الخميس 25-04-2024 15:33:04 م : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون وتصفية الحلفاء.. نهج الإمامة وحصاد الخيانات المتعاقبة

الخميس 09 يونيو-حزيران 2022 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص | مدين قاسم

 

"كالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله"، هكذا تتعامل مليشيا الحوثي مع القيادات الموالية لها، وبين أجنحتها التي نمت مؤخرا من جهة أخرى. فمنذ سيطرتها على العاصمة صنعاء وانقلابها على الدولة في سبتمبر 2014، غدرت مليشيا الحوثي بعدد من الموالين لها، وتحديدًا من المشايخ والوجاهات الاجتماعية، الذين عبّدوا الطريق أمام الانقلاب، وكان لهم النصيب الأكبر من غدرها.

لم يكن هذا الأسلوب الحوثي المتعمد لتصفية الحلفاء بالشيء الجديد، فالنهج الذي اعتمدوه هو ذات النهج الإمامي، الذي اعتمد على الغدر والتصفية للحلفاء، بعد الاستفادة من خدماتهم. وهو ما كان جليًا حين غدرت المليشيا الحوثية بعدد من شيوخ القبائل الذين ساندوها في الانقلاب على الدولة، وسفك دمائهم دونما سبب أو جرم ارتكبوه.

وكان التجلي الأبرز لغدر المليشيا هو ما كشفته تقارير حقوقية عن مصرع أكثر من 120 شيخا قبليا على يد مليشيا الحوثي، منذ الانقلاب، حيث انتهجت المليشيا الحوثية التصفية تارة، والإبعاد والملاحقة بحقهم تارة أخرى، لتؤكد هذه الإحصائية المنهج الحوثي الذي لم يختلف عن المنهج الإمامي المعتمد على تصفية الحلفاء من خارج السلالة.

وتكشف الإحصائيات عن تزايد وتيرة الانقسامات داخل صفوف مليشيا الحوثي يومًا بعد آخر، حيث يكشف الحوثيون عن وجههم الحقيقي المستند إلى التبعية العقائدية لولاية الفقيه، وأحقية السلالة بالحكم دون سواها، حيث انتقل مسلسل الصراع المتفاقم داخل أروقة المليشيا الانقلابية من مرحلة الإقصاء والتهميش لمن كانوا حلفاء الأمس من الزعماء القبليين، إلى مرحلة التصفية الجسدية الغامضة.

فصل جديد من التصفيات البينية

لم تقتصر الصراعات والتصفيات التي تقوم بها المليشيا الحوثية ضد حلفائها فحسب، بل انتقل ذلك الصراع إلى أجنحة المليشيا، خصوصا مع بروز ظاهرة صراع الأجنحة، والتي راح ضحيتها عدد من القيادات، ليس آخرهم شقيق زعيم المليشيا، عبد الملك الحوثي، الذي اغتيل في منزله بصنعاء، منتصف 2020 م.

ناهيك عن التحذيرات التي أطلقها القيادي السابق في مليشيا الحوثي ورئيس المكتب السياسي السابق صالح هبرة، والتي اعتبرها مراقبون فصلا جديدا دخلته العاصمة صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرة المليشيا للصراع بين الأجنحة الحوثية، أو ما قد يسميها البعض بحالة "التخفّف" الحوثي من القوى التي ساعدتها على الانقلاب على الدولة، والغدر بحلفائهم والموالين لهم.

وجاءت تحذيرات "صالح هبرة" بعد ثلاثة أيام فقط على اغتيال القياديين في مليشيا الحوثي المدعو أبو هيفاء فضل علي الحنمي، والذي اغتيل في "جولة آية" شمال العاصمة صنعاء، وعلي المرتضى الذي عثر عليه مذبوحًا في منزله بصنعاء.

وكان صالح هبرة، وهو قيادي في مليشيا الحوثي، قد ذكر في صفحته على "فيسبوك" أن أحد قيادات الجماعة أرسل له مقطع فيديو يحذره فيه من وجود طرف ثالث يستغل الوضع ويقوم بالاعتداء عليه، مشيرا إلى أن "هذا التحذير ذكّره بالتحذير الذي وقع للدكتور عبد الكريم جدبان (...)"، في إشارة إلى وقوف مليشيا الحوثي وراء عملية اغتيال جدبان.

واغتيل عضو مجلس النواب والقيادي في مليشيا الحوثي عبد الكريم جدبان في نوفمبر 2013 وسط العاصمة صنعاء، كما اغتيل أحمد شرف الدين في يناير 2014 وهو في طريقه للتوقيع على مخرجات الحوار الوطني حينها.

