الجمعة 19-04-2024 20:44:06 م : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

من الجامعة إلى الجبهة.. التطييف الحوثي للتعليم وخطره على المجتمع

الأحد 18 يوليو-تموز 2021 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت-خاص-زهور اليمني
 

 

دشنت المليشيات الحوثية مع دخول العام 2021 مرحلة جديدة من الجرائم والممارسات القمعية بحق مؤسسات التعليم العالي ومنتسبي الجامعات الحكومية والأهلية، شملت الاقتحام والقمع والتنكيل ومنع حفلات التخرج، وتعيين رؤساء جامعات وعمداء كليات من الموالين لها، كما أطلقت يدها للنيل من أساتذة الجامعات سواء عن طريق الخطف والاعتقال، أو عن طريق الفصل من الوظيفة أو السجن، فضلا عن تهجير العشرات إلى خارج البلاد.

يقول الدكتور المحاضر في جامعة صنعاء (ب. م.): "منذ انقلاب المليشيات على السلطة تعرض المجتمع الأكاديمي إلى كارثة حقيقية، حيث مارست أقسى أنواع التنكيل ضد المئات من أعضاء هيئة التدريس، إذ جرى الاعتداء على عدد من الأكاديميين بما فيهم الدكتور مشعل الريفي عميد كلية التجارة، والدكتور عدنان المقطري نائب عميد الجامعة، كما اعتقل الدكتور عبد الرزاق الأشول، والدكتور عبد المجيد المخلافي، والدكتور محمد الظاهري، والدكتور عبد الله الفقيه، فضلا عن اختطاف عدد من مدرسي الجامعات بمن فيهم الدكتور أحمد إسماعيل، وأستاذ اللسانيات في كلية اللغات بجامعة صنعاء الدكتور يوسف البواب، والذي حكمت المحكمة الجزائية الحوثية عليه بالإعدام ضمن محكومين آخرين، بينهم طلاب ومعلمون وناشطون وسياسيون، موجهة لهم تهما ملفقة بتشكيل خلايا لتنفذ تفجيرات واغتيالات في صنعاء".

وأضاف: "لم يكتفوا بكل تلك الانتهاكات بل قاموا بتغيير عمداء الكليات ورؤساء الأقسام ورؤساء الجامعات، والقيادات الإدارية في جامعة صنعاء، والجامعات الأهلية والحكومية التي تقع في المناطق الخاضعة لسيطرتهم".

وأكد أنه بسبب هذه السياسة القمعية للمليشيات، فر مئات الأكاديميين إلى المناطق المحررة في اليمن، وما لا يقل عن 1500 أكاديمي هاجروا من اليمن نتيجة تردي أوضاعهم المعيشية بسبب القمع والتضييق على الحرية الأكاديمية وحرية البحث العلمي وإيقاف صرف الرواتب الشهرية.

10 آلاف شهادة جامعية منحتها لعناصرها:

لا تتوقف انتهاكات مليشيات الحوثيين أبداً في حق التعليم العالي، حيث تسعى لتثبيت عناصرها في كل مفاصل جامعة صنعاء عبر جملة من الإجراءات، منها تأهيل بعض كوادرها خارج إطار القانون، عبر إنشاء دبلوم زراعي والذي لا وجود له في تخصصات الجامعة، بينما الموجود بكالوريوس زراعي فقط.

فقد سجلت ما لا يقل عن 300 حوثي في برنامج الدبلوم الزراعي، والتحجج بأنهم كانوا يعملون في القطاع الزراعي من قبل ولديهم شهادة ثانوية عامة، مع العلم أن اختيارهم لم يكن مبنياً على معايير ولا مفاضلة.

وتهدف المليشيات من وراء هذه الخطوة -وفق رأي الكثير من الأكاديميين- إلى توزيع هؤلاء على عدد من المناطق ليصبحوا مصدراً للجبايات، ومن ثمّ السيطرة على مفاصل القطاع الزراعي.

