السبت 15-03-2025 21:04:29 م : 15 - رمضان - 1446 هـ
آخر الاخبار

القاتل الصامت.. ما خطورة تهريب الحوثيين المخدرات إلى محافظة تعز؟

الأربعاء 21 أغسطس-آب 2024 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت - متابعة ورصد محمد عبد المعين

 

لم يقتصر حقد المليشيا الحوثية وعداؤها المستحكم ضد أبناء محافظة تعز على إرسال حمم الموت وهدم المساكن وقنص الأحياء وتفخيخ الأرض تحت أقدام أهلها وفرض الحصار الخانق عليهم، فلم تكتف المليشيا بكل هذه الجرائم والانتهاكات بحق أبناء المحافظة، بل مضت المليشيا بالتفكير بطرق أخرى للانتقام منها بوسائل أكثر خطرا وأشد فتكا.

فلا غرابة أن تمعن المليشيا الحوثية لاستكمال إرهابها وإجرامها في اللجوء إلى تهريب المخدرات بأنواعها إلى داخل المحافظة، لتدمير ما بقي منها وإفساد أهلها بطريقة أكثر جرما.

إمكانات وعلاقات

وكشف تحقيق استقصائي، نشر في منتصف أغسطس الجاري، عن دور خطير اضطلعت به مليشيا الحوثي يهدف إلى إغراق المحافظة بكميات كبيرة وأنواع متعددة من المخدرات، من خلال شبكة واسعة من المهربين، وعصابة شهيرة امتهنت هذه الجرائم.

ووفقا للتحقيق الذي نشره موقع المجهر الإخباري، فإن عصابات توريد وترويج الحشيش والمواد المخدرة "تتمتع بإمكانات وعلاقات واسعة قد تفوق إمكانيات السلطات الحكومية لا سيما في اليمن التي تعيش أوضاعا أمنية متدهورة خصوصاً منذ انقلاب مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة إيرانياً على مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء عام 2014م"، لافتا إلى أن عملية ترويج الحشيش والحبوب المخدرة تتمتع بأساليب وطرق متنوعة للوصول إلى المتعاطي في نهاية المطاف بعد مرورها بمراحل معقدة، وأن تلك الشبكات التي تنشط في تهريب وترويج الحشيش والمواد المخدرة تركز على استهداف شرائح محددة في المجتمع أو مناطق جغرافية بعينها، موضحا أن من بين تلك الشبكات التي ذكرها التحقيق شبكات تخدم أطرافا محلية لها علاقة وثيقة بمليشيا الحوثي، وشبكات فردية مرتبطة بعصابات داخلية وخارجية.

أصناف متعددة

وقدر التحقيق أن إجمالي المضبوطات من المواد المخدرة على أيدي رجال الأمن في محافظة تعز خلال النصف الأول من العام الجاري 2024 بحدود (165 كيلوجراما) من مختلف الأصناف التي تم تهريبها إلى عدة مناطق في المحافظة شملت مديريات المدينة ومديريات الساحل التي أخذت نصيب الأسد من إجمالي عمليات الضبط، بحسب ما أفاد مدير إدارة مكافحة المخدرات في المحافظة فؤاد مهيوب، مبينا أنه تم تحويل الأصناف المضبوطة في مدينة تعز مع المتهمين إلى النيابة العامة لتحريزها حتى استكمال الإجراءات القانونية.

ويخلص التحقيق -الذي استمر قرابة ستة أشهر في جمع البيانات واستقصاء المعلومات وتصنيف المواد التي تم تهريبها- إلى أن تلك المواد قد شملت عدة تصنيفات منها المواد الأفيونية مثل (الهيرون - المورفين - الترامادول)، والمشتقات الكوكائينية مثل (الكوكايين - الكراك)، والمواد القنبية مثل (الحشيش – الماريجوانا - الكانابينويدات)، منبهات الأمفيتامين وأبرزها مادة الميثامفيتامين المعروفة بالشبو، المواد المثبطة مثل (الديازيبام)، مواد الهلوسة مثل (حمض الليسرجيك LSD)، مواد نفسية جديدة مثل (الأفيونات الاصطناعية).

