الجمعة 29-03-2024 11:12:50 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

كلمة رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح في مركز الجزيرة بقطر

الأحد 25 سبتمبر-أيلول 2016 الساعة 10 مساءً / محمد اليدومي
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ،،،
أيها الاخوة والاخوات:
أسمحوا لي أن أتقدم بشكري الجزيلِ للإخوةِ الكرامِ في مركز الجزيرةِ للدراساتِ على دعوتهم الكريمةِ، وعلى اهتمامهم المستمر بخدمة قضايا أُمّتهم..
أصارحكم القول من البداية ، أن الإلمام بهذه التجربة وكل تفاصيلها من الصعوبة بمكان لضيق الوقت لديكم أولاً 
وعمر التجربة الزمني الذي أمتد لبضعة عقود ثانياً، ومضمون التجربة وتنوعها ثالثاً، ولكنني سأحاول جاهداً أن أقدم لكم تصوراً تقريبياً يساعد على التعرف على ملامحها .ولعل في مداخلاتكم ومناقشاتكم وتعقيباتكم ما يثري هذه الورقة ويوضح جوانبها بشكل أكبر
فمنذ أن نشأتِ هذه الحركةِ وفي بدايتهِا، وقبل الانفتاح والتعدديةِ السياسيةِ ، اتخذت قرارها بالمشاركةِ في أول مجلسٍ تشريعيِّ معيَّنٍ عرف باسم (المجلس الوطني)،والذي تشكل بقرار جمهوري، وكان حضورنا فيه حضورا رمزيا،
أردنا منه أن نؤكد به حقنا في المشاركةِ وعدم التسليِم بتفرد القوى القوميةِ واليساريةِ صاحبةِ الصوتِ المرتفع في تلك الفترة ، إلى جانب القوى الاجتماعية صاحبة الصولةِ والجولةِ والمؤثرةِ في خط سير البلادِ وهي خاصية يمنية..
ومنذ البداية لم نضع أنفسنا خصوماً للدولةِ اليمنيةِ، وسعينا جهدَنا في إزالةِ ما قد يكون مؤدياً إلى الصدام، خاصةً في أمور التشريع ،حيث بذلنا مستطاعنا بالتعاون مع أغلب القوى الاجتماعيةِ والوطنيةِ المؤمنةِ بنفسِ قناعاتِنا
بالمشروع الإسلامي في استصدار الدستور الذي جعل الشريعةَ الاسلاميةَ مصدرَ القوانينِ جميعاً..
واكتفينا -سياسياً-بذلك المنجز، وانطلقنا في المجتمع نوسع دائرة وعيهِ بدينهِ ودنياهُ، ونُسهمُ في تحصينهِ من الأفكارِ الهدامةِ والسلوكياتِ الخاطئة ،وحرصنا جهدنا في إصلاح مناهج التربيةِ والتعليِم، وتفادينا عواملَ الصدام مع الحاكِم بقدر استطاعتنا ،وحرصنا دائماً على ضبط مساحات التباينات التي كانت تطرأ بين الحين والأخر ،وتعاونا معا الخيرينَ في صد الهجمةِ اليساريةِ وموجةِ العنفِ والتخريب التي كانت تقوم بها عناصرها في المحافظاتِ الشماليةِ والمسنودة من النظام اليساري في جنوب الوطن، وواصلنا توسيع الاطار التنظيمي في المجتمع وفي كل المحافظات بدون استثناء..
وشاركنا في فترة ما قبل الوحدة المباركة في كل الانتخابات المحلية، وفي انتخابات مجلس الشورى، وفي تأسيس المؤتمر الشعبي العام الذي ضم بين صفوفه كل القوى السياسية، وشاركنا جميعاً في صياغة الميثاق الوطني، الذي كان-ولا يزال- هو البرنامج السياسي والثقافي- نظرياً- للمؤتمر الشعبي العام حتى اليوم..
