الجمعة 19-04-2024 01:09:36 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

زنازين الموت الحوثية.. بين التعذيب الوحشي والصمت الدولي

الجمعة 16 ديسمبر-كانون الأول 2022 الساعة 01 مساءً / الإصلاح نت-خاص

لا تزال السجون والزنازين الحوثية مكتظة بالمختطفين اليمنيين ممن تم اختطافهم بتهم كيدية وأسباب وذرائع شتى، ومعظم المختطفين لا علاقة لهم بالحرب ولا ناقة لهم فيها ولا جمل، في حالة لم يشهدها اليمن من قبل، في الوقت الذي خلت فيه السجون من المجرمين وأصحاب السوابق، عدا من لا يمكن للمليشيات الحوثية الاستفادة منهم أو توظيفهم لخدمة مشروعها الإجرامي.

ويتعرض المختطفون والمخفيون قسريا في سجون المليشيات الحوثية لأشكال متعددة من التعذيب الذي تمارسه عناصر المليشيات بحق المختطفين سواء لانتزاع اعترافات بتهم ملفقة ضدهم، أو كانتقام منهم نتيجة لانتماءاتهم السياسية والفكرية التي تتعارض مع توجهات المليشيات.

ويرى مهتمون بالشأن اليمني أن مليشيات الحوثي المتمردة تتعمد السماح بتسريب بعض المعلومات التي تفيد بوجود تعذيب وتنكيل داخل السجون، وإيصال تلك المعلومات إلى أهالي المختطفين، بهدف الضغط على الأهالي والحكومة اليمنية لإرغامهم على تقديم المزيد من التنازلات وتحقيق الكثير من المكاسب.

 

مؤشر خطير

ووفقا لمراقبين فإن إدخال مليشيات الحوثي المختطفين من الصحفيين والمدنيين في مساومات التبادل بين الأسرى يعد مؤشرا خطيرا وأمرا كارثيا، إذ إن إدخال المدنيين والصحفيين والمهندسين والأكاديميين في عملية التبادل مقابل عناصر من المليشيات تم أسرهم في الجبهات، جعلتها تتمسك أكثر بمن هم داخل السجون للضغط على الحكومة والمجتمع الدولي لتلبية مطالبها وتنفيذ اشتراطاتها، بالإضافة إلى أن نجاح صفقة التبادل بين مليشيات الحوثي والحكومة اليمنية وتحقيق المكاسب من شأنه أن يشجع المليشيات الحوثية على الاستمرار في اختطاف المزيد من المدنيين لحصد المزيد من المكاسب من خلال تكرار الخطوة نفسها.

وتقدر مصادر حكومية عدد من تم اعتقالهم من مختلف المحافظات بأكثر من 18 ألف مختطف في معتقلات المليشيات الحوثية، ممن كانت أقدمت على اعتقالهم خلال السنوات الماضية من المعارضين السياسيين والمناهضين لمشروعها الانقلابي، منهم من تم الإفراج عنهم، ومعظمهم لا يزال في سجون المليشيات الحوثية والتي تصل إلى نحو 200 سجن موزعة على مختلف المناطق الواقعة تحت سيطرة المليشيات.

 

أرقام صادمة

ووثق تحالف حقوقي يمني مستقل تعرض أكثر من 1600 مختطف لشتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي والمعاملة القاسية داخل سجون المليشيات الانقلابية خلال الأعوام الستة الماضية.

ويقول "التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان"، في تقرير حديث له نشر في أبريل من العام الجاري 2022، إن فريقه وثق تعرض 1635 مختطفاً للتعذيب في سجون مليشيات الحوثي بينهم 109 أطفال و33 امرأة و78 مسناً، موزعين على 17 محافظة يمنية، وأسفر هذا الأمر عن إصابة بعضهم بشلل كلي أو نصفي، والبعض الآخر بأمراض مزمنة وفقدان للذاكرة وإعاقات بصرية وسمعية.

