الخميس 18-04-2024 15:00:31 م : 9 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الصحفيون في اليمن..بين غياب دور الدولة وإرهاب المليشيات

الإثنين 20 يونيو-حزيران 2022 الساعة 12 مساءً / الإصلاح نت-خاص | صادق عبد المعين

  

لا تزال تداعيات اغتيال الصحفي صابر نعمان الحيدري الذي اغتيل مساء الأربعاء 15 يونيو من العام الجاري 2022 على يد مجهولين، عن طريق وضع عبوة ناسفة انفجرت في سيارته في مديرية المنصورة بالعاصمة اليمنية المؤقتة عدن، لا تزال في تصاعد مستمر، ولا تزال ردود الأفعال تتوالى تنديدا بالجريمة، إذ لاقت تلك العملية استنكارا واسعا على الصعيدين الشعبي والحقوقي.

إرهاب مستمر

الجريمة البشعة بحق الصحفي صابر نعمان أعادت إلى الأذهان حادثة اغتيال وقعت العام الماضي في محافظة عدن نفسها.
ففي نوفمبر من العام الماضي 2021 قتلت الصحفية "رشا الحرازي" مراسلة قناة الشرق مع جنينها، فيما أصيب زوجها الصحفي في قناة العربية "محمود العتمي"، جراء انفجار عبوة ناسفة زرعت بسيارتهما، بينما كانا في طريق كورنيش خور مكسر.
ويقول مصدر مقرب من الصحفي محمود العتمي، إن الأخير أبلغ زملاء له بتلقيه تهديدا من قبل الحوثيين على خلفية عمله وتغطيته الصحفية.
ويضيف المصدر أن محمود العتمي أبلغه قبل أيام أن الحوثيين جمعوا عددا من الصحفيين في مدينة الحديدة، وطلبوا منهم معلومات حول عنوان سكنه ونوع سيارته في مدينة عدن.

هذه الحادثة سبقتها حادثة أخرى مماثلة في فبراير من العام 2020 في مدينة عدن أيضا، فقد اغتيل المصور "نبيل القعيطي" أمام منزله على يد مسلحين مجهولين كانوا يستقلون سيارة جيب، وقاموا بفتح النيران بكثافة على جسده عندما حاول الاختباء خلف أحد المركبات المركونة، قبل أن يلوذوا بالفرار، فيما حاول الأهالي إسعاف الضحية إلى أقرب المرافق التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود لكنه فارق الحياة على الفور.

تكرار مخيف

ويرى مراقبون مهتمون بالشأن الصحفي اليمني أن تكرار الجرائم التي تستهدف الصحفيين اليمنيين في مدينة عدن أمر يبعث على القلق، وأن حياة الصحفيين في هذه المدينة باتت في خطر، وبقاءهم فيها وممارسة المهنة نوع من المجازفة، خصوصا مع وجود الانفلات الأمني الذي تشهده المحافظة، وفي ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، مع تدني أجور الصحفيين خاصة مع إغلاق العديد من المؤسسات الإعلامية، وبحسب تعبير الصحفي "فتحي بن لزرق" فإن الوضع بات صعبا للغاية، وأسوأ من وضع ما قبل الحرب، فما قبل الحرب كانت هناك مؤسسات دولة.
ويشير الصحفي اليمني إلى أن "الصحافة في عدن تنحسر كل يوم أكثر فأكثر ما لم تكن هذه الصحافة موالية للمليشيا الخارجة على القانون الموجودة على الأرض".
مؤكدا أن "المخاطر التي تواجه الصحفيين في عدن تتمثل في انتشار المليشيات المسلحة، سواء تلك الخارجة عن القانون أو التابعة لجماعات مسلحة منفلتة، أو لقطاعات أمنية غير منضبطة، كل هذه العوامل والفئات تهدد حرية الصحافة في عدن".

يستنكرون ولا يتورعون

غير أن ما يبعث على الغرابة والسخرية هو أن تصدر جماعة الحوثي بيانا عبر وكالة سبأ بنسختها الحوثية تدين فيه بشدة عملية الاغتيال التي تعرض لها الصحفي صابر نعمان، مذكرة بالوقت نفسه بالجريمة التي ارتكبت في العام الماضي بحق الصحفي محمود العتمي وزوجته الصحفية رشا الحرازي بمدينة عدن.
تأتي هذه الإدانة في الوقت الذي تتلقى فيه جماعة الحوثي الإرهابية مزيدا من الإدانات والاستنكار بسبب جرائمها بحق الصحفيين أنفسهم، والتي تنوعت بين القتل والاختطاف والإخفاء القسري والتهجير والتشريد والمحاكمات الجائرة وممارسة التعذيب في الزنازين.