نوايا خبيثة

ويشير التحقيق إلى أن مادة الشبو التي انتشرت في اليمن مؤخرا، والتي تم تهريبها إلى مدينة تعز، دخلت عبر أكثر من وجهة وبفترات زمنية مختلفة، بيد أن المعلومات التي حصلت عليها جهة التحقيق بينت أن الشبو جاء من محافظة صنعاء في البداية وعبر شخص يكنى (هـ. ر.) من أبناء محافظة البيضاء، حيث قام بالتنسيق مع كبار تجار الحشيش في تعز مستهدفاً حي الجمهوري والمدينة القديمة وحي بيرباشا، واتخذ من المنطقة الغربية موقعاً له.

ويكشف فريق التحقيق نقلا عن أحد مروجي الحشيش في المدينة أن "المورد الذي لم يعرفوا اسمه بالتحديد بدأ بتوزيع عينات من الشبو على بعض التجار، مؤكداً عليهم التركيز على استهداف المرابطين في الجبهات ومنتسبي الجيش الوطني".

ويؤكد الفريق أن الخيوط التي تتبعها كشفت عن وجود أياد خفية تحركها مليشيا الحوثي في أوساط شبكات ترويج المواد المخدرة في تعز، بدليل دفعها للتركيز على المناطق القريبة من المواقع العسكرية للجيش الوطني، وهو ما أكده أركان حرب اللواء 22 مشاة العقيد منصور الحساني، إذ توجد حالات ترويج للمواد المخدرة في المربعات التي يسيطر عليها اللواء ويشتبه ارتباطها بخلايا تابعة لمليشيا الحوثي، بحسب الفريق.

شبكات واسعة

كما يكشف التحقيق من خلال المعلومات التي حصلت عليها إدارة مكافحة المخدرات بتعز، عن وجود نشاط لشبكات وأفراد تم توظيفهم من قبل مليشيا الحوثيين لترويج الحشيش والمواد المخدرة في محاولات لإدخالها إلى مدينة تعز وكذلك المناطق التي لا زالت تحت سيطرتها في المحافظة.

وأضاف أن مليشيا الحوثي تستغل عمليات الترويج هذه لتمويل حربها الدموية ضد اليمنيين والمستمرة لأكثر من تسع سنوات، كما لجأ الحوثيون إلى محاولة إسقاط مدينة تعز بهذه الوسائل الناعمة بدرجة كبيرة بعد أن عجزوا عن إسقاطها عسكرياً، مستغلين بعض الأسر الفقيرة وصغار السن لإقحامهم في هذه المهام.

ويؤكد المصدر ارتباط مروجي الحبوب المخدرة بشبكة واسعة من التجار والمهربين، مبينا اختلاف مستويات الموردين ومهامهم، فهناك موردون درجة أولى ويتمثل دورهم "بإدخال ما نسبته 75% من إجمالي الحشيش والمواد المخدرة إلى مدينة تعز بعد التدقيق في المعلومات، فيما يغطي نسبة 25% المتبقية موردون درجة ثانية من ناحية كمية التوزيع، ويحققون انتشارا أقل كونهم حديثي عهد في هذا الجانب".

ووفقا لمعلومات استخباراتية حصلت عليها جهة التحقيق، هناك شخصية "تعد رأس الأفعى في عملية توريد المواد المخدرة إلى محافظة تعز، نظراً لارتباطه بكبار الموردين في صنعاء وعدن ومديريات الساحل، كما يقوم بتوزيعها على غالبية المروجين في تعز ومؤخراً بدأ بتوريد مادة الشبو".

كما كشفت المعلومات أيضا عن شخص آخر يعد من الموردين البارزين، والذي يتمثل دوره في استقبال الحشيش والمواد المخدرة عبر قوارب صغيرة تصل إلى سواحل المخا ومن ثم تهريبها إلى مدينة تعز وتوزيعها على مندوبيه وهم شبكة منظمة تعمل لمصلحته".

إنجاز أمني

ويتنقل بعض الموردين بين صنعاء وعدن في عملية توزيعهم للحشيش طبقا لما أورده التحقيق، إلا أن الأجهزة الأمنية بتعز كشفت عن تواجدهم في كل من أحياء الثورة والدحي ووادي حطاب وحارة القريشة، كما كشفت عن تواجد موردين من الدرجة الثانية في مناطق مثل الأجينات وحارة الهندي والتي يسيطر عليها في الأساس موردون من الدرجة الأولى.