ويشير التقرير إلى تعرض 208 مختطفين آخرين لأشد وأقسى أنواع التعذيب المفضي إلى الموت، بينهم 8 أطفال و9 نساء و15 مسناً، منهم من توفي نتيجة التعذيب في زنازين المليشيات الإرهابية، والبعض الآخر توفي نتيجة الإهمال وتدهور حالتهم الصحية في ظل الحرمان المستمر من تلقي العلاج ومنع الأدوية عن الكثير منهم، إضافة إلى تعرض عدد من المختطفين للتصفية الجسدية داخل سجون مليشيات الحوثي أو دفعتهم المعاناة وقسوة وبشاعة التعذيب إلى الانتحار.

ووفق التقرير فقد سجلت العاصمة صنعاء أعلى نسبة تعذيب للمختطفين داخل سجون المليشيات الحوثية، وذلك بواقع 430 حالة تعذيب جسدي ونفسي لمختطفين مدنيين بينهم 12 طفلاً و8 نساء و12 مسناً، فضلاً عن 48 مختطفاً تم تعذيبهم حتى الموت بينهم 4 مسنين و8 نساء، 5 منهن أقدمن على الانتحار داخل السجن المركزي بعد تعرضهن للاغتصاب تحت تهديد السلاح والتعذيب الشديد.

 

ازدواجية المعايير

استمرار جرائم الحوثيين بحق المدنيين يأتي نتيجة لاستمرار سياسة الكيل بمكيالين وتعمد المجتمع الدولي غض الطرف عن تلك الفظائع التي تمارس بحق المختطفين وهو الأمر الذي يؤكده حقوقيون وناشطون، إذ أن تعمد المجتمع الدولي سياسة الكيل بمكيالين، يعد بمنزلة إعطاء إشارات سلبية للمليشيات الحوثية وضوءا أخضر للاستمرار في جرائمها وانتهاكاتها التي يذهب ضحيتها الأبرياء من النساء والأطفال والمسنين.

ويأتي هذا الصمت المتعمد وغض الطرف بشكل متكرر في الوقت الذي تتحدث فيه تقارير حقوقية عن فظائع وجرائم تحدث في زنازين المليشيات الحوثية وتعذيب تمارسه المليشيات بحق المختطفين الذين زجت بهم في سجونها دون أي تهم، عدا تلك التهم الملفقة والتي يحاول الحوثيون إلصاقها بالمتهمين، وممارسة أبشع أنواع التعذيب على أساسها، دون أن تحرك المنظمات الأممية المعنية بحقوق الإنسان ساكنا، أو تتخذ حيال ما يحدث أي إجراء، بل العكس من ذلك فما تجسده مواقف المجتمع الدولي المتخاذل وصمته المريب وتعاطي المنظمات الدولية المعنية يعكس تواطؤا حقيقيا تجاه الجرائم الحوثية بحق السجناء والتي باتت على المكشوف.

فقد نقل المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن "بشير عمر" بعد زيارته التي قام بها مع فريق تابع للجنة الدولية للصليب الأحمر لمركز الاعتقال العسكري التابع للحوثيين في العاصمة اليمنية صنعاء، منتصف العام الجاري 2022، صورة مغايرة لما يحدث داخل الزنازين من تعذيب وحشي تقوم به المليشيات، حيث وصف فيه المعاملة التي يلقاها المختطفون والأسرى في سجون المليشيات الحوثية بـ"الإنسانية".

 

موقف متخاذل

وقد نددت رئيسة رابطة أمهات المختطفين اليمنيين "أمة السلام الحاج" في وقت سابق بصمت المجتمع الدولي وموقفه المتخاذل، وتنصله عن تحمل مسؤولياته القانونية والإنسانية، معتبرة أن صمت المجتمع الدولي على إرهاب الحوثي جريمة، منتقدة إصراره على أن تمضي مباحثات تبادل الأسرى، فيما تواصل المليشيات الحكم على المختطفين بالإعدام.

