السبت 20-04-2024 15:37:51 م : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

دين يصنع الحياة.. النهوض الحضاري.. أسس، قيم، محركات

الثلاثاء 28 ديسمبر-كانون الأول 2021 الساعة 06 مساءً / الإصلاح نت-خاص-عبد العزيز العسالي

 

تمهيد:
صناعة الحياة السليمة تنبثق عن القيم المركزية الحاكمة والمتمثلة في: التوحيد، التزكية، العمران.

قال تعالى:
- "هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها".
- "فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى".
- "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور".
- "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون".

والنصوص القرآنية كثيرة جدا تصب في اتجاه القيم الحاكمة العليا الآنفة الذكر، وستنطلق هذه التناولة الموجزة من القيم العليا الحاكمة فنقول:

أولا، الأسس:
خلق الله الإنسان لغايتين اثنتين هما عبادته وعمارة الأرض، فالغاية الأولى التي هي عبادة الله، نجد الله قضى أنه غني عنها، لأنه لن تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين.

الأمر الأهم هو أن عبادة الله لها وجهان متداخلان: شعائري تعبدي، ومنهج عمارة الأرض، والوجهان يعودان بالمصلحة على الإنسان دنيا وآخرة، ومن هنا نجد أن التلازم والتداخل قوي جدا وتحديدا بين مقاصد التزكية وعمارة الأرض، هذا من جهة، ومن جهة ثانية نجد أن ملتقى التكليف بالعبادة والعمارة هو الإنسان.. القرآن نص على التلازم بين العبادة الشعائرية وعمارة الأرض، فقد طالب الإنسان بالتزكية أولا، وأن تكون عمارة الأرض المنهج الإلهي المتصل بقيم العقيدة ومقاصد التزكية، ونجد أن العناية بالإنسان هي الأساس، أو الشرط الأول في النهوض الحضاري.

ثانيا، تعريف الإنسان في معارف الوحي:
مفهوم الإنسان في الإسلام قادم من معارف الوحي الصادرة عن العليم الخبير.. "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير".

معارف الوحي قدمت تعريفا مفهوميا للإنسان الذي هو محور التكليف بالتوحيد والتزكية وعمارة الأرض يتمثل في المنظومة المفهومية التالية: الإنسان كائن، آدمي، اجتماعي، عاقل، حر، أخلاقي، فنان.

ولهذا قلنا إن الأساس الأول أو الشرط المحوري الأول هو العناية بالإنسان، ومفهوم العناية بالإنسان تعني مجموعة من حزم القيم، وكل حزمة ينضوي تحتها مجموعة حزم، وسنرى التلازم بين مجموعة الحزم القيمة، علما أن توزيع القيم على النحو الذي سنقدمه هو توزيع الهدف منه ترتيب الأفكار التعليمية إلى أولويات، لكن عند التطبيق فالمصاحبة حاضرة بدرجة أو بأخرى، وسنبدأ بالحزمة الإنسانية:

1- حزمة القيم الإنسانية: الرحمة، الكرامة، الحرية، القيام بالقسط، العزة، الهوية، حفظ النظام.

2- يلاحظ القارئ أن هذه الحزمة الإنسانية تداخلت فيها المصالح الذاتية النفع والمتعدية النفع إلى الغير دنيا وأخرى، كما يلاحظ القارئ عمق التلازم بين مفهوم الإنسان وحزمة القيم الإنسانية كما هو التداخل قائم بين الكرامة، والقيام بالقسط، والحرية، والهوية، وهكذا سنجد أن القيم السابقة واللاحقة كلها تنبثق عن القيم الثلاث العليا.

3- حزمة قيم الالتزام، وينضوي تحتها القيم التالية: الصدق، الأمانة، الحياء، الانضباط، العفة، الشفافية.. آليات التنفيذ: نخبة الإصلاح الوقائي، رقابة، وإصلاح الانحراف، وسمها القرآن بـ"أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض".

