السبت 20-04-2024 09:46:20 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

لصوص الأراضي والعقارات.. هكذا يتمدد الحوثيون في الجغرافيا اليمنية

الخميس 27 يناير-كانون الثاني 2022 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت-خاص | زهور اليمني

 

يستخدم الحوثيون وزارتي الأوقاف والعدل لشرعنة عمليات النهب والسطو على ممتلكات الأوقاف، إضافة إلى إجبار الأمناء الشرعيين والقضاة على إصدار أحكام وتمليك أراضٍ تابعة للدولة، وتحرير وتزوير وثائق تشرعن هذا الأمر.

مؤخرا أنشأت المليشيات ما سمتها "هيئة أوقاف" الحوثي، وعينت عبد المجيد الحوثي رئيسا لها، وكان أول قرار اتخذه هو الاستيلاء على 62 مبنى تابعا لوزارة الأوقاف في العاصمة صنعاء بناءً على أوامر قضائية حوثية، الأمر الذي نجم عنه اشتعال صراع العقارات بين قادة المليشيا.

يستند الحوثيون في عمليات النهب التي يقومون بها إلى عدد من المرجعيات الشيعية، منها الخميني الذي أورد في كتابه "تحرير الوسيلة" (1 / 352) في جواز استباحة الشيعة لأموال السنة على شرط أداء الخُمس إلى نائب الإمام، حيث يقول: "والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم.. والظاهر جواز أخذ ماله أينما وجد وبأي نحو كان ووجوب إخراج خُمسه".

كما يستندون إلى فتاوى ومرجعيات دينية يمنية (جارودية) تبيح نهب أموال المخالفين لها في المذهب، بل وتعتبرهم كفار تأويل، وثمة فتوى مشهورة منسوبة إلى الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم، التي أصدرها عندما كان إماما لليمن تبيح أخذ أموال المخالفين.

التغيير الديموغرافي:

بالرغم من سيطرة مليشيات الحوثي على صنعاء منذ انقلابها على السلطة إلا أنها لا تثق بولاء السكان، لذا فإنها تحاول إحلال عناصرها ممن يتم غسل أدمغتهم في دوراتها الطائفية في تلك المناطق، حتى تتمكن من بسط سيطرتها بشكل أكبر على قطاع العقارات، وتحيل آلاف الهكتارات إلى أحياء سكنية تستهدف التغيير الديموغرافي للعاصمة صنعاء وريفها، وبالتالي تصبح هذه السلالة على المدى البعيد مسيطرة بشكل تام سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.

حول هذا الأمر تحدث إلينا أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء (ف. ب) قائلا: "اتبع الحوثيون سياسة الفيد وسلطة الغنيمة، حيث تبنوا نظاما اقتصاديا همه الأول تعظيم المنافع والغنائم والامتيازات للسلالة الهاشمية المحتكرة للسلطة والمناصب الرسمية، بالإضافة إلى أعداد محدودة جدا من الأسر والعائلات القريبة من الحكم أو العاملة على أطرافه، قوامه النهب والإتاوات والجبايات والابتزاز، والسيطرة على التجارة ومصادرة الأرض وسرقة المساعدات... إلخ، حيث لا يتم النظر أبدا لا لمشاكل التنمية والفقر، ولا إلى مصير ملايين البشر الذين ينتظرون فرص عمل، حتى يضمنوا معيشتهم ويحققوا ولو جزءا يسيرا من إنسانيتهم أو شعورهم بكرامتهم".

وتابع: "هكذا يبدو الأفق الاقتصادي مغلقا تماما أمام اليمنيين، خصوصا أجيال الشباب، ولا أي أمل لأحد منهم بالخروج من قبضة الفقر والبؤس والبطالة إلا بالهجرة أو بقبول التسول على أعتاب ما فيات السلطة وخدمتهم".

وأضاف: "لا شك أن نمو اقتصاد الحرب الذي رسخ نفسه في البلاد، ساهم كليا في عمليات تأمين الموارد الخاصة للحوثيين بمعركتهم، كما خلق للسلالة فرصاً مربحة لجني المال والثراء الفاحش بواسطة نهب ومصادرة الموارد المادية من أراضٍ وعقارات والرأسمال بأنواعه مما كان يملكه خصومها المعارضون لها، حيث ابتكرت نظاما سمته "الحارس القضائي" لنهب وسرقة أموال وممتلكات اليمنيين، في خطوة تهدف من جهة إلى تصفية الفئات المعارضة للمشروع السلالي نهائيا وحرمانها من مصادر قوتها، ومن جهة ثانية منح قياداتها والأسر السلالية الأموال الطائلة منها ممتلكات وأموال خصومها، وتعزيز الاقتصاد الخاص بها الموازي لاقتصاد الدولة، ومن جهة أخيرة إفقار وتجويع وترهيب المواطنين".

