الجمعة 29-03-2024 13:47:28 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

ملكة التجديد الفقهي والعجز المكتسب (3-3) جسر العبور.. إصلاح التصور عقديا ومنهجيا

الجمعة 01 إبريل-نيسان 2022 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت-خاص | عبد العزيز العسالي

 


أولا، مبادئ ومنطلقات:

إذا أردنا تجديد الفقيه حقا، بعيدا عن المزايدات والمناكفات، يجب علينا أولا تحديد المبادئ والمنطلقات الأولية، ذلك أن هذا التحديد سيبدد الكثير من المخاوف، سيما إذا كانت تلك المبادئ والمنطلقات محل اتفاق في الوسط الفقهي.

وأهم هذه المبادئ والمنطلقات هي:

1- العودة إلى منهج الصحابة الذين تشربوا "منهج الحكمة النبوية" {ويعلمهم الكتاب والحكمة}.. تشربوها تربية وفهما وتطبيقا، وهذا المبدأ المنهجي لا يختلف عليه عاقلان، بلْهُ فقيهان، والمكتبة العربية زاخرة بمنهج الصحابة.

2- تحديد وحصر التعاطي والتطبيق (للمنهج المقاصدي التجديدي المنشود) في ميدان متغيرات الحياة سياسة واقتصادا واجتماعا وإدارة وتأطير التجديد في هذا الميدان بقيمنا العقدية والخلقية.

فهذا المبدأ سيخلق الطمأنينة في الوسط الفقهي المتخوف من أدعياء التجديد والدخلاء الذين يستهدفون هدم الشريعة باسم التجديد.

3- أن الموروث الأصولي محط تقدير واحترام وأساسا للبناء عليه، انطلاقا من اختلاف الأصوليين، ذلك أن اختلاف الأصوليين يعطينا مجالا للبحث والنظر وترجيح ما يلبي قضايا واقعنا.

4- تقدير قول أصولي فأكثر إذا كان دليله أقوى من دليل أصولي آخر هو منهج الصحابة.

5- تطمين العقل الفقهي بأن التوجه نحو إصلاح التصور الفكري وصولا إلى التجديد الفقهي ليس ابتداعا في الدين وإنما هو منهج كبار الأصوليين عبر التاريخ الإسلامي مارسوه عمليا في مواجهة الحوادث، وأن الأصوليين لم يقفوا عندما قرروه في كتب الأصول، وإنما انطلقوا من المنهج المقاصدي المستند إلى كليات القرآن ومقاصد تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم.

6- تقديم نماذج عملية شاهدة على تصرفات الأصوليين في مواجهة مشكلات استجدت في واقعهم، على أن يقترن بتلك الشواهد التوضيح المستمر الهادف إلى تحليل مستجدات الحياة، وإيضاح الفرق الشاسع بين واقع الأصوليين وواقعنا.

7- التأكيد المستمر أن التجديد المنهجي المقاصدي هو من صميم الكتاب والسنة ومنهج الأصوليين.

ثانيا، أهداف إصلاح التصور الفقهي:

1- تكوين ملكة التجديد الفقهي من خلال المدخلات الفكرية والعقدية والمنهجية المستندة إلى قطعيات القرآن الصريحة والبيان النبوي المعلم للحكمة، كما سنوضح لاحقا.

2- الهدف من هذه المدخلات العقدية والفكرية والمنهجية هو تغيير زاوية منهجية النظر عقديا وخلقيا ومنهجيا.

3- الانتقال بالعقل الفقهي من حالة العجز المكتسب القادم من الفهم التقليدي المترسخ في الأذهان إلى حالة الثقة بالذات والطمأنينة تجاه المنهج المقاصدي التجديدي بأنه مستند إلى العقيدة والأخلاق الإسلامية الأصيلة.

4- الانتقال بالعقل الفقهي من حالة تعضية القرآن (تجزئته وتفتيته) إلى اتساق الرؤية المتكاملة عقديا وخلقيا ومنهجيا.

5- الانتقال بالعقل الفقهي من حالة التيه والشتات والحيرة الناجمة عن ترسانة القيود والضوابط والاعتراضات التي خلقها الصراع التاريخي قبل وأثناء تدوين كتب الأصول، إلى المنهج الكلي الواضح المرتكز على فهم المقاصد والكليات المقترن بفقه الواقع وفهمه المقترن بفقه التنزيل المصاحب الناظر إلى المآلات.

6- من منهج التعليل بالعلة الجزئية والتي لم يتفق عليها فقهاء الأصول بسبب اضطراب واقعهم، إلى التعليل المنهجي بحكمة الشريعة الواضحة كما أرساها الرسول صلى الله عليه وسلم ونفذها الصحابة والأصوليون عند المستجدات، وهذا يعطينا السر الدعوي والفكري والفقهي الذي استوعب ثقافة أعظم إمبراطوريتين في ذلك التاريخ، وظلت الشريعة الخالدة تعطي طيلة 12 قرنا.

7- من العجز المكتسب الذي جثم على العقل الفقهي وكبّله وأقعده عن التعاطي والتجديد، إلى منهج حيوي تلهمه الحكمة القرآنية الواردة في قرابة 1000 نص قرآني، بصورة واضحة مقترنة بالحكمة أو الغاية المنهجية المقصدية كما أرادها الله.