هذه النخبة يجب أن تكون كثيرة ينضوي فيها ذوو التخصصات المختلفة وخصوصا في العلوم الإنسانية، كونها الأعقد بين سائر العلوم.

4- حزمة الانتماء:
هذه الحزمة تنضوي فيها حزمة القيم والمبادئ التالية: الانتماء للأمة، الأخوة، الهوية - دين، لسان، وطن، إخاء، تعاون، وفاء، رسالة.

5- حزمة قيم العمران:
وتنضوي تحتها القيم العمرانية التالية: عقل، علم، قيمة الوقت، عمل جاد، الإحسان بمفهومه الحضاري والذي يعني الكمال، الجمال، الجودة، الإتقان، النظام، حب النظام.

ومن أعظم قيم العمران: اكتشاف مبادئ التسخير وحسن التعاطي معها والمتمثلة في سنن الله في النفس والكون والحياة، وتحويلها إلى آليات ذات فاعلية، ذلك أن الله أنزل الشريعة لتحل مشاكل الإنسان، ويسر له السنن وسخرها.. "ولو شاء الله لأعنتكم".

6- حزمة شبكة العلاقات الاجتماعية:
وتنضوي فيها الأفكار، المبادئ، الأشخاص، الأشياء، قيادة تعمل على توجيه الطاقات نحو الأهداف، وترسيخ الولاء والانتماء للمبادئ من خلال المقاصد التربوية المتمثلة في الحزمة التالية: المعرفة السليمة، الطريقة الحكيمة، الوجدان المحفّز، أي الاعتزاز بالهوية والتاريخ والحضارة، والرؤية الوسطية في التعاطي مع القيم في ظلال مبدأ القيام بالقسط فهو أساس شبكة العلاقات الاجتماعية، وهذا يثمر: صلابة الشخصية، تماسكا اجتماعيا، نموذجا في القدوة.

7- لماذا شبكة العلاقات الاجتماعية؟
هذا سؤال واجب بل وضروري جدا جدا، ذلك أن العمران والنهوض الحضاري لا يقوم بالثقافة وحده ولا بالأفكار وحدها، فالعمران يقوم بمنظومة متكاملة تحكمها آلية شبكة العلاقات الاجتماعية، والتاريخ الإسلامي شاهد بعشرات الأمثلة، منها نموذج سقوط الأندلس، في حين أن الحضارة الإسلامية أنتجت وخلفت مكتبات زاخرة بالعطاء الفكري والثقافي، لكن شبكة العلاقات الاجتماعية كانت في الحضيض، فسقطت الأندلس، وكذلك فلسطين سقطت يوم بلغ عدد المحافل الماسونية داخل مدينة القدس فقط 83 محفلا عربيا كل محفل ضد الآخر.

في الجانب الإيجابي، تنمية البشر اليوم تجربة تركيا، حيث نجد أن العناية بتنمية البشر وفق الهوية المتكاملة وأولويات المبادئ ها هي تحقق النجاحات المتتالية وأبرزها وأعظمها في مجال قوة الاقتصاد، فمنظمة التوسياد الاقتصادية دمرت تركيا ثمانين عاما، وبالأمس توقع العالم سقوط الحكومة التركية بسبب جرائم منظمة التوسياد، لكن القيادة كانت قد وجهت العقول نحو الهدف المنافس، فأقامت منظمة اقتصادية اسمها الموسياد، وهي منظمة اقتصادية قائمة على شبكة العلاقات الاجتماعية المتحورة حول مبادئ الانتماء للوطن والولاء للأمة والأهداف الجامعة للأمة، والتجرد من القيم الذاتية، والانحياز للفضيلة والمبادئ البانية للاجتماع والحامية له، والرامية إلى النهوض الحضاري، والإسهام في إنتاج القيم الخلقية ومزجها في مجال الصلاح الإنساني قبل صلاح الوسائل التقنية المادية.

تلكم هي باختصار أسس ومقومات النهوض الحضاري.

نلتقي بعونه سبحانه مع "السياسة المادية وفصلها عن الأخلاق، كيف؟ ولماذا؟".

كلمات دالّة

#اليمن