وفي الثاني والعشرين من مايو١٩٩٠م توحدت اليمن بشطريها الشمالي والجنوبي، وتحقق الهدف الأهم لثورتي سبتمبر واكتوبر، وأشرقت بنوره شمس الحرية والديمقراطية، وولد التجمع اليمني للإصلاح في نفس العام.. ولذلك ستبقى لحظة اشراق الوحدة مؤثرة في توجهات الاصلاح الذي يدرك انه لا معنى للحرية والديمقراطية إلا في ظل دولة واحدة للوطن..
هذا وقد تم الاستفتاء على دستور دولة الوحدة، وكان لنا عليه بعض الملاحظات.. وتم الإقرار-دستورياً- بالعمل الحزبي والتعددية السياسية وكفالة حق الجميع في الوصول إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، حيث كانت هذه المنجزات أهم ما تحقق للشعب اليمني في هذه المرحلة..
هذا وقد شاركنا في اول انتخابات نيابية جرت بعد الوحدة ‏اليمنية المباركة وتحديداً عام ١٩٩٣م،وكانت أول مشاركة للتجمع اليمني للإصلاح وليد الحرية والديمقراطية..
وكانت تلك الانتخابات اول عملية ديمقراطية تمر بها البلاد وهي موحدة، وكان التنافس بين حزبي الحكم _المؤتمر والاشتراكي-على أشده ولم يكن احد يأبه (للإصلاح) باعتباره حزباً جديداً على الساحة السياسة، وكان التركيز منصباً ‏على المؤتمر والاشتراكي ومن منهما سيفوز بأكثرية المقاعد..
‏وكانت المفاجأة أن فاز (الإصلاح) ‏بالمرتبة الثانية بعد المؤتمر ‏وقبل الاشتراكي، وكاد الصدام العنيف أن يحدث عند تشكيل ‏حكومة ما بعد الانتخابات، مما حدا بالإصلاح إلى أن يتنازل عن حصته في تشكيل الحكومة لصالح الاشتراكي..!
لقد استاء الحزبان من نتائج تلك الانتخابات التي جاءت بالإصلاح في المرتبة الثانية، كماء استاء المؤيدون للإصلاح لتنازله عن حقه في تشكيل الحكومة.. ولكننا كنا وما زلنا نؤمن بالمشاركة وتوسيع دائرتها.. فاليمن أغلى من الجميع..
وبدأ الحزبان العتيقان بالحذر والتخوف الذي لا معنى له من الحزب الجديد، رغم أننا تأخرنا خطوة ليستقر الوضع، فإذا بهما يدخلان البلاد في حالة حرب، حاولنا منعها وسعينا في الوساطة بينهما، وعملنا على نزع فتيلها، إلا ان الأمور وصلت إلى طريق مسدود، وأعلن أحدهما الانفصال وأعلن الاخر الحرب، وأعلن الاصلاح الوقوف مع بقاء الوحدة والتفاصيل هنا تطول..!
لقد شاركنا في الانتخابات النيابية في عام ١٩٩٣م،١٩٩٧م،٢٠٠٣م،كما شاركنا في الانتخابات الرئاسية في عام ١٩٩٩م،٢٠٠٦م،٢٠١٢م،وشاركنا في الانتخابات المحلية في عام ٢٠٠١م،٢٠٠٦م.
وكانت مشاركتنا في كل تلك الانتخابات وفي أجوائها المختلفة ، سواءً كانت متوترةً أو كانت اقربَ الى التغول مع علمنا بعدم النزاهة فيها وان اختلفت درجاتها من انتخابات الى أخرى.
وكما خضنا بعض تلك الانتخابات منفردين ، فقد خضناها مع إخواننا في اللقاء المشترك، وكان من أهدافنا من خوضها - جميعاً- هو الدفع بالمجتمع للمشاركة السياسية ،وتبنيه للعملية الديمقراطية ، باعتبارِها قضيتَه ووسيلته للتغيير وطموحه في التداول السلمي للسلطة بين أبنائه كطريق وحيد للاستقرار والتنمية الشاملة وإنهاء دورات العنف على السلطة..
كما كان من أهدافنا تكوين الرفض المجتمعي للتفرد بالسلطة من قبل الحزب الحاكم وتحجيم مساحة الفساد المنتشرة في أغلب الدوائر الحكومية ومؤسساتها المختلفة، وإعاقة الحاكم من الاستمرار في السير نحو الاستبداد..
