الثلاثاء 19-03-2024 06:40:32 ص : 9 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

المرأة اليمنية والنضال ضد الإمامة.. بطولات نادرة وتضحيات جسيمة

الإثنين 20 سبتمبر-أيلول 2021 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت-خاص-زهور اليمني

 

لم تكن المرأة اليمنية بأفضل حال من أخيها الرجل، الذي عانى مئات السنين من الثالوث الإمامي "الفقر والجوع والمرض"، حتى جاءت ثورة الـ26 من سبتمبر المجيدة، لتفتح للمرأة نوافذ للحرية.

وما كان للمرأة اليمنية لتعرف فضل سبتمبر، لولا انقلاب المليشيات الحوثية على الدولة وسيطرتها على مؤسساتها، إذ كان للمعاناة التي عاشتها ولا زالت منذ الانقلاب، نقطة تحول هامة بالنسبة لها للبحث عن عظمة ثورة سبتمبر وقيمها النبيلة وأهدافها السامية، التي جعلت المرأة تشمر عن ساعد الجد وتحث الخطى إلى جوار شقيقها الرجل في سبيل الدفاع عن هذه الثورة الخالدة، مؤمنة أن واجبها نحو سبتمبر لا يقل أهمية عن واجب الرجل.

 الصحفية "ع. ى" تحدثت عن أهمية الدفاع عن الثورة الأم قائلة: "لم تعد ثورة 26 سبتمبر مجرد ذكرى عابرة فحسب، بل باتت ظاهرة يمانية كان للمرأة اليمنية دور في صناعتها والانتصار لمعانيها، فسبتمبر بالنسبة لبنت اليمن وحفيدة أروى وبلقيس، هوية لا ينبغي التفريط فيها، يجب غرس قيمها ومبادئها في الوجدان، وتعميق فكرتها السوية في المجتمع كواحدة من الثوابت التي لا يمكن التنازل عنها".

وأضافت قائلة: "المرأة اليمنية ظلّت طيلة فترة حكم الإمامة حبيسة البيت ورهينة عادات وتقاليد جائرة، زادها النظام الكهنوتي غطرسة وتكريساً، حتى غدت النساء في بلاد السعيدة بلا سعادة أو حقوق، وها هم أحفاد الكهنوت يكشفون عن رغبتهم بالعودة بنا إلى حكم الأئمة، لذا نجد المرأة تعظم وتقدر ثورة أنصفتها وأعادت إليها اعتبارها، كنصف المجتمع وشقيقة الرجل، ومنحتها أعظم حق وهو حق التعليم، الذي كان قد منحه إياها الإسلام فنزعته الإمامة بعاداتها الجاهلية، وغرسته في البيئة اليمنية المقهورة، ولو كان حق التعليم هو كل ما حصدته المرأة اليمنية من ثورة سبتمبر المجيدة، لكان أعظم إنجاز لها".

توافقها الرأي الأستاذة "ل. ب" حيث تقول: "لا يختلف واجب المرأة عن الرجل في الدفاع عن قيم ثورة الـ26 من سبتمبر، فدورها مكمل ومساند للرجل في تحقيق أهدافها، فهي المؤثرة في المجتمع وكذا في كل المتغيرات والأحداث، وكانت ولا تزال جزءا لا يتجزأ من نسيجه، وهي المشاركة في الوقائع بشكل كبير، بل والصانعة لها جنباً إلى جنب مع أخيها الرجل، فالمرأة هي الأم والأخت والابنة والمربية، وهي صانعة الأجيال، وهي نضالات الشعب ومعاناته، ثوراته وإنجازاته، كل ذلك كان للمرأة اليمنية اليد الطولى فيه، فهي الصامدة إلى جانب زوجها وابنها أمام كل التحديات والصعوبات التي تعيشها في ظل انقلاب مليشيات الحوثي".

 

مناضلات ضد الإمامة:

كانت المرأة اليمنية الوجه الآخر من الثورة والثوار في مرحلة النضال، فهناك وفي الجانب الآخر لثورة 26 سبتمبر حملت لنا ذاكرة الثورة مشاهد خالدة لنضالات المرأة اليمنية.

