الخميس 28-03-2024 11:58:16 ص : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الأمراض النفسية.. الوجه الآخر لكارثة حرب الحوثيين على اليمنيين

الثلاثاء 13 يوليو-تموز 2021 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت-خاص / أسماء محمد
 

 

ينضم كثير من اليمنيين يوميا إلى قوائم المرضى النفسيين، مع استمرار الحرب التي لا يبدو أن لها نهاية قريبة، مع مضي مليشيات الحوثي بالتصعيد، وتحدي المجتمع الدولي، ورفض التعاون مع الحكومة لإنقاذ الوضع الاقتصادي من التدهور الحاصل.

أدت الحرب منذ اندلاعها عام 2015، إلى تردي مختلف نواحي الحياة أبرزها الاقتصادي والاجتماعي، وكان لكل ذلك أثرا كبيرا على وضعهم النفسي، بخاصة مع طول أمد الحرب، وضبابية الحاضر التي تنعكس على المستقبل أيضا، وتزيد قلق ومعاناة اليمنيين.

دور المليشيات في معاناة اليمنيين

قادت جماعة الحوثي اليمنيين -وتحديدا منذ انقلابها على الدولة عام 2014- إلى جحيم حقيقي، أدى إلى إصابة الكثير منهم بأمراض نفسية مختلفة، أوصلت البعض منهم إلى الجنون، نتيجة لكثير من الممارسات التي قامت بها وما تزال بحق المواطنين.

أبرز الأسباب التي جعلت العديد من اليمنيين يعانون من أمراض نفسية بسبب مليشيات الحوثي، كان قيامها بحوثنة كثير من المؤسسات في مناطق سيطرتها، وبالتالي فقد نتيجة لذلك العشرات من المواطنين وظائفهم التي عملوا بها منذ عقود، إذ وجدوا أنفسهم فجأة عاطلين عن العمل وبدون أي مستحقات.

إضافة إلى ذلك، فقد تسبب قطع رواتب الموظفين في مناطق سيطرة المليشيات، إلى حدوث ضغوط نفسية عديدة، تضاعفت مع استمرار الأزمة، وإنفاقهم لكل مدخراتهم السابقة، فأصبح كل يوم جديد يمر عليهم، بمثابة كارثة، نتيجة لصعوبة مواجهة احتياجات الحياة ومتطلباتها، وبدون أي أموال.

يُضاف إلى كل ذلك، تركت أصوات الأسلحة المختلفة المُستخدمة خلال المعارك أثرها النفسي العميق لدى اليمنيين، فضلا عن توقف الحياة في عدة قطاعات ومن وقت لآخر نتيجة المعارك، ومعها فقد كثير من الشباب القدرة على تحقيق أحلامهم، بخاصة الذين فروا من مناطق سيطرة المليشيات خوفا من تعرضهم للإخفاء القسري أو الاختطاف.

أما أكثر الأسباب كارثية، فكان تدمير المليشيات لاقتصاد البلاد وبشكل ممنهج، بدءا من نهبها الاحتياطي النقدي في البنك المركزي بصنعاء، ومنع تداول العملة ذات الإصدار الجديد في مناطق سيطرتها، وممارسات أخرى عديدة جعلت الدولار الواحد يتجاوز سعر صرفه 950 ريالا، الأمر الذي انعكس بشكل كبير على حياة المواطنين بسبب الغلاء الفاحش في الأسعار.

الخوف من المجهول

بسبب الظروف الحياتية القاسية، أصبح عبد العزيز علي يعاني من اكتئاب حاد وهلوسة، جعلت أهله يسارعون لأخذه إلى طبيب نفسي، بعد أن لاحظوا استياء حالته بشكل متسارع.

يقول عبد العزيز لـ"الإصلاح" إنه تحسن كثيرا بخاصة أنه كان في بداية مرضه، لكن ذلك لم يستمر طويلا، فعقب عام ونصف من علاجه، عادت أعراض المرض مجددا، ولم تعد الأدوية اليومية التي يأخذها كافية لمساعدته.

