الجمعة 19-04-2024 04:44:10 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

مليشيا الانقلاب الحوثي.. حرب على القيم ونشر للجريمة

الأربعاء 09 نوفمبر-تشرين الثاني 2022 الساعة 06 مساءً / الإصلاح نت - خاص | صادق عبد المعين

 

"الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها"، هكذا خلد ابن خلدون مقولته التاريخية قبل أكثر من سبعة قرون، وهي مقولة تصف اليوم واقعا تسعى مليشيا الحوثي إلى تكريسه في المجتمع، من خلال مصفوفة من الإجراءات والممارسات التي تقوم بها في مختلف المناطق التي تسيطر عليها، حيث تسعى إلى خلق واقع جديد منفلت عن القيم مليء بالانحرافات ومكتظ بالمخالفات.

وفي الوقت الذي تدعي فيه مليشيا الحوثي حفاظها على القيم في المجتمع وحراستها للفضيلة، فقد عملت على تدمير تلك القيم بطرق مباشرة وغير مباشرة، بمزيد من الإجراءات والممارسات الإجرامية، بالإضافة إلى طريقتها العبثية التي تدير بها البلاد بعيدا عن القانون والتشريعات الدستورية، مع سعيها الحثيث إلى تغيير طبيعة المجتمع اليمني، وإدخال عادات وقيم ظلامية وأفكار منحرفة، لا تتفق مع قيمه وثقافته وهويته، ولا تتناسب مع طموحاته في بناء الدولة المدنية الحديثة.

تغلغل إيراني

وقد توصلت دراسة نشرت مطلع العام الماضي 2021 إلى أن الحوثيين "حولوا التعليم لأداة نشر القيم والثقافة الإيرانية لبسط نفوذها في اليمن".

ويقول التقرير الذي أعده معهد "إمباكت أس إي" الدولي المعني بمراقبة المناهج والكتب المدرسية في جميع أنحاء العالم والذي نشره بموقعه الإلكتروني، إن "إيران أصبحت متغلغلة من خلال الحوثيين في مراكز التعليم الابتدائي ومعاهد التعليم العالي في اليمن".

ويشير تقرير "إمباكت أس إي" الدولي إلى أن اليمن قبل انقلاب الحوثيين كانت نسبيا مستقرة ومفعمة بالأمل، "في هذا الصدد انتهز الحوثيون هذه الفرصة وأصبحوا الوكيل المخلص لإيران في الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية إدراكًا للحاجة إلى إضفاء القيم والثقافة الإيرانية بين وكلائها البعيدين، أصبح التعليم نقطة محورية لبناء إمبراطورية طهران".

ويحذر المعهد الدولي في تقريره من أن نموذج التعليم الذي يستخدمه الحوثيون في اليمن قد يقدم مزيدًا من الأفكار حول "مشكلة تلوح في الأفق بشكل كبير في الشرق الأوسط".

إهانة النساء

المرأة اليمنية والتي حظيت لقرون مضت بمكانة مرموقة، واحترام وتقدير في واحدة من قيم المجتمع اليمني وتقاليده وأعرافه، حيث كان المجتمع يجرم الاعتداء على المرأة ويعتبر ذلك انتهاكا خطيرا، ويعده عيبا أسود، لما كانت تتمتع به المرأة من حصانة مجتمعية ومكانة مهمة ورفعة مرموقة.

بيد أن تلك المكانة والحظوة المجتمعية للمرأة ما لبثت أن انهارت تحت وطأة العبث الحوثي بالمنظومة القيمية للمجتمع، غير واضعة تلك المليشيا أدنى اعتبار لقيمه وعاداته وأعرافه.

فقد سعى الحوثيون إلى النيل من مكانة المرأة وإهانتها وإذلالها، وممارسة كافة الجرائم والانتهاكات بحقها، في الوقت الذي لم يكن يتجرأ فيه أحد من أبناء المجتمع على التلفظ بأدنى كلمة مسيئة لها، أو التعرض لها بسوء، إذ يعتبر ذلك وفقا للأعراف اليمنية إساءة للمجتمع برمته، ليصل الحال في ظل سيطرة الحوثيين وسطوتهم إلى الاعتداء بالضرب على المرأة اليمنية، وسحلها واختطافها وممارسة أبشع صنوف التعذيب بحقها، وتوجيه أقذع الألفاظ وأقبح التهم إليها وحرمانها من أبسط حقوقها.

وقد كشفت مصادر حقوقية عن اختطاف مليشيا الحوثي الانقلابية أكثر من 1700 امرأة يمنية خلال الفترة من 2014م وحتى 2022م.