المشهد الأول للمناضلة "تحفة سعيد سلطان الشرعبي" الثائرة خالدة الذكر في ريف شمال تعز، والتي ثارت ضد ظلم الإمامة قبل ميلاد فجر الثورة بعشر سنوات. 

رفضت تحفة الظلم وقاومت عكفة الإمامة، وأوقدت شعلة الحرية في عز سطوة الرعب والجهل والكهنوت، ألبت المقهورين في شرعب ليستعيدوا أراضيهم المنهوبة من قبل عمال الإمامة، ووسعت ثورة الرفض للظلم والاستبداد، فقادت أول مسيرة سلمية راجلة من شرعب إلى قصر العرضي في مدينة تعز (مسافة 40 كيلومترا) لإيصال رسالة إلى الإمام أحمد عن ظلم عماله لأبناء المنطقة، حينها وعدها الإمام بوقف التعسف والظلم، لكنه لم ينفذ وعوده.

وبعد أشهر معدودة وتأكيداً على رفضها للظلم، طردت عامل الإمامة من شرعب، فهددها الإمام برسالته الشهيرة قائلا: "من الإمام أحمد إلى تحفة حُبل: يا شرعبية خلي الأذية، صوت المدافع في الجحملية".

ولكنها لم تذعن، وعملت مع أبناء المنطقة على تأمين أنفسهم وتوحيد صفوفهم وزراعة أرضهم.

وبفضل شجاعة تحفة حُبل وحرص أبناء المنطقة على رفض الظلم، خرجت شرعب عن سيطرة عكف الإمامة المتوكلية، قبل خمس سنوات من اندلاع الثورة، وإعلان قيام الجمهورية.

المشهد الثاني للمناضلة "كرامة اللقية"، فعند حصار صنعاء أصيب الفريق حسن العمري بالذهول، عندما علم بأن عاملات مصنع الغزل والنسيج الذي تأسس عقب الثورة مباشرة، بدأن بالتدريب على السلاح، كما أذهلته برقية "كرامة" التي قالت فيها: "باسم النساء في صنعاء اللاتي لا يعملن في المصنع، نطالبكم بتسليحنا للدفاع عن وطننا أسوة بالرجال، فنحن نملك حق شرف الدفاع عن وطننا". 

اللقية كانت تعرف جيدا أن بعضا من نساء صنعاء الرجعيات، يجمعن التبرعات للمدعو "أحمد بن الحسين" القابع بجانب العاصمة، فذهبت مع زميلاتها وبناتها تجمع التبرعات للثوار، ما جعل مصنع الغزل والنسيج الذي تعمل فيه أكثر من 400 عاملة، تحت ضربات المدفعية وصواريخ الهاون من قبل الملكيين أثناء الحصار، إلا أن الخوف لم يتطرق إلى قلوبهن فثبتن ولم يتراجعن، وواصلن التدريب والدفاع عن المصنع وجمع التبرعات والتبليغ بالمتآمرين. 

وتبقى المرأة اليمنية هي المكمل والمساند لدور الرجل في السلم والحرب، والمدافعة عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر والجمهورية، من سطوة الإمامة القديمة والجديدة ومشروعها الطائفي، الداعي إلى حكم الفرد وتمزيق اليمن أرضا وإنسانا.

الثورة تتعرض الآن لمحاولة إجهاض:

كاد الحكم الإمامي المستبد أن يطمس التاريخ الحضاري لليمن الضارب في القدم، لولا الثورة السبتمبرية التي أعادت لليمنيين وطنهم وهويتهم وتاريخهم وحريتهم وكرامتهم.

وها نحن وبعد انقلاب الحوثيين على السلطة، استعدنا من جديد حياة البؤس والشقاء والحرمان، الذي كانت تعيشه المرأة اليمنية إبان ذاك الحكم البائد.

