الجمعة 19-04-2024 16:26:23 م : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

تلميع الذات وشيطنة الآخر.. ما دلالات الخطاب الحوثي الموجه إلى الداخل؟

الجمعة 25 مارس - آذار 2022 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت – خاص | عبد السلام الحاتمي
 

 

ينضح الخطاب الإعلامي الحوثي الموجه إلى الداخل بمفردات التضليل والكراهية والكذب والافتراء والدعاية السوداء والإرهاب اللفظي الموجه ضد جميع مكونات المجتمع اليمني، أي أنه خطاب يعكس سلوك المليشيا بحذافيره ويكشف حقيقتها، خطاب لا يكتفي بإلغاء حق الآخر في العيش داخل وطنه بسلام ويصادر حقوقه السياسية وغيرها، وإنما يتعدى ذلك ليشمل مصادرة حقه في الحياة، فالإرهاب اللفظي يصف خصوم المليشيا بأوصاف تعكس شهية المليشيا في سجنهم ومصادرة أموالهم وتعذيبهم ومحاكمتهم وانتهاء بإعدامهم، ولم تدع المليشيا أي مفردة من قاموس البذاءة إلا وألصقتها بخصومها وبكل مكونات المجتمع اليمني الرافضة لها.

وفي المقابل، تعمل المليشيا الحوثية على تلميع قادتها ورموزها السلالية وتمجيدهم ووصفهم بأوصاف تضليلية لغسل جرائمهم بحق المجتمع اليمني، وتحاول إحاطتهم بهالة من التقديس، فتصفهم بأنهم أعلام الهدى ورواد الهوية الإيمانية وأحفاد النبي وأصحاب الثقافة القرآنية، وأما غيرهم فتصفهم بالتكفيريين والإرهابيين والدواعش والمنافقين والطابور الخامس والعملاء والخونة والمرتزقة، وغير ذلك من مفردات خطاب الكراهية والتضليل الذي ينضح به الخطاب الإعلامي الحوثي عبر وسائل إعلام المليشيا وخطب الجمعة والدورات الطائفية واللافتات والملصقات وزوامل الحرب والقتل.

- مفردات الخطاب الحوثي ودلالاتها

لم تأتِ مفردات الخطاب الإعلامي الحوثي الموجه إلى الداخل من فراغ، وإنما تعكس في جوهرها طبيعة الحوثيين المليشياوية وسلوكهم الإرهابي الذي يحرص على توظيف كل مفردات الإرهاب اللفظي لتمجيد وتلميع الذات وشيطنة الآخرين وتكثيف الدعاية السوداء ضدهم، وهو ما سنوضحه في ما يلي:

• الهُوية الإيمانية: تحضر مسألة الهوية بقوة في حرب مليشيا الحوثيين على الدولة والمجتمع، ونظرا للخطر الذي تشكله تلك المليشيا على هوية اليمنيين سواء الدينية أو الوطنية، من خلال انسلاخها عن الهوية الجامعة لليمنيين وذوبانها في الهوية الإيرانية وهوية المليشيات الطائفية الموالية لها، فإن المليشيا الحوثية تعمل على محاولة تطبيع الحياة العامة في مناطق سيطرتها بتلك الهوية المستوردة، ولكي لا تلقى محاولاتها تلك أي استجابة، فإنها تطلق على الهوية الإيرانية المستوردة صفة "الهوية الإيمانية"، لصرف الأنظار عن حقيقة تلك الهوية، وللتغرير على البسطاء والجهلة بشأنها، ولتدرأ عن نفسها تهمة تهديد الهوية الجامعة لليمنيين بهوية مستوردة تحرض على القتل والعنف وتشجع على ممارسة الإرهاب، وتفخيخ المجتمع بمناهج دراسية وجيل جديد مشبع بأفكارها الظلامية.

ولأجل ترسيخ ونشر الهوية الإيرانية المستوردة، فإن المليشيا الحوثية استحوذت على المساجد والمدارس والجامعات في المناطق التي تسيطر عليها، وغيرت خطباء المساجد بآخرين موالين لها أو من بين صفوفها، وطاردت الدعاة وخطباء المساجد ممن لا ينتمون إلى مذهبها أو رفضوا الانخراط في خدمتها وفق تعليماتها، وأصبحت الشعارات الإيرانية مرفوعة في كل مكان وصلت إليه يد المليشيا، وفي مقدمتها شعار الصرخة الخمينية.

