الجمعة 29-03-2024 12:21:04 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

حروب الحوثيين وخارطة النزوح القسري في اليمن

الإثنين 05 فبراير-شباط 2018 الساعة 06 مساءً / الإصلاح نت – خاص/ فهد سلطان (الحلقة الثانية)
 

 

يعتمد الحوثيون في حروبه التوسعية على محاولة تغير الخارطة الجيواجتماعية داخل البلاد بشكل عام, هذه الخريطة الجديدة تعيد فرز التركيبة السكانية وفق معطيات جديدة يكون هو المسيطر عليها مستقبلاً, وحتى إذا لم يستمر بقائه في المناطق التي وصل إليها, فيكون قد ضرب البنية الاجتماعية السكانية وزرع فيها مشكلات عميقة ستترك أثرها السلبي لفترة طويلة.


وفي محاولة لتتبع كل حروب الحوثيين, ولخارطة المناطق والقرى والمحافظات التي وصلوا إليها نجد أن ما اشرنا إليه سابقاً يبرز بقوة في كل تحركاتهم, فالجماعة الى جانب أنها تنطلق من دافع الانتقام وهذا يعطيها مساحة من البطش وممارس سيل من الانتهاكات فهي الى جانب ذلك تستهدف تشتيت السكان والبنية الاجتماعية للمجتمع, ويمكن القول أن النقطة الاولى يمكن معالجتها حاضراً فيما الثانية ستبقى اثراً مستقبلاً ولفترة طويلة.

 

خارطة التهجير القسري في ثقافة الحوثيين
فكرة التهجير القسري وإرهاب المخالف والخصوم ليست طارئة في هذه الحرب, انبثقت وفق واقع جديد لظروفه وملابساته! كون الطريقة في إرهاب الخصوم والتعامل مع الآخر, لها امتداد طويل يصل إلى سبعة قرون, وهناك عدد من الكتاب والمفكرين والمؤرخين اليمنيين من الذين تناولوا هذه القضية بالبحث والتتبع والتحليل ويمكن العودة بسهولة إلى تلك الكتب والبحوث لمعرفة شيء من تاريخ الجماعة وامتدادها الفكري والثقافي(1)
حتى الآن لا يوجد تقرير شامل ودقيق يمكن أن يحتوي بشكل كامل خارطة التهجير القسري في كل المناطق اليمنية التي وصل إليها الحوثيون, رغم أن هناك إحصاءات دقيقة ولكنها ليست شاملة, فعدد من التقارير الحقوقية تخرج بين الفترة والأخرى - توثق للانتهاكات - التي تحل في عدد من القرى والمناطق على طول البلاد وعرضها, وهذا ما جعل الحصول على تقارير شاملة ولو حتى حصاد شامل لأعوام سابقة غير متوفر حتى الآن, إضافة إلى أن بعض التقارير الدولية التي خرجت اعتمدت على راصدين محليين لم يكن البعض منهم دقيق, وبعضاً منهم يخضع للمزاج العام لديه ونظرته للأحداث, وتبين ذلك بوضوح فيما يخص رصد منظمة مواطنة(2)


التهجير في ثقافة الحوثيين بالنظر إلى عوامله وأسبابه, نجد أن المنشط الفكري والثقافي له تأثير كبير في هذه العملية, فهو يمارس القتل مشبعاً بثقافة الكراهية التي تعج بها كتب الفكر الزيدي والهاشمي وأئمة الهاشمية السياسية على مدى قرون, من الذين كان لهم تاريخ عنيف وغير مشرف في التعامل مع المخالفين, وسنلاحظ أن التهجير في المناطق التي وصلوا إليها لا تعتمد على أسباب موضوعية في عرف الحرب والخلاف, بل كما أشرت في مقدمة هذا المبحث إلى هدف تغيير الخارطة السكانية للبلاد.


فطائفة اليهود اليمنيين مثلاً من الذين تم إبعادهم في بداية الأمر من قراهم ومناطقهم من محافظة صعدة منطقة آل سالم, ومن محافظة عمران من مديرية ريدة, ربما لا يجري عليه ما ذكرناه من قبل, في عملية قلب موازين العملية السكانية داخل البلاد, فكل المؤشرات تذهب الى أن الجماعة لم تقم بهذه الخطوة الخطيرة والغريبة على المجتمع اليمني إلا بضوء أخضر خارجي, وربما أن لوبي في الولايات المتحدة الأمريكية, ومعهم إسرائيليون حاضرون في هذه القضية, في نجاح صفقة الترحيل ليهود يمنيين إلى قلب إسرائيل أواخر مارس/ آذار 2016م.


في الحلقة الأولى اشرنا بشكل سريع لعدد من القرى التي تعرضت للتهجير القسري من قبل الحوثيين, وكانت حادثة دماج في قلب ذلك العمل الخطير والجديد على ثقافة الشعب اليمني, وعندما نقول جديد نتحدث عن الجيل الجديد من اليمنيين من الذين لم يعهدوا هذه الأعمال من قبل, ولم يطلعوا عليها في ثقافة الإمامة والهاشمية الحاكمة للبلد لقرون سابقة, والذي مارست نفس العمل ونفس الدور وأن كان اليوم أكثر توحشاً منذ قبل.