كما كشف مصدر في جامعة صنعاء أن المليشيات منحت عناصر تابعين لها لم يلتحقوا بالجامعة ولا يحملوا مؤهل الثانوية العامة أكثر من 10 آلاف شهادة جامعية.

وقال المصدر إن المليشيات منحت الشهادات الجامعية لعناصر تابعين لها بتخصصات مختلفة في العلوم الإنسانية والاجتماعية والإدارية والتخصصات العلمية، مضيفاً أنها منحت عناصرها الشهادات الجامعية لتعزيز ولائهم لها، وتمكينهم من التوظيف في أجهزة الدولة في إطار إستراتيجيتها المتمثلة بحوثنة الجهاز الإداري.

في حين أكد أكاديميون أن مليشيات الحوثي سيطرت على الهيئات الإدارية والأكاديمية في كافة الكليات، وأصبح كل أعضاء الهيئات الإدارية والأكاديمية من عناصرها، وهي من تتخذ القرار وترسم التوجهات والسياسات التعليمية لكافة كليات جامعة صنعاء، بالطرق التي ترغب بها دون أن يعارضها أحد.

شبكة استخباراتية داخل الحرم الجامعي:

"ملتقى الطالب الجامعي" أحد الكيانات الطائفية في جامعة صنعاء، شكلته المليشيات عام 2015، بتوجيه من قياداتها، ويشرف على هذا الملتقى نائب وزير التعليم العالي في حكومة المليشيات، وعن إنتاج الخطط والتعليمات المتوجب تطبيقها في الأنشطة التي تُقام في الجامعات الحكومية والخاصة.

حول نشاط هذا الكيان يحدثنا المعيد في كلية الهندسة (ع. س.) قائلا: "أنشئ ملتقى الطالب الجامعي كبديل للاتحاد العام لطلاب اليمن الذي يعد المؤسسة القانونية المعترف بها، والتي تتولى عملية التنظيم النقابي لطلاب الجامعة عبر الانتخابات الحرة التنافسية".

وأضاف: "يتكون هذا الملتقى من الطلاب والمندوبين المنتمين للأسر السلالية، الذين تختارهم المليشيات من جميع الدفع الدراسية في كل الكليات والجامعات، كما ضُمَّ إليهم طلاب خريجون وبعض المشرفين الأمنيين من خارج دائرة التعليم الجامعي. يتبع المشرفون المعينون في الملتقى مباشرة قيادات المليشيات في الجامعة لتنفيذ ما يتناسب مع المهام الموكلة إليهم".

وتابع: "من أجل السيطرة على سير العملية التعليمية في الجامعات، ولضمان إسكات كل الأصوات المعارضة في جامعة صنعاء، يرتبط رؤساء الملتقى في كل الكليات بالقيادات الأمنية في الجامعة، كشبكة استخباراتية داخل الجامعة والتي تتصل مباشرة بالجهاز الاستخباراتي للمليشيات".

وقال إن "من مهام الملتقى الأساسية جمع المعلومات عن كل منتسبي الجامعة وأنشطتهم وتوجهاتهم السياسية، ورفع تقارير أسبوعية إلى جهاز الأمن الوقائي الحوثي، لذا فإن الكثير من طلاب الجامعة يتعرضون للتجسس من قبل ملتقى الطالب، وبأساليب عدة ومتنوعة، حيث إن جميع المجموعات التابعة للطلاب في جميع الكليات يوجد فيها أشخاص تابعون للملتقى، وأحيانا يتم فرضهم بالقوة ليكونوا مشرفين على هذه المجموعات من أجل ضمان معرفة أي طالب يعارض المليشيات".

وأوضح أنه "من ضمن المهام التي يقوم بها الملتقى الطلابي، استقبال الطلاب وإقناعهم بحضور دورات طائفية، وتجنيد كثير منهم وإرسالهم إلى جبهات القتال".