لقد عملنا دائماً ومن خلال مشاركاتنا تلك على دمج أبناء الوطن اليمني -رجالاً ونساء- في الحياة العامة، ومساعدته على تجاوز الانتماءات الضيقة للمجتمع كالقبيلة أو المنطقة أو المذهب والطائفة، ورفعه الى مستوى المطالب الوطنية ، مثل الحرية والأمن والاستقرار والتوزيع العادل للسلطة والثروة ،ورفض الفساد والمحسوبية ...الخ
وما كان لتلك المطالب أن تحضر في وعي وتفكير المواطن لولا النشاط والانتشار للإصلاح في عموم مناطق اليمن ،حيث تجلى أثره في اتساع دائرة الولاء للوطن ،وارتفاع ذلك الولاء فوق الانتماءات الضيقة والبائسة، والتي يحاول أعداء الوطن إعادة صياغتها من جديد بأساليب القوة أحيانا، وبالمكر والخداع أحيانا أخرى..!
لقد سعينا جهدنا للانتصار على الانقسامات الموروثة ،وحققنا في هذا الجانب ما أوجد للنشاط السياسي قاعدة وطنية، ووفر للأحزاب الوطنية أرضية تتحرك عليها وفوق كامل تراب الأرض اليمنية..
إن مشاركة الإصلاح في العمل السياسي ، وداخل جبهة المعارضة لم يقف عند تحرير ارادة الإنسان اليمني من 
الولاءات الضيقة فحسب ، بل مضى نحو صياغة معادلة جديدة في الصراع السياسي ،قوامها معارضة أقرب للشعب وذات استقلالية من السلطة.. فما لم تتحرر ساحة المعارضة من هيمنة السلطة ، فإن الشعب سيبقى بلا جهة تدافع عنه وتتبنى قضاياه.. ولذلك فإن التجمع اليمني للإصلاح ،ومن موقع إحساسه بمخاطر برنامج الاستحواذ على الدولة، من قبل الرئيس السابق، غادر جبهة السلطة ،ورفض الاستمرار في ائتلاف الحكم ، واتجه نحو ساحة المعارضة وبشكل تدريجي حتى استقر به المقام في إعلان تكتل أحزاب اللقاء المشترك في عام ٢٠٠٣م.
ولم تكن خطوة الإصلاح هذه بمعزل عن التنافس على الحكم ،بل كانت في عمق هذا التنافس .. إذ لا يمكن طرح برنامج إصلاح شامل للنظام السياسي قبل أن تصبح للمعارضة جبهة وطنية فيها من القوة ما يكفي لمجابهة تغول الحاكم .. ولتحقيق هذه الغاية شرع الإصلاح في نقاشات عامة مع بقية الأحزاب الأخرى حتى تم تثبيت ركائز العمل المشترك، ونحن نعمل اليوم وفي الظروف التي تعيشها بلادنا على إقامة تحالف أوسع يتناسب مع المخاطر التي تحدق باليمن من كل جانب ..! 
ذلك كان جانبا من المشاركة في العملية الديمقراطية .. أما الانتقال للمشاركة في الحكومات التي كانت تتشكل بعد كل انتخابات فكانت تتفاوت من حكومة الى أخرى ..
لقد مرت علينا فترة من الزمن كنا نقدم أنفسنا لشعبنا من خلال الدعوة والتربية، ومن خلال الأعمال التطوعية والخيرية، ومؤسسات التربية والتعليم التابعة للدولة، وتمكنا من خلال وزارة التربية والتعليم من إنشاء الهيئة العامة للمعاهد العلمية والتي توسعت كماً وكيفاً في الفترات الاحقه حيث كان من ثمارها المساهمة الفعالة في إنشاء جيل يتبنى الوسطية والاعتدال في ثقافته وفكره في ممارساته الدينية والدنيوية بعيداً عن الموروثات الطائفية والمذهبية والسلالية والمناطقية ..الخ
وبعد قيام الوحدة اليمينة المباركة شاركنا في الحكومة التي تشكلت من المؤتمر والاشتراكي والاصلاح والتي كانت فرصة لنا قدمنا أنفسنا لشعبنا بوسيلة جديدة غير الوسائل التي اعتدنا التواصل معه من خلالها .. 