وأضافت أن المجتمع الدولي قادر على إنقاذ المدنيين وفعل الكثير مما لم يفعله حتى الآن، لكنه يتقاعس عن واجبه الإنساني، مطالبة المجتمع الدولي بموقف واضح يبين للرأي العام العالمي واليمني ماذا يجري "أو يعلن عجزه ويترك لشعبنا حرية التحرك مع أننا نرفض العنف والإرهاب والفوضى".

ونددت بتستر الصليب الأحمر الدولي على جرائم المليشيات الحوثية ومشاركته في دفن جثث المخفيين قسرياً وتجاهله أنين المرضى منهم، وقالت إن "الصليب الأحمر الدولي تحول إلى نباش قبور ودافن جثث أبنائنا من المخفيين قسرياً على أنها جثث مجهولة وليس الكشف عنهم وإنقاذ المرضى من المختطفين".

 

عذاب لا يطاق

ويمارس الحوثيون ألوانا عدة وأشكالا متنوعة من التعذيب في سجونهم الموزعة في مختلف المحافظات التي تسيطر عليها، تتنوع بين الصفع على الوجه والحرق بالسجائر والصعق بالكهرباء وإجبار بعض السجناء على الوقوف فوق علب حديدية لمدة ساعة مما أدى إلى نزيف عروق دوالي بعضهم، والحرمان من النوم لفترات طويلة ومنع الطعام والشراب، بالإضافة إلى منع الأدوية، ومنع دخول الملابس الشتوية لمواجهة موجات البرد القارس، والضرب بآلات صلبة، وتعليق السجناء بأحد أطرافهم مما يتسبب بتمزق الأوردة ويترتب عليه عاهات وأضرار مستديمة، وإجبار السجناء على الوقوف بقدم واحدة، ورفع اليدين مكبلتين للأعلى لفترات طويلة، والتعرض للضرب المبرح عند محاولة إنزال القدم لإراحتها، والتهديد بالنقل إلى مخازن السلاح المعرضة للاستهداف من قبل طيران التحالف، والتعمد بإطلاق الرصاص حول بعض السجناء لإخافتهم وإرهابهم، وإيصال أخبار كاذبة لبعض المساجين بهدف إقلاقهم وإدخال مشاعر الحزن عليهم، والإيذاء النفسي المتعمد، والإيهام بالتصفية الجسدية، وتوجيه السباب والشتائم والألفاظ البذيئة للسجناء والسجينات، وحرمان السجناء من رؤية أهاليهم ومنع الزيارة عنهم، والتحرش الجنسي ببعضهم، وتعرض البعض الآخر للإذلال والامتهان ليصل الأمر إلى تعرض بعض السجينات لانتهاك أعراضهن وبشكل متكرر.

 

مبررات الإجرام

وتتنوع التهم التي يواجهها المختطفون في زنازين المليشيات الحوثية لتشمل تهما عدة تم ابتكارها والتفنن في إخراجها وتجهيزها، ليتم إلصاقها بالسجناء الذين يتم اختطافهم بناء على انتماءاتهم المختلفة.

ومن بين التهم التي تم إلصاقها بالسجناء: العمالة والارتزاق، والتخابر لصالح دول التحالف أو ما يطلقون عليها "دول العدوان"، والتحريض أو تأليب الناس ضد الحكومة الحوثية أو الكتابة والنشر ضد سياسة المليشيات، ونشر أخبار مغرضة وأخبار زائفة، وتأييد العمل المسلح ضد ما يسمونها القوات الحكومية في صنعاء، والمتاجرة بالحشيش وتهريبه، ومشي المرأة بدون محرم، وتهم بارتكاب أفعال الفجور، وهي التهمة التي تحاول المليشيات إلصاقها بالكثير من النساء ممن تم اختطافهن وتغييبهن في الزنازين، وتعرضت الكثير منهن للتعذيب وإجبارهن على الاعتراف بأشياء لم يرتكبنها، فبعد احتجاز عدد كبير من النساء على أساس انتمائهن السياسي أو معارضة ملموسة، تم استخدام تهم كالدعارة لإضفاء الشرعية وإيجاد الذرائع لحالات الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري للكثير من النساء اللاتي تم احتجازهن، ومن بينهن فتيات قاصرات، والعمل في الخارج كراقصات، وتعاطي وبيع الخمور، بالإضافة إلى التهم التي توجه لبعض من يتم اختطافهم بعدم الولاء للمليشيات، أو اتهام بعض المارة من الخطوط الرئيسية أو المتنقلين بين المحافظات بنية التوجه إلى مأرب للمشاركة في القتال إلى جانب القوات الحكومية، وغيرها من التهم التي يتم إلصاقها بالمختطفين.

