الجمعة 19-04-2024 08:26:34 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الجيش الوطني والمقاومة الشعبية.. مواقف بطولية ومسيرة رائدة في النضال الوطني

السبت 30 يوليو-تموز 2022 الساعة 06 مساءً / الإصلاح نت-خاص | صادق عبدالمعين
 


على الرغم من المحطات الهامة والأحداث الصعبة والمتغيرات الفارقة التي مر ويمر بها الجيش الوطني اليمني منذ بداية تأسيسه مع بزوغ فجر ثورة السادس والعشرين من سبتمبر من العام 1962، إلا أنه ظل متماسكا وصلبا طيلة مسيرته النضالية، رغم الاستقطابات الجارية على قدم وساق، ومحاولة إضعافه وحرفه عن مساره الوطني، والعمل على إحداث اختراق في صفه الجمهوري، ومع ما يعانيه ويفتقر إليه من التأهيل والتدريب والإعداد والتسليح.

 

نقطة الانطلاق

عرف اليمن أول جيش نظامي رسمي عقب ثورة 26 سبتمبر 1962، شمال البلاد، على يد مجموعة من الضباط الأحرار بدعم وإشراف مباشر من الجيش المصري. أما في جنوب اليمن، فقد نشأ الجيش عقب ثورة 14 أكتوبر بين عامي 1963 و1967، بعد جلاء الاستعمار البريطاني، ليلتحم الجيشان مع قيام دولة الوحدة اليمنية عام 1990، حيث دُمج جيشا الشطرين ليعلن الالتئام والالتحام في كيان واحد، ويشكل درعا حصينا وحارسا أمينا للوحدة اليمنية المجيدة.

وقد أدى هذا الاندماج إلى تعزيز قوة المؤسسة العسكرية وتبادل الخبرات وتعدد الكفاءات داخل الجيش اليمني الواحد، وفي أوساط المؤسسة العسكرية الواحدة، مما خلق تنوعا عسكريا ساعد في إيجاد جيش موحد ومهني أكثر قوة وصلابة بخبرة عسكرية وكفاءة قتالية عالية لمواجهة المؤامرات التي استهدفت اليمن ووحدته وأمنه واستقراره.

وقد خاض الجيش اليمني سلسلة حروب للتصدي لتمرد مليشيات جماعة الحوثي التي أشعلت ستة حروب متوالية ضد البلد وجيشه الوطني( 2004-2010)، كان لها أثر كبير في انهاك الجيش وتدمير قدراته، وقد أبلى الجيش حينها- ولا يزال- بلاء حسنا، وهو يقدم اليوم تضحيات جسيمة من خيرة رجالاته في التصدي للانقلاب الحوثي واستعادة الدولة كان أبرزهم العميد "حميد القشيبي" واللواء "عبد الرب الشدادي" والعقيد "نصر الربية" والعميد "عبد الغني شعلان" واللواء "صالح الزنداني" واللواء "ثابت جواس" وغيرهم.

اندلعت شرارة الحرب الأولى ضد المليشيات الحوثية المتمردة في 18 يونيو 2004، واشتعل فتيل المعارك بين الجيش اليمني ومليشيا الحوثي بعد مقتل ثلاثة جنود على يد ماسمي حينها تنظيم "الشباب المؤمن"، وهي التسمية التي اعتمدها المدعو حسين الحوثي (مؤسس الجماعة) للشباب والأطفال الذين كانوا يدرسون مناهجه، واستمرت المعارك حتى سبتمبر 2004 بعد أن تمكن الجيش الوطني من الوصول إلى موقع حسين الحوثي وقتله مع عدد من أنصاره.

