الخميس 28-03-2024 20:30:33 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

في الذكرى الـ 55 لعيد الجلاء.. الاستقلال والوحدة ثنائية النضال اليمني الراسخة

الأربعاء 30 نوفمبر-تشرين الثاني 2022 الساعة 12 صباحاً / الإصلاح نت/ الصحوة نت - يزن قحطان

 

 

30 نوفمبر 1967 كان يوم الخلاص الأخير بالنسبة لليمنيين من الاستعمار البريطاني، بعد نحو أربع سنوات من الكفاح المسلح عقب اشتعال ثورة 14 أكتوبر 1963، في ذلك اليوم بدأ الثوار مساراً جديد لتحقيق بقية أهدافها التي هي مهمة شاقة أكبر من اجل تتويج مسيرة النضال الشاقة.

إنها مسيرة ملحمية سطرها الثوار ببسالة رفضا لمشروع المحتل الذي كان حينها، توغل في نفوذه خلال قرن وثلاثة عقود من الاحتلال، وترك إرثاً ثقيلاً لليمنيين في المحافظات الجنوبية، وأبرزها ربما حالة التفكك والسلطنات التي مثلت عنواناً بارزا للعقود الطويلة من الاستعمار.

كان طرد المستعمر والاستقلال الوطني ومن ثم الوحدة الوطنية، هما أبرز أهداف ثوار 14 أكتوبر، وعلى هذا كافحوا وقاتلوا بإمكانيتهم المحدودة أمام جبروت الإنجليز الذين كانوا القوة المستعمرة الأكبر حينها، لكنها كانت في ذات الوقت تجر خيبتها من المنطقة بعد اندلاع ثورات في معظم الدول العربية.

في الذكرى الـ 55 لعيد الجلاء وخروج آخر مستعمر بريطاني من جنوب اليمن، ربما تتكرر على اليمنيين مأساة التفكك وحالة التمزق التي يصنعها الطامعون في البلاد، بسبب موقعها الاستراتيجي الذي يجعل من اليمن هدفاً لكثير من الأجندات الإقليمية والدولية.

 

30 نوفمبر عيد الجلاء اليمني

تتحدث المصادر التاريخية أن اهتمام الاستعمار البريطاني باليمن يعود للقرن السابع عشر الميلادي عندما حاول احتلال جزيرة ميون الواقعة في مدخل باب المندب، ويعد الموقع الاستراتيجي وتحديداً عدن وسقطرى وباب المندب، التي تتحكم بطريق الملاحة البحرية بين الشرق والغرب، بالإضافة إلى الأهمية الجيوسياسية للإنجليز للتحكم بمستعمراتهم في شرق وجنوب أفريقيا وغرب وجنوب آسيا.

وفي 19يناير/ كانون ثاني 1839 تمكن الاحتلال البريطاني عملياً باحتلال مدينة عدن، واستطاع عقد اتفاقات مع غالبية السلطنات في الجنوب ضمن صفقات كان هدفها إبقاء الصراع وحالة التمزق على أن يكون الاستعمار متحكماً بالمنافذ البحرية في مدينة عدن بشكل خاص.

وفي منتصف القرن الماضي بدأت كثير من المعطيات الدولية تتغير عقب الحرب العالمية الثانية، ونشأت حركات تحرر عربي واسعة في معظم الدول العربية التي كانت محتلة من قبل بريطانياً، ووصلت تلك الشرارة الثورة إلى جنوب اليمن، حيث بدأت شرارة الثورة مسلحة في 14 أكتوبر/ تشرين أول 1963، واستمرت حالة الثورة أربعة أعوام وصولاً لخروج آخر جندي بريطاني من العاصمة عدن.

