الجمعة 29-03-2024 02:04:41 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

المواطنة الرقمية.. مفهومها، أهميتها، ثمارها (الحلقة 2) الاستغلال الأمثل لقيم المواطنة الرقمية

الثلاثاء 31 مايو 2022 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص | عبد العزيز العسالي
 

 


كثيرة هي الكتابات حول المواطنة الرقمية، بعضها صادرة عن حكومات أوروبية من خلال مؤسساتها الثقافية والتعليمية، وبعضها صادر عن مؤسسات دولية، وأقلها صادر عن جامعات عربية، وبالأصح قام بها باحثون عرب متخصصون في علم النفس وعلم الاجتماع.

الجدير ذكره أن الكتابات والبحوث في هذا الصدد رغم اختلاف الثقافات والمشارب الفكرية، لكنها تمحورت حول الوعي بالدور الخدمي التثقيفي الجبار الذي تقدمه الشبكة العنكبوتية، كما اتفقت مقاصد الباحثين والكُتاب على أهمية ترسيخ القيم المحورية للمجتمع، وقد حاول الكاتب جمع أطراف الموضوع على سعة جزئياته قدر الإمكان وبما لا يخل بجوهر المعلومة، وذلك في المحاور التالية:

أولا، الأهداف التفصيلية:

لا شك أن الباحثين والكُتاب لاحظوا أهمية الدور الذي تقدمه خدمة الشبكة العنكبوتية بأنواعها من جهة، ولاحظوا الاستخدام المفرط لهذه الخدمة من جهة ثانية، فوجدوا أن مفهوم المواطنة الرقمية إذا حسن استغلاله كفيل بتغطية القصور القاتل في مؤسساتنا التعليمية ومصادرنا التثقيفية، نظرا لجاذبية المفهوم وقدرته على شحذ همم المواطنين نحو تحقيق أعلى درجات الاستفادة.

لقد اتسعت تفاصيل الكتاب حول مفهوم المواطنة الرقمية أهدافا، وأبعادا، ومكونات، وعناصر، ومجالات... إلخ.

وإليك أخي القارئ أبرز الأهداف:

1- التمسك بالعقيدة، القيم، الشعائر التعبدية، والسؤال والبحث الدائم عن معرفة الحكمة التشريعية للعقيدة والقيم والعبادات وأثرها في إصلاح وتنمية المجتمع.

2- تنمية الوعي لدى المواطنين بواجبات وحقوق الإنسان التي كفلتها شريعة الإسلام، ونص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

3- التعرف على قواعد النظام العام للمجتمع، والأعراف الاجتماعية السليمة، ووظائف الدولة تجاه المجتمع، والتأكيد على أهمية هذه القواعد وترسيخها، حتى تصبح ثقافة عامة لدى المواطن بدءا من الصف الثالث أساسي، تحقيق الديمقراطية وحرية التفكير والتعبير واحترام رأي الغير، وتحقيق المساواة بين المواطنين، وتوفير الخدمات العامة، والمعاملة الإنسانية وتنمية الذوق الأخلاقي العالي.

4- تنمية الاستعداد لدى المواطن تجاه دراسة المشكلات المحلية والتصدي لمعالجاتها تنظيرا وممارسة، والإسهام بتقديم الحلول.

5- غرس حب الوطن في نفوس المواطنين، وغرس النظام وحب النظام وتقدّم الوطن ونهوضه.

6- المحافظة على الملكية العامة والخاصة والخصوصيات، كونها ذات قداسة - بيت، مدرسة، مجتمع.

7- تبادل الخبرات بين المواطنين وإيجاد لغة مشتركة في الفضاء المجتمعي لتحقيق الانسجام الاجتماعي.

8- توفير بيئة نظيفة والمحافظة عليها.

ثانيا، المكونات:

1- الانتماء للوطن، والولاء للأمة واحترام عقيدتها وقيمها وإرادتها وعدم خدش ضمير المجتمع بما يستفز الضمير والوجدان المجتمعي، كالإساءة إلى الهوية والتاريخ والحضارة.

2- إشعال فتيل الإخلاص والحماس تجاه الانتماء للوطن والدين واللغة فكرا وعملا وارتقاء بالوطن والدفاع عنه.

