السبت 20-04-2024 11:45:24 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

المبعوثون الأمميون إلى اليمن.. 10 سنوات من الفشل والتعنت الحوثي

السبت 29 مايو 2021 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت-خاص/ محمد العربي

 

مع انتهاء مهمة المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيث، اكتلمت 10 سنوات من جهود الأمم المتحدة لحل الأزمة اليمنية، منذ تعيين جمال بن عمر مبعوثا أمميا إلى اليمن في أبريل 2011، وشهدت هذه السنوات تعقد الأزمة وتصاعدا في العمليات القتالية، وسط اتهامات محلية ودولية للمبعوثين الأمميين بالتساهل مع المليشيات الحوثية الانقلابية والمشاركة في إطالة أمد الصراع، ورغم ذلك، فقد واصل الحوثيون تعنتهم ورفضوا كل جهود ومبادرات السلام.

وبخصوص أداء المبعوثين الأمميين إلى اليمن، فإنه كان يفترض أن أي مبعوث عليه أن يسعى ويعمل على تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالشأن اليمني، وأهمها القرار الدولي 2216، فالقرار واضح لجهة دعوة الانقلابيين الحوثيين إلى الخروج من المدن التي يحتلونها وأن يسلموا مؤسسات الدولة التي استولوا عليها وأن يسلموا الأسلحة الثقيلة التي نهبوها من مستودعات الجيش اليمني بالتواطؤ مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي قتله الحوثيون في ديسمبر 2017.

لكن تساهل المبعوثين الأمميين مع الحوثيين والتدليل الزائد لهم، جعلهم يذهبون إلى ما يسمونه المفاوضات باعتبارهم الحكومة اليمنية القائمة بالأمر الواقع، ومشاركتهم لم يكن المقصود منها أبدا التوصل إلى حل أو تسوية، بل محاولة فرض وجود معترف به في الخارج، ورفع المعنويات في الداخل، وهنا يكمن الخلل الذي أفشل مهمة المبعوثين الأمميين وجعل الحوثيين يتمادون في غيهم، وهو ما سنوضحه في السطور التالية، والتطرق -باختصار- لأداء كل مبعوث أممي إلى اليمن على حده.

- جمال بن عمر

عُيِّن الدبلوماسي المغربي جمال بن عمر مبعوثا للأمم المتحدة إلى اليمن في أبريل 2011، واستمر في مهمته حتى أبريل 2015، وقاد الوساطة بين أطراف النزاع في عام 2011، ومن ثم المفاوضات للخروج باتفاق تقاسم للسلطة في 2015، إلا أن قطاعا كبيرا من اليمنيين وكذلك المجتمع الدولي اعتبروه متساهلا مع الحوثيين، مما أفشل مهمته.

لم يعمل بن عمر أثناء مهمته بالمرجعية التي اتخذتها الأمم المتحدة في ذلك الحين، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، التي أصبحت محل تفاوض بين أطراف الأزمة حتى التوقيع عليها في الرياض في نوفمبر من العام 2011.

أدى بن عمر دورا محوريا في عملية الإشراف على نقل السلطة بين الرئيس السابق علي عبد الله صالح وبين المعارضة، وتخلل فترته عدد من القرارات الأممية التي خصت اليمن، بينها قرار وضع اليمن تحت البند السابع، في فبراير من عام 2014، وفرض عقوبات على بعض معرقلي العملية السياسية في اليمن، وهم الرئيس السابق علي صالح، والقياديان الحوثيان محمد عبد الله الحاكم وعبد الخالق الحوثي.

إلا أن بن عمر فشل في صناعة انتقال سياسي للسلطة وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وهو الفشل الذي كلف اليمن انهيار الدولة وسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، وعدم إدانته لذلك الانقلاب، بل قدم تسهيلات للحوثيين، وعمل على إرضائهم للقبول بالمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، ومن ضمن ذلك القبول بدخولهم المسلح إلى العاصمة صنعاء تحت ذريعة الحراسات الأمنية والمرافقين لمكتبهم السياسي ومؤسساتهم الإعلامية في العاصمة.

لقد ارتكب جمال بنعمر خطأ فادحا بالتعامل مع "لاشرعية" الحوثيين كقوة مسلحة، ففي الوقت الذي كانوا يضربون فيه عرض الحائط بمرجعيات عملية السلام كان يفاوض زعيم المتمردين في صعدة على منح جماعته مزيدا من المناصب والمراكز في الحكومة الانتقالية، وكان الحوثيون في الوقت نفسه يكرسون واقعا جديدا في البلاد باستكمال الانقلاب على الدولة وعلى الشرعية واحتلال صنعاء والمحافظات الأخرى.

