الخميس 28-03-2024 15:12:30 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

السنن الإلهية في الاجتماع وأثرها في الواقع.. 11 فبراير نموذجا

السبت 11 فبراير-شباط 2023 الساعة 10 مساءً / الاصلاح نت - خاص | عبدالعزيز العسالي

  

 

في السطور التالية حديث فكري عام يتناول أبرز وظائف السنن الإلهية في مجال الاجتماع السياسي وأثرها في الظواهر الاجتماعية – سياسيا واجتماعيا... إلخ، ذلك أن الظواهر الاجتماعية هي ناتجة عن "فعل المجتمعات" وعلاقته بالسنن الإلهية - سلبا وإيجابا.

الهدف المنشود:

لا شك أن موضوع السنن الإلهية واسعٌ جدا، لكننا سنتحدث بما يحقق الهدف المتمثل في ما يلي:

1- فتح نافذة للقارئ على أبرز أسس ثقافتنا المعصومة – مقاصد القرآن المجيد، والسنة العملية المجسدة لمعارف الوحي ومقاصده.

2- سنقدم مفاتح سننية حول أهم آليات النظر الفكري والثقافي والتي نزعم أنها ستساعد القارئ على اكتشاف العلاقات بين الفعل المجتمعي والسنن الإلهية من جهة، وآثار الفعل - نتائجه المترتبة سواء المجتمعات القديمة أو الحديثة – بما في ذلك الربيع العربي عموما.

3- إذا تمكن القارئ من فهم السنن الإلهية وأثرها في الاجتماع قطعا سيقرر الحكم المناسب تجاه الربيع العربي وفقا للمعطيات السننية، بل سيقرر الأسباب الموضوعية التي خلقت محركات التغيير المجتمعي والتي سنشير إليها لاحقا، فإلى الأسس المعصومة.

أولا، قبس من الذكر الحكيم والبلاغ المبين:

قال تعالى:

1- "ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين".

2- "وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته".

3- "فهل ينتظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا".

4- "قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين".

من خلال النصوص الآنفة نستطيع أن نقرر ما يلي:

- ليس للصدفة مكان بين سنن الله الحاكمة للاجتماع، وإنما هناك سنن إلهية وقوانين ربانية صارمة لا تحابي أحدا – مسلما أو كافرا، نبيا أو صالحا، وإليك أخي القارئ شاهدين:

- موسى لم يستطع دخول الأرض المقدسة التي كتب الله الدخول إليها، لأن سنة الوهن النفسي عند بني إسرائيل كانت أكبر المعوقات أمام التنفيذ.

- عندما ظهر جيل يحمل نفسية مختلفة، كونه تربى في الصحراء استنشق فيها عبير الحرية والكرامة، تغيرت السنن النفسية إيجابا فدخل بنو إسرائيل الأرض المقدسة بقيادة رجل صالح – يوشع بن نون.

- انكسر جيش المسلمين في أُحد وفيهم خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم: "قل هو من عند أنفسكم".

ثانيا، السنة النبوية العملية:

1- معارف الوحي المعصوم حملت إلينا نصوصا هادية للعقل حددت أعظم وظائف الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم: "يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة".

2- الحكمة مصطلح قرآني حدده الله الحكيم العليم الخبير بمصالح العباد – دنيا وآخرة، وفي طليعة الحكمة: عقيدة التوحيد.

3- السنن الإلهية الكونية عموما، والسنن الحاكمة للنفس والاجتماع خصوصا، كلها متصلة بعقيدة التوحيد، لأنها قضاء الله الكوني وهي إرادته اقتضتهما حكمته العليا تسخيرا لخدمة الإنسان.

4- السنة النبوية العملية اجتمع فيها نوعان من الوحي:

- النوع الأول التجسيد العملي لمعارف الوحي.

- النوع الثاني تعليم وتصويب مواطن الاقتداء المنهجي بمقاصد تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم، وكشفا للسنة التشريعية المنشئة للأحكام في ضوء كليات المنهج القرآني وكليات مقاصد تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم، وتجريدها عن الزمان والمكان.

ثالثا، أبرز وظائف السنن الإلهية:

وظائف السنن الإلهية المؤثرة في ميدان الاجتماع السياسي تتمثل في ما يلي:

1- الهداية إلى طرق الصلاح المجتمعي من خلال الصلة الوثيقة بمركزية التوحيد، فعقيدة التوحيد تعطي ثقافة السنن الإلهية بعدا عقديا يرسخ الطمأنينة والثقة لدى المجتمع أنه ينطلق من أسس ربانية معصومة من الخطأ، ذلك أن السنن الإلهية مشهودة بعين البصر والبصيرة.

2- النظر في العمل الاجتماعي وتصويبه – مطلقا، وسيرورة، ومآلات، ونتائج.

3- استشراف المستقبل من خلال صوابية التصرفات المجتمعية والعكس – تقييما مواكبا يستطيع المجتمع من خلاله التنبؤ بالقادم في غاية الدقة والوضوح، كون السنن الإلهية في الاجتماع مرتبطة بالنتائج ارتباط مقدمة بنتيجة، وعلة بمعلول، وسبب بمسبَّبْ.

