السبت 20-04-2024 03:32:48 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

التحولات السياسية والعقدية.. الحوثيون...من الشباب المؤمن إلى مليشيات الإرهاب(1-3)

الثلاثاء 08 يونيو-حزيران 2021 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت-خاص / توفيق السامعي

 

مثلت الهادوية في صعدة حركة ونظرية سياسية أكثر من كونها مذهباً عقائدياً، حيث اتخذ يحيى الرسي سياسة عسكرية قمعية لنشر مذهب خاص به خالف فيه حتى آراء جده الإمام زيد، وغلب عليه التوسع العسكري، سار فيه في طريقين متناقضين؛ الأول: عمل على استمالة القبائل ولفها حوله ممن سهل انقيادهم له، والثاني ضرب القبائل الأخرى بعضها ببعض لإضعافها وارتكابه لمجازر بشرية مروعة، كما يقول المؤرخون، وبروز قوته العسكرية حتى كون جيشاً حوله، وبدأ بالتوسع على الأرض في غزو المناطق المجاورة وعلى رأسها الجوف ونجران.
وظل هذا شغله الشاغل وديدنه حتى توفي وقد غرس هذه النظرية السياسية العنصرية في صعدة حتى لو لم يكن متغلباً فقهياً فقد كان متغلباً عسكرياً وسياسياً، أتاح لمن جاء بعده فرصاً شتى لمواصلة هذا النهج إلى عصرنا الحديث حتى عرفت صعدة بعد ذلك بمعقل الهادوية الزيدية.

هذا المنهج ظل متوارثاً إلى اليوم، وحتى بعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وهزيمة هذه النظرية مؤقتاً انسحبت خطوة إلى الوراء ولجأت الهادوية إلى العمل السري فيما عرف بتنظيم الهاشمية السياسية، أتاح لها العمل كثيراً عدم اهتمام الدولة الجديدة بمناطق صعدة وتركها مرتعاً لهذا المشروع الإمامي السري، ولم تسقط إمامتهم، وحتى في نظرهم لا يجوز أن تسقط فتم مبايعة إمام جديد سري كان كما تقول الكثير من المصادر هو مجد الدين المؤيدي.


أعادت الهادوية تنظيم صفوفها بشكل سري وعملت على كثير من الجوانب منها ما تسميه الإحيائية الزيدية في مناطقها عبر تدريس هذه النظرية في مناطقها واستمرار حبلها المتواصل بالنظرية الأولى بمظاهر شتى من علومهم الزيدية المختلفة كالمعاهد وحلقات التدريس في الجوامع، وكذلك الجماعات السرية بسراديب وأقبية سرية، كما كشف للكاتب أحد القيادات العسكرية الكبيرة التي حاربت الحروب الستة في صعدة بعد مقتل حسين الحوثي، حيث لقيت تلك القيادات العسكرية كهوفاً وأقبية مملوءة بكتبهم وخرائطهم ومخططاتهم وطرق تدريسهم وتواصلهم واجتماعاتهم، كما تفعل جماعة القاعدة وغيرها التي تؤمن بالعمل التنظيمي السري.

وبحسب أحد منظري الحوثية وهو زيد الذاري فإن الحركة الحوثية أعادت هذه النظرية أو ما يسميه الإحيائية الزيدية وطبقتها حرفياً اليوم فيما يسميه بعض منظريهم ب"الإحيائية للمذهب الزيدي مقابل الإقصاء".
ولم تكن هذه "الإحيائية" على أسس من العلمية والتجديد بحسب العصر ومتطلباته وصولاً إلى غاية سامية في خدمة البلاد وبنائها وتقويم اعوجاج النظام من انحرافاته، بل هي الردة والنكسة للوراء واستدعاء الماضي بكل سلبياته وثالوثه (الفقر، الجهل، والمرض)، حيث لم يعرف لأصحاب هذا التيار من تراث يمكن أن ينهض بالأمة ويكون في خدمة البلد، بل على العكس من ذلك؛ إحياء الصراعات الدينية والطائفية باسم (الحق الإلهي) للنظرية الشيعية عموماً والهادوية خصوصاً.