تتحدث الصحفية "أمل" في ذكرى هذه الثورة العظيمة قائلة: "مع انبلاج فجر ثورة 26 من سبتمبر تنفست المرأة اليمنية الصعداء، واستبشرت خيراً بضوء الحرية القادم الذي بدأ في الاتساع، وتراجعت العادات والتقاليد المقيدة لحرياتها والجاثمة على صدرها يوماً بعد آخر، لصالح العلم والمدنية والديمقراطية، وبطريقة لا تتعارض أبداً مع قيم وثوابت الوطن".

وأضافت: "لقد أسهمت الثورة الأم في دعم المرأة التي كانت مسلوبة الحقوق في فترة حكم الأئمة، وبالتالي فإن هذه الثورة تعد ركيزة أساسية ضمنت عبر القوانين التي تم سنها فيما بعد كثيرا من حقوقها".

وذكرت أن الثورة تتعرض الآن لمحاولة إجهاض من قبل حكم مليشيات تكفر بحقوقها ولا تصون كرامتها، لكنها لم تسمح بإعادة تهميشها مرة أخرى، وتمسكت بأهداف ثورتها وخاضت أهوال الانقلاب بجرائمه ومجازره الوقوف جوار الأحرار من الرجال في مختلف جبهات المقاومة، الذين يقدمون أرواحهم ودماءهم رخيصة من أجل التخلص من الحكم الكهنوتي، الذي يمارس مختلف أشكال التجهيل والقمع والتهميش للرجل والمرأة على حد سواء، بيد أن وعي اليمنيين كان ولا زال الصخرة التي تحطمت أمامها أحلامهم في العودة باليمن إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر 1962.

مملكة الموت:

عجز المرأة اليمنية قبل ثورة 26 سبتمبر عن الاحتكاك بالغير أو التأثير في حياتها وحياة أسرتها، والانغلاق الذي فرضه الحكم الإمامي على شعب بأكمله، وليس على المرأة فقط، خلق صورة نمطية عنها في بعض الكتابات والأحاديث والقصص التي تناقلها الرحالة والمسافرون الطارئون على المجتمع في ذلك الوقت، ليحدث التغيير بعد الثورة ويعيش تناقض القديم والحديث، الذي لم يقتصر على متطلبات الحياة فقط، بل امتدت جذوره لتغير واقع الإنسان والظروف المحيطة به.

 وباعتبار المرأة اليمنية جزءا من هذا الواقع الذي شوهته الإمامة، وأنست العالم أن المرأة اليمنية تقلدت مناصب الحكم في قصور الحضارات والممالك اليمنية.

من واقع عملها تحدثت المترجمة "و. ي" حول هذا الجانب قائلة: "بحكم عملي الذي يفرض علي الاختلاط بكثير من الأجانب الذين زاروا اليمن، وجدت أن لديهم نظرة سوداوية عن المرأة اليمنية، نتيجة قراءتهم لمؤلفات دونت في حقبة الإمامة".

ووصفت ذلك بأنها نظرة وصورة بكل تأكيد لا تكاد تصدق، وكان لا بد من ثورة لتغييرها، موضحة أنه ليس من العقل أن يتحمل الإنسان في أي مكان ظروفا كارثية من الفقر والمرض والحرمان، وغياب أبسط ظروف الحياة في ظل وجود دولة معلنة، بل إنها كانت تسمى مملكة، لكنها مملكة للموت ليس أكثر".

وأضافت: "عندما كنت أسمع السائحات وهن يتحدثن عن حال المرأة بعد قيام الثورة مباشرة أصاب بالذهول، فلا أكاد أصدق ذاك البؤس الذي كان يرافقها".