4- الوقاية من السقوط المجتمعي: بما أن الظلم مؤذن بخراب العمران، وبما أن الطغيان والفجور السياسي طريق مباشر إلى الفساد المهلك للحرث والنسل، فإن المجتمع يستشرف مخاطر الطغيان منذ أن يلمح مبكرا بذور الطغيان والاستبداد فيبادر سريعا إلى الحيلولة دون السماح لتلك البذور، فيقي ذاته من السقوط.

5- السعي إلى إيجاد آليات ووسائل الأمن والاستقرار: هذه الوظيفة السننية الإلهية أقوى المؤثرات الإيجابية في حماية المجتمعات من السقوط والدمار والحروب والاضطرابات والفوضى، ذلك أن المجتمع الراشد ثقافيا لا يقتصر دوره في إيجاد الوسائل والآليات فقط، وإنما يتجه إلى وسيلة حارسة أكثر فاعلية وهي الرقابة الشعبية من جهة، كما أنه يسعى إلى صناعة المثقف الاستثنائي وإيجاد "المثقف المرابط " – النخبة "أولو بقية " تقول للمجتمع: لاااا، لاااا، لا للركون إلى الظلمة، فإن نار الدنيا لك بالمرصاد قبل نار الآخرة.

6- منطلق نحو الأمن الحضاري: لا يكفي أن يمتلك المجتمع الحرية الفكرية والحرية السياسية والحرية الاجتماعية والقوانين والوسائل الحامية للحقوق والمنظمة للعلاقة بين السلطة والمجتمع، فهذه هي الأرضية الأولى لإرساء قواعد الأمن الحضاري، ومعلوم أن الأرضية على أهميتها فإنها وحدها لا تكفي، ذلك أنه يجب الوصول إلى استقلال القرار الاقتصادي والسياسي والثقافي، ومن دون هذا، فالواقع العربي خير شاهد.

7- سلامة المجتمع من الانتهاك: انتهاك المجتمعات يأتي من الطغيان الداخلي أو الخارجي، ذلك أن الذئاب تعدو على من لا كلاب له، كما قالت الحكمة العربية.

8- الخروج من وهدة الغثائية: الغثائية، كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم، ناتجة عن الوهن، نعم الوهن وضحه الرسول صلى الله عليه وسلم - القصعة مليئة بالخيرات، الأرض زاخرة بالمعادن والموقع الإستراتيجي، ولكن غياب الثقافة السننية (الأمن الحضاري الشامل) يقابلها السقوط في مستنقع ثقافة الاستهلاك لمنتجات الغير، فيا ترى أخي القارئ العزيز لولا ذلك الغياب، وثقافة الاستهلاك، هل كان هناك ربيع عربي؟ وهل وهل وهل؟ أطلق بصيرتك من خلال تعاليم الوحي فقط، وسترى الأسباب والعوامل التي حولتها إلى قصعة تداعت عليها الأمم.

9- رفض التدين والتعبد الشكلي: وإنما دين السنن الإلهية دين العقل ودين الرشد الواعي ثقافة الأبعاد والعلاقات بين المقدمات والنتائج.

10- رفض القابلية للظنون والخرافة والوهم: ما ينفجر له الصخر أن العلوم الشرعية اليوم أصبحت هي مصدر الشحن للخرافة والظنون والأوهام والشعوذة وأصبحت تمنح الإجازات الشرعية المدرسة لهذه السخافات.

سلوا الجامعات هل صنعت عقلا علميا منهجيا؟ سلوا الأكاديميين كيف تقزمت عقولهم إلى حد أنهم أول المصدقين بالخرافة.

تلكم هي أبرز وظائف السنن الإلهية وأثرها في ميدان الاجتماع السياسي.

رابعا، واقعنا المعيش.. سنن لا مصادفات:

القصص القرآني أكبر منجم لأخذ الدروس والاعتبار في ميدان الاجتماع السياسي.

وعليه، فما تعيشه اليوم أمتنا ليست مصادفة بل ولا كما يحلو لبعض العقليات إلقاء التهم الجزاف هنا وهناك، إنما هي سنن مقدمات ونتائج، غفل عنها المجتمع.. غفل إزاء إفراغ القضايا من حقائقها وإفسادها بدءا من التدين الشكلي مرورا بإفراغ الآليات والوسائل الحامية للحقوق والحريات والأمن الحضاري عموما.

ومن هذا السياق السنني المرتكس المنتكس كله انبلج الربيع العربي.. إنها سنن الله المطردة الثابتة التي لا تحابي أحدا أيًّا كان.

خامسا، محركات التغيير:

باختصار شديد، يحدد فلاسفة الاجتماع محركات التغيير في ما يلي:

1- تراكم القهر المجتمعي.

2- الروقان إلى التغيير والخروج من مستنقع الوهن.

3- اشتعال الشرارة، وقد تكون الشرارة:

‐ إمّا سفك دم بريء بيد جلاوزة الطغيان.

- إمّا انتهاك حرمات الله – قهر، ظلم انتهاك عرض.. إلخ، (البوعزيزي رحمه الله نموذجا).

 

كلمات دالّة

#اليمن