وأضاف: "كما يقوم بتنفيذ عدد من المحاضرات التي تهدف إلى تغيير هوية وفكر وثقافة الطلاب، فضلا عن تغيير توجهات التعليم الجامعي ومسخ الهوية الوطنية، وتمجيد الفكر الطائفي والعنصري، والإيمان بمزاعم الولاية ودعم مشروع الدمار الذي تقوده".

واختتم حديثه بقوله: "الملتقى الجامعي الحوثي وعبر ما يقوم به من أعمال ونشاطات سرية ومشبوهة وخطيرة، يُعد جهازاً استخباراتياً سرياً خصصته المليشيات لخدمة مشروعها الطائفي داخل الجامعة، وهو من نسق لزيارة ممثل الحرس الثوري في اليمن، الذي تسميه المليشيات بسفير إيران لديها، وهو من تولى وضع برنامج زيارات مندوب الحرس الثوري لكليات جامعة صنعاء".

دكاترة لا يحملون شهادة دكتوراه:

جامعة مفروغة من أساتذتها، وأساتذة بلا علم، وتعليم خارج العلم، ومقررات بلا مضمون، ومنهجية لتدريس الجهل، هكذا هو حال جامعة صنعاء، الصرح العلمي الأول في اليمن، بعد سيطرة مليشيا الحوثي، التي تعمدت -وما زالت- أن تُعلي من فكرها الديني المتطرف، وتُجمّد وتحجر، كل ما من شأنه أن يفند منظومتها الإرهابية الكهنوتية.

التقينا بعدد من طلاب جامعة صنعاء والذين تحدثوا عن التغيرات التي استحدثتها المليشيات في المنهج المقرر.

الطالب (ن. ف.) في كلية الشريعة والقانون حدثنا قائلا: "لقد أقرت المليشيات مطلع العام الفائت مناهج دراسية جديدة ذات صبغة طائفية على الطلاب، وعملت بمختلف الوسائل والطرق لفرضها بشكل إجباري عليهم، من تلك المواد مادة أطلقت عليها "الإعلام الحربي"، وأخرى تحت اسم "تاريخ اليمن المعاصر"، إضافة إلى مقرّر آخر تحت اسم "الصراع العربي الإسرائيلي"، ومادة تحت عنوان "التربية الوطنية"، وغالبية مواضيع المقررات الجديدة تمّ استقاؤها وإعدادها بصبغة طائفية من ملازم حسين الحوثي".

أحمد أحد طلاب كلية التجارة تحدث إلينا قائلا: "عندما التحقت بالجامعة كنت على اطلاع بالمواد التي سأدرسها في مستويات متقدمة عقب التخصص، إلا أنني تفاجأت في مستوى رابع بقسم العلوم السياسية بالتغيير الذي طرأ على تلك المواد".

وأضاف: "حاليا أنا في مستوى رابع ومتخصص في العلوم السياسية، وكنت محتفظاً بمواد قررها أساتذة قد هاجروا إلى الخارج، والآن تغير بعض الدكاترة، وتغيرت معهم تلك المواد الخالية من أي مضمون تماماً".

وتابع: "للعلم أغلب المواد التي كانت مقررة في جميع الكليات، تم تغييرها بأخرى متشابهة في التسمية ومغايرة في المضمون، ولا تحتوي على مادة علمية، وأتى تغيير المواد عبر أشخاص عينتهم المليشيات أساتذة في الجامعة أغلبهم لا يحملون شهادة الدكتوراه، وما إن يُعهد إلى أحدهم بتدريس مادة ما سرعان ما يغيرها بمقرر آخر يحمل الاسم نفسه، ويفتقر إلى المضمون الذي يوحي به اسم المادة".