في 30 نوفمبر/ تشرين ثاني 1967 تم إعلان الاستقلال الوطني وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، وأصبحت الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن تتولى مسؤولية الحكم، والتي عينت قحطان محمد الشعبي رئيساً لمدة سنتين، وتم إعلان تقسيم سياسي وإداري جديد للمحافظات الشمالية والشرقية 6 محافظات و30 مديرية بعد أن قسمها الاستعمار البريطاني إلى 21 إمارة وسلطنة ومشيخة، بالإضافة إلى مستعمرة محمية عدن.

 

التفكك كمشروع للمحتل

كان دعم السلطنات مشروع المحتل لتعزيز بقائه، فقد كانت كل سلطنة لها كيانها السياسي والإداري وحدودها وعلمها وجواز سفرها وجهازها الأمني، والمرتبطة في الأخير بالمندوب السامي البريطاني في عدن.

إنعكس ذلك التفكك حتى على مسيرة الكفاح المسلح وما تخلله من تباينات بين فصائلها حيث دفعت إلى التصادم والاقتتال أكثر من مرة، والالتهاء عن العدو الأكبر المتمثل في الاستعمار البريطاني، لكن في العام 1967 تكتلت كافة القوى الوطنية بقيادة الجبهة القومية، وهو ما ساعد في تفعيل العمليات المسلحة ضد قوات الاحتلال.

يرتبط التفكك بمشروع المحتل، بينما تبرز الوحدة كهدف للاستقلال الوطني، وتلك ثنائية متلازمة في تاريخ الشعوب والأوطان، كما أن ذلك له ارتباط وثيق بالتاريخ اليمني الحديث على الأقل، فعندما يستعيد اليمنيين حالة التفكك والسلطنات في جنوب اليمن، فذلك كان مرتبط ببقاء الاستعمار البريطاني.

صنع الاحتلال حالة التشرذم في المحافظات اليمنية جنوب اليمن، كإستراتيجية لإبقاء سيطرته المطلقة على مدينة عدن (عاصمة الجنوب سابقاً) والعاصمة المؤقتة حالياً، بالإضافة إلى المنافذ البحرية التي تؤمن طريق التجارة والمصالح الدولية التي تعود بالربح الاقتصادي، وإبقاء اليمنيين على الفتات وحالة التمزق.

ربما يتكرر التاريخ الآن بسيناريوهات متشابهة بعد أكثر من نصف قرن على جلاء المستعمر البريطاني، في إبقاء حالة الحرب وربطها بمشروع الانفصال والتمزق في المحافظات اليمنية الجنوبية تحديداً، بعد أن استفردت ميلشيات الحوثي بغالبية محافظات شمال اليمن، ذلك المسار يراد له أن يفرض كأمر واقع ربما.

 

استهداف الهوية الوطنية

إلى جانب إبقاء وتعزيز حالة الانقسام والنزعات القبلية والمناطقية كان الاحتلال البريطاني يستهدف الهوية الوطنية للمحافظات الجنوبية المحتلة، وفصلها عن عمقها اليمني في استحداث تسميات تعزز فكرة المحتل الذي سعي للانفراد بفكرة إبقاء الانفصال الكلي بين الجنوب والشمال اليمني.

عزز الاحتلال الهويات الصغيرة في المحافظات الشرقية الجنوبية، من خلال تنمية النزعات المناطقية المحلية وترسيخ العدوات المحلية في محيطها من المحافظات الأخرى والفئوية على مستوى القبائل والسلطنات، في عملية ممنهجة تعمق الخلافات والصراعات البينة، وبذلك تضمن سلخ تلك المناطق عن هويتها الوطنية اليمنية.

ففي عام 1954 قدم الاستعمار فكرة إقامة كيانين اتحاديين فيدراليين حسب التقسيم الإداري في السلطنات، تحت مسمى "دولة الجنوب العربي الاتحادية"، على أن تبقى مستعمرة عدن خارج الاتحاد ويكون للمندوب السامي، رئاسة الاتحاد والعلاقات الخارجية، وفي 19فبراير 1959 أُعلن رسمياً عن قيام اتحاد إمارات الجنوب العربي، وربما بعد عقود من رحيل المستعمر تعود التسمية ذاتها في شعارات الانفصال.