وتابعت: "تخبرني إحداهن بأنها لم تجد وجها للمقارنة في واقع المرأة اليمنية، بين أول زيارة لها لليمن عام 1977 وبين اليوم، فبعد أن باركت لكل يمنية ما وصلت إليه وما حققته من إنجازات، أكملت حديثها معي قائلة: لقد خاضت المرأة مؤخرا كل مجالات الحياة العلمية والعملية، وأصبحت موجودة كطبيبة ومعلمة ومهندسة وأديبة، مشاركة بشكل جيد في أماكن العمل المختلفة، واستطاعت أن توجد معادلة خاصة حلت عبرها الموازنة بين متطلبات الحياة والعمل والتعليم، وعادات المجتمع وتقاليده ومتطلبات حقوقها وإثبات وجودها في الحياة العامة، وهذا لم يكن متاحا لها أبدا في عهد الإمامة".

واختتمت حديثها بالقول: "لم تكن ثورة 26 سبتمبر مجرد ثورة ضد شخص الإمام أو نظام حكمه فقط، وإنما ثورة ضد مخلفات فترة زمنية استمرت سنوات كثيرة من تاريخ اليمن، لذا وجدنا المرأة اليمنية تخط أسمى آيات التضحية والفداء والعطاء في كل محطات الوطن التاريخية، تصنع مع الرجل مسار ثورة تحررية لدولة مدنية مستقلة حديثة، فتشارك الرجل آماله وطموحاته، وتقاسمه الصعوبات وتتحمل معه المشقة، وتشاطره الحزن والفرح، وتتطلع معه لمستقبل مشرق وترنو لأهداف تتحقق لثورة قامت لتمحو المظالم وتقيم الحقوق وتحسن المعيشة".

كله من الله:

رغم أن المعاناة قبل ثورة 26 سبتمبر قد توزعت على اليمنيين عموما، إلا أن المرأة اليمنية كان لها النصيب الأكبر من تلك المعاناة، فهي الكائن الذي لا يختلف حضورها عن غيابها، وهي الهامش الذي لا ينظر إليه عدا وقت الحاجة.

تقول الطبيبة الفرنسية كلودي فايان: "كانت النساء يتأوهن باستسلام ويرددن "كله من الله"، أقول لهن "إن هذا يتوقف على الوضع الصحي، وعلى الأطباء، وعلى العلاجات، لكن ما الفائدة ما دامت الأدوية معدومة والأطباء لا وجود لهم وليس هناك من يعلمهن الطرق الصحية، ويكون جوابهن عليَّ أن هذا كله أيضا من الله".

لقد كان البحث عن العدالة في اليمن في تلك الفترة من الأمور المستحيلة، فلم يكن هناك قوانين وضعية يرجع إليها القضاة في الفصل بين الناس في شؤونهم المدنية والشرعية، وبحسب الطبيبة الفرنسية كلودي فايان فإنه "يكفي في اليمن أن يكون لإنسان أي نفوذ طبيعي أو قانوني وأن يكون غير راض عن شخص ليأمر بأن يكبل، وليس غريبا أن ترى يمنيا يجر الأصفاد في قدميه ويسير في الشوارع، وذكرت أنها رأت "امرأة مكبلة بالحديد في مدينة تعز"، وكذلك "مسجونين يجمع كل اثنين منهما قيد واحد في قدميهما".

ها نحن وبعد مرور عقود على قيام الثورة، نرى محاولة الإمامة الجديدة الرجوع بنا إلى زمن أسلافهم، وأظهرت الصورة الحقيقية لموقفها من المرأة، حيث تعرضت آلاف النساء في عهدهم لأبشع الانتهاكات، من اختطاف وتلفيق تهم أخلاقية لهنّ، وتعرضهن للسجن والحرمان من أبسط الحقوق وهدر الكرامة، بالإضافة إلى القتل والإصابة والتحرش الجنسي والاغتصاب.

إن الشعب الذي اجتث الإمامة، يستكمل التخلص من النسخة الأخيرة لبقاياها التي حاولت أن تطل برأسها للانقضاض على كافة مظاهر النظام الجمهوري، ولن يقبل إلا العيش حرا كريما، وسيسحق كل من يسعى لسلب مكتسبات ثورته السبتمبرية الخالدة، مهما أوغل في بشاعته وجرائمه ودمويته.

كلمات دالّة

#اليمن #صنعاء