الإثنين 17-02-2025 10:25:47 ص : 19 - شعبان - 1446 هـ
آخر الاخبار

من الدعم إلى الصراع.. كيف تبدلت العلاقة بين مليشيا الحوثي والمنظمات الدولية في مناطقها؟

الجمعة 28 يونيو-حزيران 2024 الساعة 07 مساءً / الاصلاح نت - خاص
   

بدأت جريمة ا ختطاف ميليشيا الحوثي لموظفين يعملون لدى وكالات إنسانية وإغاثية أممية ودولية ومحلية، مطلع الشهر الجاري بالتصاعد التدريجي عالميا، لتلقى إدانات دولية واسعة، ومطالبات بسرعة إطلاقهم، مع تحذيرات بمزيد من تدهور الحالة الإنسانية في البلاد.

في السابع من الشهر الجاري، اختطفت ميليشيا الحوثي الإرهابية قرابة 40 موظفا يعملون لدى وكالات تابعة للأمم المتحدة في اليمن ومنظمات دولية ومحلية أخرى غير حكومية، في أربع محافظات، هي: عمران والحديدة وصعدة وصنعاء، واحتجزتهم لديها تحت مزاعم التجسس لمصلحة أمريكا وإسرائيل. وتقول الأمم المتحدة أنها لا تعلم حتى الآن أماكن وظروف احتجازهم.

وعقب اعتقالها لموظفي الإغاثة الإنسانية، مطلع الشهر الجاري بثّت اعترافات مُسجّلة لعدد من اليمنيين المعتقلين سابقا (في أكتوبر 2021)، بعد أن أجبرتهم على الاعتراف القسري بالانتماء إلى شبكة تجسس تابعة للمخابرات الأمريكية. الأمر الذي زاد من قلق منظمات الأمم المتحدة أن يكون مصير موظفيها نفس مصير سابقيهم.

ومع حالة التصعيد الحوثي ضد العاملين في المنظمات الإنسانية، بات السؤال الذي يطرح: كيف تحولت العلاقة بين المنظمات الدولية ومليشيا الحوثي من التعاون والتفاهم إلى حالة الصدام والصراع والاتهامات المتبادلة، وصولا إلى اتهام العاملين في المنظمات الدولية بالتجسس لصالح امريكا واسرائيل.!

تحولات جذرية

يلحظ المراقب حالة التعاون والتفاهم التي سادت العلاقة بين المنظمات الدولية ومليشيا الحوثي منذ انقلابها على الدولة في سبتمبر 2014، حيث قدمت المنظمات لمليشيا الحوثي مساعدات حيوية، وخلال الأشهر الماضية شهدت العلاقة بين الطرفين توترا كبيرا، بسبب اتهامات متعددة بالفساد واستغلال الحوثي للمساعدات.

في المراحل الأولى من الحرب، كانت مليشيا الحوثي تعتمد على المساعدات الدولية لتحسين الأوضاع الإنسانية في المناطق التي تسيطر عليها، كونها احتياجات ملحة، إذ كانت اليمن تواجه أزمة إنسانية حادة، واستجابت المنظمات الدولية بتقديم مساعدات غذائية وطبية ومالية لسد الحاجات الأساسية والضرورية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

إضافة إلى ذلك، التعاون المحلي، حيث سهّل الحوثيون في البداية دخول المساعدات كوسيلة لكسب الدعم الشعبي وإظهار سيطرتهم وقدرتهم على إدارة الأزمات المحلية، ناهيك عن التفاهم الضمني، بين الحوثيين والمنظمات وفقا لمراقبين. حيث كان هناك تفاهم ضمني بأن المساعدات المقدمة من المنظمات الدولية ستساهم في استقرار الوضع في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، مما يخدم مصالح الطرفين.

بيد أن الواقع أثبت غير ذلك، حيث استفاد الحوثيون من تلك المساعدات الإنسانية المقدمة من قبل المنظمات الدولية لتعزيز سيطرتهم، ومحاولة استدامة حكمهم في المناطق المتضررة، ومحاولة اقناع المواطنين في مناطق سيطرتهم بقدرتهم على تقديم الخدمات الأساسية.

توتر العلاقة

مع استمرار الحرب في اليمن للعام العاشر على التوالي، ظهرت تقارير متزايدة عن إساءة استخدام الحوثيين للمساعدات الإنسانية، مما أدى إلى توتر العلاقة مع المنظمات الدولية، حيث بدأت الاتهامات بسرقة الحوثيين للمساعدات الإنسانية والاستيلاء عليها وإعادة توزيعها للموالين لها، كما استخدموها لدعم مقاتليهم في جبهات القتال.

إضافة إلى ذلك، اتهمت بعض المنظمات الحوثيين باستخدام سيارات تحمل شعارات الأمم المتحدة لأغراض عسكرية أو لتجنب الاستهداف خلال عملياتهم، ناهيك عن فرض الضرائب، حيث أشارت تقارير إلى فرض الحوثيين ضرائب على المساعدات الإنسانية، مما أدى إلى تقليص كمية المساعدات التي تصل فعليًا إلى المحتاجين.