ووفقا لندوة نظمتها "الرابطة الإنسانية للحقوق" في وقت سابق على هامش انعقاد الدورة الـ50 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، فإن عدد المختطفات في سجون المليشيا الحوثية 1714 امرأة، بينهن 504 معتقلات في السجن المركزي في صنعاء ونحو 291 إخفاء قسريا في سجون سرية أخرى.

وأوضحت أن مليشيا الحوثي أصدرت عبر الأجهزة القضائية الخاضعة لمليشياتها 193 حكماً غير قانوني ضد النساء بتهمٍ منها التجسس وشبكات الدعارة والحرب الناعمة.

ولم تتوانَ المليشيا الحوثية في تكثيف جهودها لاستهداف المرأة بشتى الوسائل، بل عملت على استغلالها أبشع استغلال، واستهدفتها بطرق مباشرة وغير مباشرة، فكانت ولا زالت هدفا للقتل، والاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب، فضلا عن النزوح من منطقة إلى أخرى، مما أدى إلى زيادة تعرضها للعنف بشكلٍ كبير.

عبث ممنهج

قيم التسامح والتعايش والإخاء كان لها النصيب الأوفر من حرب المليشيا الحوثية وعبثها الممنهج، فقد سعت المليشيا إلى تقويض السلم والتعايش، الذي كان سائدا في المجتمع، والذي كان يمثل أبرز السمات والمميزات، فقد ظل المجتمع اليمني محضنا للعديد من الأديان والطوائف والمذاهب، في مشهد فسيفسائي جميل، ولوحة مجتمعية أكثر روعة عكست قيم التسامح والتعايش والقبول بالآخر، بكل مكونات الشعب المتنوعة، الدينية والطائفية والمذهبية، فقد باتت مليشيا الحوثي تشكل خطراً حقيقياً على التعايش والسلم الاجتماعي في اليمن، بعد أن مارست التهجير القسري للكثير من الأسر اليمنية وفجرت منازلها بدوافع عنصرية ومذهبية، ولاحقت المعارضين لسياستها، وإحلال الآلاف ممن ينتمون إلى سلالتها في المؤسسات الحكومية بدلاً من الموظفين الرسميين.

وبدلاً من التربية الوطنية وإشباع الروح لدى الأطفال وتغذيتها بمنهج السلم والإخاء، من خلال الاستماع للأغاني الوطنية التي كانت مادة دسمة في الإعلام الرسمي قبل الانقلاب أو تلك الداعية للحب والسلام والحياة، وعرض الأفلام والبرامج الهادفة، فقد حلت محلها زوامل وصرخات الموت والدمار والخراب والإرهاب التي صارت تتلقفهم وتتخطف أرواحهم، ليصبح الموت هو الوطن والقتل هو الوطنية، والعنف هو الرجولة في نظر الصغار وهم يتشربون الزوامل المشحونة بالكراهية والعنف التي لا تخلو منها الإذاعة والتلفزيون وباص المدرسة والمسجد وقاعات الأعراس والمناسبات العامة.

أفكار ضالة ومضرة

وبحسب الكاتب والباحث "أنور الخضري" فإن قيم المجتمع هي نتاج عدة عوامل منها "الدين الصحيح، والأخلاق الفاضلة، والأعراف السوية، والتربية الراشدة، والتعليم السليم، والقوانين والنظم الضابطة لحركة الناس"، وهي العوامل التي سعت المليشيا الحوثية إلى تحريفها وتعطيلها وإفراغها من مضامينها من خلال التعسفات والانتهاكات والإجراءات التي تقوم بها المليشيا.

ويقول "الخضري"، في حديثه لـ"الإصلاح نت"، إن مليشيا الحوثي "جاءت بتدمير هذه الجوانب جميعا، فعادت الدين الصحيح، وأتت بأرذل الناس خلقا وتسيدت بهم، وهمشت الأعراف السوية، وعوقت عملية التربية والتعليم من الأسرة إلى المدرسة إلى الجامعة، وأسقطت القوانين وأحلت مكانها القوة والبطش والتبعية".

ويشير الخضري إلى أن مليشيا الحوثي "حركة تفتقد للمدنية الإنسانية فضلا عن المدنية الدينية، لذلك هي لا تصنع سوى الموت والخراب، بمعنى آخر ستجد في الشرق والغرب أحزابا سياسية وحركات مجتمع مدني تحقق لشعوبها عادات نافعة وتقاليد صالحة وتهتم بالتعليم والتربية فتقيم عمرانا وتطورا حتى وإن كان بعضها ملحدا، لأنهم يسترشدون بعقولهم وإن لم يهتدوا بالدين".

ويستدرك الخضري بالقول: "غير أن مليشيا الحوثي لا تملك دينا ولا خلقا ولا عقلا، عدا ركام من الأفكار الضالة بل والمضرة، لهذا تحول المجتمع إلى حالة من الفقر والجوع والجريمة والسلب والنهب والسفالة".