وتابع حديثه قائلا: "لم تكتفِ بكل ذلك بل قامت بالاستيلاء على أراضي الدولة والأوقاف في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وقامت بتوزيع تلك الأراضي سواء في محيط صنعاء أو غيرها لأنصارها وقياداتها من المنتمين للسلالة الهاشمية، ولطمس هذا الإجراء قامت بإحراق أرشيف مكتب الأوقاف في صنعاء الذي لا يمكن أن يأتي من فراغ، بل هي سياسة مدروسة تهدف إلى تطبيع الوضع الانقلابي القائم، من خلال توزيع الأراضي لتحسين مستوى الأسر السلالية وأتباعهم، ومنحهم هذه الامتيازات لتثبيت سيطرتهم الاقتصادية، وضمان ولاء تلك الأسر والشخصيات".

وذكر أنه "عندما تصرف هذه الأراضي فهذا يعني حتما السيطرة على كل الجغرافيا في صنعاء، بالإضافة إلى توفير مداخيل لعناصر هذه المليشيات للاستفادة من هذه الأراضي بالإيجار والبيع والاستثمار، وهي خطوة تعد بمثابة تطييف للأحياء السكنية من خلال تكثيف زراعة عناصرها في مهمات الرقابة والاطلاع على كافة تفاصيل الحياة اليومية للسكان، وتكثيف عمليات الرقابة وإجهاض أي عمليات أو دعوات تناهض السلالة أو تدعو للخروج عليها، سواء في دواوين المجالس أو التجمعات التي يعقدها السكان أثناء المناسبات الاجتماعية".

تعيين أمناء من خريجي السجون:

كشف مصدر في الأوقاف عن قيام الحوثيين بنقل ملكية مئات الأراضي المملوكة لمكاتب الأوقاف في العاصمة صنعاء وإب والمحويت وذمار وعمران ويريم لصالح قادة ومشرفين تابعين لها، مستعينة بالأمناء الشرعيين الذين قامت بتعينهم منذ عدة أشهر.

وذكر المصدر أن المليشيات قامت بجمع كافة البصائر والوثائق التي كانت محفوظة لدى الجهات العدلية، أو الجهات الحكومية الخاصة بها، وإتلافها عن طريق حرقها، لطمس حقوق الجهات الحكومية في الملكية لتلك العقارات.

وقال المصدر إن الحوثيين قاموا باعتماد وتشكيل ما يسمى لجنة تلقي الشكاوى الخاصة بتزوير المحررات العقارية، في صورة تشرعن لهم ملكية نهب العقارات، مشيرا إلى أن أكثر من 86% من العقارات نهبها الحوثيون، و14% فقط من المواقع التي أعلنوا الحفاظ عليها واعتبارها أملاك دولة، وشملت الأملاك السابقة للدولة وأراضي مملوكة لأصحابها، ومواقع المساجد التي هدمها الحوثيون ودور الحديث، ودار الأيتام والمعاقين.

وبيّن المصدر أنه وبعد عزل الأمناء الشرعيين عكف الحوثيون على وضع آلية تضمن لهم تثبيت الأملاك والعقارات التي قاموا بسرقتها خلال الفترة الماضية، وتظهرهم أمام الجميع بمظهر الحريصين على كافة أملاك الدولة.

وأكد المصدر أن الحوثيين يعتبرون القرارات الصادرة منهم هي المرجع الأساسي والمعتمد للتمليك، مشيرا إلى أن أبرز المهتمين بإصدار القرار ومتابعته هو عضو ما يسمى المجلس السياسي محمد علي الحوثي، الذي يعتبر من ضمن الذين سيطروا على عدد كبير من العقارات في العاصمة صنعاء بالقوة، حيث ترأس اجتماعا موسعا مع عدد من القيادات الحوثية لمناقشة آلية عمل لجنة استقبال الشكاوى المتعلقة بتزوير المحررات العقارية، وتحديد الأمناء الشرعيين المعتمدين والمخوّلين من قبل جهات الاختصاص بتحرير وثائق بيع وشراء العقارات، مع منع وضبط كل شخص يقوم بتحرير أي عقود أو وثائق من غير الأمناء المعتمدين لدى وزارة العدل.