علاوة على ذلك، ظهرت تقارير عن فساد بين بعض موظفي المنظمات الدولية الذين ربما تواطؤوا مع الحوثيين أو تغاضوا عن سوء الاستخدام مقابل حماية أو مزايا شخصية، كما أشارت تقارير إلى وجود فساد داخل بعض المنظمات الإنسانية، حيث تورط بعض الموظفين في تقديم المساعدات للحوثيين مقابل رشوات.

لقد استغل الحوثيون الدعم المقدم من المنظمات الدولية لتعزيز سيطرتهم على المناطق الخاضعة لسيطرتهم، ومحاولة تحسين صورتهم محليًا ودوليًا كقوة تحكمية قادرة على إدارة شؤون المناطق التي يسيطرون عليها، حيث ساعدت هذه المساعدات في تخفيف الأزمات الإنسانية مؤقتًا.

سرقة المساعدات الإنسانية

بدأ تصاعد التوتر بين المنظمات الدولية ومليشيا الحوثي، حيث وجهت المنظمات الدولية وخصوصا برنامج الغذاء العالمي، اتهامات للحوثيين بسرقة المساعدات الإنسانية وعرقلة وصولها إلى المحتاجين، كما أكد فريق الخبراء ذلك وقال إن مليشيا الحوثي تسرق اللقمة من أفواه الجائعين في اليمن.

كما اتهمت المنظمات الدولية مليشيا الحوثي بسرقة المواد الغذائية، والاستيلاء على شحنات الغذاء المخصصة للمحتاجين، واستخدامها لصالح مجهودهم الحربي أو بيعها في السوق السوداء، فضلا عن توزيعها للموالين لها، بل واستغلال هذه المساعدات كوسيلة مقايضة للأسر الفقيرة للحصول عليها مقابل الدفع بأبنائهم للقتال في جبهات الحرب.

ومع توالي الاتهامات من قبل المنظمات الدولية لمليشيا الحوثي، رد الحوثيون على هذه الاتهامات بتصعيد الإجراءات ضد المنظمات الإنسانية، حيث تم اتهامهم بالتجسس والعمل لصالح ما أسموها بـ"القوى المعادية"، مما أدى إلى توتر العلاقات وزيادة القيود على عمل المنظمات الدولية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

الضغط على المنظمات الدولية

ومع استمرار الضغط الأممي على الحوثي، شنت مليشيا الحوثي حملة اختطافات واسعة من العاملين في المنظمات الدولية سواء المحلية أم الدولية، حيث تعرض العشرات من موظفي المنظمات الإنسانية للاختطاف من قبل الحوثيين، كوسيلة للضغط على هذه المنظمات لتقديم المزيد من الدعم أو غض النظر عن أنشطتها.

ويرى مراقبون، أن مليشيا الحوثي تستخدم الاختطاف كأداة للضغط على المنظمات الإنسانية لتنفيذ سياساتهم أو للتأثير على الرأي العام الدولي حول الوضع في اليمن، حيث عكست العلاقة بين الحوثي والمنظمات الدولية تطورًا معقدًا من التعاون إلى النزاع والاتهامات المتبادلة.

حيث استفادت مليشيا الحوثي بشكل كبير من الدعم المقدم في البداية، لكنها تحولت فيما بعد إلى استغلال هذا الدعم لصالح أهدافها، مما أدى إلى تدهور الثقة وتصاعد التوترات مع المنظمات الإنسانية، فمع اشتداد النزاع، زادت احتياجات الحوثيين للموارد، مما دفعهم للاستيلاء على المساعدات الإنسانية واستخدامها لأغراض عسكرية وسياسية.

الاتهامات المتبادلة بالفساد وسوء الاستخدام ساهمت في تآكل الثقة بين الجانبين، مما أدى إلى تصعيد التوترات، ناهيك عن الدور المتزايد للتحالفات الدولية ضد الحوثيين، والذي ساهم في تعقيد الوضع، مما دفع الحوثيين للتعامل بشك وقلق مع المنظمات الدولية التي اعتبروها ممثلة لمصالح تلك القوى حسب زعمهم.

تفاقم الأزمة الإنسانية

أدى التصعيد الحوثي ضد المنظمات الدولية إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، حيث أدت القيود وعمليات الاعتقال الحوثية للمواطنين إلى انخفاض كبير في المساعدات المقدمة من قبل المنظمات الدولية، مما أثر بشكل سلبي على حياة الملايين من اليمنيين الذين يعتمدون على هذه المساعدات.