وبدل أن يكون للمشروع الإمامي رأس واحد وإمام واحد، وهو ما عرف عن مجد الدين المؤيدي، إلا أن منافسة وتطلع بدر الدين الحوثي إلى إمامة الهادوية جعله يدخل في صراع حميم منافساً للمؤيدي الذي التزم الهادوية، بينما انحرف بدر الدين الحوثي عن الهادوية إلى الاثنى عشرية مستقوياً على المؤيدي بإيران بحجة نقل الزيدية من التقليدية إلى الإحيائية، بينما كان صراعاً سياسياً مستغلاً بدر الدين الحوثي نهم الخميني فيما يسميه بتصدير الثورة فعمل على الاتصال المباشر بإيران متسللاً من هذه الثغرة، ونجح فعلاً في مسعاه ذاك.


فبحسب بعض المصادر فقد انخرط بدر الدين الحوثي من وقت مبكر مع إيران التي زارها في عام 1982 لاستلهام التجربة الإيرانية في تصدير ما سمي ب"الثورة الإسلامية" وهي الثورة الخمينية التي قامت ضد الشاه عام 1979 وأطاحت به، لكن بعض المصادر تؤكد أن بدر الدين الحوثي لم يذهب إلى إيران إلا عام 1985م وكان ذلك عقب تأسيس "الشباب المؤمن" الإيراني عام 1984 بعد اقتحام السفارة الأمريكية في طهران.

راقت فكرة تنظيم "الشباب المؤمن" لبدر الدين الحوثي فعمل على استقطاب وإرسال بعض الشباب اليمني إلى طهران لذات الغرض، فكان محمد يحيى عزان وعبدالكريم جدبان من أوائل من ذهب إلى إيران عام 1988 وأسسا بعد ذلك الشباب المؤمن اليمني في صعدة على أساس تعليمي إحيائي دون الشعار الحوثي المعروف بالصرخة، بينما كان حسين الحوثي وقتها يدرس في السودان.


سنجد هذا التأثير الإيراني في بدر الدين الحوثي لاحقاً حيث دخل في خلاف شديد مع علماء الزيدية، المناهضين لخط الإمامة الإثني عشرية، وعارض بشدة فتوى علماء الزيدية التاريخية، نهاية التسعينيات، والتي وقّع عليها المرجع مجد الدين المؤيدي، والعلماء حمود عباس المؤيد، ومحمد بن محمد المنصور، وأحمد الشامي، عندما أكدوا فيها أن شرط النسب الهاشمي و"البطنين" للإمامة صارت غير مقبولة اليوم، وأنها كانت في ظرفها التاريخي، وأنّ "الرئاسة" وقيادة شؤون الأمة حق من حقوق المواطنين جميعاً، وفيمن يرتضونه، أدت إلى هجرة قسرية إلى العاصمة الإيرانية طهران، وظل فيها سنوات، ثم عاد إلى صعدة، بعد وساطات من علماء اليمن مع الرئيس صالح.

يبدو أن فتاوى علماء الزيدية أولئك كانت حينها نوع من التقية السياسية التي عرف بها الشيعة عموماً وإلا فإنهم متعصبون لتلك النظرية (نظرية البطنين) وكانوا يسايرون الظروف، واليوم انقلب كل شيء فكل من كان قريباً منهم أو بعيداً صار مؤيداً للحوثية وما تتبناه من أفكار اثنا عشرية بكل وضوح.

مهدت اتصالات بدر الدين الحوثي المبكرة مع نظام ملالي إيران خطاً ساخناً للتواصل فيمن جاء بعده واستدرار مزيد من الدعم المالي واللوجيستي الإيراني الذي انتقل من طور التنظير إلى طور التطبيق العملي، فبعد انشقاق حسين الحوثي عن حزب الحق عام 1994 وتأييده الحزب الاشتراكي في حرب الانفصال يومها ومعارضة حزب الحق لذلك انفصل عنهم وذهب هو إلى إيران، ومن هناك بدأ الجانب العملي لتأسيس الحوثية والتمهيد المبكر للتمرد على الدولة والخروج على النظام الحاكم في الحروب التالية فيما عرفت بالحروب الست في صعدة، حتى أنهم قاموا بالعديد من التفجيرات في صعدة بعد حرب 1994 بشهرين فقط مناصرة للحزب الاشتراكي يومها، وتم إلقاء القبض على بعضهم وأطلقوا بعد وساطة من علمائهم إلى صالح.