بيئة أسوأ

وبحسب مؤسسة الصحافة الإنسانية فإن 46 صحفيًا وصحفية قتلوا في اليمن منذ انقلاب ميليشيا الحوثي واندلاع الحرب في البلاد منذ ثمان سنوات.
وتقول المؤسسة في بيان لها نشر العام الماضي 2021 أن "إجمالي الانتهاكات ضد الحريات الإعلامية في اليمن خلال السنوات الست الماضية أكثر من 2200 حالة انتهاك توزعت بين قتل واعتقال واختطاف وسجن وتقييد حريات وتسريح صحفيين من أعمالهم وإغلاق مؤسسات إعلامية وغيرها".

وتضيف أن "إحصائيات مرصد الحريات الإعلامية في اليمن للفترة من 2014 وحتى مطلع 2021 تشير إلى تسريح أكثر من 700 صحفي من أعمالهم و400 مختطف و60 حالة اعتقال و136 حالة انتهاك ضد مؤسسات إعلامية, فيما لا يزال 9 صحفيين في سجون جماعة الحوثيين التي تسيطر على العاصمة اليمنية صنعاء منذ أكثر من ست سنوات".
وتكشف المؤسسة أن "اليمن تعتبر واحدة من أسوأ بيئات العمل الصحفي حول العالم، إذ تحتل المرتبة 167 من أصل 180 بلدًا وفق التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي نشرته منظمة صحفيون بلا حدود 2020".

وضع أخطر

وقد عبر سفير الاتحاد الأوروبي لدى اليمن "غابرييل مونيرا فينيالس" في كلمة له بمناسبة يوم أوروبا في مايو الماضي، عن قلقه البالغ عن وضع الصحفيين في اليمن، ودعا إلى الإفراج الفوري عن الصحفيين المختطفين في اليمن دون شروط.
مؤكدا بالقول "لا بد من تذكر جميع الصحفيين اليمنيين المحتجزين الآن في اليمن لممارستهم حرية الإعلام، إننا قلقون إلى حد كبير ونؤكد على دعوتنا للإفراج عنهم فورا ودون شروط، حرية الصحافة هي حرية المواطن، وكما تعرفون تمثل حرية الصحافة الركيزة الأساسية للأنظمة الديموقراطية".

وعلى الرغم من خطورة الأوضاع في بعض المناطق الجنوبية بالنظر إلى ضعف قبضة السلطة الشرعية نتيجة تغول جماعات مسلحة منفلتة، إلا أن المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون تعتبر هي الأخطر على الصحفيين اليمنيين كما يراه بعض المحللين، من خلال الاعتقالات المستمرة والأحكام التعسفية والجائرة والمطاردات والتضييق الذي تمارسه الجماعة بحق الصحفيين والإسكات الفعلي لكافة الوسائل الإعلامية المستقلة أو المعارضة، إذ تعتبر ممارسة العمل الصحفي في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون جريمة تستحق العقاب.

معلومات صادمة

ويواجه أربعة صحفيين يمنيين محتجزين لدى الجماعة الحوثية في صنعاء منذ 2015، هم عبدالخالق عمران وأكرم الوليدي وحارث حميد وتوفيق المنصوري، خطر الموت المتمثل بأحكام بعقوبة الإعدام صادرة عن محاكم الجماعة، على خلفية عملهم الصحفي.
ووفقا لشهادات قدمها أربعة من المختطفين المفرج عنهم من سجون جماعة الحوثي فقد كشفوا عن معلومات صادمة تتعلق بوضع الصحفيين الأربعة المختطفين في سجون المليشيا والمحكوم عليهم بالإعدام.

ويروي "حميد نادر" أحد الختطفين المفرج عنهم، والذي تم اختطافه في بداية العام 2019 بعضا من فصول المعاناة التي يقاسيها الصحفيين المختطفين في سجون المليشيا الحوثية، ناهيك عن المعاناة الأخرى كحرمانهم من الماء والطعام والفراش، وتركهم عرضة للجوع والبرد والعطش، حيث يقول "جاءت عصابة حوثية بقيادة المدعو أبو جهاد، فقاموا باستدعاء الصحفيين وإخراجهم إلى ساحة المعسكر، الساعة الثالثة قبل الفجر، وقاموا بضربهم ضربا مبرحا، وكنا نرى ذلك من فتحة في الباب، وكان الضرب بتركز على عبد الخالف عمران وتوفيق المنصوري، حيث وجدنا جسد توفيق المنصوري وقد تورمت مواضع منه جراء ذلك الضرب، مع وجود سيلان للدم من مناطق أخرى من جسده"