 

مرحلة قاسية

وبعد أول تمرد في تلك الفترة توالت الهجمات تباعا ضد الجيش اليمني، وخاض فيها الجيش معارك شرسة مع جماعة الحوثي المتمردة، في الوقت الذي سعى فيه الحوثيون من خلال مليشياتهم المسلحة إلى مد نفوذهم والبسط على أجزاء واسعة من محافظات الجمهورية بعد أن اتسعت رقعتهم في محافظة صعدة، ولم يتوان منتسبو الجيش الوطني أفرادا وضباطا وقادة في تقديم التضحيات بأرواحهم في سبيل حرية هذه البلاد وأمنها واستقرارها من الخيانة الحوثية، ماضين في ضرب أروع الأمثلة في البطولة والصمود، مقدمين خيرة ما في صفوفهم، منطلقين برفقة أسلحتهم لهزيمة المليشيا الحوثية وتكبيدها خسائر فادحة واستنزاف الكثير من قياداتها العسكرية ومليشياتها المدعومة من إيران.

غير أن أقسى المراحل التي مر بها الجيش الوطني في مسيرته النضالية هي فترة ما بعد انقلاب 21 سبتمبر 2014 الذي قامت به جماعة الحوثي الإرهابية على الحكومة الشرعية، إذ مر الجيش الوطني بمحنة حقيقية وامتحان صعب، وتعرضت وحداته العسكرية بمختلف أنواعها لاستهداف مباشر من زمرة الانقلاب وأعداء الوحدة والجمهورية لا سيما الوطنيين منهم، وتعرضت المؤسسة العسكرية ـالتي تم بناؤها وإعدادها لما يربو عن خمسين عاما- لمؤامرة وخيانة ممنهجة بهدف النيل من منتسبيها والتخلص منهم.

 

موقف قتالي رائع

ومع سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة من البلاد، والتهامهم لعاصمة الدولة اليمنية في سبتمبر 2014، وتقدمهم نحو عدن وتعز ومأرب مطلع العام 2015 وتوسع رقعة نفوذهم، بدأت حالة من الهجرة لأعداد كبيرة من منتسبي الجيش أفرادا وضباطا في شتى الاتجاهات لا سيما شرقا نحو مأرب التي وقفت صامدة أمام زحف الحوثيين وحلفائهم، وكسرت شوكتهم، وأجهضت مشروعهم التخريبي، وأفشلت مساعيهم الرامية إلى السيطرة الكاملة على كل أراضي الدولة شمالا وجنوبا وشرقا غربا.

ويسيطر الجيش الوطني والمقاومة الشعبية على المناطق الإستراتيجية التي تتمتع بأهمية كبرى والتي تتركز فيها المصالح الاقتصادية والجغرافيا الأهم في البلاد.

وعلى الرغم من الإمكانات المحدودة والظروف الحالية المحيطة بالجيش والتي قد تمثل تحديا كبيرا، إلا أن وحداته تنتشر على جغرافيا واسعة من البلاد، إضافة إلى أكثر من 22 محورا قتاليا مع الحوثيين، بالإضافة إلى ضعف التسليح وضعف أداء الحكومة وقصر المدة التي أتيحت لإعادة تنظيمه في ظل الحرب، إلا أن الجيش يبدو في موقف قتالي أكثر كفاءة وتماسكا مع بعض القصور الذي لا يقلل من أهمية دوره ولا يضعفه أمام مليشيات الحوثيين.

 

منجزات عسكرية

وعما حققه الجيش الوطني اليمني منذ بداية الانقلاب وحتى هذه اللحظة، يرى المحلل السياسي والعسكري الدكتور "علي الذهب" في حديث خاص لـ "الإصلاح نت" أن الجيش الوطني حافظ على دعائم الدولة وأركانها، وساعد على تماسك وإعادة بناء الجيش بعد انهياره والسيطرة عليه من قبل الحوثيين.

لكنه ووفقا للدكتور علي الذهب: "اضطر الجيش لظروف أو لأخرى إلى إعادة بناء هياكله المختلفة من الصفر نتيجة لسيطرة الحوثيين على هياكل وزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات والدوائر والهيئات المساعدة اللوجستية والطبية والتموينية والإعلامية وهيئات ودوائر تدعم نشاط الجيش وعملياته، فبدؤوا من الصفر".

إضافة إلى ما سبق يذكر "الذهب" إنجازا آخر استطاع الجيش الوطني تحقيقه وهو أنه "أوقف تقدم الحوثيين في المناطق الإستراتيجية التي لو استطاعوا السيطرة عليها لكان من المحال وقف هذه الجماعة وأطماعها ولطالت الحروب لعقود، من ذلك مناطق النفط والطاقة في شبوة ومأرب وحضرموت والجوف".