وأكد المصدر أن هؤلاء الأمناء هم قيادات حوثية، البعض منهم من أرباب السوابق وخريجي السجون، وأصحاب المصالح المرتبطة مع محمد الحوثي وغيره من القيادات.

المليشيا تستخدم الأمناء في عمليتها الاستخباراتية:

ضمن سعيها للبسط على أراضي الأوقاف والدولة والمواطنين، وتحويلها إلى ملكيتها عبر بعض الأمناء الجدد الذين سيكتبون وفق ما تريد وتملي عليهم، تم عزل 200 أمين شرعي لم يرضخوا لطلبات المليشيات وإيداعهم في سجونها بتهمة تزوير وثائق.

حول أبعاد ودلالات عزل الأمناء الشرعيين، حدثنا الأمين الشرعي (ن. و) الذي تم إقصاؤه من عمله هو والعشرات من الأمناء في أمانة العاصمة، حيث قال: "قبل أن تقوم المليشيات بعزل الأمناء وتمهيدا لهذا القرار، أصدر محمد علي الحوثي أوامر تقضي بإيقاف عمليات البيع والشراء وتحرير العقود من قبل الأمناء، ثم قام بمنعهم من مزاولة عملهم وإدانتهم بالتزوير في عقود البيع والشراء التي حرروها، وتنفيذ حملة واسعة للقبض على الأمناء الذين تزعم المليشيات أنه ليس لهم الحق في توثيق عقود العقارات".

وأوضح أن "لهذه الحملة التي طالت الأمناء أهدافا كثيرة أبرزها حوثنة هذا القطاع، حيث تم استبدالهم بآخرين حوثيين وفق شروط تضمن للمليشيا مراقبة عمليات البيع والشراء وتوريد المبالغ إليها، فضلا عن تمكينها من اكتشاف أي أصول عقارية للمعارضين لها ومصادرتها، إضافة إلى تهيئة الأرضية والوسائل القانونية لممارسة عمليات نهب للأراضي والأموال والعقارات العامة أو الخاصة بالأوقاف، والتخلص من أي صاحب أمانة وأي صاحب حق، فمن لديه وثائق تثبت ملكيته لشيء كتبها أمناء سابقون، يتم نقضها بوثائق أخرى للأمناء الحاليين".

وأضاف: "بعد عزل الأمناء قامت المليشيات بحملة للسيطرة على عدد كبير من العقارات والأراضي التابعة للأوقاف، سواء من خلال إعادة عمليات تأجيرها بعقود جديدة لقيادات تابعة للمليشيات، أو عبر السيطرة والبسط على الأراضي الخاصة بالأوقاف، والبدء بتنفيذ مشاريع تجارية عليها تملكها قيادات حوثية، ناهيك عن رفع الإيجارات الخاصة ببعض العقارات والمباني التابعة للأوقاف وجباية الأموال الخاصة بها، وصرفها من قبل المليشيات الحوثية بعيدا عن أي إجراءات قانونية أو محاسبية".

وتابع حديثه قائلا: "بعد عزل الأمناء قامت أيضا بفرض نصوص جديدة أضافتها وفرضتها على الوثائق الخاصة بتحرير عمليات وعقود البيع والشراء، الغرض منها جباية أكبر قدر من الأموال تحت مسمى الضرائب والواجبات، خصوصا على العقارات والأراضي والمشاريع والشركات التجارية الكبيرة، حيث سيكون بمقدور قيادات المليشيات معرفة الأرقام الحقيقية لأثمان البيع، وبالتالي فرض ضرائب كبيرة على بائعي الأراضي والعقارات والشركات التجارية".

وبيّن أن الأهم من كل ذلك أن المليشيات استخدمت الأمناء كقطاع من ضمن قطاعات عملها المخابراتية، حيث ألزمتهم بعمل تقرير مفصل حول أملاك المواطنين، وعملية التبادل والحصول في هذا الجانب، بواسطة عملية حصر يقوم بها الأمناء بشكل سري، ورفع تقرير يرصد نتائج ما سبق، والاستمرار في رصد أي جديد يخص هذا الجانب.