8- إخراج العقل الفقهي من زقاق إطلاق أحكام البدعة والضلالة والانحراف تجاه الواقع المعيش السريع تقلباته، إلى النظر المنهجي القرآني المؤسس لمبدأ العرف (وأمر بالعرف) والذي يقول لنا إن العرف المتجدد أحد مكونات المنهج المقاصدي، فالعرف السليم هو تلبية مصالح العباد ومنهج ينتج حلولا للقضايا الجديدة تيسيرا على الناس.

9- تمكين العقل الفقهي منهجيا كي يستطيع التفريق بين الغايات والوسائل، وبالتالي إصدار الحكم الفقهي تجاه التعاطي مع الوسائل طالما وهي آليّات الهدف منها حماية كرامة الإنسان.

10- من عماية التخبط في دياجير التصادم المفتعل الرامي إلى تحصين الطغيان والظلم والفجور السياسي المفسد والمهلك للحرث والنسل، إلى النظر المنهجي المقاصدي المتصل بحكمة الشرع التي حصنت ورسخت كرامة الشعوب وحاصرت الطغيان وقلمت أظافر الاستبداد.

11- من الفهم السطحي للنص إلى الفقه العميق لحكمة النص.

12- من إطلاق التحريم المستند إلى دعوى الإجماع في ميدان متغيرات الحياة، الى النظر في مستند الإجماع ومدى اختلاف وجه المصلحة يوم نشأ الإجماع وما صحة بقاء تلك المفسدة من عدمها في واقعنا.

13- من الزيف والكذب والزور والافتراء على الله والرسول المتمثل في دعاوى الحق الإلهي والمستندة إلى السلالية الرامية إلى التحكم في رقاب وقلوب ودماء وأموال وأعراض المسلمين، والاستدلال بسيف صدئ اسمه الإجماع الظالم لحقيقة الإجماع، إلى محاكمة تلك الأقوال، إلى المبادئ الكلية القيمية المنهجية الشرعية - مبادئ المساواة والتعارف والعدل والكرامة الإنسانية.. إنها مبادئ الشريعة الخاتمة الصادرة عن بعد مصدري واحد لا يمكن أن يختلف أو يتناقض، وصدق الله: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}.

ثالثا، أسس إصلاح التصور:

إصلاح التصور يقوم على الأسس التالية:
1- إقامة التصور الفقهي المنشود على ثلاث أسس كلية وهي:
الأساس المعرفي.
الأساس العقدي.
الأساس المنهجي.

2- المقصود بالأساس المعرفي تصحيح وبناء النظر المنهجي على أساس عقدي وفكري، كون هذا البناء المنهجي من لوازم مفهوم خاتمية الشريعة، أليس خاتمية الشريعة تعني خلودها؟ أليس خلود الشريعة يعني تجددها؟ أليس تجدد الشريعة يعني كمالها؟ أليس كمال الشريعة حاضر بقوة ووضوح في الكليات الشرعية المتمثلة في عقيدة التوحيد، والقيم الكونية، والقيم الخلقية (مقاصد التزكية) وحكمة التشريع، والسنن الحاكمة للاجتماع؟

وهذه الحزمة من الكليات هي المنهج المقاصدي المنشود، وأن مفهوم تجدد الشريعة الخاتمة مكتنز في تلك الأسس والقيم والسنن المتصلة بحياة العالمين جميعا، كيف لا، وهي رسالة الرحمة للعالمين.

4- إرادة الله هي التي أسست بوضوح أن الشريعة الخاتمة هي تلك القيم الآنفة الذكر والمتداخلة والمتعانقة والمتآلفة والمترابطة تداخلا لا يقبل الانفصال ولا التجزئة لقيم الشرع وكلياته... إلخ.

5- أن ذلك التداخل أساسه عقدي إيماني منطلق من ركن الإيمان بالكتب، ومن عقيدة هيمنة القرآن على غيره من الكتب، وهذا الإيمان وجوب الإيمان بكل ما تضمنه القرآن فكل ذلك إيمان بأوامر الله ونواهيه التي تضمنها القرآن وبينها الرسول صلى الله عليه وسلم.

6- الإيمان بهذا الأساس المعرفي العقدي المنهجي: يجب أن يكون حاضرا لدى الفقيه والخطيب والواعظ والمرشد والتربوي وعامة الناس.

7- الاساس المنهجي: يجب أن يترسخ لدى الفقيه أن المنهج المقاصدي قائم على الأساس العقدي وأنه جزء من العقيدة فهما وتطبيقا ومآلا.

8- أن الفقيه مطلوب منه -وجوبا- أن ينظر إلى الواقع المحيط ومدى قابليته لتطبيق الأحكام الشرعية ومدى تحقيق مقاصدها، وما لم فعلى الفقيه أن يتجه لإصلاح المجتمع أولا.

9- أن يدرك الفقيه تماما أن كل ما سبق هو شرع الله وبيان الرسول صلى الله عليه وسلم تطبيقا منهجيا خالدا بخلود الرسالة التي أنزلها لتحقيق وجلب مصالح الناس أو تكميلها، أو دفع المفاسد أو تقليلها.

ذلكم هو جسر العبور نحو إصلاح العقل الفقهي المنشود معرفيا وعقديا ومنهجيا، الخادم لغايات القرآن العظيم إنسانيا وحضاريا.

كلمات دالّة

#اليمن