا أهل البيت فلم يجبها كبه الله على منخريه في نار جهنم. وقد دعوناك فيمن دعونا من العالمين ورضيناك( ) اليمن، وحرب ملوك الدنيا. واعلم أن كل سلطان غيرك نطق عليه اسم الخوارج؛ لأنا آل محمد نجاة كل مؤمن ومؤمنة، عترة رسول الله صلى الله عليه وآله، وولاة أمر الله، وهداة خلق الله، وموضع سر الله، ومهبط وحي الله، وبنا يفتح ويختم. ونحن النمرقة الوسطى، إلينا يرجع الغالي وبنا يلحق التالي، فنحن محل الخلاف والوفاق، وشهد لنا بذلك البرهان، ونطق القرآن. قال الله تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}الحج41( ).


وقال جدنا -صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من قبل العرش: ألا لا يجوزن أحد إلا بجواز، فيقال وما ذلك الجواز؟ فيقال: حب أهل البيت المستضعفين في الأرض المغلوبين على حقهم، فمن لقيني بحبهم أسكنته جنتي، ومن لقيني ببغضهم أنزلته مع أهل النفاق. فأووجب محبتنا على جميع المؤمنين، والمحبة لا تصح إلا بالاتباع، فخذ من هذا الكلام أو ذر والسلام عليك"( ).


ولم يقتصر مخاطبة العامة بتلك النصوص فقط بل تعداها إلى التفخيم والتبجيل وإنزال نفسه منزلة مقربة من النبوة وربط نفسه بنفس الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقد كان يسمي نفسه "ابن رسول الله"، وهو ما يكرره الحوثيون اليوم بنفس الألفاظ والنصوص والدعايات المختلفة ليوطدوا ملكهم ومكانتهم بين العامة من الناس.


ومن ذلك مثلاً تلك الديباجة التي كان يسوقها في مقدمة رسائله ومخاطبته الناس وعماله وغيرهم. وتلك المقدمة كانت مثلاً: "هذا ما عهده الهادي إلى الحق أمير المؤمنين يحيى بن الحسين بن رسول الله -صلى الله عليه وعلى أهل بيته- لفلان بن فلان: إني وليتك جبايات قرية كذا وكذا.."( ).


وهذا الإمام القاسم بن محمد يحرض الناس على اتباعهم باسم الدين وآل البيت فيقول:
ياذا المريد لنفسه تثبيتا ولدينه عند الإله ثبوتا
أسلك طريق آل أحمد واسألن سفن النجا إن يسألوا ياقوتا
لا تعدلن بآل أحمد غيرهم وهل الحصاة تشاكل ياقوتا؟!( )
لقد عمد الأئمة وتابعوهم من الفقها ء على تكريس الصلوات فيهم مخالفة للكتاب والسنة، لتعظيم أنفسهم وتكريس التبعية فيهم، حتى استنكر بعض علمائهم منهم ذلك التصرف منهم.


فقد ذكر المؤرخ يحيى بن الحسين بن القاسم، في زمن المتوكل إسماعيل سنة 1081ه،ـ أنه في زمانه "جرت العادة التصلية على غير النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما ابتدعه خطيب صنعاء محمد بن إبراهيم السحولي في خطبه، بعد أن لم يكن ذلك معروفاً لأحد من قبله، وقد عرف العلماء أن الصلاة تختص بسيد الأنبياء لا غيره من سائر الناس الا على وجه التبع من الآل بعد ذكره صلى الله عليه وسلم، فأما على الإنفراد فلم يقل به أحد من العباد، وإنما يقول بذلك الرافضة"( ).

