الجمعة 29-03-2024 15:37:50 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الوحدة اليمنية..عمق التاريخ وأواصر القربى (2-2)

السبت 22 مايو 2021 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت-خاص/ توفيق السامعي

 

لم تكن الوحدة اليمنية حدثاً عابراً من أحداث اليمن، بل كان الحدث الأبرز والأجل منذ قرون مضت ومنذ أول خطوة لتشطير اليمن وتفتيته.
في هذه الذكرى التي تتعرض فيه وحدة اليمن وأمنه واستقراره إلى محاولة التشطير مجدداً، وإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، نستذكر معكم أحداث الوحدة اليمنية، مستلهمين أحداث التاريخ ومحطاته للبناء عليها والسير على نهج الآباء الأوائل في المحافظة عليها وتقوية أواصر اليمنيين في كل مكان، وعدم الانزلاق إلى ما تم قبل ذلك قبل 200 عام.

محطات واتفاقات في طريق الوحدة

بعد نجاح الثورتين – سبتمبر وأكتوبر- واستقرار نظامي الحكم في صنعاء وعدن كان الحراك الثقافي والجماهيري وتطلع الشعبين في الشمال والجنوب إلى الوحدة اليمنية ضاغطاً على قيادتي الشطرين في المضي في طريق الوحدة فتمت سلسلة لقاءات واتفاقات وبيانات في هذا الطريق، نوجزها بالمحطات التالية:

اتفاق طرابلس:
في الفترة من 21 شوال 1392هـ الموافق 26 نوفمبر 1972م إلى 23 شوال 1392هـ الموافق 28 نوفمبر 1972م، اجتمعت قيادة الشطرين ممثلة بالقاضي عبدالرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري بالجمهورية العربية اليمنية، وسالم ربيع علي رئيس مجلس الرئاسة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في طرابلس برعاية العقيد معمر القذافي، أكد الرئيسان على ضرورة الإسراع في تنفيذ اتفاقية الوحدة ببيان رئيسي الوزراء في شطري اليمن نصا وروحاً وتوفير كل الظروف الملائمة لبناء اليمن الموحد في ظل المحافظة على منجزات ثورتي 26 سبتمبر و 14 أكتوبر وتوفير مناخ ديمقراطي كامل وذلك حرصا على استقلال اليمن وبناء مجتمع متطور يسير في طريق التقدم والاشتراكية.
واتفق الجانبان على الأسس التالية:
1- يقيم الشعب العربي في اليمن دولة واحدة تسمى الجمهورية اليمنية.
2- للجمهورية اليمنية علم واحد ذو الألوان الثلاثة الأحمر فالأبيض فالأسود.
3- مدينة صنعاء عاصمة الجمهورية اليمنية.
4- الإسلام دين الدولة، وتؤكد الجمهورية اليمنية على القيم الروحية وتتخذ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.
5- اللغة العربية هي اللغة الرسمية للجمهورية اليمنية.
6- تهدف الدولة إلى تحقيق الاشتراكية مستلهمة الطراز الإسلامي العربي وقيمه الإنسانية وظروف المجتمع اليمني بتطبيق العدالة الاجتماعية التي تحظر أي شكل من أشكال الاستغلال.. وتعمل الدولة عن طريق إقامة علاقات اشتراكية في المجتمع على تحقيق كفاية في الإنتاج وعدالة في التوزيع بهدف تذويب الفوارق سلميا بين الطبقات.
7- الملكية العامة للشعب أساس تطوير المجتمع وتنمية وتحقيق كفاية الإنتاج و الملكية الخاصة غير المستغلة مصونة ولا تنزع إلا وفقاً للقانون وبتعويض عادل.
8- نظام الحكم في الجمهورية اليمنية وطني ديمقراطي.
9- ينشأ تنظيم سياسي موحد يضم جميع فئات الشعب المنتجة صاحبة المصلحة في الثورة للعمل ضد التخلف ومخلفات العهدين الإمامي والاستعماري وضد الاستعمار القديم والجديد والصهيونية.. وتشكل لجنة مشتركة لوضع النظام الأساسي للتنظيم السياسي ولوائحه مستهدية بالنظام الخاص بإقامة الاتحاد الاشتراكي العربي في الجمهورية العربية الليبية.. وعلى ضوء مناقشته من قبل فئات الشعب.
10- يعين دستور الجمهورية اليمنية حدودها.
وكان هذا الاتفاق هو الاتفاق التفصيلي والخطوات التنظيرية للوحدة والذي بموجبه سيتم العمل لاحقاً من تشكيل اللجان المختلفة التي تفصل الدستور والنظام في كل جوانبه.