وكان لنا فيها ثمانية وزراء ومنصب نائب رئيس الوزراء، وكانت تجربةً فريدةً وجديدةً بالنسبة لنا ..! 
فقد تعايشنا معهم وتعاونا معاً الى حد ما، واطلعنا على كيفية صناعة القرارات وتعلمنا بقدر معقول كيف تدار الوزارات، واكتشفنا حقيقة واتساع دائرة نفوذ الدولة العميقة ورسونا على حقيقة صادمة لنا تمثلت في غيابنا الكلي في الكادر الوظيفي للدولة على كل المستويات الإدارية، وإن كان لنا وجود فهو كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، وظهر لنا بلا رتوش أن الأحزاب التي حكمت اليمن في أزمنة مختلفة كان حضورها طاغياً في الكادر الوظيفي للدولة .. 
فالمؤتمريون والاشتراكيون والبعثيون والناصريون والإماميون كنا نشاهدهم كلما تلفتنا أو تحركنا في دواوين الوزارات والمؤسسات التابعة لها .. 
كان حضورهم طبيعياً، وكان غيابنا طبيعياً أيضاً .. كان حضورهم طبيعياً لأنهم تفردوا بالحكم حينا وتشاركوا فيه أحياناً أخرى .. وكان غيابنا طبيعياً أيضاً لأن الحكم بالنسبة لنا كان هماً نظرياً بحتاً، وكان انزواؤنا عنه ظاهراً للعيان وابتعادنا عنه زهداً في غير محله، وانشغالاً بالمهم عن الأهم، وقصوراً في فهم أن التغيير بإمكانات الفرد غير التغيير بإمكانات الجماعة غير التغيير بإمكانات الدولة .. 
صحيح أننا شاركنا في أسلمة التشريع، إلا أننا _ولفترة غير قصيرة_ انكفأنا على أنفسنا، واكتفينا بالتواصل مع شعبنا _بمختلف شرائحه_ بالأطر والآليات التنظيمية والخدمات الإجتماعية والخيرية.. 
لقد نجحنا _ نظرياً_ في كوننا لم نفرق بين تقديم الماعون وبين مقاومتنا للطغيان بكل صوره التشريعية أو الطبقية أو السياسية ..! 
كما نجحنا الى حد بعيد في الوصول مع شركائنا في الحياة السياسية الى قواسم مشتركة: الكل يعتقد بأنها ضرورة وطنية، ومطلب شعبي، وضرورة حزبية حتى صار الخلاف الذي يقع بيننا هو خلاف برامج ..! 
وفي نفس الوقت حاول البعض _ ولايزال _ أن يجعل حق الإسلاميين في الوصول الى السلطة تهمةً واستغلالاً للدين، بينما هم يتقدمون اليها في ثقة مطلقة وكأنها حق محصور عليهم، مستغلين _ في كثير من الأحيان _ أفكارا ودعواتٍ ما أنزل الله بها من سلطان، ومستخدمين في الوصول الى السلطة وسائل مشروعة وغير مشروعة ..! 
ولذلك فلابد من تلاشي هذه التهمة وتجاوزها، ما دمنا قد اتفقنا على التداول السلمي للسلطة باعتبارها حقاً مشروعاً للجميع .. 
إن على الاسلاميين أن يجيدوا تقديم أنفسهم لشعوبهم وللمحيط الاقليمي والدولي بالوسائل الأجدى، وليعلموا أن آلية إدارة الحكم غير آلية إدارة العمل التنظيمي ..! 
كما أن عليهم أن يعوا أن هناك قوى إقليمية ودولية لابد لهم من التعامل معها على بصيرة، وعلى مصالح مشتركة لا تخفى على أحد ..! 
وعليهم أن يتذكروا أن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ سعى للبحث عن الحليف الأقوى وليس عن الحليف الخامل الكسول ..!
شكراً لكم .. والحمد لله رب العالمين ..