وقال: "صحيح أن أساتذة الجامعات هم الذين يختارون الكتب التي يُقررونها كمادة تدريسية للطلاب في الكليات، لكنه اختيار يخضع لمعايير علمية، بحيث يكون أفضل ما يمكن تقديمه للطالب، بالإضافة إلى أن الدكاترة يضيفون مراجع على تلك المقررات، الذي حاصل اليوم هو أن الأشخاص الذين عينتهم المليشيات دكاترة في الجامعة، غيروا تلك المواد بما يتوافق مع مستواهم المعرفي، وبشكل متعمد وبطريقة ممنهجة وليس عفوية أو خاصة بشخص الدكتور، لذا يتحول الدرس في أغلب المحاضرات الذي من المفترض أن يلقيه الدكتور والمقرَّر في المادة الدراسية، إلى درسِ يتحدث عن أمريكا وإسرائيل، والجهاد والشهادة، وفضل أهل البيت وأحقيتهم في الحكم".

هجرة الكفاءات إلى الخارج:

في التصنيف العالمي السنوي للجامعات والمعاهد العليا في العالم، نشر معهد التعليم العالي التابع لجامعة"شانغهاي جياو تونغ" في موقعه التصنيف العالمي الصادر لعام 2016 والذي أفاد بخروج الجامعات اليمنية من التصنيف العالمي.

وفي مؤشر "دافوس"، المؤشر الذي أظهر الترتيب العالمي للدول حسب تطور جودة التعليم لديها في نهاية العام 2019، سجل خروج 6 دول عربية من التقييم منها اليمن.

عن تأثير خروج اليمن من المؤشر العالمي للتعليم، وتداعيات ذلك على الطلاب المبتعثين إلى الخارج، يحدثنا الدكتور في جامعة صنعاء(ح. ح.) قائلا: "بالرغم أن منتدى دافوس الاقتصادي جهة غير معتبرة في اعتماد الشهادات اليمنية من عدمها، وإنما هي جهة تعطي مؤشرات أداء عالمية، إلا أننا لا نشك طرفة عين بأن التعليم في اليمن منهار، وبأن النظام التعليمي بحاجة إلى تغيير جذري يشمل السلم التعليمي، المناهج، نظام التقويم، ويتبعه تغيير في كل عناصر العملية التعليمية وإعادة تأهيل البنى التحتية لمؤسسات التعليم، بحيث يتواكب مع تطورات الحياة ومتطلبات سوق العمل المحلية والعالمية".

وأضاف: "إذا لم يتم الانتباه لمؤسسات التعليم فسيترتب على ذلك آثار وخيمة، أهمها أن مخرجات البلاد ستكون للسوق المحلي فقط، ولن يسمح لأي مخرج للعمل إقليميا أو دوليا، خاصة أن النتائج الخرافية لطلاب الثانوية العامة والتي تعكس اللامنطقي في مستوى التعليم قبل الجامعي المتدني والنتائج التي تصل إلى 99% يشكك العالم بنتائجنا وسوف يضع قيودا على سياسات القبول تجاه مثل هكذا نتائج للطلبة المبتعثين مستقبلا، إضافة إلى أنه سيتم تهميش الشراكات الدولية مع المؤسسات التعليمية في اليمن، ولن يتم الاعتراف بها أو تجديد البروتوكولات".

وأذكر أنه "بالإضافة إلى ذلك هناك مؤشر رواتب المعلمين وأعضاء هيئة التدريس من العلماء والخبراء والمفكرين في الجامعات، والذي هو في أدنى مستوياته، يعطي نتيجة سلبية أمام المؤسسات المناظرة عربيا ودوليا، ويسبب بنزيف الأدمغة وهجرة الكفاءات للخارج، وإذا لم يتم الانتباه لتلك التقارير وأسبابها ستكون بين اليمنيين وبين الآخرين فجوة لن يستطيع أحد ردمها إلا بعد سنوات طويلة، ولن يكون لمؤسسات البلاد الجامعية فرص التبادل الثقافي بينهم ونظرائهم عربيا ودوليا".

كلمات دالّة

#اليمن