كان الكيان المشوه للاحتلال هي اعلان أكثر وضوحاً في مخطط سلخ الجنوب عن هويته اليمنية، في عملية تزييف للحقائق التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية، واستهداف للهوية الوطنية الجامعة لصالح الهوية محلية المصطنعة، وتعميق النزعة الانفصالية التي وجدت ذاتها في كيانات كان المحتل يخطط لتوسيع نفوذها لتكون حليفة المستعمر بعد رحيله.

لم يكن التقسيم هدف المحتل على المستوى الجنوبي فقط، بل كان التشطير في كيانين جنوب وشمال هو هدف مشترك للإنجليز والأتراك في القرن الثامن عشر، وعرفا لاحقاً باليمن الشمالية والجنوبية وتم تعميد هذا الانشطار بخط حدود النفوذ البريطاني- العثماني (1902- 1904) وتسجيله رسمياً في 1914 عندما وقع الطرفان معاهدة ترسيم الحدود والتي مثلت أول إقرار رسمي موثق لتقسيم اليمن سياسياً وجغرافياً، ورغم ذلك بقي اليمن موحدا بكل شيء اجتماعيا ونضالياً ضد في الثورات المجيدة شمالاً وجنوباً.

 

الوحدة كمشروع استقرار

كانت ومازالت الوحدة على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، مشروع قوة لأي أمة من الأمم المختلفة كلياً في الأساس، وهذا لا ينطبق مطلقاً على اليمن، فهي أمة ودولة واحدة عبر التأريخ، وكل التباينات والاختلافات كانت مشاريع عابرة للقيمية الأساسية والمبدأ النضالي الراسخ.

ففي الثورات اليمنية سواء ضد الامامة والمستعمر، تم انجاحها في نضال مشترك وربما أيضاً كان مشروع الأمة العربية الواحدة التي انتفضت مجتمعة ضد المستعمر، ففي خطاب الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر بمدينة تعز، حيث قال: "أنتم شعب  يمني  واحد،   أراد الاستعمار أن  يفرق بينكم، وأراد أن  يجعلكم شيعًا وأحزابًا، ولكن إرادة الله وإرادتكم كانت فوق إرادة الاستعمار ، ولم  يفلح الاستعمار ولم تفلح الرجعية (الإمامة) في  أن تقسمكم وأن تفرق بينكم".       

وكان الزعيم الاشتراكي الراحل عبد الفتاح إسماعيل (كان رئيس لجنوب اليمن) يرى أن البلاد بحاجة ماسة إلى وعي حقيقي بخطورة المفاهيم التشطيرية التي غرسها الاستعمار والإمامة والإقطاعيين، من جانبه كان يرى رئيس حكومة ما بعد ثورة 26 سبتمبر الراحل محمد أحمد نعمان الوحدة اليمنية بأنها "أمٌ لكل اليمنيين، وينبغي التعامل معها على هذا الأساس، لا يمكن إلاّ أن نحبها مهما كانت، وبأي شكل بدت، قدرنا الذي لا يمكن أن نوجد بدونه".

في الحقيقة شكلت تلك الرؤى المشتركة للزعامات التأريخية في اليمن، النواة الأساسية للنضال الوطني المشترك من أجل تحقيق الوحدة الوطنية في 22 مايو 1990، باعتبارها المنجز الأعظم الذي ممكن أن يقدم لليمنيين من زعاماتهم سواء في الشمال أو الجنوب، حيث كانت هدفاً مشتركاً.

تعود مشاريع التقسيم والانفصال بذات الأهداف والأطماع، وربما بذات الأوضاع غير المستقرة لليمن في الصراع والحرب، فتلك البيئة هي من هيأت للأجندات الخارجية العمل بحرية على مشروع إعادة اليمن الى التقسيم والنزعات المناطقية التي ربما تبرز كرديف لحالة الفوضى السياسية في البلاد.