الخميس 28-03-2024 12:42:13 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

نهب الحوثيين للأراضي.. سياسة ممنهجة للتغيير الديمغرافي والإثراء غير المشروع

الأربعاء 21 ديسمبر-كانون الأول 2022 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت-خاص

  

لا تزال مليشيات الحوثي الانقلابية في أوج عنفوانها الإجرامي وإرهابها الممنهج في ممارسة واحدة من هواياتها الإجرامية المفضلة لديها والمتمثلة بمصادرة الأراضي على نطاق واسع، وبين كل فينة وأخرى تطفو على السطح جريمة جديدة ضمن مسلسل جرائم نهب الأراضي والعقارات الخاصة والعامة، المملوكة منها والموقوفة، لتضاف إلى أملاك قيادات نافذة سياسية وأمنية، تابعة للمليشيات الحوثية.

سباق محموم

ومنذ بداية الانقلاب الذي قادته المليشيات الحوثية نشطت المليشيات بكل السبل لمصادرة أراضي الناس وعقاراتهم بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم، واختلقت لذلك مبررات عدة وذرائع شتى، لكن الهدف من ذلك واضح وهو إجراء تغيير ديمغرافي والإثراء غير المشروع.

"العمالة والتعاون مع العدوان" واحدة من الذرائع التي اعتمدت عليها مليشيات الحوثي المتمردة للاستيلاء على أراض واسعة في البلاد، وتحويل ملكيتها لصالح قيادات ونافذين ينتمون للمليشيات، فقد تزايدت جرائم السطو على الأراضي في العديد من المناطق التي تسيطر عليها مليشيات الحوثي، كمحافظات صعدة وعمران وصنعاء وذمار وإب وتعز والحديدة والضالع، وغيرها من المحافظات التي تشهد سباقا محموما بين مشرفي المليشيات وقياداتها في الاستيلاء على أملاك المواطنين وأراضيهم.

ففي العام 2018، أعلنت مليشيات الحوثي رسمياً عن تشكيل ما سمتها "لجنة حصر ومصادرة أموال المرتزقة"، تستهدف أموال المعارضين لها، بتهمة التعاون مع التحالف الذي تقوده السعودية أو ما تطلق عليه "دول العدوان".

وتنفيذا للتعليمات وتماشيا مع تشكيل تلك الهيئات، فقد شرع الحوثيون في نهب وحجز عدد من أراضي المواطنين في محافظات عدة، بحجة ملكيتها لأسر هاشمية، رغم وجود وثائق تثبت ملكية المواطنين الذين صودرت أراضيهم، حيث تم انتزاع تلك الأراضي ومصادرتها بقوة السلاح وتحويل ملكيتها لصالح شخصيات نافذة تدين بالولاء للمليشيات.

ما وراء النهب

وتمثل تلك الأراضي والعقارات التي تتم مصادرتها والاستيلاء عليها مصدرا مهما للتكسب وإثراء قيادات المليشيات، فقد استولت العديد من القيادات على مساحات واسعة من الأراضي في معظم المحافظات التي تسيطر عليها المليشيات الحوثية.

وعادة ما يعمد الحوثيون للاستيلاء على الأراضي ذات المواقع المهمة، والتي عادة ما تكون أسعارها خيالية، والتي تقع ضمن المدن الحيوية وعواصم المحافظات.

كما يهدف الحوثيون من خلال حملاتهم المسعورة في نهب الأراضي -وبحسب مهتمين بهذا الشأن- إلى توجيه رسائل للمواطنين وإرهاب الخصوم والمعارضين لسياسة المليشيات الحوثية أو الذين لا يدينون بالولاء لها أو حتى أولئك الذين يفضلون الصمت، بأن ممتلكاتهم وعقاراتهم ستكون عرضة للمصادرة والنهب، إذا ما بدر منهم أي تبرم أو موقف لا يتوافق مع تصرفات المليشيات وسياستها الإجرامية.

ووفقاً لمصادر محلية في محافظة إب، فإن ما يزيد على 420 ألف متر مربع في مدينة إب وحدها عرضة للنهب من قبل قيادات حوثية نافذة، وتقع غالبية هذه الأراضي في جنوب المدينة، وتصاعد التنافس بين القيادات الحوثية على نهبها خلال الأشهر الماضية، وهو ما دفع محمد علي الحوثي إلى زيارة المحافظة والاطلاع على الأمر بنفسه.

ويرى مراقبون أن زيارة محمد علي الحوثي رئيس ما تسمى بـ"اللجنة العدلية" لمحافظة إب مؤخرا يعد مؤشراً لعملية جديدة واسعة، وضوءا أخضر لنهب أراض أخرى في المحافظة، وشرعنة لأعمال العصابات وتمكينها من رقاب الكثير من ضحاياهم، خصوصاً أن الحوثي التقى بعتاولة النهب والسطو، ومنحهم إعلام المليشيات صفة الأعيان.