وتعتقد المليشيا الحوثية أن الهوية الدينية والوطنية الجامعة لليمنيين من شأنها إعادة صياغة الواقع المشوه ومحاصرة الهوية الإيرانية المستوردة التي تطلق عليها المليشيا مسمى "الهوية الإيمانية"، لذلك تعد الحرب على الهوية اليمنية من أبرز أولويات الحوثيين، فهم يعملون على غسل أدمغة الناشئة وصغار السن والجهلة والأميين بأفكار إرهابية يغلفونها بمزاعم "الهوية الإيمانية" لتمريرها، وتفخيخ المجتمع بتلك الهوية التي يمثل القتل وسفك الدماء والنهب والسلب أبرز ملامحها.

• المسيرة القرآنية: لم تتورع مليشيا الحوثي الإرهابية عن التوظيف السياسي لكتاب الله (القرآن الكريم)، فرغم أنها منذ تقدمها نحو العاصمة صنعاء فجرت عددا كبيرا من مدراس تحفيظ القرآن الكريم وأغلقت الجمعيات الخيرية المهتمة بتحفيظ القرآن وتدريس علومه، لكنها ما زالت تصف ممارساتها الإرهابية من قتل وسفك للدماء وتعذيب في السجون السرية ونهب الممتلكات العامة والخاصة بأنها "مسيرة قرآنية".

وإذا كانت المليشيا تريد التغطية على ممارساتها التي نهى عنها القرآن الكريم والمنافية للدين والأخلاق والأعراف، فكان ينبغي أن تزعم مزاعم أخرى لمسيرتها الإرهابية، وألا تحشر كتاب الله في سلوكها الإجرامي، فالقرآن الكريم تشريع سماوي ودستور أخلاقي للمسلمين كافة، فمن أين جاءت المليشيا الحوثية الإرهابية بمزاعم المسيرة القرآنية كصفة لممارساتها الإجرامية، كما أن سلوك المليشيا الذي يلاحظه المواطنون أمام أعينهم لا ينطلي عليهم وصف ذلك السلوك بأنه "مسيرة قرآنية"، لأن القرآن أعظم من أن تشوهه المليشيا في أنظار المؤمنين به، وصارت محل سخرية وتندر الجميع الذين يرونها وهي تصف ممارساتها الإجرامية والإرهابية بأنها "مسيرة قرآنية".

• الولاية: أصبحت مفردة "الولاية" من المفردات التي تُردد كثيرا في الخطاب الحوثي الموجه إلى الداخل، وتقصد المليشيا بذلك التسليم بولاية زعيمها عبد الملك الحوثي كحاكم وحيد لليمنيين، وفقا لخرافات وخزعبلات عافها الزمن وطواها اليمنيون في ثورة 26 سبتمبر 1962، وهي بذلك تريد إلغاء ونسف كل منجزات المناضلين اليمنيين الأحرار الذين قارعوا الإمامة العنصرية المستبدة طوال عقود انتهت بإعلان ثورة 26 سبتمبر عليها.

كما أنها -بمزاعم الولاية- تريد إلغاء الحقوق السياسية لجميع المواطنين اليمنيين، وحصرها في عائلة الحوثي، وهذا أقصى مراتب الاستخفاف بأكثر من 30 مليون يمني تريد المليشيا أن ينصاعوا لعائلة عنصرية بدون مؤهلات أخلاقية، فضلا عن المؤهلات العلمية والسياسية، لكنها تريد فقط استنساخ تجربة الولي الفقيه في إيران، لتوظف بعد ذلك كل قدرات وإمكانيات اليمنيين ضد دول الجوار، خدمة لإيران ومشاريعها التخريبية في العالم العربي.

• محبة آل البيت: أمام موجة الكراهية الشعبية لمليشيا الحوثيين، تحاول المليشيا إقناع المواطنين في مناطق سيطرتها بأنها تنتمي إلى "آل البيت"، ويالتالي فإن محبتها "واجبة" كما تزعم، مع أن آل البيت هم أقارب النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذين عاش معهم في زمانه، وليس لمليشيا الحوثيين الإرهابية ومثيلاتها أي علاقة بآل البيت، خصوصا أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم مقطوع الذرية، وقال عنه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما" (الأحزاب، الآية 40). لكن المليشيا مثلما تتسلق على الدين والقرآن والعقيدة، فإنها أيضا تحاول حشر النسب النبوي في أعمالها الانتقامية وجرائمها بحق الدولة والمجتمع.