ويقول المصدر إن الحالة كانت قد وصلت إلى حد التنافس بين الموردين لهذه المواد، ولهم أساليب خداع كثيرة للهروب من المتابعة والملاحقة، إلى جانب وجود منافسة كبيرة بين شبكات الترويج للسيطرة على مربعات جغرافية معينة، وأن نشاط عدد كبير من المروجين تطور بعد فترة من التعاطي والارتباط بموردي الحشيش إلى الانضمام في شبكاتهم، حيث استخدمتهم الخلايا الحوثية بعد ذلك في نشاطها ومحاولة اختراق أفراد من الجيش.

وفي الآونة الأخيرة نشطت مليشيا الحوثي في استيراد وتهريب المخدرات بمختلف أنواعها، والمتاجرة بها والتكسب من ورائها وتغذية الحرب التي تشنها المليشيا منذ ما يقارب عقد من الزمان، حيث كشفت تقارير أممية عن تورط قيادات حوثية كبيرة في إدارة شبكات تهريب واسعة لتهريب مختلف أنواع المخدرات.

إدارة الجريمة

وقد استحدثت مليشيا الحوثي أواخر العام الماضي 2023 إدارة جديدة لمكافحة المخدرات، في مسعى من المليشيا -وبحسب مراقبين- للسيطرة على تنافس أجنحتها حول هذا المصدر المالي الضخم، الذي يعد أهم مصادر تمويل المليشيا، وفق ما أكدته دراسة يمنية حديثة، يأتي ذلك بعد أقل من شهر واحد من ضبط آخر شحنة مخدرات متجهة إلى الحوثيين في اليمن، وبالتزامن مع ضبط قوات البحرية الأميركية لسفينة مجهولة الهوية محملة بالمخدرات أثناء مرورها في خليج عُمان، دون أن تعلن عن الجهة التي تتبعها الشحنة المضبوطة منتصف شهر نوفمبر الماضي، والمقدر ثمنها بـ21 مليون دولار، أو وجهتها، كما ضبطت البحرية السعودية منتصف العام 2022 شحنة مخدرات في خليج عمان بقيمة 20 مليون دولار، حيث تعد هذه العملية واحدة من عشرات العمليات الشبيهة، التي أفشلت فيها البحرية الأميركية وحلفاؤها تهريب مخدرات إيرانية في طريقها إلى المليشيا الحوثية، التي كان آخرها في أكتوبر من العام الماضي 2023، والتي تم فيها ضبط شحنة مخدرات إيرانية متجهة إلى المليشيا الحوثية، حيث ألقت الأجهزة الأمنية في محافظة المهرة، على الحدود الشرقية للبلاد، القبض على خمسة من المهربين الإيرانيين، وبحوزتهم أربعة أطنان من المخدرات على متن زورق مخصص لأعمال التهريب، واعترف البحّارة الإيرانيون حينها بأن الكمية التي بحوزتهم كانت لمصلحة الحوثيين في صنعاء، وأنه كان سيتم تسليمها لقيادات وعناصر ضمن خلية حوثية تنشط في المحافظة.

بث الرماد في العيون

وعادة ما تلجأ المليشيا الحوثية إزاء هذه الجريمة إلى الفبركة والقيام بأدوار تمثيلية من خلال إحراق وإتلاف ما تقول أنها كميات لمخدرات مضبوطة، في محاولة منها للتمويه والتضليل والهروب من التهمة والتنصل من المسؤولية، وهو ما تكرر كثيرا خصوصا عند شعور المسؤولين عن عمليات التهريب بانكشاف أو إفشال بعض عمليات التهريب التي تتم بإشراف مباشر من قبل قيادات عليا في المليشيا.

وقد بثت مليشيا الحوثي في أوقات سابقة مشاهد لما قالت إنها عمليات إحراق لكميات من مادة الحشيش المخدر في محافظة صعدة على الحدود الشمالية للبلاد، مدعية أنها ضبطتها قادمة من الأراضي السعودية، على العكس مما بات معروفا وبشكل متكرر من أن عمليات التهريب تستهدف السعودية.