 

اتفاق القاهرة:
كان هذا الاتفاق برعاية جامعة الدول العربية لإنهاء التوتر بين الشطرين السابقين تم بين رئيسي وزراء الشطرين السابقين علي ناصر محمد من الجنوب ومحسن العيني من الشمال، وأدّت المباحثات التي جرت بين الوفدين إلى التوصل إلى اتفاقية الوحدة التي عُرِفت منذ ذلك التاريخ باتفاقية القاهرة 1972، التي أصبحت الأساس لجميع الاتفاقيات اللاحقة بما في ذلك تحقيق الوحدة في مايو (أيار) 1990، وتم فيها تعديل بعض النقاط في اتفاق طرابلس بأكثر تفهماً وتفصيلاً بما يلائم الطرفين.

لقاء الجزائر:
في22 شعبان 1393هـ الموافق 4 سبتمبر 1973م التقى الرئيسان عبدالرحمن الإرياني – رئيس الشطر الشمالي للوطن، مع الرئيس سالم ربيع علي – رئيس الشطر الجنوبي للوطن في مدينة الجزائر، وأكدا حرصهما الشديد على تنفيذ الاتفاق واستمرار اللجان المشتركة في أعمالها إلى النهاية على أن تترك لممثليهما الشخصيين الصلاحيات في تحديد المواعيد المنظمة لمواصلة أعمال اللجان، كما تم الاتفاق على وجوب توفير المناخ الملائم لهذه اللجان المشتركة في أعمالها وذلك عن طريق إيقاف التدريب والتخريب في كل أنحاء اليمني وعدم السماح للعناصر المخربة بالنشاط تحت أي اسم وعدم مدها أو تدريب عصاباتها أو تشجيعها وإغلاق معسكراتها.

لقاء تعز – الحديدة:
تجددت اللقاءات والتواصلات بين قيادتي شطري الوطن وجرى لقاء بين الرئيسين سالم ربيع علي – رئيس الشطر الجنوبي، والقاضي عبدالرحمن الإرياني – رئيس الشطر الشمالي في تعز والحديدة في الفترة من 16 شوال 1393هـ الموافق 10/11/1973م إلى 18 شوال 1393 هـ الموافق 12/11/1973م لمتابعة الاتفاقات السابقة والاستماع إلى تقارير اللجان المعنية، وتذليل الصعوبات لهذه اللجان، وتعزيز أواصر العلاقات بين الشطرين، والاتفاق على أهمية أيجاد صيغ مشتركة على صعيد الاقتصاد الوطني تمكن من اتخاذ خطوات عملية تخدم في الأساس الشعب اليمني وترفع من مستواه المعيشي.

اتفاق قعطبة:
في 15 فبراير 1977 التقى الرئيسان ابراهيم الحمدي رئيس الشطر الشمالي، وسالم ربيع علي رئيس الشطر الجنوبي واتفقا على القضايا الاقتصادية والتجارية والتنسيق في مجالات التنمية الصناعية والزراعية بما يخدم المصلحة اليمنية العليا وتم الاتفاق على تشكيل مجلس يتكون من الرئيسيين ومسؤولي الدفاع والاقتصاد والتجارة والتخطيط والخارجية يجتمع مرة كل ستة أشهر بالتناوب في كل من صنعاء وعدن لبحث ومتابعة القضايا التي تهم الشعب اليمني وسير أعمال اللجان المشتركة في مختلف المجالات وتشكيل لجنة فرعية من الاقتصاد والتخطيط والتجارة في الشطرين مهمتها دراسة ومتابعة المشاريع الانمائية والاقتصادية في الشطرين ورفع التقارير عنها إلى الرئيسين مع الاقتراحات بشأنها.. كما تم الاتفاق أيضا على أن يمثل أحد الشطرين الشطر الآخر في البلدان التي لا توجد له فيها سفارات.

اتفاق الكويت:
في عام 1979، استقبلت الكويت قيادتي الشطرين السابقين الرئيس عبدالفتاح إسماعيل والرئيس علي عبدالله صالح للصلح بين الشطرين إثر حرب نشبت بين الشطرين، وتمخّض عن هذا الصلح واللقاء توقيع اتفاق آخر للوحدة عرف فيما بعد باتفاق الكويت، لكنه لم ينفذ بسبب الاستقطابات الدولية آنذاك بين المحور الشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي الذي كان يواليه نظام الشطر الجنوبي، والمحور الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية الذي يواليه نظام الشطر الشمالي.