ويبين "حميد نادر" كيف يصنف الحوثيون الصحفيين، باعتبارهم أعداء وفق تصنيف الجماعة، حيث يعتبرون أن الصحفيين أخطر عليهم بألف مرة من الذين يقاتلون في الجبهات، وفق ما كان يردده على مسامعهم المسؤولون عن السجون.
ويكشف حميد عن تدهور حالة الصحفي "توفيق المنصوري وحجم المعاناة التي يقاسيها، وتفاقم حالته الصحية جراء إصابته بمرض القلب والسكر وانزلاق في العمود الفقري.
ويضيف "بعد مطالبات متكررة لإخراج توفيق المنصوري إلى المستشفى نظرا لتدهور حالته الصحية، جاءوا لأخذه وفرحنا ظنا أنهم أرادوا الذهاب به إلى المستشفى وإذا بهم قد أخرجوه لما تسمى بالوحدة الصحية في حوش السجن، وقاموا بكلبشته لمدة يومين، حتى استغاث بهم لإعادته إلى العنبر دون علاج"

أما "يمان أنعم" أحد المفرج عنهم والذي اختطف أواخر العام 2021، فيقول: "أتى الحوثيون بعصابة تابعة لهم من المدمنين على الحبوب، لا ندري من أين هم، فزجوا بهم في السجن إلى جانب الصحفيين".
ويضيف "أنعم" أنه "لما زارنا الصليب الأحمر شكا الصحفيون أن العلاج الذي يتم صرفه لهم مجانا يباع لهم بأثمان باهضة، ولما عرف الحوثيون ذلك أوعزوا لأولائك المدمنين وقالوا لهم إذا كنتم تريدون الحبوب فاقتصوا لنا من أولئك الصحفيين"

ويتابع بالقول "وفعلا قامت تلك العصابة المكونة من 15 شخصا بالاعتداء على الصحفيين بالضرب المبرح حتى أنهكوهم وسالت دماؤهم، ومنعوا فض ذلك الاشتباك، والحوثيون يشاهدون من على الباب دون تدخل حتى انتهت العصابة من اعتدائها على الصحفيين.
مضيفا "ثم قام الحوثيون بإخراج الصحفيين من السجن والاعتداء عليهم بالضرب مرة أخرى، وقاموا بنقلهم إلى زنازين مظلمة، وإيداعهم فيها لمدة أسبوع، وأعادوهم بعد أسبوع والجراح لا زالت تنزف دما".

قرار صعب

ونتيجة لهذا الكم الهائل من التحديات التي تواجه منتسبي الصحافة، فقد اتخذ بعض الصحفيين ونشطاء حرية الصحافة قرارا صعبا تمثل في الرحيل ومغادرة اليمن من أجل محاولة تغطية أخباره من الخارج ونقل صورة لما يحدث داخل البلاد، مع ما يرافق ذلك من صعوبة في ممارسة العمل الصحفي، إذ يصعِّب عليهم البعد عن مسرح الأحداث مهمة الاستمرار في تغطية تطورات اليمن، وذلك لانقطاع اتصالهم بالأشخاص الموجودين على الأرض.

ويعاني صحفيوا شمال اليمن كما جنوبه من مواجهة العديد من التهم التي تعمد المليشيا إلى إلصاقها بهم، باعتبارهم خطرا يجب مواجهته.
فكما يواجه الصحفيون التهم المناطقية وتهم الإرهاب التي تطلق عليهم في بعض المحافظات الجنوبية أو العمل لجماعة الحوثي، يعمد الحوثيون إلى توزيع تهم أخرى، ومحاولة إلصاقها بالصحفيين كذريعة لملاحقتهم ووقف أنشطتهم الصحفية، كالإرهاب والعمالة والارتزاق.
ويتشارك تنظيم القاعدة مع مليشيا الحوثي والمليشيات الأخرى في الانتهاكات ضد الصحفيين حيث لايزال الصحفي محمد قائد المقري مغيبا لدى تنظيم القاعدة بحضرموت منذ العام 2015.

دعوة للتدخل

وأصدرت محكمة تابعة لمليشيا الحوثي في صنعاء حكما بالإعدام على الصحفيين “توفیق المنصوري” و”أكرم الولیدي” و”عبد الخالق عمران” و”حارث حمید” بتهمة التعاون مع تحالف دعم الشرعية، بعد ممارسة أنواع مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي بحقهم، ومحاكمة تفتقر لأدنى شروط العدالة.
وقد دعا المرصد الأورومتوسطي ومقره جنيف في مارس من العام الجاري 2022، إلى ضرورة التدخل السريع من جميع الأطراف المعنية لوقف أحكام الإعدام التي قد تُنفذ في أي لحظة، لاسيما مع وجود شواهد سابقة بتنفيذ الحوثيين إعدامات غير قانونية بحق عدد من المدنيين، كان آخرها عملية الإعدام العلني لتسعة متهمين بالتعاون في مقتل القيادي الحوثي صالح الصماد والذي نفذ في سبتمبر من العام الماضي2021.