• شهيد القرآن: لم تجد مليشيا الحوثيين من صفة لمؤسسها المدعو حسين الحوثي سوى "شهيد القرآن"، رغم أنه قُتِل في اشتباكات مع القوات الحكومية بسبب قيادته تمردا على الدولة، ولم يكن للقرآن الكريم أي علاقة بقضية قتله، لكن المليشيا الإرهابية لم تجد صفة لتلميع مؤسسها المتمرد على الدولة سوى وصفه بأنه "شهيد القرآن"، وتصفه أيضا بأنه "قرين القرآن" وأنه "قرآن ناطق"، وغير ذلك من الصفات التي تحاول من خلالها المليشيا محو سجله الإرهابي وتلميعه، في سياق حملاتها لتلميع كل قياداتها السلالية، خصوصا من ينتسبون لعائلة آل الحوثي.

• أعلام الهدى: تتفنن المليشيا الحوثية الإرهابية في تلميع قياداتها السلالية العنصرية التي تحرض على القتل والعنف والإرهاب، وتوزع الصفات المختلفة على كل القيادات، لتكثيف تلميعهم، ولصرف الأنظار عن سجلهم الإجرامي والإرهابي بحق الدولة والمجتمع، ومن ذلك وصفهم بأنهم "أعلام الهدى"، وينطوي هذا الوصف على تضليل مبالغ فيه، ضمن أوصاف أخرى كثيرة يتم ترديدها بكثافة، لحجب الحقيقة بسياج منيع من الأوصاف التضليلية، لأن كثافة ترديد هذه الأوصاف تشوش على البسطاء والجهلة والمغرر بهم وتحجب عنهم رؤية القيادات الحوثية على حقيقتها كمجرد دعاة للقتل ومحرضين على العنف والإرهاب ونهب الممتلكات العامة والخاصة.

• دعاية سوداء ضد الرافضين للمليشيا الحوثية: في مقابل تلميع مليشيا الحوثيين الإرهابية لقياداتها السلالية العنصرية، فإنها تتعمد تكثيف الدعاية السوداء ضد جميع مكونات المجتمع اليمني وكل الرافضين لها، فهي تصفهم بالمنافقين والطابور الخامس والمرتزقة وغير ذلك من الصفات التي تنطبق عليها تماما، فالمرتزق الحقيقي هو من يدمر البلاد ويسفك الدماء ويرتكب كل الانتهاكات ضد حقوق الإنسان خدمة لإيران، والمنافق هو من يتظاهر أمام المواطنين بالتقوى والصلاح وأنه من أعلام الهدى، وفي الخفاء يوجه الأوامر لمليشياته بالقتل والسلب والنهب وإنشاء السجون السرية والخطف والاعتقال والتعذيب في السجون حتى الموت أو الإصابة بعاهات جسدية مستدامة. وأما الطابور الخامس فإذا كانت المليشيا تقصد به الجواسيس الذين يجمعون المعلومات حول تحركاتها وخططها وغير ذلك، فالمعروف أن هؤلاء يكونون مزروعين في داخل الهرم التنظيمي للمليشيا نفسها، وتغلغلهم داخلها يعكس فشلها الأمني.

كما تركز المليشيا -في خطابها الإعلامي الموجه إلى الداخل- على وصف العمليات العسكرية ضدها بالقول "أمريكا تقتل الشعب اليمني"، ووصف تحالف دعم الشرعية بأنه "التحالف الأمريكي الصهيوني"، وتتهم جميع مكونات الشعب اليمني التي تقاتل ضدها في مختلف الجبهات بـ"موالاة اليهود والنصارى"، وكل تلك المفردات والأوصاف تضليلية والهدف منها شيطنة الآخرين في أوساط الجهلة والأميين والمغفلين لإقناعهم بالذهاب إلى الجبهات والقتال في صفوفها، كما أنها بتلك الأوصاف والشيطنة والدعاية السوداء تحاول صرف الأنظار عن سلوكها كمليشيا إرهابية موالية لإيران وهي من تقتل الشعب اليمني وهي من تتحالف مع مليشيا طائفية عنصرية تتشابه معها من حيث استرخاص الدماء والقتل والعنف والإرهاب وسفك دماء الأبرياء لأجل السيطرة على الشعوب ونهب مقدراتها وتسخيرها لصالح إيران وحروبها العبثية في المنطقة.

- حرب موازية

يمكن وصف ما ينضح به الخطاب الإعلامي الحوثي الموجه نحو الداخل بأنه "حرب موازية" للحرب التي تشنها المليشيا على الدولة والمجتمع، وهذه الحرب الموازية تستهدف العقيدة الدينية والهوية الوطنية وغسل أدمغة المراهقين وصغار السن، كما أن المليشيا بذلك الخطاب تغرر على المغفلين والأميين ممن لا يدركون خطرها، فتحاول إقناعهم بأنها وحدها تمثل الإسلام وتدافع عنه، بينما الآخرون أعداء له ومتآمرون عليه، وتستغل العاطفة الدينية للكثير من المواطنين لتضليلهم وإقناعهم بالقتال في صفوفها، تحت تأثير تمجيد الذات وشيطنة الآخر.

