السبت 20-04-2024 13:14:53 م : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

من النهب إلى القتل.. لماذا ينكل الحوثيون بالقبائل في مناطق سيطرتهم؟

الأربعاء 30 نوفمبر-تشرين الثاني 2022 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت- خاص | عبد السلام الحاتمي

 

أصبحت ظاهرة نفور القبائل اليمنية من المليشيات الحوثية الإرهابية من الظواهر المقلقة للمليشيات، لا سيما بعد أن تنامت تلك الظاهرة خلال الأشهر القليلة الماضية، مما دفع المليشيات إلى تكثيف إجراءاتها القمعية ضد القبائل في مناطق سيطرتها، وتسيير حملات عسكرية كبيرة لإخماد تلك القبائل ونهب ممتلكاتها وإذلالها، خشية من أن تشكل خطرا ما على سلطة المليشيات الإرهابية.

- القبائل بين القتل والنهب

وتتعمد المليشيات الحوثية -في حربها على القبائل بمناطق سيطرتها- الاستفراد بكل قبيلة بمعزل عن الأخرى، مع تنويع جغرافيا القمع، وتباعد الفترات الزمنية بين كل حملة عسكرية وأخرى، كل ذلك خشية من أن تتشكل مقاومة شعبية موحدة ضدها من القبائل المتضررة من إجراءاتها الإرهابية، علما بأن حرب المليشيات على القبائل بدأت أولا ضد مشايخ القبائل والوجاهات الاجتماعية، فبعضهم اغتيلوا والبعض الآخر تم تهميشهم أو جعلهم تحت الإقامة الجبرية، ومنهم من فروا من بطش المليشيات، ولم تستثنِ المليشيات سوى المشايخ المتحوثين الذين كرسوا جهودهم لخدمتها، ويعملون على حشد المقاتلين من قبائلهم للقتال معها.

وبعد الانتهاء من عقدة المشايخ والوجاهات الاجتماعية، بدأت المليشيات بالاعتداء على أبناء القبائل مباشرة، ونهب ممتلكاتهم، وإجراء تغيير ديمغرافي في مناطقهم، بعد نهب الممتلكات وإجراء تغيير ديمغرافي في المدن الرئيسية التي تسيطر عليها المليشيات، وكانت البداية من محاولة السيطرة على القطاعات التي تعد العمود الفقري للرأسمال القبلي، مثل المزارع ومعامل أحجار البناء ومعامل "النيس" و"الكري"، وهي مواد تستخدم أيضا في أعمال البناء.

ولعل أكثر ما يثير نقمة مليشيات الحوثيين الإرهابية على بعض القبائل في مناطق سيطرتها، أن تلك القبائل لم تعد تلبي رغبة الحوثيين في استمرار تجنيد أبنائها للقتال في صفوفهم، خصوصا بعد أن خسرت كثيرا من أبنائها الذين قتلوا في المعارك العبثية للمليشيات، دون أن يكون لذلك أي مردود، وتسعى المليشيات لجعل القبائل وقودا لمعاركها حتى وإن فنيت، وكلما قل عدد المجندين الجدد من قبيلة ما، تسعى المليشيات إلى الاعتداء عليها ونهب ممتلكاتها من مزارع ومعامل أحجار بناء وغيرها، وتصفية مشايخها ووجاهاتها الاجتماعية.

وترتكب المليشيات الحوثية الإرهابية جرائم وانتهاكات جسيمة غير مسبوقة بحق أبناء بعض القبائل في مناطق سيطرتها، وتنفذ حملات عسكرية ضد بعض القبائل من حين لآخر وتفرض عليها طوقا أمنيا من كل الاتجاهات، وما زالت تواصل الانتهاكات بحق المدنيين من أبناء بعض القبائل، وتعتدي على حرمة البيوت وتفزع النساء والأطفال، دون أي مراعاة للأعراف والتقاليد والشرائع السماوية والقوانين الدولية لحقوق الإنسان التي تجرم جميعها هذه الانتهاكات.

وهكذا تتعامل مليشيات الحوثيين مع القبائل اليمنية مثلما تعامل معها أجدادها الأئمة السلاليون، فهي ترى أن القبيلي يجب أن يكون مجرد "عكفي" لدى السلالة/الإمامة، يقاتل لأجلها، ويعمل جابيا للإتاوات والزكاة والنهب تحت إمرتها، وما عدا ذلك فمصيره التهميش أو السجن أو القتل، خصوصا مشايخ القبائل الذين تعمدت المليشيات الحوثية تهميشهم وإذلالهم أمام قبائلهم، لتنزع منهم أي وجاهة أو تأثير في أوساط أبناء قبائلهم، وجعلت من قادتها الميدانيين ممن تسميهم "المشرفين" شخصيات أعلى مرتبة من مشايخ القبائل، وعلى شيخ القبيلة أن يخضع لتعليمات وتوجيهات "المشرف" الحوثي، وإلا فمصيره القتل أو الاعتقال والسجن.