3- التوعية بأن الحقوق يتمتع بها جميع المواطنين وأن وظيفة الدولة هي توفير الحماية للحقوق والحريات، حفظا للدين والكرامة والحقوق الخاصة والعامة المشتركة - تعليم، رعاية صحية، خدمات أساسية، توفير حياة كريمة، عدل، حريات، مساواة، ملكية، عمل، فالكل سواسية في التمتع بالحقوق مسلم وغير مسلم.

ثالثا، الواجبات:

1- احترام النظام.

2- مشاركة المواطن في صياغة القوانين.

3- إحباط الشائعات المغرضة.

4- الرفض القاطع لكل ما يؤدي إلى خيانة الوطن.

5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأسلوب الحكمة والموعظة الحسنة، وحفظ المرافق العامة.

6- التعاون على ما يخدم الواجبات المشتركة.

7- تنمية الوعي بالمشاركة المجتمعية في مجال أعمال البر، والمبادرات التطوعية، وكل ما يخدم مصالح الوطن دينا ودنيا، وحماية النسيج المجتمعي خدمة لوحدة الصف ووحدة الهدف وحماية النظام العام.

8- ترسيخ القيم العامة - الأمانة، العفة، التزام بالنظام، عدم استغلال الوظيفة العامة، الإخلاص، الصدق، الصبر، ثقافة المناصحة، الأخوة وربط كل ما سبق بثمارها العائدة على تمتين شبكة العلاقات الاجتماعية، والحفاظ على السلام والاستقرار.

9- الاهتمام بالشأن العام للمجتمع، وتفعيل وترسيخ القيام بالقسط بين أفراد المجتمع.

10- تشجيع العلم والعمل، تعزيز الانضباط، المواظبة، الإنجاز، التأكيد الدائم على أن بناء المجتمع القوي الثابت الأركان أساسه القيم والأخلاق، بصيغة أكثر وضوحا التأكيد المستمر أن وظيفة القيم هي بناء المجتمع وأن القيم متصلة بعقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر.

11- تنمية روح الشجاعة في الحق تحقيقا لمفهوم مشاركة المجتمع في صناعة الرأي العام، والإنجاز.

رابعا، نماذج المواطنة العامة:

1- مواطنة سلبية وفقا للظروف والمصالح الخاصة، استهلاك ارتزاقي.

2- مواطنة زائفة - شعارات فقط لكن العمل عكس الشعار بل يتجه العمل إلى هدم المواطنة أو إلى السلبية في أقل الأحوال.

3- مواطنة إيجابية ومعالمها - قوة انتماء وطني، تضحية، حماية المبادئ، تشجيع المبادرات الإيجابية.

خامسا، وظيفة المؤسسات:

الأسرة، ومؤسسات التعليم، والنادي... إلخ، تحمل المؤسسات الدور الأكبر في توظيف الشبكة العنكبوتية خدمة للأهداف ومنها:

1- تأصيل حب الوطن في نفوس النشء، تعزيز الهوية والقيم، ربط جميع القيم بالمخزون الإسلامي كمكون أساسي.

2- تفسير ألوان العلم، والنشيد الوطني، احترام رموز الوطن المصلحون للمجتمع، واحترام النظم والقوانين ونشرها للتوعية.

3- ترسيخ قدسية كرامة الإنسان وحقوقه، وترسيخ مفهوم الإنسان حضاريا المتمثل في: الجودة، الإتقان، الكمال، الجمال، النظام، حب النظام، تعزيز الوحدة الوطنية، الدفاع عن الوطن، حفظ الأمن - تعاونا مع أجهزة الدولة، مشاركة المجتمع أفراحا وأتراحا، رفض التعصب أيا كانت دوافعه، قصص صحيحة من التاريخ، وتعزيز ثقافة روح الفريق.

