الجمعة 29-03-2024 15:24:29 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون والمساعدات الأممية.. بين النهب المنظم والتنسيق المشبوه

الأحد 26 ديسمبر-كانون الأول 2021 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت-خاص-عبد الرحمن أمين
 

 

فيما تزداد الحياة في اليمن صعوبة يومًا بعد يوم جراء الحرب الدائرة فيها منذ سبع سنوات، وتتسع رقعة الفقر وتكثر أعداد النازحين وتتفاقم المأساة وتزداد الحياة صعوبة، تصبح المسؤولية الملقاة على كاهل المجتمع الدولي والمنظمات الأممية المعنية بحقوق الإنسان أكثر إلحاحا، للقيام بالدور المنوط بها، لا سيما تجاه القضايا الأكثر صعوبة.

غير أن مليشيا الحوثي الانقلابية كانت المستفيد الأكبر من المنظمات التابعة للأمم المتحدة وخدماتها الإنسانية التي حظيت بها المليشيا والتي سخرتها لمواصلة حربها على اليمنيين وتوسيع نطاق هجماتها على المواطنين وإحداث الخراب والدمار وارتكاب الجرائم بمختلف أنواعها والتضييق على المواطنين والتسبب بمجاعة هي الأشد على مستوى العالم، وفق تقارير أممية.

وقد وجد الحوثيون من التساهل والتراخي الذي تبديه الأمم المتحدة تجاههم فرصة لمضاعفة عدوانهم وتمددهم في مناطق شاسعة من البلاد وشن هجماتهم الإرهابية، إذ مثلت المرونة التي تتعامل بها الأمم المتحدة مع المليشيا إغراء لها للتنصل من المعاهدات والاتفاقيات التي أبرمتها المليشيا برعاية أممية، ساعد على ذلك بعض التصريحات التي صدرت عن مسؤولين أمميين والتي صبت في صالح الجماعة.

ويعتبر التصريح الذي أدلى به المنسق السابق للشؤون الإنسانية في اليمن "جيمي ماكجولدريك" بمثابة غطاء للمليشيا الحوثية لمواصلة إرهابها ضد الشعب اليمني.

فقد وصف "ماكجولدريك" مليشيا الحوثي المتمردة قبيل مغادرته منصبه بـ"سلطة الأمر الواقع"، الأمر الذي يوحي برغبته في أن يضفي صفة الشرعية على مليشيات منقلبة على حكومة منتخبة، وكأن ما تفعله المليشيا من تدمير وخراب واستهداف للمناطق السكنية وقتل للمدنيين وتجنيد للأطفال وغيرها من الجرائم أمر لا يمكن الفكاك عنه، وأن ذلك لم يكن ضمن إطار المهمة الإنسانية التي جاء من أجلها.

وعلى خطى سلفها "جيمى ماكجولدريك" تمضي "ليز جراندي" التي خلفته في منصبه، حيث وقعت في وقت سابق مذكرة تفاهم مع الحوثيين والتي يتم بموجبها إنشاء جسر جوى لنقل جرحى المليشيا، فى خطوة أثارت استغراب المراقبين والمهتمين بالشأن اليمني، خاصة أن تلك الخطوة جاءت بعد أيام من إفشال الحوثيين لمساعي السلام في جنيف، الأمر الذي استنكره وزير الإعلام اليمني في حينه واصفا إياه بـ"التطور الخطير".

وبناءً على عمليات تقييم أجرتها "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، فإن 64% من العائلات النازحة ليس لديها مصادر دخل، ويكسب آخرون أقل من 50 دولارا في الشهر لتغطية احتياجاتهم المعيشية، ووفقا لتقييم المفوضية فقد طالبت بتوفير مبلغ 271 مليون دولار لدعم عملياتها في اليمن خلال عام 2021.

وتحذر وكالات تابعة للأمم المتحدة من أن 400 ألف طفل تحت سن الخامسة يواجهون خطر الموت جرّاء سوء التغذية الحاد في 2021، في زيادة بنسبة 22% عن العام 2020.

وبينما يزداد الوضع تعقيدا وتزداد الحاجة إلحاحا، تصل المساعدات الأممية والإغاثية لقمة سائغة إلى أيدي مليشيا الحوثي الإجرامية والتي كانت سببا في المزيد من معاناة المواطنين، حيث تشن حربا بلا هوادة على مناطق شتى في البلاد، وتعمد المليشيا الانقلابية إلى استخدام التجويع كسلاح ضد المدنيين، إضافة إلى قيامها بعملية توجيه للمساعدات الإنسانية من خلال توزيع كميات هائلة من المساعدات التي تستولي عليها، على المسلحين التابعين لها والإنفاق على الحرب وشراء التجهيزات والمعدات.