كما أدى التصعيد الحوثي ضد المنظمات الدولية إلى تعطل الخدمات الأساسية، حيث تسببت الهجمات على المنشآت الإنسانية في تعطل الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والمياه والصرف الصحي، مما فاقم معاناة السكان، ناهيك عن ازدياد صعوبة الوصول إلى المحتاجين، كونها في بعض المناطق أكثر صعوبة بسبب القيود المفروضة على حركة المنظمات الدولية من قبل مليشيا الحوثي.

إدانات دولية واسعة

وفي هذا الصدد، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى "الإفراج الفوري عن جميع موظفي الأمم المتحدة المحتجزين في اليمن من قبل سلطات الأمر الواقع الحوثية" وقال: "هذا تطور مقلق ويثير مخاوف جدية بشأن التزام الحوثيين بحل تفاوضي للصراع، مضيفا: "والأمم المتحدة تدين جميع عمليات الاحتجاز التعسفي للمدنيين. وأطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع موظفي الأمم المتحدة المحتجزين".

كما وجه مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان "فولكر تورك" دعوة مماثلة بإطلاق سراح المحتجزين، رافضا في الوقت ذاته، وبشكل قاطع "الادعاءات الشنيعة ضد موظفي الأمم المتحدة" وأعرب عن قلقه بشأن الظروف التي يتم احتجازهم فيها.

 مجلس الأمن

والخميس (13 يونيو/ حزيران) تصاعدت حدة الإدانات والمطالبات بالإفراج عن المختطفين، وذلك بالتزامن مع انعقاد جلسة مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن، والذي أدان أعضائه الجريمة أثناء نقاشاتهم، التي أعقبت جلسة الاستماع إلى إحاطات المبعوث الأممي إلى اليمن ومديرة العمليات والمناصرة في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.

في إحاطته جدد المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لميليشيا الحوثي بإطلاق سراح الموظفين الأمميين، وغيرهم، الذين اختطفتهم الميليشيات الحوثية الأسبوع الماضي، على الفور ودون شروط.

وقال غروندبرغ: "في الأسبوع الماضي، تم احتجاز 13 موظفًا من الأمم المتحدة، بمن فيهم أحد زملائي في صنعاء، بالإضافة إلى خمسة موظفين من العاملين في المنظمات غير الحكومية الدولية والعديد من موظفي المنظمات المحلية غير الحكومية والمجتمع المدني الوطنيين، بشكل تعسفي على يد جماعة أنصار الله، وما زالوا حتى الآن رهن الاحتجاز دون القدرة على التواصل مع العالم الخارجي".

بدورها أيضا، وضمن إحاطتها المقدمة لمجلس الأمن الخميس؛ حثت إيديم وسورنو مديرة العمليات والمناصرة في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، جماعة الحوثيين على "الإفراج الفوري عن زملاء الأمم المتحدة المحتجزين، وجميع المواطنين اليمنيين، بالإضافة إلى موظفي الأمم المتحدة الأربعة المحتجزين منذ عامي 2021 و2023".

وقالت وسورنو: " لقد تلقينا معلومات محدودة للغاية حول ظروف احتجاز زملائنا، ما زلنا لا نعرف على وجه التحديد مكان وجودهم أو ظروف احتجازهم". كما أضافت: "ونحن نسعى جاهدين للحصول على توضيحات من سلطات الأمر الواقع الحوثية بشأن هذه القضايا، ونطلب الوصول إلى زملائنا المحتجزين، ونحث على إطلاق سراحهم فورًا".

جريمة "غير مسبوقة" عالميا

وبالتزامن مع انعقاد جلسة مجلس الأمن، أيضا، أصدرت المنظمات الأممية والدولية الأخرى المتضررة من تلك الاختطافات، أول بيان مشترك لها، أوضحت فيه موقفها من الجريمة، وحددت مطالبها بوضوح..

المنظمات التسع هي: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، منظمة أوكسفام الدولية، اليونسكو، اليونيسف، برنامج الأغذية العالمي، منظمة رعاية الطفولة الدولية، منظمة كير، منظمة الصحة العالمية، ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان..

وأعربت في بيانها عن قلقها البالغ "إزاء احتجاز سلطات الأمر الواقع الحوثية مؤخرًا لـ 17 موظفا في منظماتنا ... والعديد من الأشخاص الآخرين المرتبطين بمنظمات المجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية، وغيرها من المنظمات التي تدعم أنشطة العمل الإنساني".

وطالبت "بالإفراج الفوري وغير المشروط" عنهم، واصفة عمليات الاحتجاز هذه بأنها "غير مسبوقة" على مستوى العالم، "وتعيق بشكل مباشر قدرتنا على الوصول إلى الأشخاص الأشد ضعفا في اليمن". وشددت على أنه "يجب أن يتوقف استهداف العاملين في المجالات الإنسانية وحقوق الإنسان والتنمية في اليمن. كما يجب الإفراج عن سراح جميع المعتقلين فوراً".

                                         

كلمات دالّة

#اليمن