سادسا، غرس وترسيخ قيم المواطنة الرقمية.. المجتمع الجزائري نموذجا:

1- التركيز على القيم الإيجابية الهادفة ذات التأثير الملموس، تعاون، مرونة، تحمل مسؤولية، روح المبادرة، التشاور، المثابرة، تشريب المجتمع للأخلاق الفاضلة - مدحا وتشجيعا، صبر، وسطية، اعتدال، تعارف، تعاون، تنمية وتعزيز الروح الجماعية، التحرر من التمركز حول الذات، تزويد النشء بالمعلومات الصحيحة حول الوطن وتاريخه وقيمه، تأكيد أهمية قيم المواطنة، التعريف بالرموز الوطنية، اعتزاز بالمنجزات، والتدريب على المبادرات الفردية والجماعية.

2- تنمية وتعزيز مهارات التفكير الناقد عبر الحوار والمناقشات - مسرح، إسكتش، إشباع حاجات الطفل، التفاعل مع أسئلة الطفل، وتبسيط الإجابة.

3- تمجيد الثوابت - دين، قيم، وطن، دستور، نشيد وطني، رمزية العلم، مشاركة الآباء في تنمية وترسيخ قيم المواطنة الصالحة، توضيح مفهوم سيادة الوطن، وتحويل ما سبق إلى برامج خفيفة وشائقة.

سابعا، عوامل النجاح:

1- فهم الواقع، الاستفادة من ذوي الاختصاص، روح الفريق بين المؤسسات، حملات تسويق جماعي للبرامج الإيجابية، ملصقات، ندوات، مشاورات، مناقشات عبر وسائل التواصل.

2- تشجيع البحث العلمي، إثراء الفكرة، احترام الحقوق الخاصة، تنمية وتعزيز الالتزام الأخلاقي، احترام الحق العام أيا كان وعدم السطو عليه، الوعي المسؤول، التفكير الناقد، ودورات تدريب.

3- توجيه الأطفال نحو تحديد زمن للتعاطي مع الشبكة العنكبوتية.

4- متابعة الخط والإملاء من الآباء للأبناء.

5- تدريب على الاختصار والإيجاز الذي لا يؤثر على المعنى، وأدب الحوار.

6- تقدير الآخر.

7- تشجيع الأبناء على متابعة العلماء والاستفادة منهم ومن خبراتهم.

8- التوعية بكيفية ممارسة التجارة الرقمية.

9- التوعية بمخاطر الإدمان على الإنترنت.

ثامنا، متخصصو اللغات:

المتخصصون في اللغات الأخرى تقع على عاتقهم مسؤولية كبرى تجاه ديننا وقيمنا وهويتنا وحضارتنا الإنسانية، ذلك أن الطاحونة الإعلامية العالمية سيطرت على عقلية الإنسان غير المسلم وشوهت الإسلام، ونجحت تلك الطاحونة الإجرامية في إلصاق لعنة الإرهاب بأنه منتج إسلامي.

هنا يطالب دعاة المواطنة الرقمية المتخصصين في اللغات الإنجليزية والفرنسية... إلخ أن يقوموا بدورهم الديني والإنساني والحضاري من خلال صياغة مفاهيم باللغات الأجنبية وإخراجها في لوحات أنيقة لافتة للنظر وتعبير جذاب وعناوين إنسانية وحضارية وقيمية جذابة تستهوي الأفئدة.

2- الدخول في نقاش وحوارات هادئة مقرونة بالصبر على جهل غير المسلمين تجاه قيم الإسلام.

3- السعي الجاد للوقوف على أنواع الشبهات المعششة في أذهان الغربيين سيما المثقفين منهم.

4- الانتباه الذكي لمعرفة طرق تفكيرهم، ثم الدخول في النقاش لإزالة تلك الشبهات بمفردات الثقافة المعاصرة.

نماذج شبهات.. وطرق تفكيرهم:

1- القسيس الكبير هاري ميللر ظل يشتم رسول الإسلام عقودا، ثم فكر بمطالعة القرآن لاستخراج كذب رسول الإسلام، وانظروا طريقة تفكره: قرر أن ينظر كم ورد اسم كل من: محمد وعائشة، وفاطمة، وعيسى، ومريم، وآل محمد في القرآن، فوجد أن اسم النبي محمد ورد أربع مرات، واسم عائشة وفاطمة (صفر)، وآل محمد (صفر)، واسم عيسى ورد 17 مرة، ومريم وردت باسمها سورة كاملة، وآل عمران وردت سورة باسمهم.