اتفاق صنعاء:
في يونيو عام 1980 التقت قيادتي الشطرين السابقين ممثلة بعلي ناصر محمد وعلي عبدالله صالح بعد الإطاحة بالرئيس السابق عبدالفتاح إسماعيل، وتم الاتفاق على إزالة العوائق بين الشطرين وأسباب التوترات والحروب السابقة وتهيئة الأجواء للمضي في سبيل استعادة الوحدة اليمنية، وعودة الراغبين من المعارضين من الشمال والجنوب إلى أوطانهم، وعدم دعم أية أعمال عدائية متبادلة بين الجانبين، وحل أسباب التوترات الدائمة، واللقاءات الدورية، وكانت هذه خطوة هامة في سبيل تنقية الأجواء بين قيادتي الشطرين، أفضت إلى لقاء ثانٍ في عدن في العام التالي.

اتفاق عدن الأول:
في الفترة من 3 مايو إلى 6 مايو من عام 1980م، تم لقاء في العاصمة عدن بين عبد العزيز عبد الغني وعلي ناصر محمد وذلك لتعزيز وتنسيق الاتصالات بين الشطرين في جميع المجالات وفي مقدمتها المجال الاقتصادي الحيوي الذي سيعود بالنفع على أبناء اليمن قاطبة، وتمهد الطريق للوحدة المنشودة، وتم التوقيع على العديد من الخطوات والمشاريع في هذا الإطار، وهي 7 مشاريع اقتصادية هامة بين الشطرين.

اتفاق تعز الثاني:
في الفترة من 14/15 سبتمبر 1981م التقى الرئيسان علي عبدالله صالح وعلي ناصر محمد في تعز واتفقا على ما يلي:
1- تنفيذ المادة (9) من بيان طرابلس 1972م وتشكيل لجنة لبحث هذه المادة وتقوم هذه اللجنة بدراسة نتائج لجان الوحدة وتقدم تصورات بشان تنفيذ المادة (9) من بيان طرابلس والمتعلقة بتشكيل التنظيم السياسي الموحد وتقدم نتائج أعمال اللجنة إلى الرئيسين في موعد أقصاه نهاية نوفمبر 1981م
2- السعي من أجل التعجيل بخطوات عملية لتحقق الوحدة اليمنية الحل النهائي لكل مشاكل اليمن القائمة.
3- تشكيل لجنة من رئيسي هيئة الأركان لتنفيذ البنود 4،5،6 من اتفاق 13 يونيو 1980م وتبدأ اللجنة أعمالها ابتداء من 30 سبتمبر 1981م تعز في 15 سبتمبر 1981م.

اتفاق عدن الثاني:
في 30 نوفمبر عام 1981 زار الرئيس علي عبدالله صالح عدن واتفق الطرفان (صالح وناصر) على قيام المجلس اليمني الأعلى واللجنة الوزارية المشتركة، وكانت هذه خطوة مهمة على طريق تحقيق الوحدة بخطوات مدروسة متأنية وخلق شبكة مصالح اقتصادية بعيداً عن العواطف والانفعالات التي كانت تصدر فقط عبر وسائل الإعلام دون الخطوات الميدانية.

اتفاق تعز الثالث:
في 5-6 مايو 1982 التقى رئيسا شطري اليمن غلي عبدالله صالح وعلي ناصر محمد في مدينة تعز واتفقا على الآتي:-
1- عدم التدخل من قبل أي شطر في شئون الطرف الآخر ونبذ العنف في العلاقة بين الشطرين وحل المشاكل سلمياً.
2- تنفيذ اتفاق 13 يونيو 1980م، والالتزام بكامل بنوده نصاً وروحاً، وتنفيذ الخطوات العملية لضمان واستقرار الشطرين.
3- تجتمع سكرتارية المجلس اليمني لمتابعة مهامها المنصوص عليها في اتفاق عدن.