وشهد العام 2021 أعنف اقتتال بيني في أجنحة المليشيا الحوثية، نتج عنه مصرع 38 قيادياً، توزعوا ما بين قيادات ميدانية ومشايخ موالين وسياسيين.

وبحسب مراقبين فإن الجناح الحوثي، والذي يديره عناصر من الحرس الثوري الايراني وحزب الله اللبناني، وسع نفوذه خلال العامين الماضيين، وبات يشرف على معظم العمليات الأمنية داخل العاصمة صنعاء.

ونشطت عملية صراع الأجنحة الحوثية بشكل لافت منذ وصول الجنرال في الحرس الثوري الإيراني إلى صنعاء حسن إيرلو تحت مسمى سفير إيران وقتل في غارة للتحالف قبل أشهر، حيث أشارت مصادر إعلامية إلى أن حسن إيرلو أعطى أوامره بتصفية كل من يخالف النهج الإيراني الذي هدف إلى تحويل صنعاء وبقية المحافظات إلى نموذج الولايات الإيرانية.

صراعات الأسر الهاشمية

ومع تزايد وتيرة الاغتيالات والتصفية بين صفوف المليشيا الحوثية، الناتجة عن صراعات الأجنحة التي تشكلت داخل صفوفها، لم يعد خافيًا حجم الصراع بين تلك الأجنحة الحوثية خلال السنوات الماضية، رغم محاولة إيران إدارة الصراعات بين المتنافسين من الأسرة الحوثية نفسها من ناحية، وبين الأجنحة المتعددة التي أنشأتها طهران خلال العقدين الماضيين على الأقل من ناحية أخرى.

تجدر الإشارة إلى أن السفير الفرنسي في اليمن "جان ماري" كان قد كشف في مقابلة صحفية، في ديسمبر الماضي، عن صراعات بين الأسر الهاشمية الكبيرة التي ترى في الأسرة الحوثية خطرًا حقيقيًا عليها، من ناحية زجّها في المعارك بلا أفق ولا نهاية لتلك المعارك، ومن خطر الانتقام الشعبي من تلك الأسر الهاشمية التي تشكل عصب التنظيم الحوثي الإيراني، التي رأت أن حرب إيران ستدمر مصالحها.

ويؤكد صحة حديث السفير الفرنسي ما تشهده مناطق سيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية بين فترة وأخرى من تصفيات لقيادات كبيرة في ظروف غامضة، آخر ضحايا هذه التصفيات قيادي في جهاز الأمن الوقائي.

حيث أفادت مصادر مطلعة في العاصمة صنعاء بأن مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران أقدمت، الثلاثاء الماضي، على تصفية القيادي المدعو يحيى عبد الرحمن المتوكل الملقب بـ"أبو حمزة المتوكل"، قائد فرع ما يسمى الأمن الوقائي والمخابرات التابع لها في محافظة الجوف وينتحل رتبة "لواء"، مع اثنين من مرافقيه، في منطقة حرف سفيان في محافظة عمران.

ومنذ سنوات يدور داخل منظومة المليشيا الحوثية صراع خفي بين القيادات التي تلقت تدريباتها في إيران والذين يطلق عليهم "حوثة صعدة" والجناح الآخر الذي يُطلق عليه "حوثة صنعاء" أو الهاشميين الذين كان يتزعمهم يحيى الشامي، والذي لقي حتفه منتصف العام الماضي مع زوجته ونجله الذي كان يشغل وزيرا للنقل في حكومة المليشيا الانقلابية غير المعترف بها.

المنظومة الإيرانية

تكشف الإحصائية المرصودة عن حرص مليشيا الحوثي على وضع نهاية مأساوية للحلفاء الذين خدموها أكثر وأخلصوا لها في بداية انقلابها على الدولة، وعادة ما ينفذ هذه العمليات الإجرامية ما يسمّى بـ"جهاز الأمن الوقائي"، وهو المنظومة الأمنية التي تحمي المليشيا من المخاطر الخارجية، وهي فكرة مستوحاة من الأذرع الإيرانية في المنطقة.

وعزا مراقبون السبب في تصفية المليشيا للموالين لها، وتحديدا مشايخ القبائل والوجاهات الاجتماعية، إلى أن المليشيا تعتبر شيوخ القبائل الذين ساندوها وقدّموا تضحيات كبيرة في سبيل مشروعها خطرًا عليها، كونهم ينتظرون منها مناصب ومكافآت تتناسب مع حجم تضحياتهم، وهو ما لا تستطيع الوفاء به كون هؤلاء المشايخ لا يؤمنون بمعتقداتها الفكرية الاثنى عشرية ولا ينتمون لها سلاليًا.