 

دور إستراتيجي

ونوه الذهب بالقول: "استطاع الجيش أن يكون قاعدة صلبة للكيان السياسي للدولة في التفاوض والتعبير بها في الخارج كسلطة تمتلك جيشا وتدير مصالح عبر هذا الجيش"، بالإضافة إلى أن الجيش "استطاع أن يخوض معارك وصل فيها إلى مشارف العاصمة صنعاء، وساعد بشكل كبير المقاومة الشعبية في بعض المحافظات الجنوبية للتصدي للحوثيين، لأنه لو لم يكن لهذا الجيش من دور في تعز أو في الجوف أو في مأرب لوفر الحوثيون وحلفاؤهم الجهد المبذول في هذه المناطق في توجيهه لغزو الجنوب، واستمرار السيطرة عليه".

وأكد أن هذا الجيش "استنزف كثيرا من قدرات الحوثيين، فما استطاعوا البقاء أو الاستمرار هناك أو معاودة الكرة في اتجاه المناطق الجنوبية حتى الوضع الراهن. هذا الجيش يمثل السياج الصلب أمام محاولة الحوثيين اختراق الجغرافيا للمحافظات الجنوبية والوسطى والشرقية".

 

في مواجهة التحديات

وعن التحديات التي واجهها الجيش طوال ثماني سنوات من عمر الحرب، يذكر المحلل العسكري تحديات تتعلق ببنيته الهيكلية وإعادة دمجه في هيكل وزارة الدفاع، حيث يقول: "ما زال القادة الموجودين فيه هم الذين صنعتهم الحرب، وهؤلاء بذلوا جهودا كبيرة في التصدي للحوثيين ومحاولة الإبقاء على معالم الدولة المتاحة، ولكن المرحلة تقتضي أن تتاح الفرصة أيضا لذوي الخبرات الذين أقصوا أو انحازوا أو تركوا المواجهة لسبب أو لآخر ".

ويضيف: "هذه العملية تتطلب إرادة سياسية قوية، وتتطلب كذلك دعما إقليميا لإسناد الجيش لوجستيا وماديا وعسكرياً.
ومن الأهمية بمكان انتظام رواتب الجيش، حيث يجب أن تصرف هذه الرواتب لمن هم في الميدان، أو لعذر مبرر قانونا، سواء كان للابتعاث الخارجي أو المرض أو الإعاقة أو الجرحى أو المفقودين أو الاستشهاد، وهذا ما نص عليه قانون الخدمة للقوات المسلحة".

وفي نفس السياق يذكر "الذهب" تحديا ماديا يتعلق بالتسليح بالقول: "لا زال تسليح الجيش يقتصر على أسلحة المشاة، لذلك إما أن يتسلح الجيش أو يصبح لقمة سائغة أمام أعدائه الذين يحصلون على الأسلحة بمختلف الطرق".

 

عقيدة راسخة ممتدة

يستند الجيش الوطني بمختلف تنوعاته وتشكيلاته على عقيدة إسلامية ووطنية خالصة تقوم على الولاء الوطني والهوية اليمنية الإسلامية، وتاريخ نضالي وإرث من التضحيات والبطولات ممتد لمئات السنين في مواجهة المشاريع التخريبية والمشاريع الصغيرة، والأطماع الاستعمارية والمخططات الخارجية المتربصة باليمن والجوار الخليجي والمنطقة برمتها.

وتشكل الحرب التي يخوضها الجيش الوطني امتداداً وطنياً لنضالات طويلة خاضها الجيش اليمني ضد مشاريع الملالي وأدواتهم منذ عقود، إذ خرج هذا الجيش من رحم اليمن كامتداد لأهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر، واستلهاما للكثير من المبادئ والقيم النضالية والثورية من ثوارهما وأبطالهما وانعكاسا لتلك الثورات وصدى لأمجاد اليمن وحضارتها وضرورة حتمية لإنقاذ حاضر اليمن ومستقبلها، من عبث العابثين وأطماع المتآمرين.