اتفاق صنعاء (اتفاق تنقل المواطنين)

كانت هذه الاتفاقية هي الخطوة التنفيذية الأهم في سبيل الوحدة اليمنية والتي سهلت تواصل المواطنين في الشطرين السابقين، في تاريخ 18 رمضان المبارك 1408هـ الموافق 4 مايو 1988م التقى رئيسا الوزراء في شطري اليمن عبدالعزيز عبدالغني، والدكتور ياسين سعيد نعمان، وتم الاتفاق على ما يلي:
1- إلغاء النقاط القائمة في كلا الشطرين والمثبتة في الأطراف واستبدال ذلك بنقاط مشتركة من الشطرين.
2- يسمح للمواطنين بالتنقل والمرور عبر النقاط المشتركة بالبطاقة الشخصية وعدم فرض القيود على المواطنين من قبل الأجهزة في الشطرين.
3- يتولى وزير الداخلية في كلا الشطرين وضع الخطوات العملية لتنفيذ ما ذكر أعلاه في فترة أقصاها شهرين.
4- تبحث حكومتا الشطرين عن توفير مصادر التمويل محلية كانت أو خارجية لربط الطرق بين الشطرين/قعطبة- الضالع- طور الباحة- المفاليس- مكيراس- البيضاء- بيحان- حريب.



اتفاقية 30 نوفمبر عدن

في 30 من نوفمبر عام 1989 التقت قيادة الشطرين في عدن الرئيس علي عبدالله صالح والرئيس علي سالم البيض، ووقع الطرفان المصادقة على كافة بنود الوحدة وإحالة الدستور للمصادقة عليه في مجلسي الشورى شمالاً ومجلس الشعب جنوباً، واستكمالاً لكافة الخطوات واللقاءات والاتفاقات السابقة، وتحديد زمن والتوقيع النهائي للوحدة اليمنية.

 

إعلان الوحدة اليمنية

في يوم 22 مايو عام 1990 تم الإعلان رسمياً وبشكل نهائي للوحدة اليمنية واختيار علي عبدالله صالح رئيساً للبلاد وعلي سالم البيض (الرئيس الجنوبي) نائباً للرئيس، وكذلك الاتفاق على تعيين فترة انتقالية قبل إجراء أية انتخابات تشريعية في البلاد، وإعلان مجلس رئاسي مكون من 5 أعضاء وهم: علي عبدالله صالح، وعلي سالم البيض، وسالم صالح محمد، وحيدر أبو بكر العطاس، والشيخ عبدالمجيد الزنداني.

من خلال سرد المحطات السابقة في سبيل الوحدة اليمنية، ومع أن كلا الشعبين في الشطرين يتطلعان لهذه الوحدة ويضغطان لتحقيقها، خاصة وقد رأينا نماذج متعددة من تلك الخطوات قبل وبعد الثورتين، إلا أن إطالة الفترة الزمنية لتحقيقها كانت تخفي الكثير من العوائق والعوامل لسرعة التنفيذ، ولعل أهمها حالة الاستقطابات الحادة الدولية لبسط النفوذ في العالم وفي المنطقة العربية خصوصاً.
لقد كان لتباين توجهات القطبين العالميين الرأسمالي الغربي والاشتراكي الشيوعي الشرقي أثرهما حتى على مستوى اليمن والذي كان شطراه منقسماً بين هذين المشروعين، فضلاً عن عوامل إقليمية مكملة لهذا الدور أعاق التسريع في الوحدة، ولذلك لم تتحقق الوحدة اليمنية إلا بعد انهيار أحد قطبي هذا الاستقطاب وهو الاتحاد السوفيتي الذي ساعد كثيراً في التعجيل بالوحدة كون الشطر الجنوبي سابقاً وجد نفسه دون ظهير يستند إليه واتجاه العالم نحو القطبية الواحدة وتقدم الرأسمالية وإخفاق الشيوعية اقتصادياً.

 

أهمية الوحدة اليمنية

مثلت الوحدة اليمنية أملاً لكل شعوب المنطقة العربية في الخروج من أزماتها المتلاحقة وبناء قوتها خاصة وأن العالم كان يتجه جزء منه نحو التوحيد وبناء الكيانات والتحالفات، وجزء آخر يتجه نحو التفكك والانهيار، وغالباً وحدة البلدان وتكتلاتها تكون سبباً لقوتها ونهضتها سياسياً واقتصادياً وحضارياً خاصة إن وجدت قيادة رشيدة تمتلك الرؤى اللازمة والصادقة في التوجه والمخلصة في التنفيذ.
فبعد تشطير دام قرابة 200 عام تتوحد اليمن، أمل المواطنون فيها النهضة والقوة واللحاق بركب الأمم حضارياً، وكذلك حماية للوطن من الضياع والتشرذم والتمزق وحماية جغرافيته ومياهه الإقليمية كون اليمن تقع على أهم المواقع العالمية ومضايقه وشرايينه البحرية، فضلاً عن إنهاء حالة الاحتراب والأزمات المتلاحقة بين الشطرين.
فتح المجال للتعددية السياسية بعد الوحدة، وأتيح للناس حرية التعبير، والسير في طريق الانتخابات واختيار الشعب قيادته بنفسه سواء على المستوى الرئاسي أو البرلماني أو المحلي، وكانت هذه هي أهم المكاسب للوطن لولا عدم إخلاص قيادته التي نكصت على الأعقاب وقدمت نموذجاً سيئاً وغير جاذب لمشاريع وحدوية أخرى.