 

الحوثيون وتهجير السكان قسراً بـ تعز
تعد مدينة تعز التي تبعد عن العاصمة صنعاء 256 كيلو مترا, واحدة من أكبر المحافظات اليمنية التي تعرضت لعمليات وموجات كبيرة وواسعة من التهجير القسري من قبل الحوثيين, وحسب تأكيدات ميدانية لقيادات في السلطة المحلية بـ تعز فلا تخلوا قرية واحدة وصل إليها الحوثيون, دون أن يمارسوا عليها عمليات تهجير ممنهجة, تضرر منها آلاف الأسر.


وتأتي هذه الخطوة كونها تعقي الحياة بالكامل في تلك القرى, حيث تتوقف المدارس كما سنشير إليه في حلقات قادمة كنتائج مباشرة للتهجير القسري, الى جانب هدم بعض البيوت وخاصة من الشخصيات التي تناوئ الحوثيين وترفض الخضوع لهم, كما لا يقتصر الأمر على ذلك, بل ان الجماعة تقوم بعد ذلك بفرض واقع جديد داخل القرى من خلال الشخصيات المعاونة معها, الى جانب عمليات النهب المستمرة لأغلب المنازل وعدم السماح للناس بأخذ امتعتهم وخاصة للأشخاص القادرين.


هناك قرى اتسم التهجير فيها بالنفي الكامل لكل سكان القرية بلا استثناء, ومثل مديرية جبل حبشي واحدة من اكبر المناطق التي تعرضت لهذه الحرب الشرسة من التهجير, وتحدثت تقارير محلية وتصريحات لمواطنين, ان بعضاً من القرى يصعب العودة إليها بسبب كمية الألغام التي وضعت داخل القرى وعلى مداخلها كما هو الحال مع قرى بيت الوافي, وكانت قنوات فضائية منها الجزيرة وسهيل ويمن شباب وقناة اليمن وروسيا اليوم والإخبارية والحدث والعربية قد نقلت مشاهد لبعض النساء في جبر صبر وجبل حبشي تعرضن لحوادث انفجار ألغام بإصابات مختلفة ودامية في نفس الوقت.

 

خارطة التهجير القسري في تعز
تقارير حقوقية وثقت للفترة منذ مارس/ اذار 2015م وحتى أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2016م بقيام الحوثيين بتهجير 3582 أسرة في محافظة تعز منذ مارس 2015. التقرير الذي أصدرته شبكة الراصدين المحليين بالمحافظة أشار إلى أن بوادر التهجير القسري الذي مارسه الحوثيون كان في منطقة الجحملية بمديرية صالة في الجهة الشرقية لتعز, فقد تم تهجير أكثر من 15 أسرة بعد اقتحام منازلها، وتفجير غالبية تلك المساكن التي كانت قد تعرضت لأضرار جزئية, قبل ان يعود الحوثيون مرة ثانية الى الحي ويدمروا الحي بالكامل ويتم تهجير 90% من السكان, ويخلفوا مأساة في الحي لا حدود لها وثقتها عدد من وسائل الإعلام المختلفة.


وتقارير أخرى أشارت إلى عمليات التهجير المنظمة في مديرية الوازعية الواقعة بالقرب من باب المندب(3)، حيث نالت النصيب الأكبر من عملية التهجير، حيث أرغمت الميليشيات سكان 28 قرية يقطنها مزارعون وعمال على الرحيل وترك منازلهم, وتخفيف عدد من تلك القرى, ولا يزال الكثير من السكان معبدون عن مناطقهم حتى هذه اللحظة. وبالنظر الى أن المديرية نفسها صغيرة, فهي من اصغر مديريات مدينة تعز, إلا أن مستوى التهجير القسري قد وصل إلى نسب كبيرة, فالتقارير تتحدث عن 3000 أسرة وهو رقم كبيرة بالنسبة لعدد السكان الأصليين, وهذا المناطق تتعز المخاوف من التهجير بسبب طبيعة المنطقة المحلة على البحر الأحمر.


ومن المناطق التي تعرضت للتهجير القسري عزلة الأعبوس بمديرية حيفان إلى الغرب من المدينة, حيث طال قرابة 142 أسرة، وتركزت عمليات التهجير في قرى البوادية وظبي وحارات ودومان.


أما بالعودة الى قرية الدبح الواقعة ضمن منطقة الربيعي التابعة لمديرية التعزية، فقد جاءت حملة التهجير في الأول من نوفمبر 2016م باجتياح المليشيات للقرية، وإعطاء السكان مهلة 24 ساعة للمغادرة، ما أدى إلى هجرة كبيرة وجماعية لقرابة 175 أسرة يفوق عدد أفرادها الـ 1100 شخص.


وذكر التقرير المشار إليها سابقاً, أن إجمالي عدد الأسر التي تم تهجيرها من قرية الصيار بمديرية الصلو بلغت 250 أسرة, فيما سنتحدث عن التهجير لعام 2018م لاحقاً.

  


.................
هوامش:
1- صدرت عدد من الكتب منها, الظاهرة الحوثية .. الدكتور احمد الدغشي, خيوط الظلام لـ عبدالفتاح البتول.. الزهر والحجر لـ عادل الأحمدي.. الهادوية لـ ثابت الأحمدي.
2- انتقادات وجهت لمنظمة "مواطنة" عن راصديها في مدينة تعز والذين غلب عليهم التحيز للحوثيين وإخفاء أو تجاهل عشرات الجرائم والانتهاكات وعدم تضمينها في التقارير الحقوقية.
3- مديرية الوازعية إحدى مديريات محافظة تعز في اليمن, وهي ثاني أصغر المديريات في المحافظة بعد مديرية ذباب، حيث بلغ عدد سكانها 26790 نسمة حسب إحصاء عام 2004م.