هنا استسلم الرجل وأسلم، وكتب هذا الكلام في كتيب صغير في الشبكة.

2- موريس بوكاي، جراح فرنسي، قسيس، طبيب تشريح، وجد في التوراة أن يوسف النبي كان في عهد فرعون، ووجد أن القرآن يقول يوسف والملك، فظل 11 عاما يدرس لغة الفراعنة الهيروغليفية، وتوصل إلى أنه لا يوجد فرعون في عهد يوسف، فأعلن إسلامه.

3- خطيب عربي في دولة أوروبية طالب المصلين هناك باحترام قوانين تلك الدولة ووصفها بأنها قوانين عادلة حامية للحقوق، وبعد صلاة الجمعة تقدمت إليه دكتورة أكاديمية تخصص كيمياء تريد الدخول في الإسلام فسألها عن الدافع، أجابت أنها أول مرة تسمع "رجل دين مسلم يحترم النظام والفانون".

4- روجيه جارودي رحمه الله، كان شيوعيا، أعجبته قيم الإسلام، لكنه ظل37 عاما يتساءل: هل في الإسلام نظام اقتصادي؟ ثم وقف على كتاب الخراج لأبي يوسف المتوفي عام 182 هـ، فأعلن إسلامه.

فانظروا كم هي الشبهات ومنها الشبهة الاقتصادية أعاقت الفيلسوف جارودي 37 عاما.

فتنة الذين كفروا:

هناك شبهات كثيرة مختلفة يقدمها بعض المغفلين ظانين أنهم يخدمون الإسلام، ومن تلك الشبهات:

- أحدهم صرح أنه إذا غزا الصين سيسترق رجالها ونساءها وسيعطي لكل فاتح 50 ألف رقيق.. ما رأيك أخي القارئ هل هذا الخطاب الغث سيخدم الإسلام؟

وهناك مغفلون دعاة يبقبقون داخل أوروبا بأن الإسلام عدو العقل، وأن المرأة تابعة للرجل، وأن الديمقراطية كفر، وأن تعدد الزوجات فريضة كالصلاة والصيام، وأن الانتخابات كفر، وأن الحاكم يبقى حتى يموت، والاعتصام السلمي حرام، وكذلك المعارضة.

وفي ذات الوقت يقول أولئك: إذا انقلب شخص على ولي الأمر وقام بذبحه واستولي على الكرسي فهو حاكم شرعي، والتغيير السلمي حرام، والحرية كفر.

وليس أخيرا، كتبنا في حلقة سابقة عن التقصير المعيب داخل مؤسساتنا، والتي قدمت علما لا يصنع حلولا، وقلنا إن ظاهرة الإلحاد في الوسط الشبابي سببها القصور الفكري وعدم الربط بين الحكم الشرعي ومقصده وهدفه.

وإذا كان إلحاد الشباب سببه القصور في البلاغ المبين في فضاء لغتنا، فكيف الحال مع غير المسلمين ممن لا يعرفون اللغة العربية ولا تصلهم تعاليم الإسلام إلا مشوهة كما أشرنا. وإذا كانت الشبهات كثيرة ومتنوعة كما أشرنا أنفا، فهل كل الناس هناك قادرون على البحث والوصول إلى حقائق الإسلام؟

إذن، متخصصو اللغة عليهم مسؤولية توضيح الحقائق وبين يديهم أعظم وسيلة، الشبكة، كفيلة بإيصال الحقائق وإزالة الشبهات.. بربكم أيها القراء الكرام هل هذا هو الطريق الصحيح لتعليم الإسلام أم إطلاق حكم التكفير على تلك المجتمعات قبل أن يصلها البلاغ المبين؟

الجدير ذكره أن بعض الدعاة هناك ممن يقدمون الإسلام بتلك الصورة - رق، وتعدد زوجات، لا عقل، لا حرية، لا ديمقراطية... إلخ، هؤلاء ينطبق عليهم "ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا".

الموضوع طويل ولقد اكتفينا بهذه السطور، شاكرا تحملكم وصبركم.

كلمات دالّة

#اليمن