صراع القيادات الحوثية على الأراضي:

قبيل إصدار قرار الحوثي بمنع عمليات البيع والشراء في العاصمة صنعاء، كان ملف الأراضي والعقارات بيد القيادي الحوثي عبد الخالق الحوثي، وكان سماسرة وضباط سابقون في قوات الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع هم دليله لمعرفة الأراضي الشاسعة التي كانت تسيطر عليها كل من القوتين.

لكن عبد الخالق الحوثي، ومعه قيادات حوثية عسكرية محدودة العدد، لم يقتنعوا بسيطرتهم على تلك الأراضي، فاتجهوا نحو التوسع والسيطرة على مساحات شاسعة أخرى من الأراضي في مناطق حزيز ودار سلم وضبر خيرة وسعوان وبني حشيش وهمدان بصنعاء، بحسب تأكيدات أحد الضباط المقربين من جماعة الحوثي، الذي طلب منا عدم ذكر اسمه.

وتابع حديثه قائلا: "لقد كان عبد الخالق الحوثي يقوم بسجن القضاة والأمناء الشرعيين في صنعاء الذين يرفضون تنفيذ أوامره بتحرير بصائر لأراضي وعقارات متعددة في مناطق متفرقة في صنعاء، وكان يوهم أهاليهم أنهم في دورات ثقافية خاصة".

واستمر هذا الانتهاك مدة عامين حتى انكشف أمره أمام محمد علي الحوثي، الذي أثارت انتباهه الأسعار الباهظة للأراضي والعقارات السكنية في صنعاء وباقي المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، الأمر الذي دفعه للدخول بقوة في مجال منافسة تلك القيادات وبطريقة رسمية، إذ نصب نفسه رئيسًا لما تسمى "اللجنة العليا للمنظومة العدلية"، ومنح نفسه صلاحيات واسعة، وكان أول قرار اتخذه هو منع بيع الأراضي إلا عبر مأذونيه من وزارة الأوقاف الحوثية، إذ يتوجب على من اشترى قطعة أرض أن يدفع 5% من قيمتها المشتراة للوزارة، الأمر الذي تسبب بانخفاض سعر الأراضي المسماة بالوقف".

وأضاف: "عقب هذا الإجراء، دعا الحوثي إلى عقد لقاء يجمع فيه الأمناء الشرعيين والقضاة المتخصصين بكتابة بصائر الأراضي في صنعاء، بهدف معرفة ما تبقى من الأراضي السكنية التي لم تبَع، والتي يمتلكها رجال أعمال ومشايخ القبائل ومواطنون آخرون يعملون في مختلف المهن، إلا أن قطاعًا واسعًا من الأمناء الشرعيين والقضاة رفضوا الاستجابة لطلب الحوثي، الأمر الذي دفعه لأن يعطي مهلة زمنية للقضاة والأمناء الشرعيين الذين سماهم بالمتلاعبين".

وفي اجتماع عقده بوزارة العدل الانقلابية، بحضور أبو علي الحاكم ومدراء مكاتب التوثيق ورؤساء أقلام التوثيق بأمانة العاصمة ومحافظة صنعاء، حذر الحوثي من أنه سيتم التشهير عبر وسائل الإعلام بالأمناء الذين لم يستغلوا هذه المهلة الزمنية،
واعتبر ملاحقة الأمناء الشرعيين معركة وطنية خاصة ترتبط بالتلاعب بالقيمة والأصول العقارية للدولة.

وبالفعل دشن الحوثي، في منتصف ديسمبر الماضي، حملة أمنية لملاحقة الأمناء الشرعيين في صنعاء، وطبق قراراه القاضي بمنع عمليات بيع وشراء الأراضي، وقامت الأجهزة الأمنية الحوثية بسجن 423 أمينًا وقاضيًا شرعيًا، سمتهم المليشيات عبر وسائل الإعلام التابعة لها "منتحلي صفات الأمناء الشرعيين"، في كل من أمانة العاصمة ومحافظات صنعاء وذمار وعمران والحديدة وإب، وقامت المليشيات بتعميم أسماء 1158 أمينًا وقاضيًا شرعيًا لملاحقتهم والقبض عليهم، بتهمة التورط في التزوير أو التلاعب بوثائق ومحررات عقارية، مما تسبب في غالبية النزاعات على العقارات.