كانت المراكز الدينية والتعليمية التي أنشأها تنظيم الشباب المؤمن في عام 1990 تتوسع، وانقسمت بعد ذلك إلى عدة مراكز سيطر عليها بدر الدين الحوثي وابنه حسين بفعل الدعم المالي الإيراني، وسحبوا البساط من تحت يدي محمد يحيى عزان وعبدالكريم جدبان أشهر مؤسسي هذا التنظيم وحول حسين الحوثي تلك المراكز إلى العسكرة والأدلجة بأفكار اثنا عشرية لطالما عارضها عزان ورفقته حتى لا يخرجوا عن إطار الهادوية التي أسموها الزيدية.


تنبهت الدولة إلى هذه المراكز وما تقوم به من تطور في نشر الأفكار الخمينية دون تراخيص وقدم وزير الداخلية يومها اللواء الدكتور رشاد العليمي إلى أعضاء مجلس النواب تقريراً أمنياً يشير إلى أن "نشاط حسين بدر الدين الحوثي بدأ منذ عام 1997، بإنشاء مراكز دينية في مديرية حيدان، محافظة صعدة، دون ترخيص قانوني، أطلق عليها اسم الحوزة، ثم امتد نشاطه بإنشاء مراكز مماثلة في بعض المحافظات والمديريات، وقام بتوسيع نشاطه، من خلال تلك المراكز، وتزعّم بطريقة مخالفة للدستور والقانون تنظيماً سرياً انسلخ به عن حزب الحق، أطلق عليه اسم الشباب المؤمن، ومنح أعضاء التنظيم مرتبات فصلية، وبعضهم شهرية، تراوحت ما بين 50 دولاراً إلى 100 دولار شهرياً، مقابل قيامهم بالترويج لأفكاره وآرائه المتطرفة، واقتحام المساجد، والاعتداء على خطبائها، الذين لا يتفقون مع أفكاره المتطرفة، وإثارة الشغب بين المصلين، وترديد شعارات مضللة، خاصة أثناء صلاة الجمعة" وأضاف أن التهم التي أوردها بتقريره ثابتة من خلال محاضر وتسجيلات سيتم تسليمها للأجهزة القضائية.


كان هذا العام عام افتراق بين تحالف صالح التاريخي والتجمع اليمني للإصلاح بعد انتخابات أبريل وأراد صالح، كما هي عادته خلط الأوراق والتلاعب بأوراق القوى السياسية والجماعات الدينية لصالحه فأراد أن يقرب هذه الجماعة (الناشئة) لاستغلالها ضد الإصلاح وبقية القوى السياسية وخاصة السلفية التي بدأت تقوى أيضاً في صعدة واليمن، وقدم لهؤلاء الدعم المالي واللوجيستي خلافاً لتوصيات وزارة الداخلية حينها بمحاصرة هذا التمدد الاثنى عشري في البلاد، وباعتراف صالح نفسه في أكثر من خطاب بدعم الحوثية وخطابه الشهير بعد صرختهم بالشعار في وجهه في الجامع الكبير بصعدة أثناء عودته من الحج وقال: "دعمناهم قلنا شباب طائشين..دعمناهم بالمال وإذا بهم يواجهون الدولة".


هذا الدعم كان من وقت مبكر باعترافات محمد يحيى عزان نفسه في مقابلة صحفية مع صحيفة "ايلاف" التي كان يرأسها محمد الخامري، على أن الدعم بدأ بتوسط الرئيس السابق صالح لفض خلاف بين الشباب المؤمن الذي يرأسه محمد عزان وبين مجد الدين المؤيدي، ومن هنا بدأ صالح لعبته مع هذا التنظيم واستقطابه ودعمه.