جبابرة قهر وهوامير نهب

وعن صور ومظاهر العبث بالمنظومة القيمية للمجتمع اليمني، يورد الباحث أنور الخضري بعضا منها بالقول: "تعطيل وظيفة المساجد ودور القرآن ومجالس العلم وحلق الذكر وتدمير مؤسسات التعليم وتبديل المناهج وتمكين أراذل الخلق من رقاب الناس ممن لا قيمة لهم لا في دين ولا في علم ولا في خبرة، سوى أنهم جبابرة قهر وهوامير نهب ومرتزقة قتال".

ويضيف الخضري متسائلا: "ماذا حققت اليمن منذ مجيء الحوثيين سوى الخراب والدمار والجهل والمرض والطبقية والعصبية والتفكك الأسري والمجتمعي والعنف والإجرام.. أخلاق الناس اليوم في ظل سلطة هذه المليشيا لولا بقية من دين فيهم وأعراف وضمير لكنا في مشهد قاتم بشكل كامل".

وينهي الكاتب والباحث "أنور الخضري" حديثه بالقول: "مليشيا الحوثي أكبر همها البطنين والولاية وآل البيت والسيد والخمس، دون أي أثر حسن وقدوة حسنة، وأعظم إنجازاتها هي تلك المقابر التي لا تعبر فقط عن وفاة الأجساد بل ووفاة الأرواح حيث الهرج والمرج والقتل والقتال، ثم يحدثونك عن الهداية والهادي، علما بأن نور الهداية لو ظهر لكان السلام والخير والأمن والإحسان هو المظهر الأعم، لكن هذا من دجل الدجاجلة عبر تاريخهم المرير".

نسخة داعشية

وقد سعت المليشيا الحوثية إلى تحسين صورتها وتلميع وجهها القبيح باقتحامها للحياة العامة وتدخلها في خصوصيات الناس، من خلال بعض الإملاءات والإجراءات التي اتخذتها بحق المواطنين في مختلف المجالات بمزاعم الحفاظ على الأخلاق والقيم وأطر الناس عليها.

مؤخرا أغلقت المليشيا الحوثية عدداً من النوادي والمقاهي وصالونات التجميل ومراكز العناية الصحية ونوادي السباحة في العاصمة صنعاء، ومنعت بيع الشيشة الإلكترونية، وأتلفت المئات من الحقائب المدرسية، بحجة وجود رسوم مخالفة للقيم الدينية وثقافة المجتمع، في ممارسات يصفها السكان بأنها أشبه ما تكون بممارسات داعش.

وفرضت المليشيا في المدارس والجامعات قيوداً على الطلاب تتعلق بالملابس، وتعدّت ذلك إلى منع الأحاديث بين الذكور والإناث، وفرضت هذه القيود حتى على المعلمين، وتدخلت في خصوصيات الجميع.

ولم تقتصر إجراءات الحوثيين التعسفية عند هذا الحد من التضييق وفرض الرقابة بل وصل الحال بهم إلى تحديد قصات معينة للشعر وموضات محددة للملابس وعباءات النساء ومنع زفات الأعراس والحفلات الغنائية، وتكسير مجسمات عرض الملابس والإكسسوارات، وإتلاف اللافتات واللوحات الخاصة بالمحال التجارية، وغيرها من الممارسات التي تحاول المليشيا الحوثية من خلالها أن تظهر بمظهر حامي القيم والفضيلة وحارسها الأمين.

تنامي الجريمة

وتأتي هذه التصرفات والممارسات المشينة في الوقت الذي تشهد فيه مناطق سيطرة الانقلابيين ارتفاعا ملحوظا وغير مسبوق لنسبة الجريمة وتسجل فيه أرقاما قياسية، في ظل صمت مطبق من قبل مليشيا الحوثي والتي تمثل سلطة الأمر الواقع والمسؤولة مسؤولية مباشرة عن إحلال الأمن وضبط الجريمة في مناطق سيطرتها.

فقد انتشرت جريمة السرقة ونهب المحال التجارية والسيارات والدراجات النارية والتقطعات على نحو غير مسبوق، كما برزت جريمة قتل الأقارب على نحو ملفت لا سيما الوالدين والأبناء، حيث تم توثيق العديد من الجرائم التي تم فيها قتل الأبناء والوالدين بطريقة بشعة، دون اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال ذلك، بالإضافة إلى ازدياد عدد جرائم الاختطاف والتي شملت العديد من الأطفال من الجنسين، في ظاهرة باتت تشكل قلقا كبيرا للمجتمع اليمني، إضافة إلى أنواع أخرى من الجرائم التي انتشرت بشكل كبير منذ انقلاب الحوثيين وسيطرتهم على السلطة قبل ثماني سنوات.

كلمات دالّة

#اليمن