جرائم الإمام الرسي
واتخذ من البطش والتنكيل بالخصوم عقيدة وممارسة لمثل هذه الأعمال، وزاد عليها قطع الزروع والثمار وحرقها وتخريب مصادر المياه. فقد روى المؤرخون أن الإمام يحيى الرسي تعامل بشدة وقسوة مع الانتفاضات التي قامت ضده, فإذا به يضيف إلى ما عرف عنه من (هدم للبيوت وقطع للزروع من نخيل وأعناب وغيرها) تخريب الآبار ومصادرة المياه بل وتدمير القرى بأكملها قرية قرية، كما ذكر ذلك مؤلف سيرته وأحد أكبر مساعديه، وأسس بذلك لسياسة الهدم والدمار والتنكيل التي أخذت من بعده سنة لدى الشيعة.

وقد كانت من أعظم صور مجازر الهادي وصور بطشه وإجرامه أنه أحدث مجزرة بحق بني الحارث في بعض قرى نجران "فأمر بالقتلى فجمعت، ثم أمر بتعليقها في الشجر، فعلقت منكسة في كل شجرة جماعة مؤزرين بالخرق والشِّمال( ) وأقام بالقرية ثلاثة أيام أو أربعة، ثم إن القرية أنتنت نتنا شديداً حتى لم يقدر أحد على أن يأكل لحماً، فأتت بنو الحارث إلى الهادي إلى الحق فقبلوا رأسه ورجليه ويديه وسألوه أن يهب لهم جيف إخوانهم، فيدفنوها في البئار والحفر، فأبى ذلك عليهم، فلم يزالوا به حتى أجابهم وذكرهم بما كان قال لهم، فطرحت الجيف في بئار خراب وحفر كانت خارجاً من القرية"( ).

وتوالت مجازر الرسي، وتدمير ونهب القرى ومنازل القبائل، التي لم تخضع لحكمه، حتى أتى بعسكره قرية أملح للوادعيين من صعدة "ونهبوا ما وجدوا فيها، وأقاموا أياماً يخربون المنازل والآبار، ويقطعون النخيل والأعناب، والقوم في ذلك يطلبون الأمان وهو كاره لذلك بما يعلم من شرارتهم وقلة وفائهم، وهو ينتقل في قراها ويخربها قرية قرية حتى طرحوا عليه بأنفسهم، فآمنهم ورجع إلى صعدة بعد مكابدة شديدة لهم"( ).
وهكذا مضى الرسي يحيى بن الحسين يدمر القرى ويخربها ويحرقها قرية قرية ويقطع زروعها وثمارها كما فعل بميناس وسوحان من نجران( ) وحصن ثلا( ) وقرية الهجر بنجران للياميين من بني عمرو( ).

وتمثل الأئمة من بعد الهادي الرسي لهذه الجرائم وهذا النهج فصار عندهم تشريعاً يقتدون به ويتأسون به في سيرهم وبرروا لذلك، كما فعل الإمام عبدالله بن حمزة بالمطرفية أو غيرهم من المنافسين الذين لم يخضعوا لحكمهم أو حتى اختلفوا معهم في مسائل فكرية وعقائدية.

ويعزز هذا الأمر الإمام عبدالله بن حمزة الذي يستشهد بأفعال الإمام الرسي، بالقول: "والهادي إلى الحق - عليه السلام - قد فعل ذلك [النهب والسلب والخراب] في نجران وعلاف، فإنه هدم المنازل، وقطع النخيل والأعناب، (وأباح الأملاك للعشائر)، وأخذ أموال المهاذر وقسمها أخماساً، وأخذ من حصن النميص أثاثاً عظيماً، وسلاحاً، ومتاعاً، وكذلك ولده الناصر، هدم مدينة بارى وهي مدينة كبيرة، ومدينة الكلائج وقطابه، وأخذ أموال قُدمْ جملة، ولم يميز مال اليتامى والأرامل، وكذلك فعل عبد الله بن الحسين - عليه السلام - مع بني الحارث، أخذ أموالهم وقسمها بين الغانمين، وخرب إبراهيم بن موسى بن جعفر - عليهم السلام - سد الخانق بصعدة، وكان عليه بساتين عظيمة فخربت إلى وقتنا هذا"( ).

كلمات دالّة

#اليمن