فشل بن عمر مهمته، رغم أنه في البداية لقي تعيينه مبعوثا أمميا إلى اليمن ترحيب مختلف الأطراف اليمنية، لكن مع الوقت فقد ثقة بعض منها حيث اتهمته بالتساهل مع الحوثيين، وعلى إثر ذلك دخلت البلاد في براثن حرب أهلية دامية، وقد قامت السعودية بقيادة تحالف دولي ضد الحوثيين، تحت مسمى "عاصفة الحزم"، في 26 مارس 2015، قدم على أعقابه بن عمر استقالته بعد خمس سنوات من تعثر مسار حل النزاع.

- إسماعيل ولد الشيخ أحمد

اختير الدبلوماسي الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، ليكون خلفاً لجمال بن عمر، بعدما كان نائباً للمبعوث الأممي في ليبيا،
وتقلد منصبه من 25 أبريل 2015 حتى 16 فبراير 2018.

حرص ولد الشيخ خلال فترته على حل الأزمة لإنهاء الحرب من خلال مفاوضات جمعت أطراف الحرب في جنيف والكويت، لكنها لم تنجح في صناعة السلام بسبب تعنت الحوثيين ورفضهم كل مبادرات السلام.

استنفد ولد الشيخ القدرة على مواصلة المهمة في حلحلة الأزمة اليمنية والوصول إلى حل سياسي سلمي، ورفض الحوثيون التعامل معه، فلجأ إلى تفعيل الجانب الإنساني من أجل لفت أنظار العالم وتعويض حالة الفشل التي مني بها في المشهد السياسي.

كرر إسماعيل ولد الشيخ محاولات تنفيذ المهمة بدماثة وكياسة وإن لم يخل من تساهل أحيانا، ونجح في جلب الانقلابيين الحوثيين إلى جنيف للمرة الأولى، وفشل في المرات الأخرى، وكان واضحا له أن الانقلابيين لم يستوعبوا الهدف من الذهاب إلى جنيف، ولم تكن لديهم خطة ذات بال للدخول في المشاورات، بل كانوا بشكل طفولي ومضحك يطرحون طلبات لا تدخل في لباب المشاورات.

ورغم التسهيلات غير القانونية والتساهل أحياناً من قبل المبعوث الأممي، فقد حاول الانقلابيون قتله في مايو 2017، واعتدوا على موظفي المنظمات الأممية أكثر من مرة، ونهبوا مخازن برنامج الغذاء العالمي، واستولوا على المساعدات الإنسانية وتاجروا بها في السوق السوداء.

ومع استمرار تعنت الحوثيين ورفضهم التعامل معه والمطالبة بتغييره، رحل إسماعيل ولد الشيخ في 22 يناير 2018، وعُيّن البربطاني مارتن جريفيث خلفا له.

- مارتن جريفيث

يُعد البريطاني مارتن جريفيث أول مبعوث غربي للأمم المتحدة إلى اليمن على عكس أسلافه، وقد تم اختياره بالأساس استناداً إلى خبراته في مجال حل النزاعات والتفاوض والشؤون الانسانية، فهو واحد من أهم الدبلوماسيين الأوروبيين وفقاً للأمم المتحدة، كما أنه يشغل منصب المدير التنفيذي للمعهد الأوروبي للسلام في بروكسل.

وبتعيينه مبعوثا أمميا إلى اليمن في فبراير 2018، تجددت الآمال مرة أخرى لدي اليمنيين حول إمكانية وضع حلول للحرب الأهلية بالبلاد، وقد استهل عمله بعقد عدد من اللقاءات مع مختلف الأطراف والأحزاب السياسية اليمنية، حيث يرى أن مهمته الأساسية تتعلق بسماع وجهات النظر المختلفة لتكوين رؤية واضحة للتخلص من الصراع المدمر الذي تعيشه اليمن.

وفي منتصف أبريل 2018، أعلن جريفيث أمام مجلس الأمن الدولي عزمه على تقديم إطار عمل أمام المجلس لإجراء مفاوضات خلال شهرين بهدف إنهاء الصراع، وعليه تم الإعلان في وقت لاحق عن ثلاثة ملامح هامة لهذه الخطة، تتمثل في سحب السلاح، ومرحلة انتقالية تشمل مشاركة الحوثيين في الحكومة، وتنتهي بانتخابات، وأوضح أن هذه المفاوضات ستتم بين الحكومة والانقلابيين الحوثيين، ويُترك بعد ذلك الحرية لليمنيين لحل قضاياهم الأخرى كالقضية الجنوبية، ولكنه أكد في نفس الوقت على التزام الأمم المتحدة بالوصول إلى الحل في إطار الحفاظ على وحدة اليمن.

لكن تلك الخطة اصطدمت بتعنت الحوثيين، وبدا أنها غير قابلة للتنفيذ رغم أنها منحتهم الكثير، لكنهم يؤمنون بأن ما حصلوا عليه بالقوة لن يتخلوا عنه إلا بالقوة، إلى جانب أن إيران تراهن على سلاح الحوثيين، وأن فكرة سحب السلاح بالنسبة لها ستعني عرقلة مشروعها التوسعي بالمنطقة، وبالتالي ستعمل بقوة لإجهاض هذه الخطة.