وقد كشفت جماعة الحوثي، في ديسمبر الجاري، عن حصولها على 1.5 مليون دولار من الأمم المتحدة بذريعة تنفيذ برنامج لنزع الألغام.

ويقول القيادي الحوثي المدعو "عبد المحسن الطاووس" المعين من قبل المليشيا أميناً عاماً لما يعرف بـ"المجلس الأعلى للشؤون الإنسانية" إن الجماعة اتفقت مع الأمم المتحدة على تخصيص مليون و500 ألف دولار "كمساعدة عاجلة للإسراع في نزع الألغام"، على الرغم من معرفة الأمم المتحدة بأن هذه المليشيا هي الطرف المسؤول عن زرع الألغام في اليمن.

ويعتبر هذا الدعم الثاني من نوعه، فقد سبق للأمم المتحدة أن قدمت دعما للحوثيين في العام 2019 بنفس الذريعة، بيد أن الحوثيين لم يتوانوا في استخدام ذلك الدعم لتوسيع دائرة زرع الألغام في مناطق مأهولة بالمدنيين بينها الحديدة ومأرب وتعز.

فقد أعلنت الأمم المتحدة، في مايو من العام 2019، في تغريدة على "تويتر" نشرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عبر الصفحة الرسمية لمكتبه في اليمن، عن منح جماعة الحوثي 20 سيارة رباعية الدفع، تحت يافطة دعم برنامج نزع الألغام، والتي تم تسليمها للمركز التنفيذي لنزع الألغام الخاضع لسيطرة الحوثيين والذين لم يعلنوا منذ انقلابهم على الشرعية عن القيام بانتزاع لغم أرضي واحد، وفي المقابل زرعت مئات الآلاف من الألغام بأنواعها.

وكشفت صحيفة "الوطن" السعودية، في أغسطس الماضي، عن وجود شبهة دعم خفية عن طريق التسهيلات التي تقدمها الأمم المتحدة، من مساعدات وخدمات إنسانية، قائلة إن هناك 400 سيارة إسعاف دفع رباعي تم تقديمها للحوثيين تحت اسم "الخدمات الإسعافية وخدمات الرش"، ولكن حاليا تم استخدامها في المهام الإرهابية من جانب الحوثيين، بعد أن وضعوا أسلحة نارية عليها.

وكشف تقرير أمريكي في وقت سابق عن تزويد الأمم المتحدة للحوثيين بقرابة 45 سيارة إسعاف ومعدات طبية، لاستخدامها في الجبهات، وذلك تحت مبرر إقناع الجماعة بتوزيع لقاحات الكوليرا على الأطفال في اليمن.

وفي مطلع العام الماضي (2020)، سلمت منظمة الصحة العالمية نحو 100 سيارة إسعاف إلى سلطات مليشيا الحوثي بذريعة توزيعها على المستشفيات في المحافظات الخاضعة لسيطرتها، غير أنه وعقب المنحة الأممية تلك بأشهر قليلة ظهر المسلحون الحوثيون على متن تلك السيارات في مهمات عسكرية.

وفي الوقت الذي رفضت فيه منظمة اليونيسف التعامل مع الحكومة الشرعية لتمويل طباعة الكتب المدرسية بمطابع الوزارة في عدن والمكلا، وفقا لوزير التربية والتعليم اليمني "عبد الله لملس"، قامت المنظمة بتمويل الحوثيين بألف طن من الورق ومستلزمات الكتب لطباعة المناهج في صنعاء، بما تضمنت من تغييرات وأفكار "طائفية" تدعو إلى العنف والكراهية.

وقد اتهم ناشطون يمنيون منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" بتمويل طباعة المنهج المحرف والمتطرف وانتهاك الأعراف الدولية، واستهجن الكثير منهم هذه الخطوة مؤكدين أن المنهج الذي سعت المليشيا لإحلاله بديلا عن المنهج المدرسي الذي تولت طباعته الحكومة الشرعية يحث على العنف وخطاب الكراهية ويسهل عملية تجنيد الأطفال لصالح المليشيا.

علاوة على ذلك، فقد رفضت منظمات الأمم المتحدة دعوة الرئاسة والحكومة في وقت سابق بتحويل مقراتها إلى عدن باعتبارها عاصمة الشرعية، مما يضع تساؤلات عدة حول دوافع المنظمات لاتخاذ مثل هذه الخطوات التي تتنافى مع دورها وطبيعة عملها الذي جاءت من أجله، ناهيك عما لهذه الخطوة من مخالفة صريحة للبروتوكولات والآليات المتبعة من قبل الأمم المتحدة كون الجماعة الحوثية الانقلابية لا تحمل الصفة القانونية التي يسمح لمنظمات الأمم المتحدة التعامل معها على خلاف الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا والتي أعلنت المليشيا الحوثية تمردها عليها.