وتثير تلك المشاهد التي تبثها مليشيا الحوثي عما تقول إنها عمليات إتلاف وإحراق أطنان من المخدرات السخرية والتهكم في أوساط كثير من الناشطين، حيث تظهر تلك الصور إحراق كميات محدودة جداً من العبوات التي يفترض احتواؤها على المخدرات المقدرة بالأطنان، أو إحراق نفايات المنازل بزعم أنها مخدرات.

وخلال العام 2022، فاق حجم تهريب المخدرات من إيران إلى مليشيا الحوثي المليار دولار، حسب مصادر أميركية كشفت عن نقل مصانع للكبتاجون إلى مناطق سيطرة المليشيا، مؤكدةً أن ما تتمكن القوات الأميركية وحلفاؤها من اعتراضه لا يتعدى نصف الكمية التي يتم تهريبها إلى مناطق الحوثيين.

نشاط متصاعد

وقد كشفت دراسة يمنية متخصصة في الجريمة المنظمة في نوفمبر من العام الماضي 2023 أن تجارة المخدرات كانت مصدراً رئيساً لتمويل المليشيا الحوثية منذ ما قبل الانقلاب، إلا أن تلك التجارة نشطت وتضاعفت بعد الانقلاب بشكل أكبر، إذ بلغ حجم الإنفاق الكلي السنوي على المخدرات بين 153 مليوناً و284 مليون دولار، بنسبة تمثل 43% من نسبة الإنفاق الفردي العام.

وبينت الدراسة الخاصة بجرائم المخدرات وارتباطها بالجرائم المالية أن الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة اليمنية ضبطتا أكثر من 351 طناً من الحشيش المخدر، بالإضافة إلى 21 مليون حبة مخدرة، و159 كيلوجراماً من الشبو، و808 كيلوجرامات من الكوكايين، ومليونا و352 ألفاً و495 أمبولة مخدرة، و444 كيلوجراماً من الهيروين المخدر، خلال الفترة ما بين 2015 و2022، وهي التي تم ضبطها على يد الأمن والجيش اليمني فقط، دون ذكر الكميات التي ضبطتها قوات البحرية الأميركية والبريطانية في الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب خلال السنوات الماضية.

وتقول الدراسة إن الحرب التي أشعلتها مليشيا الحوثي أسهمت بشكل كبير في انتعاش تجارة المخدرات بمختلف أنواعها، مؤكدة ارتباط ذلك بتمويل المليشيا نظرا لما تدره من مبالغ مالية كبيرة، حيث يتم إدخال كميات كبيرة من المواد المخدرة عن طريق التهريب لتسهم في الجريمة والفساد وتشويه الاقتصاد.

ونبهت الدراسة إلى أن ارتفاع مستويات التفاوت في الدخل شجع على الإتجار بالمخدرات والفساد، كما قد تؤدي صناعة المخدرات إلى إدامة التفاوت في الدخل وتفاقمه، وهو ما قد يتسبب بدوره في توسيع نطاق إنتاج المخدرات والإتجار بها.

مصدر لتمويل الحرب

وكانت تحقيقات للجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي الخاصة باليمن، ذكرت أن المخدرات أحد سبعة مصادر تحصلت من خلالها المليشيا الحوثية على الأموال لتمويل حروبها، وهو ما أكدته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في وقت سابق، حيث ذكرت أن تجارة المخدرات غير المشروعة تشكِّل مصدر دخل كبير للحوثيين وحلفائهم، مضيفة أن المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن أصبحت أسواقا مفتوحة للمخدرات، لافتة إلى أن المناطق التي تسيطر عليها المليشيا الحوثية تفيض بآلاف الكيلوجرامات من المخدرات غير المشروعة، مثل الكبتاجون، والحشيش، والهيروين، منوهة إلى أن الحوثيين يستخدمون أرباح المخدرات لشراء الأسلحة ودفع رواتب المقاتلين، بينما يستغلون الشباب المدمنين كجنود مشاة متعاطين في الخطوط الأمامية لهجماتهم ضد المدنيين والشحن الدولي.

وقد أفادت المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة، وهي منظمة غير حكومية مقرها جنيف، أفادت بأن "مليشيا الحوثي تشرف على تجارة الهيروين المربحة، وتواصل السيطرة على تجارة القنب كمصدر للتمويل، وأداة للتجنيد".

كلمات دالّة

#اليمن