وعن سبب حدوث ذلك معه، ذكر أنه وبسبب شعوره بعدم الاستقرار نتيجة الوضع الحاصل في البلاد ككل ونزوحه مرتين من مسكنه بسبب قرب المعارك منهم، واستمرار غلاء المعيشة، واضطراره لاقتراض مبالغ من أصدقائه ليتمكن من توفير بعض الحاجيات الأخرى لأبنائه وزوجته، وتراكم الديون عليه، أصبح يواجه مشكلات نفسية يخشى تفاقهما، فيصبح غير قادر على العمل وإعالة أسرته.

ضغوط نفسية

النساء هن أيضا يعانين نفسيا بسبب ما يجري، فقد كانت آسيا عبد الله معتادة على الالتقاء بأبنائها كل أسبوع، لكن وبسبب الحرب، نزح أغلبهم إلى الريف أو إلى محافظات أخرى، فلم يعد بإمكانها معرفة أحوالهم، بخاصة مع رداءة خدمات الاتصالات التي تأثرت كثيرا خلال فترة الحرب.

في حديثها مع "الإصلاح نت"، ذكرت آسيا أن ابتعادها عنهم وفي هذه الأوضاع الصعبة، جعلها تعيش بقلق دائم، حتى إنها لم تعد قادرة على السيطرة على نفسها وتفكيرها، لخوفها عليهم، بخاصة مع فقدان بعضهم لوظائفهم.

أدى ذلك -كما تؤكد- إلى استخدامها بعض الأقراص المنومة وأخرى مخصصة لعلاج الاكتئاب، اشتراها زوجها لها من إحدى الصيدليات، فأصبحت تستخدمها من حين لآخر بدون وصفة طبية، لتسيطر على نفسها، وخوفا على حياتها، فهي تعاني من ارتفاع ضغط الدم لديها وعدم انتظامه، ما يعني إمكانية إصابتها بأمراض أكثر بالخطورة في عضلة القلب كما أخبرها أطباء.

تأثيرات ومخاطر

منذ بدء الحرب، تزايد طلب بعض المواطنين لأدوية تساعد على النوم وتهدئة الأعصاب، دون الرجوع إلى أطباء مختصين بالصحة النفسية، فيضطر الطبيب الصيدلاني لبيعها لهم، ويتكرر الأمر كثيرا حتى أصبح معتادا لدى كثير منهم كما ذكروا لـ"الإصلاح نت"، مع تفاقم الوضع الإنساني والاقتصادي نتيجة الحرب.

في تصريحات صحفية، أرجع الأخصائي النفسي مصطفى رزاز، أسباب تزايد أعداد المرضى المصابين بأمراض نفسية خلال فترة الحرب، إلى القلق والخوف والصدمات والصعوبات المختلفة التي تخلفها الحرب، بخاصة مع كثرة حوادث القتل.

وبيَّن أن الكثيرين أصبحوا يعانون من أمراض واضطرابات نفسية مختلفة بدرجات متفاوتة، بسبب انقطاع رواتبهم والغلاء المعيشي، وصدمات فقدانهم لأهلهم، وحتى وجودهم في مناطق مواجهات تتعرض للقصف بشكل مستمر، إضافة إلى الوضع الضبابي الحاصل مع استمرار الحرب، الأمر الذي يغرقهم باليأس والقلق، وينعكس ذلك حتى على صحتهم الجسدية.

ولفت إلى خوف العديدين من الذهاب للمختصين للحصول على نصائح أو حتى أدوية لمساعدتهم على التخلص من الضغط النفسي الذي أفقدهم القدرة على التوازن والنظر للحياة بإيجابية، فضلا عن خوف آخرين من إدمان استخدام أي دواء، لكنه أكد لجوء بعض المواطنين إلى شراء أدوية تساعدهم على الاسترخاء والنوم والتخلص من التوتر من الصيدليات ودون وصفة طبية، برغم خطورة ذلك وآثاره المستقبلية.