تواطؤ مهين

مؤخرا اتسعت شهية السطو على الأراضي إلى مناطق أخرى بعيدا عن المدن وعواصم المحافظات لتشمل قرى ومناطق نائية تابعة لمزارعين ومواطنين بسطاء.

وقد شهدت معظم مديريات محافظة صنعاء تحركات حوثية لمصادرة أراضِ خاصة بالمواطنين في ظل تواطؤ مشايخ ووجاهات اجتماعية وتحت قوة السلاح الذي باتت مليشيات الحوثي هي المتحكم الوحيد به في مناطق سيطرتها.

وتقول مصادر إعلامية إن مليشيات الحوثي سورت أراض تابعة لمواطنين من أبناء مخلاف "البروية" في بني مطر، وعدد من القرى الأخرى التابعة لمنطقة "متنة" مركز المديرية، الواقعة على طريق صنعاء-الحديدة.

وتضيف المصادر أن المليشيات شرعت بالحفر لبناء سور على الأراضي الزراعية التي تقدر مساحتها بأكثر من ألف لبنة، وتعود ملكيتها لأبناء قرى القراميش، وبيت المعقلي، وبني جهلان، وعجام، وبيت عبيد.

وتشير المصادر إلى أن المليشيات استقدمت عشرات العناصر المدججة بالسلاح التابعة لها على متن أطقم (عربات عسكرية)، بهدف مواجهة الأهالي الذين خرجوا احتجاجا على مصادرة أراضيهم الزراعية.

ولم تقتصر المليشيات الحوثية على ممارسة جرائم النهب والسطو المنظم للأراضي العامة وأملاك المواطنين فحسب، بل امتد ذلك ليطال شوارع رئيسية ومبانٍ ومقابر عامة وعقارات خاصة ثم تحويلها فيما بعد إلى مشروعات استثمارية لصالح القيادات الحوثية.

فقد اندلعت في نوفمبر الماضي اشتباكات بين عناصر حوثية ومسلحين آخرين في محيط مركز "سما مول" التجاري في العاصمة صنعاء على خلفية مداهمة حوثية مفاجئة طالت المتجر بهدف مصادرته بالتوازي مع مواصلتها اختطاف مالكه وسجنه منذ عام.

وبحسب مصادر فقد اندلعت الاشتباكات عقب فشل محاولات متكررة وضغوطات حوثية مورست ضد مالك المتجر بهدف إجباره بالقوة على تسليم المتجر وتسليم ما بحوزته من وثائق بزعم أن الأرض التي بنى عليها تعود ملكيتها لما تسمى هيئة الأوقاف.

سطو واختطاف

وإلى الغرب من محافظة صنعاء اقتحمت مليشيات الحوثي، في سبتمبر الماضي، قرى منطقة القصرة الساحلية بمديرية بيت الفقيه جنوبي محافظة الحديدة بقوة عسكرية كبيرة مكونة من 30 طقماً (عربات عسكرية) محملة بالمسلحين، ومصحوبة بـ8 جرافات قامت بجرف أراض تابعة للمواطنين.

وتقول المصادر إن عملية الاقتحام تمت وسط إطلاق نار كثيف من قبل العناصر التابعة للمليشيات وبأسلحة خفيفة ومتوسطة أسفرت عن سقوط عدد من الإصابات من الأهالي، كما داهمت أيضاً منازل مواطنين واختطفت العشرات منهم وأفزعت الأطفال والنساء.

ووفقا للمصادر فقد بلغ عدد المختطفين في تلك المداهمات نحو 70 شخصا من أبناء تلك القرى زج بهم الحوثيون في السجون، فيما انتشرت الأطقم العسكرية في قرى المنطقة كحماية للجرافات التي جرفت مساحات من الأراضي والمراعي والسواقي التابعة للمواطنين، فيما قامت عربات أخرى بملاحقة مواطنين حاولوا منع المداهمة وجرف الأراضي، وتسببت بنزوح أسر العديد من المواطنين الملاحقين من المنطقة إلى مناطق مجاورة للساحل شمال وشرق وجنوب بيت الفقيه نتيجة لكثافة النيران التي أطلقتها مليشيات الحوثي والمداهمات والاختطافات التي نفذتها للأهالي في تلك الحملة، حيث يسعى الحوثيون لمصادرة أراض واسعة تعتبر مصدر معيشة للمواطنين، وتبلغ مساحتها أكثر من 10 كيلومترات، ويستفيد منها أكثر من 5 آلاف مواطن وهي مساق ومراع للمواطنين منذ مئات السنيين، بحسب المصادر.