حتى العام 1990 لم يكن شعار الحوثي (الصرخة) قد بدأ بالظهور، فقد كان الشباب المؤمن شعاره "الإحيائية الفكرية" حتى دخل في ذلك العام حسين الحوثي وإخوته وأبوه في هذا التنظيم وسيطروا عليه من الداخل وجيروه لصالحهم، كما يقول عزان.
بدأ الشعار الحوثي بالظهور تقريباً من عام 1997 بعد عودة حسين الحوثي من إيران وتأسيس المليشيا المسلحة بالدعم المالي الإيراني، وكما استورد السلاح والمال الإيراني وكذلك الفكر الإيراني استورد منها أيضاً هذا الشعار الذي يعرف بشعار الخميني ويردد في إيران، وبدأ هذا الشعار يطبع ويظهر على الجدران في صعدة وعمران وصنعاء، وصولاً إلى عام 2000، وكان حسين الحوثي قد بدأ بحفر الخنادق والمتارس وشراء الأسلحة، ومثلت حرب صيف 1994 أكبر عامل لشراء وتكوين ترسانة الأسلحة الحوثية التي نهبها من مخازن معسكرات الجنوب باسم القبائل تحت غطاء قوافل الغذاء التي كانت تسير من صعدة على أنها للنصرة، وكان الكاتب شاهد عيان على مثل هذا النهب، فضلاً عن سوق الطلح لترويج وبيع الأسلحة، وهذان الأمران اعترف بهما الحوثيون أنفسهم كبدر الدين الحوثي وأبنه حسين.


لم يأت عام التمرد الأول عام 2004 إلا وكان كل شيء جاهزاً ومرتباً من قبل هذه المليشيا مع داعمتهم إيران.
وكشفت رسالة سرية خطيرة موجهة من بدر الدين الحوثي لجواد الشهرستاني (راعي مؤسسة آل البيت في النظام الإيراني) مؤرخة بعام 2004 – 1425هـ يشرح فيها استعداد وجهوزية الحركة الحوثية للانقلاب على الثورة والجمهورية وبدء المعارك ضد الدولة ومدى نفوذهم وتغلغلهم في نظام علي عبدالله صالح وتأثيرهم عليه. وقد نشرت تفاصيل هذه الرسالة في كتاب "الزهر والحجر" للكاتب عادل الأحمدي.


من هنا تحول الفكر العقائدي من الإحيائية الزيدية إلى الإحيائية السياسية والنظرية الهادوية (نظرية البطنين) التي تعصب لها بدر الدين الحوثي واستطاع فرضها بقوة السلاح على بقية التيارات الفكرية الهادوية والتي تسمي نفسها الزيدية.

تم بعث المشروع الإمامي من جديد، وبدأ التيار الهادوي عموماً يطمح إلى عودة الإمامة التاريخية التي تعطيهم كافة الامتيازات السياسية والاجتماعية والاقتصادية على غيرهم من اليمنيين في ظل مشروع مقابل هش من قبل الدولة أو أن النظام الحاكم هو الذي مهد لكل هذا الانفلات بطرائق مختلفة؛ منها:
- محاربة المشاريع التي تتصدى للمشروع الإمامي كالمشروع الجمهوري العام الثقافي والتعليمي وإضعافه في مقابل دعم المشروع الإمامي.
- محاربة وإلغاء المعاهد العلمية التي هي مواجه موضوعي للمشروع الفكري الإمامي والذي دأب المشروع الإمامي بالتعاون مع بعض القوى على محاربته والتحريض على هذه المعاهد واعتبارها مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم.
- محاربة الإصلاح والسلفيين في أنشطتهم وفكرهم وتشويه علمائهم وعقيدتهم بالتحريض المستمر عليها باعتبارها في نظرهم مشاريع تكفيرية.
- التمكين للإمامة في كل مفاصل الدولة سياسياً وفكرياً واجتماعياً وعسكرياً.