ويؤكد مراقبون أن مليشيا الحوثي تنفّذ عملية استهداف ممنهجة ضد شيوخ القبائل والوجاهات الاجتماعية في مناطق سيطرتها، ألغت بموجبها فاعليتهم وأدوارهم المجتمعية، وجعلتهم تحت الإقامة الجبرية، بهدف إذلالهم وإخضاعهم لسلطتها التامة وجعلهم وقوداً لحربها ضد اليمنيين، ولا تتورع في التخلص منهم بسهولة في حال استغنت عن خدماتهم وسلطتهم.

اغتيالات واعتقالات

يأتي هذا في الوقت الذي كشفت فيه مصادر متطابقة عن تكثيف مليشيا الحوثي لعملياتها السرية، وتنفيذ تصفيات واغتيالات واعتقالات داخلية، تطال عناصر في صفوفها من وقت وآخر، وهو انعكاس لحالة الخوف والقلق والريبة التي تقابل بها المليشيا الحوثية حلفاءها والذين أخلصوا لها منذ الانقلاب.

وكانت صحيفة "الرياض" السعودية قد أشارت في وقت سابق إلى أن "معظم العناصر الحوثية المستهدفة من عمليات التصفية السرية هم من الضباط ورجال القبائل الذين التحقوا بجبهات القتال مع مليشيا الحوثي عقب الانقلاب وسقوط صنعاء تحت سيطرتها في ديسمبر 2014 م".

وحسب الصحيفة، فإن المليشيا ركزت بشكل أكبر على جانب الرقابة السرية بداخلها عبر ما يوصف بـ"جهاز الأمن الوقائي الحوثي"، وسط انعدام ثقة قيادتها بولاء كل العناصر غير "السلالية"، كون معيار الولاء هو الانتماء للسلالة التي ينتمي إليها زعيمهم، في حين تنظر بريبة وشك إلى غير السلاليين في قواعدها.

ويعد "جهاز الأمن الوقائي الحوثي"، وهو نسخة حوثية من جهاز "فافاك" الإيراني، يُعد المسؤول عن مهمة إنشاء وتشكيل النسخة الاستخباراتية السرية الحوثية وتأهيل عناصر "فافاك الحوثي" على يد خبراء من "الباسيج" التابع للقوات الإيرانية، إضافة إلى خبراء من الحرس الثوري الإيراني، وتدريبها على الأساليب والعمليات الاستخباراتية والأمنية.

سلوك إمامي

وأعادت تصفيات المليشيا الحوثية لحلفائها التذكير بسلوك الإمامة، من خلال تعاملها مع الحلفاء والموالين لها أو المتعاونين معها، والتي عمدت إلى مكافأتهم بالتصفية والقتل، ناهيك عن الإعدام أحيانًا في الأماكن العامة.

ويؤكد مراقبون أن هذا سلوكا إماميا تجسّد في الأسر السلالية التي تعاقبت على حكم أجزاء من اليمن، وكان آخرها أسرة حميد الدين، في أوائل القرن الماضي، والتي عرفت بتصفية حلفائها من المشايخ.

ومع توسع دائرة الرفض الشعبي للمليشيا الانقلابية يومًا بعد آخر، وارتفاع الأصوات المطالبة بإسقاطها في المحافظات الخاضعة لسيطرتها، وعدم ثقتها المطلقة بالمولين لها، خصوصا ممن هم من خارج دائرة السلالة الهاشمية، الأمر الذي أدى إلى انفراط عقد الثقة بينها وبين الموالين لها، مما يدفعها للقيام بالتخلص منهم عبر أساليب متنوعة.

واعتبر مراقبون التصفيات الحوثية لحلفائها من المشايخ والوجاهات الاجتماعية والعسكرية المتعاونين معها، بأنها مكافأة نهاية الخدمة التي تقدمها المليشيا لحلفائها لانخراطهم ضمن مشروعها السلالي العنصري، خصوصا ممن كان لهم دور بارز في تسهيل اجتياحها للبلاد، وانتهوا على يديها قتلا وبعضهم سحلا.

وتتزايد الدعوات المجتمعية لمختلف المشايخ والوجاهات القبلية والمؤثرين في مختلف المناطق والمحافظات، لأخذ العبرة من التصفيات التي تقوم بها مليشيا الحوثي للحلفاء الذين عملوا معهم لمقاومتها، ورفض الاستسلام لتهديداتها، حتى لا يلقوا المصير ذاته منها، ويندموا ولات حين مناص.

كلمات دالّة

#اليمن