وتسلك مليشيا الحوثيين نفس أسلوب إيران ومليشيا حسن نصر الله في لبنان في التعبئة والحشد، حيث تردد نفس المفردات والشعارات، وتوظف مختلف وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة والإلكترونية لترديد مفردات الخطاب الإعلامي التضليلي أو الإرهاب اللفظي، كما أنها تحرص على صبغ الحياة العامة بذلك الخطاب، من خلال خطب الجمعة في المساجد، والمهرجانات الفئوية الصغيرة، وتغيير المناهج الدراسة، والمحاضرات الطائفية في المساجد والمدارس والجامعات، والدورات الطائفية في أماكن سرية.

يضاف إلى ذلك المبالغة والإسراف في نشر اللوحات العملاقة واللافتات ذات الشعارات الطائفية في الشوارع والجدران وواجهات المباني الحكومية والأثرية وبيوت المواطنين وعلى السيارات وأسلحة الكلاشنكوف، والإكثار من طباعة الملصقات المخصصة لخلفيات الهواتف الجوالة والجنابي، وترديد شعار الصرخة الخمينية في المساجد والمدارس والجامعات وحتى في الحفلات والمقايل، فضلا عن الإنتاج المكثف لزوامل الحرب والقتل وتمجيد السلالة وشيطنة الآخرين، وتوزيع تلك الزوامل على نطاق واسع، وتوجيه تعليمات لأتباعها باستمرار سماع تلك الزوامل بصوت مرتفع في أي مكان ولجعل الآخرين يسمعونها أملا في التأثر بمحتواها.

- العبث بحرمة المساجد

لم تكتف المليشيا بسيطرتها على وسائل إعلام الدولة لبث سمومها الطائفية وخطابها الإعلامي المفخخ بثقافة الكراهية والإرهاب، بل فقد تعدت على حرمات المساجد وسخرتها لنشر خطابها الإعلامي المفخخ بالكراهية والإرهاب والتحريض على القتال ومواجهة ما تسميه "العدوان" و"المرتزقة" من خلال خطب الجمعة والمحاضرات الطائفية، مع التركيز على مدح من تسميهم "آل البيت" واستحضار مفردات عنصرية تطفح بالكراهية وترويج ثقافة العنف والإرهاب ضد الآخر المخالف للمليشيا.

الخطاب الحوثي عبر منابر المساجد دفع معظم المواطنين إلى مقاطعة خطب الجمعة والحضور في وقت الصلاة، وبعضهم يذهبون لصلاة الجمعة في مساجد بعيدة لا يلقي خطب الجمعة فيها حوثيون، بل فبعض المواطنين فضلوا ترك صلاة الجمعة واستبدالها بصلاة الظهر في بيوتهم، كونهم لا يطيقون الاستماع إلى خطباء من المليشيا يحرضون على القتال والعنف وينشرون ثقافة الكراهية والإرهاب.

- خطورة الخطاب الإعلامي للمليشيا

تكمن خطورة الخطاب الإعلامي لمليشيا الحوثيين في أنه أحد أهم وسائل المليشيا لترسيخ سلطتها الفكرية قبل السلطة السياسية والعسكرية، كون ذلك الخطاب يرسخ قناعات مغلوطة في أوساط المغفلين والجهلة والأميين في مناطق سيطرة المليشيا، فيحولهم إلى إرهابيين ومشاريع قتل تصل أحيانا إلى قتل الأقارب بعد العودة من جبهات القتال، يحدث ذلك تحت تأثير ضخ إعلامي متواصل يبدأ من القنوات الفضائية والإذاعات وينتهي في المساجد والمدارس والجامعات وحتى المقايل والدورات الطائفية.

وتنفق المليشيا الإرهابية على ذلك الخطاب أموالا طائلة تنهبها من المواطنين والتجار والمؤسسات والشركات الاستثمارية الخاصة والقطاع الخاص بشكل عام، ولا تقتصر خطورة ذلك الخطاب على الحاضر فقط، وإنما تطال المستقبل، لأن ذلك الخطاب يفخخ المجتمع بسموم الطائفية وثقافة الإرهاب والكراهية وتمزيق النسيج الاجتماعي والثارات ويؤسس لحروب مستدامة.

                                                                             

كلمات دالّة

#اليمن