وخلال فترة الحصار الذي فرضه الحوثيون على منطقة العبدية الآهلة بقرابة 36 ألف نسمة والذي استمر لأكثر من شهر وتعرضت لمأساة إنسانية ومنع دخول المواد الغذائية والأدوية خلال تلك الفترة، تكررت استغاثات الأهالي والحقوقيين إضافة إلى مناشدات حكومية للمنظمات الأممية المعنية لرفع الحصار الذي فرضته المليشيا على المنطقة، إلا أن تلك الاستغاثات والمناشدات لم تلق صدى أو تجاوبا من قبل المنظمات الأممية، غير أنه وبعد سقوط العبدية بيد المليشيا الحوثية سارع منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة إلى زيارة المنطقة.

وقد ظهر منسق الأمم المتحدة "ديفيد وليام كرسلي" برفقة القيادي المدعو "عبد المحسن الطاووس" وقيادات أخرى في المليشيا، مما دفع الحكومة الشرعية للتعليق على الزيارة بالقول إن "الزيارة تم توظيفها لتبييض جرائم الحوثيين ضد المدنيين بالمديرية، التي ظلت ترزح لأسابيع تحت الحصار والتجويع والقصف دون أن يحرك المجتمع الدولي أي ساكن".

وتتساهل المنظمات الأممية بالسماح لشخصيات ذات خلفيات أمنية ومهام عسكرية بالدخول إلى اليمن عن طريق طائراتها وعبر مطار صنعاء الذي تُمنع فيه الرحلات الجوية، والسماح فقط للطائرات الأممية للقيام بأدوارها ومهامها الإنسانية، حيث يتم السماح لشخصيات من جنسيات مختلفة رغم أنه لا توجد لهم صفة دبلوماسية أو إغاثية، وربما أنهم خبراء عسكريين وخبراء تصنيع وتطوير أسلحة قدموا لمساعدة الحوثيين.

وسرب مصدر أممي وثائق سرية تكشف عن اتفاقيات أممية مع مليشيا الحوثي وتحويل أموال طائلة تصرف لموظفي الجماعة، وتقول المصادر إن الدول المانحة تعهدت بدعم الجهود الإنسانية، بيد أن المفوضية السامية تقوم بتحويل تلك الأموال مباشرة إلى الحوثيين، ليتم مطالبة الدول المانحة مرة أخرى بتكثيف الدعم لتغطية احتياجاتها في اليمن، بينما تصب تلك الأموال في صالح المليشيا الحوثية في ظل تجاهل للأوضاع الإنسانية في اليمن بشكل عام.

وبحسب المصادر فإن الاتفاقية المكونة من أربع ورقات حددت فيها مبالغ مالية كبيرة، ويظهر فيها توقيع القيادي الحوثي "عبد المحسن الطاووس" من جانب المليشيا الحوثية.

وتضيف أن الحوثيين "وضعوا شروطا أساسية، وفرضوها على المفوضية السامية، ومنها أن يكون الموظفون العاملون في المنظمة من الكوادر التابعة للاستخبارات الحوثية، وأن تكون هناك نسبة من الإيرادات والمساعدات المالية النقدية توضع في حسابات بنكية تابعة لأشخاص حوثيين".

وتزامنا مع الأزمة الكبيرة لتدفق أعداد النازحين على مناطق الإيواء الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، يكشف وكيل محافظة الجوف ورئيس لجنة الإغاثة بالمحافظة المهندس "عبد الله الحاشدي"، في يوليو الماضي، عن صدور تقرير جديد لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن ”أوتشا” والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بشأن الوضع الإنساني في المحافظة وآلية توزيع المساعدات الإنسانية خلال الفترة الماضية، بطريقة مجافية للواقع.

ويتحدث التقرير الأممي عن نزوح مليون و255 ألف شخص إلى مناطق سيطرة المليشيات الحوثية في الجوف قادمين من صعدة وعمران ومأرب، وحمل معلومات وبيانات مغلوطة وغير دقيقة، ليتم بموجب ذلك التقرير تسليم المساعدات الإنسانية لعناصر المليشيات الانقلابية وحرمان النازحين الحقيقيين منها.

وكان الحوثيون قد أعلنوا على لسان الأمين العام لما يسمى بـ"المجلس الأعلى لإدارة الشؤون الإنسانية"، عبد المحسن طاووس، حصولهم على مساعدات مالية من الأمم المتحدة بلغت العام الماضي 2020 أكثر من نصف مليار دولار.

كلمات دالّة

#اليمن