وليتمكن المريض من تجاوز المرحلة التي يمر بها، يحث رزاز على ضرورة متابعة الطبيب المختص حتى تستقر الحالة، والتوجه له في وقت مبكر، وكذلك مساعدة الشخص لنفسه وكذلك دعمه من محيطه، كون ذلك هو العامل الأساسي للنجاة من تفاقم الحالة النفسية للمريض، بخاصة أن الحرب ما تزال مستمرة.

ونصح رزاز المواطنين بمحاولة الابتعاد عن مصادر التوتر والضغط النفسي قدر الإمكان، والنوم جيدا وتنظيمه، وممارسة الرياضة لتفريغ الطاقة السلبية التي يشعرون بها، والحصول على وقت للراحة قدر الإمكان، والاقتراب من أفراد الأسرة أكثر للحديث معهم عما يعانيه الشخص.

ضحايا السجون والتجنيد

ولم يكن الأطفال بعيدين عن تلك المأساة الحاصلة في المجتمع اليمني، فهم أحد الفئات الأكثر تضررا من الناحية النفسية بسبب الحرب، فقد قامت مليشيات الحوثي وما تزال بتجنيد المئات منهم، والزج بهم في معاركها.

ومن لم يُقتل منهم يقع أسيرا، تقوم الحكومة الشرعية لاحقا بإعادة تأهيلهم نفسيا، بسبب الصدمات الكثيرة التي يتعرضون لها أثناء تدريبهم أو حتى القتال، ومن يعود سالما إلى أهله، فإنه يعود وهو يعاني من اضطرابات نفسية عديدة.

دراسة صادرة عن منظمة يمن لإغاثة الأطفال حول الآثار النفسية للحرب على الأطفال، أفادت أن 58.2% من الأطفال اليمنيين ممن شملتهم الدراسة، ينتابهم الخوف الشديد، فيما يعاني 37% من قلق دائم واضطراب نفسي.

وخلال سنوات الحرب الماضية، تم الإفراج عن بعض المعتقلين والمخفيين قسريا بصفقات أغلبها محلية، لوحظ على العديد منهم إصابتهم بأمراض نفسية وعقلية مختلفة، فقد أكد وكيل وزارة حقوق الإنسان ماجد فضائل مؤخرا، أن أكثر من 1450 أسيرا ومختطفا تعرضوا للتعذيب الجسدي والنفسي الشديدين، في سجون ومعتقلات مليشيات الحوثي، وأن أكثر من 300 مختطف قتلوا تحت التعذيب.

تزايد حالات الانتحار

وتتناقل وسائل التواصل الاجتماعي من حين لآخر، صور مواطنين يمنيين من فئات عمرية مختلفة أقدموا على الانتحار، العديد منهم كان بسبب أوضاعهم المعيشية الصعبة.

وفي دراسة صادرة عن صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن، ذكرت أن واحدا من كل 5 يمنيين يعانون من اضطرابات نفسية.

ومن المتوقع أن تزداد أعداد اليمنيين الذين يُقدمون على الانتحار، مع استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية وزيادة نسبة الفقر والبطالة، إلى جانب طول أمد الحرب التي لها تبعات مختلفة.

حلول غير مجدية

تزداد مخاطر المرض النفسي، مع لجوء المريض إلى الشعوذة في بعض الأحيان، أو إدمان بعض أنواع الأدوية، وحتى التدخين وبشراهة. ويحدث كل ذلك، في ظل جهل الأسرة بأهمية خضوع المريض للعلاج النفسي في مراكز متخصصة تفتقر لها اليمن.

تلجأ بعض المنظمات والمبادرات لتخفيف الضغط النفسي على الأطفال تحديدا، عن طريق عمل مساحات صديقة، ليحصل الطفل على فرصة للعب، والتقليل من الآثار النفسية التي قد حدثت له أو من المتوقع حدوثها في المستقبل.

لكن مثل تلك الحلول لا يبدو أنها كافية، كون الأمر بحاجة إلى إيقاف الحرب التي أشعلتها مليشيات الحوثي ولا تكترث لتبعاتها، إضافة إلى أهمية إنشاء مزيد من المراكز المتخصصة بالصحة النفسية، قادرة على استيعاب جميع المرضى.

كلمات دالّة

#اليمن