 

النكوص على الأعقاب

كثيرة هي المشاكل المفتعلة عقب الوحدة اليمنية تم الإساءة خلالها للوحدة من خلال مصادرة الشراكة بين القوى الوطنية، والاتجاه نحو التفرد وتوريث السلطة، وبناء مراكز نفوذ قبلية وفئوية على حساب مؤسسات الدولة وبنيتها ونظامها أدخلت اليمن في أزمات متلاحقة بدأت خلال الفترة الانتقالية من خلال العبث المالي وشراء الولاءات والاستقطابات التي أودت باليمن وبدأ الانهيار الاقتصادي الذي رافق الفترة الانتقالية لعدة أسباب؛ منها ما هو موضوعي، ومنها ما هو عبثي تسببت به قيادة البلد السياسية، خاصة وقد دخل الطرفان إلى الوحدة بديون مثقلة لخزانة الدولة تمثلت في 7 مليارات دولار على الشطر الجنوبي وثلاثة مليارات دولار للشطر الشمالي في ظل عدم البحث عن موارد مالية لتغطية هذه الديون مما أدى إلى انهيار العملة الوطنية شيئاً فشيئاً، وكذلك تصاعد الأزمة السياسية بين شريكي الوحدة التي أدت في النهاية إلى حرب 1994.


تراكمت الأسباب التي أدت إلى خيبة أمل لدى الشعب اليمني وخاصة في الجنوب بعد حرب 1994 التي انهزم فيها شريك الوحدة الجنوبي، خاصة وقد تم الإبقاء على فتيل الأزمة وبذرة الحرب كامنة في عدم توحيد الجيش الذي احتفظ كل طرف بقوته أدى إلى الصدام والصراع في تلك الحرب.
الإقصاء الذي مارسه الطرف المنتصر على الطرف المنهزم أدى إلى احتقان متراكم جنوباً وصل ذروته في عام 2007 مع ظهور الحراك الجنوبي وإقصاء صالح لبقية الشركاء والأطراف والتلاعب بالأزمات وإنشاء كيانات جديدة والتلاعب معها كالحوثية، وعدم حسم الحرب معها، وتزوير الانتخابات الرئاسية عام 2006 أدى إلى تسارع الأزمات، وبدأ كثير من الجنوبيين بالدعوة إلى فك الارتباط والمناداة بالانفصال.
بدأت هذه بمطالب مشروعة لم يستجب لها نظام الرئيس علي عبدالله صالح حتى دخلت دول إقليمية ودولية لاستثمار هذا التوجه وتصاعد الأزمة مما أدى إلى مزيد من الأزمات وحالة التمزق اليوم، وضاعت أصوات العقل والحكمة أمام كل هذا الضخ والاستثمار، وتسيد الغوغاء وانكفاء العقلاء، ورحيل معظمهم.


باتت اليمن اليوم أشبه بكنتونات ممزقة تؤذن بانهيار تام إن لم يتم تدارك هذا الأمر وسيكون له تبعات كارثية ليس على اليمن وحسب بل على المنطقة برمتها خاصة مع وجود مشاريع متربصة وكيدية تمكر ليلاً ونهاراً للقضاء على المنطقة برمتها وجعلت من اليمن ساحة حرب وتصفية وانطلاقة لمشروعها التدميري في المنطقة بالنيابة عن مشاريع دولية وصهيونية.
مع أن القضية الجنوبية قضية عادلة في مطالبها وتصحيح التعامل معها، ومع أن هذه القضية قد تم معالجتها في مؤتمر الحوار الوطني، وصارت الدولة اليوم بمعظم مناصبها ومؤسساتها وإدارتها يحكمها الجنوبيون إلا أنها استخدمت كقميص عثمان توظفها فصائل تعمل لصالح أجندة خارجية لا تروق لها وحدة اليمن ولحمته وإلا لالتقى الجميع على كلمة سواء بالبحث بجدية بجميع تفاصيل هذه القضية وتصحيح مسار الوحدة، والذي صار معظم اليمنيين اليوم يشكلون رؤية واحدة بصنع يمن اتحادي جديد بصيغة نظام جديدة بعيداً حتى عن الاتفاقات السابقة.