- الاعتداء على منطقة صرف في بني حشيش

بدأت المليشيات الحوثية في الاعتداء على أبناء مديرية بني حشيش في سبتمبر الماضي، وذلك بعد أن فرضت ما تسميها "زكاة الخمس" على مالكي معامل أحجار البناء ومعامل "النيس" و"الكري" التي تستخدم أيضا في أعمال البناء.

وبدأ مُلاك تلك المعامل والخرسانات بالإضراب عن العمل، كما أضرب آخرون في منطقة الحرة ببني الحارث، وثومة بنهم، وكان الإضراب عن العمل احتجاجا على الإتاوات المالية التي فرضتها المليشيات عليهم وعلى تلك المعامل كضرائب، إضافة إلى فرض تسعيرة ثابتة دون النظر إلى خسائر أصحاب المعامل، مما أدى إلى إفلاس عدد منهم وإنهاك عدد آخر، لتتوقف معظمها عن العمل والبعض ما تزال تعمل بدون مكاسب، وازداد التوتر بعد أن حاولت المليشيات نهب تلك المعامل وتمكين أتباعها من استثمارها لصالح قيادات في المليشيات.

وفي أكتوبر الماضي، أرسلت المليشيات الحوثية حملة عسكرية ضخمة ضمت عشرات العربات والمدرعات العسكرية، بهدف تكرار اقتحام قرية صرف في بني حشيش وفرضت حصارا خانقا عليها.

وتزامنت مع الحملة العسكرية الأخيرة عمليات دهم للمنازل وجرائم إذلال واعتداء وخطف بحق العشرات من سكانها بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى عمليات نهب لمحتويات المنازل التي تعرضت للدهم، وتمركزت المليشيات في عدد من الطرقات والمرتفعات المواجهة للقرية، وأجبرت الأهالي على لزوم منازلهم وعدم الخروج منها.

وجاءت هذه الحملة على سكان القرية على خلفية رفضهم استقطاع أراضيهم والسماح لقادة بارزين في المليشيات بالبسط بقوة السلاح على معامل الأحجار والخرسانات التابعة لهم.

- الاعتداء على قرية بيت صائل في عمران

وفي أكتوبر الماضي أيضا، هاجمت مليشيات الحوثيين قرية "بيت صائل" بمنطقة غولة عجيب بمديرية ريدة في محافظة عمران بمختلف الأسلحة المتوسطة والخفيفة.

وردا على ذلك، لم يقف الأهالي مكتوفي الأيدي، بل باشروا بالرد على استهداف المليشيات لمنازلهم، وأحرقوا عددا من العربات، في حين لجأت المليشيات لاستخدام مدفعية الهاون في المواجهات قبل أن تنجح وساطات قبلية في التدخل لوقف المواجهات.

وأما دوافع ذلك الاعتداء فهي بسبب محاولة قيادي حوثي نهب قطعة أرض تابعة لأبناء الشيخ القبلي محسن صالح صايل، قبل نحو شهر من الاعتداء، ليعود القيادي ذاته، وبدافع الانتقام، بصحبة حملة عسكرية لاقتحام القرية واستهدافها بمختلف أنواع الأسلحة.

- الاعتداء على قبائل الحدأ في ذمار

وفي محافظة ذمار، ضاعفت المليشيات الحوثية الإرهابية حملاتها وانتهاكاتها بحق أهالي قبائل الحدأ، حيث تعمد إلى تغذية وتأجيج النزاعات والثأرات في أوساط صفوف القبائل في مديرية الحدأ، كما تقوم بإرسال حملات عسكرية لاختطاف المشايخ وأخذ العشرات من الرهائن في أسلوب مماثل لما كان يقوم به النظام الإمامي البائد.

وداهمت حملة عسكرية لمليشيات الحوثيين قرية "أعماس الجبل"، بمديرية الحدأ واختطفت الشيخ "محمد حسين الدعيس"، ونجله "حميد" وروعت الأهالي بمن فيهم النساء والأطفال، واقتادت عددا من الأهالي إلى جهة غير معلومة.

وخلال سبتمبر الماضي، قادت مليشيات الحوثيين عدة حملات عسكرية ضد عدد من مشايخ وعقال ووجهاء الحدأ في قرى (كومان، سنامة، سبلة بني بخيت، قرية تنن، والمليح)، واختطفت عشرات المواطنين والمشايخ كرهائن بذرائع واهية منها مزاعم محاولتها إيقاف حروب قبلية تغذيها في الأساس قيادات حوثية.