لصوص المقابر

وتشهد محافظة إب سيناريو مشابها لما يحدث في بقية المحافظات الأخرى من نهب وسطو وأعمال سلب ومصادرة لحقوق وأملاك المواطنين.

ومنذ الانقلاب المشؤوم لمليشيات الحوثي على الدولة قبل ثماني سنوات، شرعت المليشيات في مصادرة الأراضي بشكل واسع، والبسط على ممتلكات الأوقاف، ومصادرة جميع حقوق ومكتسبات السكان، وممتلكات وأراضي وعقارات الدولة، بل ووصل بها الأمر إلى تجريف المقابر والشروع في البناء عليها والاستحداثات فيها وتسويرها وبيعها دون رقيب أو حسيب.

وعادة ما تتم عمليات السطو وبشكل واسع على أراضي المواطنين بقيادة نافذين حوثيين غالبيتهم من محافظات شمال الشمال كصنعاء وعمران وصعدة وذمار، مستغلين نفوذهم وانتماءهم للمليشيات الحوثية، واستغلال ضعف الكثير من الضحايا في محافظة إب للاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم.

وقد سطت قيادات حوثية رفيعة في وقت سابق على أراض كثيرة لملاك محليين ومن خارج المحافظة منها جبل "الرميح" الواقع في مفرق حبيش الذي تبلغ مساحته 2500 لبنة، والذي تعود ملكيته لمواطنين محليين وأجزاء منه للهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني، ونفذت عملية اختطافات طالت مواطنين يمتلكون وثائق بأحقيتهم للموقع الذي يقدر ثمن الأراضي الواقعة فيه بأكثر من ملياري ريال، وذكرت مصادر أن نافذي المليشيات اشترطوا لرفع أيديهم عن الجبل دفع مبلغ 800 مليون ريال.

خارج المعقول

وفي محافظة إب أيضا وفي سابقة خطيرة لم تعهدها المناطق اليمنية من قبل، أقدم القيادي الحوثي المدعو "خالد محرم"، في نوفمبر الماضي، على إغلاق شارع عام يقع في منطقة "أكمة عيسى" بمديرية المشنة وسط مدينة إب، في محاولة منه لمصادرته والاستيلاء عليه.

وتقول مصادر محلية في إب إن الشارع المعتدى عليه من قبل القيادي الحوثي يحمل رقم (40) بعرض 4 أمتار ومتفرع من شارع رقم (39) بعرض 4 أمتار، وفق المخطط العام لفرع مكتب الأشغال بمديرية المشنة في إب والذي اعتمد في وقت سابق.

ويأتي هذا الاعتداء الحوثي على الأملاك العامة والخاصة في إب متزامناً مع اتهام ناشطين لقيادي حوثي آخر موالٍ للمليشيات باستقدامه جرافة ومباشرة الاعتداء والعبث بمقبرة عامة تقع بجوار جامع الغفران في شارع العدين وسط المدينة.

قضاة الزور

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد من الجنون في مصادرة الأراضي وأملاك الناس وإطلاق شهية النهب، بل سعت مليشيات الحوثي أيضا إلى الاستحواذ على 20% من أملاك المواطنين في المناطق التي تسيطر عليها في محافظة تعز من خلال عمليات البيع والشراء، تنفيذاً لمزاعم أحقيتها بما يعرف بـ"الخُمس"، حيث يجري تنفيذ هذه الإجراءات في المحاكم الواقعة ضمن سيطرتها أو عبر فروع ما يعرف بـ"الهيئة العدلية" التي أنشأها الحوثيون.

وقد شرعت مليشيات الحوثي في تنفيذ إجراءاتها المتسارعة من خلال المحاكم والقضاة المعينين من قبلها لمصادرة ونهب الأراضي والعقارات بوسائل مختلفة، عن طريق فرض ما يعرف بـ"الخُمس" على كل عملية بيع أو نقل للملكية أو توزيع ميراث، ويعاقب من يحاول التهرب من هذه الإجراءات بالغرامة أو مصادرة بعض أملاكه.

تأتي هذه الإجراءات بعد أن فرضت مليشيات الحوثي قبل أكثر من عامين تخصيص امتيازات مالية حصرية لها من إيرادات الدولة، باستثناء بقية المواطنين، وذلك عبر قانون استحدثته المليشيات باسم "اللائحة التنفيذية لقانون الزكاة"، يمنح المنتمين إلى سلالة زعيم المليشيات عبد الملك الحوثي الاستيلاء على خُمُس الثروات من أموال الدولة والمواطنين، وأنشأت جهازاً مختصاً بذلك بمسمى "هيئة الزكاة".