ضحايا التعذيب

وقد كشفت منظمة "رايتس رادار" لحقوق الإنسان عن مقتل 334 محتجزا في السجون خلال 6 سنوات.

وتقول المنظمة في تقرير لها صدر في وقت سابق، إن 334 ضحية تعرضوا للقتل جراء التعذيب، أو قتلوا بسبب الإهمال الطبي المتعمد داخل السجون، أو توفوا بعد الإفراج عنهم متأثرين بالتعذيب أو الإهمال الطبي المتعمد.

ويوثق التقرير مقتل 271 ضحية بالتعذيب داخل السجون والمعتقلات، بينهم 10 أطفال، و3 نساء، و28 حالة قتل بسبب الإهمال الطبي المتعمد، و35 وفاة بعد الإفراج متأثرين بالتعذيب أو الإهمال الطبي المتعمد، ويشير إلى أن "مليشيات الحوثي تصدرت قائمة المنتهكين بارتكاب 205 حالات"، فيما تتوزع الحالات الأخرى على بقية التنظيمات الإرهابية والجماعات الخارجة على القانون.

ووفقا لوكيل وزارة الإعلام في الحكومة اليمنية نجيب غلاب، فإن "مليشيات الحوثي تغرق صنعاء بالمعتقلات وتمارس التعذيب وتتلاحق جرائمها وقتلت أكثر من 400 مختطف في سجونها، ناهيك عن الإعدامات الميدانية".

 

المتاجرة بالأعراض

وبحسب مراقبين فإن مليشيات الحوثي تهدف من خلال سعيها لاختطاف المواطنين وبأعداد كبيرة لتحقيق أهداف وضعتها المليشيات في حسبانها، إذ إن حملتها الجنونية تلك في الاختطافات والتي بدأتها منذ اليوم الأول للانقلاب لم تكن لتأتي بشكل اعتباطي، بل جاءت تلك الحملة المسعورة بطريقة ممنهجة.

فقد تم الاستفادة من الأعداد الكبيرة من السجناء الذين تكتظ بهم السجون الحوثية الموزعة على مختلف المحافظات والتي تزيد على 200 سجن بحسب تقارير محلية، تم توظيف ذلك العدد في المساومة وابتزاز الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي، وإدخالهم ضمن ملف المفاوضات، ومطالبة الجانب الحكومي بإطلاق أسرى المليشيات مقابل الإفراج عن أولئك المختطفين.

الانتقام من المعارضين لسياسة المليشيات الحوثية سبب آخر لحملات الاختطافات التي تقوم بها المليشيات بحق المواطنين، فقط طالت تلك الحملة العديد من الناشطين والأكاديميين والمعلمين والصحفيين والوجاهات الاجتماعية ممن يعارضون سياسة المليشيات الإجرامية، أو من تشك المليشيات بتأييدهم المطلق لها ولزعيمها.

ويمثل السجناء بالنسبة للمليشيات الحوثية ورقة رابحة للابتزاز والتكسب، خصوصا ما يتعلق باختطاف المئات من النساء، والعديد من الفتيات القاصرات، فقد دأب الحوثيون على استغلال حساسية الموقف، وفرض مبالغ باهظة على أهالي الفتيات المعتقلات في سجون المليشيات تصل في بعض الحالات إلى ما يقارب المليون ريال، مقابل الإفراج عن تلك الفتيات.

 

كلمات دالّة

#اليمن