 

يد أخرى في الكفاح

وقد استند الجيش الوطني إلى جدار صلب وقاعدة شعبية متينة تمثلت بالمقاومة الشعبية التي مثلت اليد الأخرى في البطولة والنضال، وانطلقت المقاومة في شقها الشعبي بدوافع فردية وقبلية وبقيادات شجاعة تتمتع بالخبرة والحنكة العسكرية للتصدي لتمدد الحوثيين باتجاه المحافظات الأخرى خاصة بعد تفكك بعض تشكيلات الجيش اليمني الرسمي وقبل أن يعيد تجميع صفوفه ويشكل ألويته تحت قيادة جديدة وبناء هيكل عسكري جديد، ومن أبرز قيادات المقاومة الشعبية تلك التي كان لها أثرها الإيجابي في انطلاق المواجهة الشعبية والتصدي للإنقلاب الحوثي الشيخ "حمود المخلافي" والعميد "صادق سرحان" والشيخ "عبد القوي الحميقاني" والعميد "أحمد البحش" والشيخ "عبد الرحمن حجري" والشيخ "منصور الحنق".

ضمت المقاومة الشعبية كل أطياف المجتمع اليمني القبلية والسياسية والمدنية وخاصة فئة الشباب ومن كافة المدن والمناطق، لتشكل بالإضافة إلى ألوية الجيش اليمني الرسمي الموالية للشرعية المعترف بها دوليا قوة عسكرية موحدة.

وقد اعتمدت المقاومة الشعبية اليمنية -في بدايتها- إستراتيجية حرب الاستنزاف والبقاء في مواقعها، نظرا لما كانت تمتلكه من أسلحة خفيفة ومحدودة مقارنة بأسلحة التدمير الثقيلة التي كانت تتوفر لدى المليشيات الحوثية، مما قلل من خسائرها بالنظر إلى حجم الخسائر التي تكبدها الحوثيون، من خلال اعتمادهم على التقدم والهجوم.

ومع ما عانته المقاومة الشعبية في أشهرها الأولى من نقص الخبرة والتدريب العسكري، خاصة أنها تنازل قوة نخبة مدربة بتحالفات قبلية يقودها الحوثيون، إلا أنها ومع مرور الأيام نضجت أساليبها وتطورت أسلحتها وتكتيكاتها واكتسبت خبرات قتالية، وبدأت نجاحاتها الحاسمة بتطهير مدن ومديريات من الحوثيين وحلفائهم وصولا لتحرير محافظات بالكامل، إضافة إلى تكبيد المليشيات الحوثية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.

 

توحيد الصف ضرورة

وإلى جانب المقاومة الشعبية اليمنية التي باتت تشكل رقما صعبا في مواجهة الجماعة الحوثية المتمردة، فإن ثمة تشكيلات عسكرية متعددة وبإمكانيات كبيرة وأسلحة متطورة، تشكلت خارج إطار الجيش اليمني ومؤسسته العسكرية الرسمية.

ويرى مراقبون أنه بات من الضروري جدا أن تتخذ الحكومة الشرعية قرارا بدمج تلك التشكيلات وغيرها ضمن المؤسسة العسكرية لمنع أي مواجهات مسلحة في كافة أنحاء الجمهورية، وتهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات تحت قيادة وطنية موحدة في إطار سيادة القانون، وإنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابه، وإنهاء جميع النزاعات المسلحة، ووضع عقيدة وطنية لمنتسبي الجيش، والأجهزة الأمنية. وهذا الأمر أكد عليه اتفاق الرياض الموقع في 2019 كما أكد عليه بيان نقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد 2022.

ووفقا للمراقبين فإنه سيتم رفع الجاهزية القتالية من حيث العدة والعتاد واستكمال الدعم البشري، إضافة إلى توحيد المنظومة العسكرية، والسماح بإدارة العمليات العسكرية باتجاه المناطق غير المحررة، وتحقيق تكامل للقوات تحت هيكل قيادة موحدة ومشتركة، بما يخدم استقرار المناطق المحررة من جهة، والتعامل مع الحوثيين سلماً أو حرباً من جهة أخرى.

كلمات دالّة

#اليمن