وبحسب صحيفة الشرق الأوسط، فقد لجأ المواطنون إلى "كتابة عقود البيع والشراء والتمليك بتواريخ قديمة، تعود إلى ما قبل صدور القانون الحوثي المستحدث، لتجنب الاستيلاء على ممتلكاتهم، لكون إجراءات النهب الحوثية تشمل أعمال البيع والشراء ونقل الملكية وتوزيع المواريث منذ صدور القانون غير الشرعي".

وتشير الصحيفة إلى "تنبه المليشيات الحوثية لهذه الحيلة، ولجوءها إلى الاستعانة بأجهزة إلكترونية خاصة بالكشف عن تواريخ الوثائق، ووزعتها على المحاكم كافة وأمناء توثيق عقود البيع والشراء والتمليك، وأضافت المليشيات رسوم فحص الوثائق لمضاعفة إيراداتها، وأجبرت أصحاب الأملاك العقارية على فحص وثائق ملكياتهم في المحاكم".

مصادرة الأموال بتهمة الملكية

وبعد أن صادرت مليشيات الحوثي الانقلابية ممتلكات وعقارات الخصوم والمعارضين لسياساتها في صنعاء ومحافظات أخرى خاضعة لها، شرعت القيادات الحوثية النافذة والأمنية في التنافس على نهب أراضي المواطنين خصوصاً المغتربين.

ووفقا لمصادر فإن المليشيات الحوثية في أحياء شميلة والأصبحي والسواد جنوب العاصمة صنعاء تقوم بتهديد وملاحقة واحتجاز وكلاء المغتربين من أجل مصادرة ونهب عقارات وكلائهم، أو أخذ وثائق الأراضي، أو فرض إتاوات حماية تصل إلى عشرات ملايين الريالات.

وتشير المصادر إلى أن عناصر المليشيات "يقومون بحبس وكيل المغترب أو قريبه، وممارسة أنواع الإذلال بحقه من أجل حصر أملاك المغترب في البداية، لدفع مبالغ للمجهود الحربي، وفي حالة رفض الوكيل أو أقارب المغترب للإجراء الحوثي، تقوم المليشيات بإعادة تمليك عقارات المغترب لقياداتها أو بيعها، في عملية نهب ممنهجة".

وتضيف المصادر أن المليشيات "فرضت أموالاً على أصحاب الأراضي الذين يريدون البناء أو تسوير أراضيهم مقابل دفع مبالغ مالية هائلة، أو يتم إيقاف البناء حتى يأتي صاحب الأرضية ويأخذ حقه، وفي حالة جاء المغترب، يتم حبسه ولا يفرج عنه إلا بدفع مبلغ مالي يوازي قيمة الأرضية، أو يكتب إقراراً بالتنازل عنها".

مشاكل أخرى وعراقيل كبرى

ويرى مراقبون أن عمليات السطو على الأراضي التي ينشط الحوثيون فيها في عدة محافظات وتغيير الملكية والاستحداثات الجارية في الأملاك وعملية البيع والشراء التي تتم بشكل واسع خارج القانون، من شأنها أن تخلف آثارا كارثية على المدى القريب والبعيد وعلى كافة المستويات.

ووفقا للمراقبين فإن مصادرة أملاك الناس وبيعها أو البناء عليها ستكون سببا لألغام اجتماعية مؤجلة، وبؤرا لتوترات مستقبلية، وستترك مجتمعا مفخخا بالضغائن، مليئا بالأحقاد والتربصات، خصوصا مع وجود وثائق ثبوتية تثبت أحقية من تمت مصادرة أراضيهم، وعقود للبيع والشراء، وستثقل كاهل المحاكم بأكوام من ملفات المظالم نتيجة لتلك الجرائم التي تتم بشكل متكرر على أيدي أزلام النهب والفساد والتي لا تسقط بالتقادم، لا سيما ما تحمله بعضها من طابع إنساني صرف، إذ إن بعض من صودرت أراضيهم وعقاراتهم أفنوا أعمارهم وأموالهم من أجل شراء أراضيهم تلك، بالإضافة إلى العبء الاقتصادي الكبير الذي ستورثه تلك الجرائم للدولة في حال تغيرت الأوضاع السياسية، والأموال الطائلة التي تتطلبها المرحلة في سبيل التسويات ومحو آثار تلك الجرائم وفض النزاعات والخصومات ومعالجة الإشكالات، بالإضافة إلى وضع أعباء أخرى ومعوقات وعراقيل كبرى في طريق بناء الدولة الحديثة، وقضايا أكثر تعقيدا لا يمكن تجاوزها على المدى القريب.

كلمات دالّة

#اليمن