- اعتداء على قبائل في الجوف

وفي 4 نوفمبر الجاري، أكدت قبائل الجوف أنها لن تسمح لمليشيات الحوثيين الإرهابية بنهب أراضيها. وقالت القبائل إنها تدافع عن أرضها وإنها لن تسمح لمليشيات الحوثيين باستباحتها ونهبها بالقوة، كما تفعل في أراضي قبائل طوق صنعاء.

وكانت قبائل الجوف وعلى رأسها "همدان" قد تصدت لمحاولة حوثية بهدف السيطرة على أراضيها في منطقة "ساعد خمسان"، مما اضطر القبائل للانتفاض والسيطرة على المنطقة وطرد الحوثيين منها، وتمكنت القبائل من إحراق عربات تابعة لمليشيات الحوثي بعد اشتباكات معها.

- جرائم وانتهاكات متواصلة

وخلال الأعوام الثلاثة الماضية، نفذت مليشيات الحوثيين الإرهابية أكثر من 30 عملية تصفية لزعامات ورموز قبلية من الذين كانوا موالين لها في مناطق سيطرتها.

كما مارست المليشيات أساليب مذلة لمشايخ ووجهاء القبائل أمام أتباعهم، من خلال اقتحام أماكن إقامتهم ومنازلهم بعشرات المسلحين وقتلهم أو الاعتداء عليهم.

وخلال العام 2020، نفذت المليشيات العديد من التصفيات التي طاولت مشايخ ووجاهات اجتماعية، أثناء قيامهم بدور الوساطة لحلحلة مشاكل وقضايا المواطنين في مناطق نفوذهم، والبعض قتلتهم بذريعة أنهم لم يحشدوا أبناء قبائلهم للقتال في صفوف المليشيات.

كما عمدت المليشيات الإرهابية إلى وضع نهاية مأساوية للعديد من المشايخ والوجهاء الذين خدموها أكثر وأخلصوا لها في بداية انقلابها على الدولة، وعادة ما ينفذ هذه العمليات ما يسمى جهاز "الأمن الوقائي" التابع لها.

أيضا، تنفذ المليشيات عمليات استهداف ممنهجة ضد رموز القبائل والوجاهات الاجتماعية بهدف إزاحتهم بالقتل أو تحجيم فاعليتهم وأدوارهم وإخضاعهم لسيطرتها، أو استبدالهم بآخرين أكثر ولاء لها.

- إخراج القبيلة من معادلة الصراع

تعمل المليشيات الحوثية على إخراج القبيلة من معادلة الصراع وتطويعها لصالح السلالة وتهميش الرموز القبلية لتبقى القيادات السلالية للمليشيات الحوثية هي المتصدرة للمشهد الاجتماعي والسياسي، ولتحقيق ذلك هدمت المليشيات مختلف الأعراف القبلية الإيجابية من خلال إجبار مجنديها من أبناء القبائل على ارتكاب سلوكيات كانت القبائل تصفها بـ"العيب الأسود"، وذلك لطمس تلك الأعراف والتقاليد التي تعد بمنزلة إدانة أخلاقية للمليشيات الحوثية.

وكل هذا التنكيل بالقبائل ومشايخها الهدف منه تغييب دور القبيلة تماما، لتكون المليشيات السلالية العنصرية هي المتصدرة للمشهد السياسي والاجتماعي في مناطق سيطرتها، وهي من لها الصوت المسموع في أوساط أبناء القبائل، الذين تصنفهم المليشيات السلالية كمواطنين من الدرجة الثانية، وتريد منهم أن يكونوا مجرد مقاتلين في صفوفها، وليس من حقهم الحلم بأي شيء آخر.

واليوم تعمل المليشيات الحوثية على تجريد القبائل في مناطق سيطرتها من ممتلكاتها، وهذا النهب سيبدأ تدريجيا ليشمل كل شيء، كما تريد من القبائل أن تظل خزان وقود لمعاركها العبثية حتى وإن فنيت، وإلا ستظل مسرحا لانتهاكات وإجرام المليشيات الإرهابية.

بيد أنه في حال اتساع سخط القبائل على المليشيات الحوثية، فإن ذلك سيكون مؤشرا لثورة شعبية ضد المليشيات، بل فإن حالة السخط الحالية ضد المليشيات الحوثية ينقصها فقط التنسيق والوحدة والتنظيم والوعاء السياسي لتتحول إلى ثورة شعبية عارمة ضد المليشيات الإرهابية.

وبإمكان الحكومة الشرعية والتحالف الداعم لها بقيادة السعودية استغلال سخط القبائل على المليشيات الحوثية والتقدم صوب العاصمة صنعاء، فهذا سيشجع القبائل على الانتفاضة المسلحة وتحويل مناطقها إلى حاضنة اجتماعية للحكومة الشرعية وللجيش الوطني، كما أن حماية المواطنين من بطش المليشيات الإرهابية يعد من أهم واجبات الدولة حيال مواطنيها.

كلمات دالّة

#اليمن