وفي 15 مايو 2019، قدم جريفيث إحاطة إلى مجلس الأمن أثارت غضب الحكومة اليمنية والرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي أرسل رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وصف فيها إحاطة جريفيث بأنها "نموذج للخرق الفاضح للتفويض الممنوح إليه"، واحتج هادي فيها على "تصرفات واستفزازات وتجاوزات" المبعوث الأممي.

وفي رسالته، اتهم الرئيس هادي المبعوث جريفيث بالعمل على "توفير الضمانات للمليشيات الحوثية للبقاء في الحديدة وموانئها تحت مظلة الأمم المتحدة"، معدداً "أبرز تجاوزات" المبعوث الأممي إلى اليمن، التي شملت "تعامله مع الانقلابيين كحكومة أمر واقع، وإطالة أمد الصراع في الحديدة عبر تجزئة اتفاق ستوكهولم، وإيقاف العمل على أمرين أساسيين في الاتفاق، المتعلقين بالأسرى والمخفيين قسرياً وبرفع الحصار عن مدينة تعز.

كما اتهم هادي المبعوث الأممي بمحاولة التوافق مع الحوثيين على "تعزيز شكل من أشكال الإدارة الدولية في الحديدة، في تجاوز صارخ للسيادة اليمنية"، ومخالفته بكل ذلك القرارين الدوليين 2216 و2451 ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني واتفاق ستوكهولم.

وعلى الرغم من ذلك، قال الرئيس هادي إن بلاده ستعطي "فرصة أخيرة ونهائية للمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة مارتن جريفيث". وختم الرئيس رسالته مؤكدا عدم قبوله باستمرار التجاوزات التي يقدم عليها المبعوث الخاص إلى اليمن، التي "تهدد بانهيار فرص الحل الذي يتطلع إليه أبناء الشعب اليمني"، ومشترطا أيضاً توفر "الضمانات الكافية" من قبل غوتيريش شخصياً "بما يضمن مراجعة التجاوزات وتجنب تكرارها".

وفي مقابل رسالة الرئيس هادي وما ترافق معها من حملة تتهم جريفيث بالانحياز، أكد الأمين العام للأمم المتحدة ثقته بمبعوثه الخاص وبتصرف منظمته "كوسيط محايد" في اليمن. وقال في رسالة إلى الرئيس هادي، في 26 مايو 2019، إنه وجريفيث يأخذان "المخاوف المشروعة" التي أبدتها الحكومة اليمنية "على محمل الجد"، مؤكداً التزام منظمته بأن تكون "وسيطاً محايداً وموثوقاً فيه في عمليات السلام".

استمر المبعوث الأممي مارتن جريفيث في مهمته، لكن فشله كان يزداد يوما بعد يوم، وأثارت مواقفه المنحازة للانقلابيين غضب اليمنيين، وكان أبرز موقف أغضب اليمنيين تجاهله لانقلاب ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي" على الشرعية والسيطرة على عدن، في أغسطس 2019، وسط صمت منه وعدم إدانته لذلك الانقلاب.

- ماذا بعد سنوات الفشل؟

لم يعد بعد 10 سنوات من فشل الأمم المتحدة في حل الأزمة اليمنية التعويل على أي نجاح مستقبلا، فرغم تعقد الأزمة وتعنت الحوثيين الذين ينظرون للحرب من منظور عقائدي ويتعاملون مع السلطة والثروة كحق خاص بهم ويؤصلون له فقهيا ويفترون الأكاذيب لأجل ذلك، ولا يمكنهم تقديم أي تنازل والجنوح للسلم، إلا أن المبعوثيين الأمميين وتساهلهم مع الحوثيين يجعلهم يتمادون في غيهم أكثر، ويتعمدون إفشال كل مبادرات السلام لاستهلاك الوقت لصالح مشروعهم الانقلابي السلالي العنصري.

فالمبعوث الأممي يقود المشاورات لتنفيذ قرارات دولية، ولا يبتدر مفاوضات أو يسمح للانقلابيين بإعادة التفاوض، أو اكتساب شرعية هم فاقدون لها. كما أن المشاورات لا تعني التسليم للانقلابيين بشرعنة انقلابهم أو سيطرتهم على مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء، أو اكتساب حق في السيطرة على أراض ومرافئ وموانئ.

وينص ميثاق الأمم المتحدة على تكليف مجلس الأمن الدولي الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، بمنع تطور النزاعات والصراعات إلى حروب، والعمل على وقف الحروب إذا نشبت، بيد أن الهدف السامي لمجلس الأمن، الذي يشبه مجلس إدارة العالم، يتحول أحيانا إن لم يكن في كثير من الأحيان إلى نقيضه.