انتهاكات متصدرة

وقد تصدرت مليشيا الحوثي المدعومة إيرانيا قائمة الجرائم والانتهاكات بحق الصحفيين في اليمن وفق تقرير ربع سنوي صدر في وقت سابق.
ويظهر التقرير الصادر عن، نقابة الصحفيين اليمنيين خلال الربع الثالث من العام 2021، أن الحريات الصحفية تعيش وضعا حرجا، مع استمرار حالة العنف والعدائية تجاه الصحافة والصحفيين.
ويقول التقرير أن الحوثيين ارتكبوا 50% من إجمالي الانتهاكات بواقع 13 حالة من إجمالي 28 حالة انتهاك وثقها تقرير نقابة الصحفيين فى اليمن .
ورصدت النقابة 28 حالة انتهاك تعرض لها الصحفيون والمؤسسات الإعلامية ابتداء من 1 يوليو حتى نهاية سبتمبر 2021، منها 8 حالة اختطاف واعتقال وملاحقة بنسبة 29% من إجمالي الانتهاكات.
كما وثق التقرير 4 حالات تعذيب لصحفيين في المعتقلات بنسبة 14% و 4 حالات حرمان من التطبيب والرعاية الصحية للمختطفين بنسبة 14%، و 4 حالات تهديد وتحريض على صحفيين بنسبة 14% و 3 حالات منع من التصوير ومصادرة كاميرات مصورين بنسبة 11%.

جرائم متفرقة

وسبق أن قتل مراسل قناة بلقيس في ذمار الصحفي "عبد الله قابل" في مايو 2015 في قصف جوي للتحالف، بعد أن وضعه الحوثيون درعاً بشرياً إلى جانب مراسل قناة سهيل في مبنى الرصد الزلزالي بالمحافظة.
وفي مارس من العام 2016 قتل الصحفي "محمد اليمني" وأصيب عدد من المصورين في جبهة الضباب غرب المدينة، برصاص قناص حوثي أثناء تغطيته المعارك بين الجيش الوطني ومليشيا الحوثي.
وفي يونيو من العام 2018 توفى الصحفي "أنور الركن" بعد يومين من إطلاق سرحه جراء التعذيب في سجون الحوثيين بمحافظة تعز، بعد أن اختطفته جماعة الحوثي وأخفته لقرابة عام في أحد سجونها بمدينة الصالح شرقي مدينة تعز، قبل أن تطلق سراحه ليتوفى بعد يومين فقط من إطلاق سراحه.

وفي إبريل من العام 2018 أيضا استهدفت عناصر من من مليشيا الحوثي طاقم صحفي في منطقة قانية بمحافظة البيضاء اليمنية بصاروخ حراري موجه، أدى إلى مقتل الصحفي "عبد الله القادري"، مصور قناة بلقيس الفضائية، وإصابة اثنين آخرين كانا ضمن الطاقم الصحفي في السيارة المستهدفة بإصابات بليغة، وهما "ذياب الشاطر"، مراسل قناة "يمن شباب" الفضائية الخاصة، ومصورها "وليد الجعوري"، في حين نجا عدد آخر من الصحفيين من الحادثة.
وفي شهر مايو 2019 قتل المصور الصحفي "غالب لبحش" برصاص قناص لمليشيا الحوثي الانقلابية في محافظة الضالع برصاصة في الرأس وتوفي على الفور، أثناء تغطيته للمواجهات التي تشهدها جبهات الضالع.
وفي ديسمبر من العام 2020 قتل مراسل قناة بلقيس أديب الجناني في هجوم لمليشيا الحوثي استهدف مطار عدن الدولي، حيث توفي متأثراً بإصابته بشظية في بطنه، بعد أن وصل إلى مستشفى الجمهورية الحكومي في حالة صحية حرجة.
وفي إبريل من العام 2021 قتل الصحفي "هشام البكيري" برصاص مليشيا الحوثي الانقلابية، بعد تعرضه لرصاصة أطلقها عليه قناص لمليشيا الحوثي في جبهة مقبنة غربي المحافظة أثناء تغطيته للمعارك، فارق على إثرها الحياة.

كلمات دالّة

#اليمن